الأحزاب السياسية الحاكمة عاجزة عن تفكيك أزمتها مع انتفاضة العراق

الأحزاب السياسية الحاكمة عاجزة عن تفكيك أزمتها مع انتفاضة العراق

بغداد ـ تتصاعد التساؤلات منذ أن استقالت الحكومة، التي تولت السلطة في أكتوبر 2018، بشأن إن كان تغيير الحكومة سيؤدي بالفعل إلى “تهدئة الأوضاع” و”تفكيك الأزمة”، كما قال عبدالمهدي في خطاب استقالته.

وبينما رهن حقوقي عراقي معالجة الأزمة بتوقف العنف ومحاكمة قتلة المحتجين، رأى رئيس أسبق لهيئة النزاهة العامة أن الثقة باتت معدومة بين العراقيين والطبقة الحاكمة، وذهب أكاديمي إلى أن الأمم المتحدة لن تتدخل، لكن ربما تتدخل الولايات المتحدة بفرض عقوبات على جماعات تهدد مصالحها، حسب أحاديث للأناضول.

ويطالب المحتجون بمحاسبة قتلة المتظاهرين، ومكافحة الفساد، ومحاكمة من يصفونهم بالفاسدين داخل السلطة، إضافة إلى رحيل ومحاكمة كل مكونات النخبة الحاكمة، منذ إسقاط نظام صدام حسين عام 2003، والتي يتهمونها بالفساد المالي والسياسي والافتقار للكفاءة.

ومن المنتظر أن يكلف رئيس الجمهورية خلال 15 يومًا مرشح الكتلة البرلمانية الأكبر لتشكيل حكومة جديدة خلال 30 يومًا.

لكن كتلة “سائرون”، بزعامة مقتدى الصدر، وهي الأكبر (54 مقعدًا من أصل 329)، استبقت هذه الخطوة بإعلان تنازلها عن تكليفها، ووضعت الخيار للشعب، في إشارة إلى المحتجين، وهو ما يضع العراق في مأزق جديد.

لا يعلق عضو مفوضية حقوق الإنسان، علي البياتي، آمالًا كبيرة على مجرد تشكيل حكومة جديدة؛ إذ يرى أولا ضرورة انتهاء العنف ضد المحتجين ومحاسبة المسؤولين عن استخدام القوة المفرطة بحقهم.

وأضاف البياتي: “العنف أثبت فشله في علاج الأزمة، ونحتاج اليوم حكمة في التعامل مع الموضوع، والتركيز على مصلحة العراق كدولة من أهم أركانها الشعب؛ ودونها لن يبقى شيء، ولن يجني أحد شيئًا”.

وتابع: “هناك انتهاك واضح، ومن مسؤولية مؤسسات الدولة أن تكشف من هو المنتهك، ومن المسؤول عن نزيف الدم المستمر في الشارع العراقي، وإيضاح ذلك أمام الرأي العام، ومعاقبة المنتهك حسب القانون”.

وفي أول إدانة من نوعها، عاقبت محكمة عراقية، الأحد، ضابط شرطة بالإعدام وقضت بسجن آخر سبع سنوات؛ لإدانتهما بقتل متظاهرين في محافظة واسط (جنوب شرق)، بحسب مصدر في مجلس القضاء الأعلى.

وسقط القتلى والجرحى، منذ بدء الاحتجاجات، خلال مواجهات ضد قوات من الجيش والأمن ومليشيات مسلحة موالية لإيران، التي تتمتع بعلاقات وثيقة مع النخبة الشيعية الحاكمة في بغداد منذ 2003.

ودعت كتلة “سائرون”، الأحد، القضاء إلى محاكمة عبدالمهدي ووزراء حكومته وقادة الأمن بتهمة قتل المتظاهرين.

مع احتدام الأزمة داخليًا جراء انعدام الثقة، يبدو أن استقالة عبدالمهدي لن تضع نهاية للوضع الراهن، إذ يصر المحتجون على رحيل كل مكونات النخبة السياسية الحاكمة.

