كيف يحول التدخل الإقليمي حزب الله؟

كيف يحول التدخل الإقليمي حزب الله؟

81648832pb002_frilebanon1

لقد غيّرت الحرب في سوريا حزب الله بشكل كبير. في السابق، كان يقتصر التنظيم على التنافس على السُلطة السياسية في لبنان ومحاربة إسرائيل، والآن أصبح لاعبًا إقليميًا يشارك في صراعات تتجاوز منطقة عملياته التاريخية، وغالبًا ما يحدث ذلك بالتعاون مع إيران. بالتأكيد على هذا التحول الاستراتيجي، نقل حزب الله المقاتلين الرئيسين المتمركزين قرب الحدود الإسرائيلية اللبنانية إلى مركز قيادة جديدة في سوريا ومواقع أمامية جديدة في العراق واليمن.

في البداية، عارض زعيم حزب الله (حسن نصر الله) إرسال مقاتلين إلى سوريا لدعم الرئيس بشار الأسد، بالرغم من الطلبات المتكررة من القادة الإيرانيين، وخاصة من قائد فيلق القدس الجنرال قاسم سليماني. ومثل بعض القادة الآخرين في حزب الله، يخشى نصر الله من أن الانخراط في سوريا من شأنه أن يقوّض مكانة التنظيم في لبنان من خلال ربط الحزب بالحكومة السورية القمعية المتحالفة مع إيران والتي تذبح السُنة في البلاد. ولكنّ نصر الله أذعن بعد تلقيه نداءً من المرشد الأعلى الإيراني (آية الله علي خامنئي) أوضح فيه أنّ إيران توقعت أن يدعم حزب الله الأسد من أجل بقائه في السُلطة. ونتيجة لذلك؛ فإنّ التحول التشغيلي لحزب الله تجاه سوريا وخارجها حوّل التنظيم من حزب لبناني يركز على السياسة الداخلية إلى قوة طائفية إقليمية تعمل بتحريض من إيران في منطقة الشرق الأوسط.

تحول تنظيمي

أقوى المؤشرات على تحول حزب الله هي مؤشرات هيكلية بالأساس. منذ عام 2013، أضاف التنظيم قيادتين جديدتين إلى قواعده الموجودة في جنوب وشرق لبنان: الأولى على الحدود اللبنانية السورية، والثانية داخل سوريا نفسها. تشير عملية إعادة التنظيم المذهلة إلى التزام جاد تجاه الصراعات الأهلية التي تتجاوز حدود لبنان.

في ظل تأسيس حضور جديد في سوريا، نقل حزب الله المقاتلين الرئيسين من القيادة العليا في الجنوب، على طول الحدود اللبنانية مع إسرائيل. بدأ مصطفى بدر الدين، رئيس العمليات الإرهابية الأجنبية في حزب الله، تنسيق أنشطة حزب الله العسكرية في سوريا في عام 2012، ويرأس حاليًا القيادة السورية للتنظيم. بدر الدين هو أحد القادة المخضرمين داخل حزب الله، وكان أحد المشاركين في تفجير الثكنات الأمريكية في بيروت عام 1983، وفي اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري في عام 2005، والتفجيرات الإرهابية في الكويت، من بين هجمات أخرى. تعيينه هو إشارة قوية من حزب الله عن التزامه تجاه الحرب الأهلية في سوريا.

وتشمل تعيينات المقاتلين الآخرين “أبو علي الطبطبائي”، قائد حزب الله منذ فترة طويلة، والذي تم نقله من أحد المواقع بجنوب لبنان إلى قيادة حزب الله في سوريا؛ حيث شغل منصب أحد كبار الضباط تحت قيادة بدر الدين، وأشرف على العديد من الجنود المدربين تدريبًا عاليًا تحت قيادته في لبنان.

تركيز حزب الله على الصراع السوري يمتد إلى قمة التنظيم أيضًا: وجّه نصر الله أنشطة التنظيم في سوريا منذ سبتمبر عام 2011، عندما ذكرت بعض التقارير أنه بدأ لقاء الأسد في دمشق لتنسيق مساهمات حزب الله في الحرب الأهلية في البلاد. وفي الواقع، كان تركيز التنظيم المكثف بشأن الصراع السوري هو السبب الرئيس في وضعه ضمن القائمة السوداء من وزارة الخزانة الأمريكية في عام 2012. واليوم، هناك ما يقرب من 6 آلاف إلى 8 آلاف مقاتل من حزب الله في سوريا.

