طي صفحة عبد المهدي: إيران تدخل على خط اختيار رئيس الوزراء العراقي

طي صفحة عبد المهدي: إيران تدخل على خط اختيار رئيس الوزراء العراقي

لم تمنع استقالة رئيس الوزراء العراقي عادل عبد المهدي، التي قبلها البرلمان في جلسة استثنائية أمس الأحد، من استمرار التظاهرات، أو حتى إنهاء الإضراب والقمع. فما زالت النجف وكربلاء والبصرة وذي قار تتصدر مدن الجنوب بالحشود البشرية التي تفد إلى شوارع وساحات الاعتصام، عززها، خلال الساعات الماضية، دخول عشائر الغزي والبدور وعبادة والسادة الموسوية والسادة الحسنية وربيعة وتميم وقبائل مختلفة أخرى في النجف والناصرية على خط التظاهرات، بعد وصول زعماء من تلك القبائل إلى مجالس عزاء أقيمت في ساحات التظاهر لضحايا قضوا بنيران الأمن، ومطالبتهم بتقديم قتلة أبنائهم إلى القضاء وتنفيذ مطالبهم.

وترافقت هذه التطورات مع أنباء عن وجود قائد “فيلق القدس” الإيراني قاسم سليماني في العراق، لإجراء مشاورات بشأن التطورات السياسية والأمنية، ما يعني دخولاً إيرانياً مباشراً على خط اختيار البديل، فيما قال رئيس البرلمان الإيراني، علي لاريجاني، في مؤتمر صحافي أمس، إن إيران ليست قلقة من تطورات الأوضاع في الجارة العراقية، بسبب إدارة الأزمة من قبل المرجع الديني علي السيستاني، مشيرا إلى أنه “يقود الأوضاع نحو الحلحلة بحكمة وإذا كان طلب مساعدة فنحن جاهزون”. ونفى لاريجاني، خلال مؤتمر صحافي اليوم الأحد في العاصمة الإيرانية طهران، أن يكون لأوضاع العراق تأثير على إيران، متسائلاً في معرض رده على سؤال بهذا الشأن “ما هو التأثير الذي يمكن أن تتركه تطورات العراق علينا؟”. ولفت إلى أن العراق “حليف طبيعي لنا، ولسنا قلقين بشأن العراق، لأن فيه سياسيين وعلماء مخضرمين”.


طالب نواب بترشيح رئيس حكومة يحظى بقبول المتظاهرين

“وقال نائب عراقي، لـ”العربي الجديد”، إن “عملية اختيار رئيس الوزراء الجديد ستكون صعبة جداً، خصوصاً مع دخول إيران على الخط ومحاولتها فرض وجهة نظرها”. وأضاف “طهران لا تؤيد وصول رئيس وزراء من خارج القوى الرئيسية الشيعية التي تناوبت على رئاسة الحكومة خلال السنوات الماضية”، معتبراً أن “استعجال مقتدى الصدر إعلان تنازله عن المنصب محاولة للإفلات من ضغوط إيرانية انطلقت مبكراً في هذا الشأن نحو عدة قوى سياسية عراقية”. وقال النائب فائق الشيخ، في تغريدة موجهة إلى سليماني، “أود أن أخبرك بأنك فشلت في حكم العراق، وأن الذين صنعتهم وسلمتهم السلطة في بلدي كانوا قتلة ولصوصاً تافهين”.

