ساحة التحرير في بغداد: مستشفيات ومطابخ ومساعدات وحراس

ساحة التحرير في بغداد: مستشفيات ومطابخ ومساعدات وحراس

بعد أكثر من شهرين على بدء موجة الاحتجاجات المناهضة للحكومة في العراق، تحولت ساحة التحرير المركزية في وسط بغداد إلى خلية نحل لا تهدأ: حراس، وعمال نظافة، ومستشفيات، بمهام وجداول مناوبات… نموذج ناجح، يقول المتظاهرون، لما عجزت الدولة عن القيام به خلال 16 عاماً، وفقاً لوكالة الصحافة الفرنسية.
ويقول العامل المياوم حيدر شاكر القادم من محافظة بابل جنوب بغداد إلى ساحة التحرير: «في غضون شهرين، حققنا ما لم تحققه الدولة خلال 16 عاماً».
وفي شهر أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، اتجه شاكر مع خيمة وأدوات المطبخ إلى العاصمة العراقية.
وفي بغداد، نصب شاكر خيمته. ومنذ ذلك الحين، يوزع 3 وجبات يومياً طهيت بمواد يرسلها إليه متبرعون، على المتظاهرين.
كل صباح، يتحدث إلى الناس في الخيام المحيطة. وبعد أن يتم تعداد أكياس الأرز والسكر والدقيق والتوابل، يتم توزيع المهام على الخيام: طبق رئيسي، وحلويات، وشاي وقهوة… وسندويتشات.
ولا يتوقف العمل ليل نهار.
عند مدخل الساحة، يقف أبو الحسن حارساً مع عشرات آخرين من رجال ونساء، مهمتهم تفتيش الداخلين عند حواجز أقاموها بالحجارة.
ويؤكد هذا الثلاثيني صاحب اللحية السوداء الكثة والذي لم يعرف غير الحرب في بلاده منذ ولادته تقريباً: «نحن العراقيين، منذ صغرنا، نحتك بالعسكر، لذا اكتسبنا كيفية التعامل معهم».
ويضيف وعيناه تجولان في المكان يميناً ويساراً: «لا نحتاج إلى تدريب لاكتشاف المندسّين وردعهم، حتى لا يشوهوا سمعة المجتمع بأسره، وكي نكون قادرين على تقوية دولتنا».
مساء الجمعة الماضي، أطلق مسلحون لم تتمكن الدولة من تحديد هويتهم بعدُ النار لساعات على متظاهرين في بغداد وهاجموا موقف سيارات يسيطر عليه المتظاهرون منذ أسابيع.
بعد «المذبحة» التي خلفت 24 قتيلاً، والتي يتهم المتظاهرون فصائل مسلحة بالوقوف وراءها، عزز المحتجون نقاط التفتيش في محيط ساحة التحرير وأغلقوا مبنى «المطعم التركي» المطلّ على الساحة.
ويؤكد المتظاهرون أنهم مع اللاعنف، وأن رجال شرطة واستخبارات اخترقوا صفوفهم، وأنهم وقعوا تحت رحمة مسلحين قادرين على عبور حواجز الشرطة والجيش في بغداد من دون عوائق قبل حادثة الجمعة الماضي.
في مواجهة الفصائل المسلحة الموالية لإيران التي تقوم بتعزيز نفوذها وترساناتها في العراق بينما يعارضها المتظاهرون، يتحالف المحتجون من جهتهم مع أصحاب «القبعات الزرقاء» التابعة لـ«سرايا السلام»؛ الجناح العسكري لتيار رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر.
وكان مقتدى الصدر أعلن أنه أرسل أصحاب «القبعات الزرقاء» العزّل لحماية المتظاهرين.
ليلة الجمعة، لم يتوقف أحمد الحارثي وزملاؤه من الأطباء والمسعفين في ساحة التحرير عن العمل لتأمين الإضاءة في المكان. تمكنوا من الاعتماد على وصلات كهربائية مدها المتظاهرون على خطوط التوتر العالي التابعة للبلدية، إلى جانب مولدات كهربائية صغيرة اشتروها حلاً بديلاً عند انقطاع الكهرباء لساعات يومياً في العراق.
ومنذ أكتوبر الماضي، تخلى طبيب الأمراض النسائية والتوليد عن وظيفته، أولاً من أجل التظاهر، ثم لعلاج الجرحى في ثاني أكبر عاصمة عربية مأهولة بالسكان.
مع الوقت، تعلم الحارثي التنسيق مع المسعفين وسائقي الـ«توك توك»، لأن «نقابات الأطباء والصيادلة نظمت نفسها في التحرير»، وفق ما يقول، وشكلت ما يشبه «وزارة صحة مصغرة».
ويساهم هذا التنسيق في إدارة الأمور مع خلايا «الدعم اللوجيستي» التي تخزن الأدوية والأمصال والضمادات الأخرى المشتراة من الصيدليات التي تقدم حسومات تعاطفاً مع المظاهرات، أو التي تأتي عبر تبرعات.
أمام المستشفيات الميدانية، وبين عجلات الـ«توك توك» التي تمر بسرعة بين مجموعات المتظاهرين، يقوم عشرات الشباب، وغالبيتهم من الفتيات، بكنس وتنظيف الشارع يومياً.
ويرى المتظاهرون أن الساحة لم تكن مطلقاً نظيفة بهذا الشكل، مقارنة بما كان يقوم به عمال البلدية.
وتقول هدى عامر، المعلمة التي تتغيب منذ أسابيع عن وظيفتها لتنظيف شوارع وأرصفة ساحة التحرير: «سلاحي هو مكنستي». وتضيف بابتسامة تعلو وجهها: «ثورتنا لا تريد تدمير كل شيء. هنا، نحن جميعاً لبناء أمتنا».

 

العرب