لكن الانضمام إلى المعركة في سوريا لم يخلُ من المخاطر: لقد عانى حزب الله من بعض الخسائر الفادحة على مستوى الأفراد نتيجة لذلك، سواء في لبنان وسوريا.

حسن اللقيس، رئيس قسم المشتريات العسكرية في حزب الله، اُغتيل في بيروت في ديسمبر عام 2013. وبالرغم من أن المشتبه بهم كانوا عملاء إسرائيليين؛ إلّا أنّه لم يتم استبعاد المتطرفين السُنة الذين يرغبون في الانتقام من حزب الله بسبب دعمه لحكومة الأسد. والعديد من الضباط ذوي الرتب العالية، من بينهم فوزي أيوب، عضو الجناح الإرهابي الخارجي في الحزب، قُتلوا في سوريا في اشتباكات مع متمردين مناهضين للأسد.

في النصف الأول من عام 2015، عانى حزب الله من خسائر أسبوعية تتراوح بين ما بين 60 إلى 80 مقاتلًا في منطقة القلمون في سوريا وحدها. مقتل عناصر حزب الله، مثل أيوب ومن هم في مكانته في سوريا والعدد الكبير من المسلحين الذين قُتلوا وأصيبوا هناك، يُظهر مدى جدية التنظيم في الدفاع عن نظام الأسد. تكبده لمثل هذه الخسائر، من ناحية أخرى، يكشف عن أن حزب الله يعتبر الصراع السوري معركة وجودية من الممكن أن تؤثر على مكانته الداخلية في لبنان من جهة، وموقف القوى الشيعية في الصراع الطائفي المرير سوريا، من جهة أخرى.

حتى في الوقت الذي يعمق فيه التنظيم أنشطته في سوريا، يواصل حزب الله مساعدة الميليشيات الشيعية في العراق، وإرسال أعداد صغيرة من المدربين المهرة لمحاربة تنظيم الدولة الإسلامية والدفاع عن المقدسات الشيعية هناك. ووفقًا لوزارة الخزانة الأمريكية، استثمر حزب الله أيضًا في المنظمات التجارية لدعم عملياته في العراق.

عضو حزب الله “أدهم طباجة”، الذي يملك معظم أسهم شركة مجموعة “الإنماء” للأعمال السياحية التي تُعنى بقطاع العقارات والبناء في لبنان، استغل الشركات التابعة للمجموعة في العراق لتمويل حزب الله، بمساعدة قاسم حجيج، وهو رجل أعمال لبناني مرتبط بحزب الله، وحسين علي فاعور، وهو عضو في وحدة الإرهاب الخارجية للحزب.

وكما هو الحال في العراق، لم يرسل حزب الله سوى عدد قليل من المدربين من ذوي المهارات العالية والمقاتلين إلى اليمن. ولكن في سوريا، بروز النشطاء الذين أرسلهم حزب الله إلى هناك يدل على أهمية إسهامات التنظيم في الحرب الأهلية الدائرة في البلاد. يشرف خليل حرب، قائد العمليات الخاصة السابق والمستشار المقرب من نصر الله، على أنشطة حزب الله في اليمن، ويدير عملية نقل الأموال إلى التنظيم داخل البلاد ويسافر كثيرًا إلى طهران لتنسيق أنشطة حزب الله مع المسؤولين الإيرانيين.

ونظرًا لخبرته في العمل مع المنظمات الإرهابية الأخرى، وعلاقاته الوثيقة مع القادة الإيرانيين وحزب الله، وخبرته في العمليات الخاصة والتدريب؛ فإنّ تعيين “حرب” للعمل في اليمن كان له أهمية كبيرة لحزب الله.