ولم يشفع إعلان القضاء العراقي، في بيانات متعاقبة أمس الأحد، إصداره أمر اعتقال بحق الجنرال جميل الشمري، الذي أحرق متظاهرون منزله في الديوانية، بتهمة قمع تظاهرات الناصرية وقتل متظاهرين، وإصدار محكمة في محافظة واسط الحكم بالإعدام بحق الضابط في قوات “سوات” طارق كاظم، بتهمة قتل متظاهرين في الكوت الشهر الماضي، فضلاً عن سجن ضابط آخر لسبع سنوات بالقضية ذاتها، من تخفيف حدة التظاهرات. وشهدت الفلوجة والرمادي وتكريت والموصل وقفات تأبين بالجامعات وساحات عامة حداداً على ضحايا النجف والناصرية، كما تسببت باستنفار أمني واسع من الجيش والشرطة بررته قيادات أمنية في تلك المحافظات بأنه لحمايتهم من أي اعتداءات إرهابية. كما شهدت مناطق سفوان والزبير وأم قصر ومدينة البصرة تظاهرات وتجمعات كبيرة داخل ساحات الاعتصام تخللتها إقامة صلوات الغائب على ضحايا التظاهرات الأخيرة في النجف وذي قار، بينما شهدت السماوة مناوشات بالحجارة مع قوات الأمن لمنعهم من الاقتراب من مبنى المحافظة. والحال نفسه في الكوت وقضاء الغراّف التي استقال فيها قائممقام المدينة احتجاجاً على قمع التظاهرات. وشهدت الناصرية تظاهرات سقط فيها نحو 20 جريحاً أمام مقر قيادة شرطة المحافظة، بينما شهدت كربلاء قطع طرق رئيسية. وفي النجف سقط نحو 20 جريحاً في مواجهات مع حراس مرقد محمد باقر الحكيم الذي تعرض للحرق على يد ذوي متظاهرين قتلوا خلال محاولتهم اقتحام المرقد الجمعة الماضي. وقالت الشرطة ومصدر طبي إن قوات الأمن قتلت محتجاً وأصابت تسعة قرب في بغداد أمس الأحد.

ومع حلول فجر اليوم الاثنين باتت حكومة عبد المهدي تعمل على تصريف الأعمال وفقا للدستور، بعد قبول الاستقالة في البرلمان، ومخاطبة الرئيس برهم صالح بترشيح رئيس وزراء جديد في أسرع وقت ممكن استناداً إلى المادة 76 من الدستور. واكتساب عبد المهدي صفة رئيس حكومة تصريف أعمال يعني أن البلاد دخلت فعلياً أجواء سبتمبر/أيلول العام الماضي، إذ شهدت ذروة المفاوضات بين الكتل السياسية، وما رافقها من حراك أميركي ـ إيراني لتسمية رئيس وزراء، قبل أن يتم الاتفاق على رئيس وزراء تسوية، هو عادل عبد المهدي، اعتبر حينها تفوقاً إيرانياً على الحراك الأميركي الذي كان يميل للتجديد لحيدر العبادي لولاية ثانية.

وقال قيادي في تحالف “الفتح”، بزعامة هادي العامري المعروف بقربه من إيران، لـ”العربي الجديد”، إنه “حتى الآن، يبدو أن الحكومة التي ستخلف حكومة عبد المهدي لن تكون لأكثر من عام واحد، إلى حين ترتيب قانون انتخابات جديد، وتشكيل مفوضية انتخابات جديدة. ويجب أن يكون اسم رئيس الوزراء غير مستفز للشارع، بمعنى أنه خارج الوجوه السياسية الحالية المألوفة، وإلا فإن ذلك سيقود إلى أزمة تظاهرات أكبر بالشارع، قد تطيح في النهاية بالبرلمان ورئاسة الجمهورية وتُدخل البلاد في فوضى”. ووفقاً للقيادي فإن “الكتل السياسية لم تبحث، حتى الآن، بشكل جدي موضوع البديل، وما يصدر عن الإعلام غير صحيح. الموضوع يتمحور حول عملية جس نبض ومحاولة فهم توجهات كل طرف، خصوصاً بين تحالفي سائرون والفتح، الكتلتين الكبريين في البرلمان”، كاشفاً عن أن تحالف “سائرون”، الذي يقوده مقتدى الصدر، زاهد بالمنصب، وألقى كرة الاختيار، حتى الآن، في ملعب رئيس الجمهورية والكتل الأخرى.

وحول وصول قائد “فيلق القدس” قاسم سليماني إلى العراق، قال “لم تنقطع رجله عن العراق منذ الأيام الأولى للتظاهرات، ولا أدري إن كان وصل فعلاً، لكن بالتأكيد ما جرى خلال الساعات الماضية مهم لإيران”. وأضاف “هناك معسكران سياسيان الآن، الأول يضم الفتح ودولة القانون وصادقون والفضيلة وعطاء بزعامة كل من هادي العامري ونوري المالكي وقيس الخزعلي وعمار الطعمة وفالح الفياض، وفي الجهة المقابلة كل من سائرون والنصر وجبهة الإنقاذ بزعامة مقتدى الصدر وحيدر العبادي وأسامة النجيفي، بينما القوى الكردية مازالت تتحدث وفق المكاسب والمناصب وحصة الأكراد فيها، وستتجه إلى أي طرف يضمن لها ذلك”.