هذا المسعى قد يواجه برد عنيف من الأحزاب الحاكمة، التي يملك الكثير منها فصائل مسلحة؛ وهو ما يضع العراق أمام سيناريوهات معقدة للغاية ربما تفتح الباب أمام تدخل إقليمي ودولي.

لكن إياد العنبر، أستاذ في كلية العلوم السياسية بجامعة الكوفة (جنوب)، استبعد خيار التدخل الدولي في العراق.

وقال العنبر في تصريحات للأناضول: “ما يحدث في العراق يدخل ضمن صميم عمل السلطات الداخلية”. وأضاف: “قد تكون هناك مواقف أو عقوبات فردية من الولايات المتحدة (المناهضة لإيران)؛ بسبب وجود جماعات ترتبط بنشاطات خارج إطار الدولة، وقد تشكل تهديدًا لمصالحها فقط”. وتابع: “عدا ذلك فإن قضية التدويل مستبعدة، وحتى الأمم المتحدة ما تزال تعتقد أن الحل الداخلي ممكن”.

على أمل “تفكيك الأزمة”، قدم رئيس الوزراء العراقي، عادل عبدالمهدي، استقالته، فقبلها مجلس النواب (البرلمان)، الأحد، لتتحول حكومته إلى حكومة تصريف أعمال، لحين تشكيل أخرى جديدة.

الاستقالة جاءت تحت وطأة احتجاجات شعبية مناهضة للطبقة الحاكمة، متواصلة منذ مطلع أكتوبر الماضي، وسقط خلالها ما لا يقل عن 418 قتيلًا، وأكثر من 15 ألف جريح، غالبيتهم العظمى من المحتجين، وفق كل من لجنة حقوق الإنسان البرلمانية، ومفوضية حقوق الإنسان (رسمية)، ومصادر طبية وحقوقية.

ورغم استقالة عبدالمهدي، تواصلت الأحد احتجاجات في مدن عراقية، بينها النجف (جنوب)، حيث قُتل متظاهران وطفلة برصاص حي، بحسب مصدر طبي، أطلقته عناصر “ميليشيات” تحرس ضريح رجل الدين الشيعي، محمد باقر الحكيم، وفق شهود عيان.

وللمرة الثانية خلال أربعة أيام، أضرم مجهولون النيران في مبنى القنصلية الإيرانية في النجف الأحد، من دون تسجيل خسائر بشرية، حيث كان المبنى خاليًا، بحسب ضابط في شرطة المحافظة الجنوبية.

وقُتل 70 محتجًا في محافظتي النجف وذي قار (جنوبي)، الخميس والجمعة الماضيين، على أيدي عناصر من قوات الأمن ومسلحي “ميليشات” مجهولة، وفق مصادر طبية وشهود عيان، في موجة عنف هي الأكثر دموية منذ بدء الاحتجاجات.

تحت ضغط الاحتجاجات، تبنت حكومة عبدالمهدي قرارات إصلاحية في قطاعات عديدة، لكن المحتجين أصروا على مطالبهم في ظل انعدام الثقة.
وهو ما انطلق منه القاضي رحيم العكيلي، الرئيس الأسبق لهيئة النزاهة العامة (رسمية معنية بمكافحة الفساد) بقوله إن “المشكلة الأساسية الآن هي انعدام الثقة تمامًا بين العراقيين والطبقة الحاكمة.. نعلم أن هذه الحكومة المستقيلة تحملت أخطاء النظام السياسي والحكومات السابقة”.
وأردف العكيلي: “الآن مهما تقدم الحكومة المقبلة من حلول لن يثق الناس بأنها قادرة على تنفيذها؛ بسبب عدم تقديم فاسد واحد إلى القضاء، رغم وعود كبيرة في قضية مكافحة الفساد.. في ظل هذا الوضع لا توجد آفاق للحل”.
والعراق، العضو بمنظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك)، من بين أكثر دول العالم فسادًا، حسب مؤشر منظمة الشفافية الدولية.
وقوض الفساد مؤسسات الدولة، وتسبب بإهدار مئات المليارات من الدولارات من أموال بيع النفط، وارتفاع معدلات الفقر والبطالة وسوء الخدمات العامة، مثل المياه الصالحة للشرب، والصحة والتعليم، وغيرها.

العرب