ومع ذلك، فإنّ حرب ليس أبرز الناشطين الوافدين إلى اليمن من قِبل حزب الله. في ربيع عام 2015، أرسل حزب الله أبا علي الطبطبائي، قائد القوات المرابطة سابقًا في سوريا؛ لرفع مستوى البرنامج التدريبي من الحزب للمتمردين الحوثيين في اليمن، والذي يشتمل على تعليمهم تكتيكات حرب العصابات. وقال لي مسؤول إسرائيلي: “إرسال الطبطبائي إلى اليمن هو دلالة على استثمار كبير والتزام من حزب الله. والسؤال الرئيس هو: كم شخصًا بمكانة الطبطبائي سيبقون هناك؟“.

التزام طويل الأجل

في سوريا، وغيرها، الصراعات بالوكالة القاتلة بين المملكة العربية السعودية ودول الخليج السُنية الأخرى، من جهة، وإيران من جهة أخرى، تعقدت؛ بسبب التراكب الخطير للطائفية.

ويبدو أن الدول السُنية والشيعية وعملاءهم يرون الحروب في المنطقة باعتبارها جزءًا من عملية طويلة الأجل، صراع وجودي بين طوائفهم. في الواقع، يجري الآن خوض الحرب في سوريا على جبهتين متوازيتين: واحدة بين نظام الأسد والمعارضة السورية، والأخرى بين السُنة والشيعة بشأن التهديد الذي يتصوره كل طرف من الآخر. كما تحدد ديناميكيات مماثلة الحروب في العراق واليمن. وقد يكون الصراع بين الفصائل قابلًا للتفاوض، ولكن لا يمكن التفاوض في الحرب الطائفية.

تورط حزب الله في الحرب في سوريا تركز في الأصل على دعم نظام الأسد، ولكنه يرى الحرب الآن باعتبارها معركة وجودية لمستقبل المنطقة، ومكانة حزب الله بداخلها. ونتيجة لذلك؛ من المرجح أن يستمر التركيز الإقليمي للحزب في المستقبل المنظور. بالتحالف مع الميليشيات المدعومة من إيران، سيواصل حزب الله قيادة الفيلق الأجنبي الناشئ للشيعة الذي يعمل للدفاع عن المجتمعات الشيعية وتوسيع النفوذ الإيراني في المنطقة.

حتى في الوقت الذي يراوغ فيه بشأن تورطه في صراعات العراق وسوريا واليمن، يجب على حزب الله أيضًا تحقيق التوازن بين أهدافه الأيديولوجية والسياسية في أماكن أخرى.

تمسك حزب الله بالمذهب الإيراني ولاية الفقيه الذي يرى أن رجل الدين الشيعي ينبغي أن يكون هو الرئيس الأعلى للحكومة، يربط التنظيم بمراسيم رجال الدين الإيرانيين. ولكن هذا يعقّد التزامات حزب الله الأخرى تجاه الدولة اللبنانية، والمجتمع الشيعي في لبنان، والشيعة في الخارج؛ لأنّ مصالح إيران ولبنان لا تلتقي دائمًا. ولطالما تعامل حزب الله مع هذه الالتزامات المتعارضة بمهارة ودهاء، لكنه سيصبح من الصعب القيام بذلك في ظل أنّ أولويات التنظيم تأخذه بعيدًا عن بيروت. في الواقع، تعاني لبنان من انقسام شديد على أسس طائفية ومذهبية، لذلك؛ عندما يحارب حزب الله ضد السُنة في الخارج، فإنّه يقوّض قدرته على قيادة السياسة اللبنانية الداخلية.

وفي الوقت نفسه، تعاون حزب الله الحميم مع فيلق القدس الإيراني في سوريا يشير إلى أنه لا يزال أقرب إلى مدار طهران، وبالتالي أعمق في الصراعات الدائرة في المنطقة.

وقال أحد قادة حزب الله لصحيفة فاينانشال تايمز في مايو الماضي: “إننا لا ينبغي أن نسمي أنفسنا حزب الله. نحن لسنا حزبًا الآن، نحن تنظيم دولي؛ نتواجد في سوريا، وفي فلسطين، وفي العراق، وفي اليمن. نحن نتواجد أينما يكون (المظلومون) بحاجة إلينا… حزب الله هو المدرسة حيث يريد كل رجل يسعى إلى الحرية أن يتعلم فيها“.

التقرير