تحالف سائرون أخطر صالح بالتنازل عن حقه بترشيح رئيس وزراء

“خلال ذلك، بدأ عشرات النواب، بُعيد انتهاء جلسة قبول استقالة عبد المهدي، بحراك واسع، لجمع تواقيع نواب لاستصدار قرار برلماني ينص على إلزام رئيس الجمهورية باختيار مرشح لرئاسة الوزراء ضمن مواصفات حددوها مسبقاً في وثيقة التوقيع على الطلب. ووفقاً للطلب، الذي بدا أنه تحرك يقوم به تحالف “سائرون”، بزعامة الصدر، فإنه يلزم رئيس الجمهورية ترشيح شخصية وطنية مستقلة ومن حملة الجنسية العراقية، ولم يتسلم منصباً حكومياً أو نيابياً منذ العام 2003 وحتى الآن، ويحظى بقبول المتظاهرين. وهو ما يعتبر بحد ذاته ارتباكاً واضحاً بين القوى السياسية، إذ إن الدستور ينص على أن الترشيح يكون بعد التشاور بين رئيس الجمهورية والكتلة الكبرى في البرلمان، التي لم تحدد حتى الآن من هي، كما أنه يؤشر على حالة تسابق واستعراض كتل عدة لإرضاء الشارع ومحاكاة مطالبه.

وقال النائب عن تحالف “سائرون” جواد الموسوي، لـ”العربي الجديد”، إن تحالفه أخطر رئيس الجمهورية، بصفته الكتلة الكبرى، بالتنازل عن حقه في ترشيح رئيس وزراء، مضيفاً “سنوافق على المرشح الذي يختاره الشعب”، وهو ما قد يعني أنه تلميح إلى رفض مسبق منهم لأي مرشح من القوى الأخرى ومحاولة إحراج لهم بإجبارهم أيضاً على تبني فكرة رئيس وزراء من خارج التشكيلة السياسية الحالية أو شخصية غير مجربة سابقاً.

وقال القيادي في ائتلاف “دولة القانون” سعد المطلبي، لـ”العربي الجديد”، إن “الاعتقاد السائد، من خلال مشاورات جرت بين عدة كتل سياسية خلال اليومين المقبلين، أن الكتل والأحزاب السياسية متفقة على ترشيح شخصية قادرة على المضي بعملية الإصلاح، وتتميز بقدرتها على مصارحة الشعب وتلبية مطالبه”. وبين المطلبي أن “الاتفاق لم يكن على أساس أن رئيس الحكومة الجديد يقود البلاد لسنة ثم الذهاب إلى الانتخابات، بل الهدف هو الخروج من الأزمة، من أجل منع تدهور الوضع الأمني ومنع أي فراغ دستوري”، مؤكداً أن “الاجتماعات السياسية لم تشهد طرح أي أسماء، خصوصاً أن الشعب رافض لأي شخصية تأتي من قبل القوى السياسية”.

وكشف القيادي في تحالف “الفتح” والنائب حنين قدو، لـ”العربي الجديد”، عن “صعوبة كبيرة جداً في الاتفاق على أي شخصية كبديل لعادل عبد المهدي”. وبين قدو أن “إيجاد البديل لعادل عبد المهدي بحاجة إلى وساطة أممية من أجل إرضاء جميع الجهات السياسية والشعبية، فأي شخص يتم ترشيحه من قبل القوى السياسية سيتم رفضه من قبل الشعب العراقي، ولهذا نحن بحاجة إلى وساطة من قبل الأمم المتحدة بين الكتل السياسية والمتظاهرين، من أجل ترشيح شخصية مقبولة من قبل جميع الأطراف”. وأشار إلى أن “القوى السياسية عقدت اجتماعات خلال الساعات الماضية، كما جرت اتصالات بين بعضها البعض، لكنها لم تتوصل إلى أي نتيجة بشأن إيجاد البديل، الذي يجب أن يكون مقبولاً لدى المتظاهرين، وهذه الصعوبة التي تواجه الكتل السياسية”.

العربي الجديد