هل تجرّع خامنئي سمّ النووي؟

هل تجرّع خامنئي سمّ النووي؟

FILE - In this file photo released by an official website of the office of the Iranian supreme leader April 9, 2015, Supreme Leader Ayatollah Ali Khamenei attends a meeting with a group of religious performers in Tehran, Iran. Iran's top leader has rejected a long-term freeze on nuclear research and supports banning international inspectors from accessing military sites as a deadline in negotiations with world powers approaches. Khamenei's comments, made Tuesday night, June 23, 2015, and broadcast on Iranian state television, suggests the Islamic Republic may be toughening its stance ahead of a June 30 deadline for a final deal. (AP Photo/Office of the Iranian Supreme Leader, File)
أعادنا التوقيع على الاتفاق النووي الإيراني بالذاكرة إلى قرار مجلس الأمن في 1988 الذي قضى بوقف إطلاق النار بين إيران والعراق، بعد حرب ضروس استمرت ثماني سنوات. يومها وقّع الخميني على قرار وقف النار، وقال: “أهون عليّ أن أتجرّع السمّ من التوقيع على هذا القرار”، لاعتبارات عديدة سياسية وداخلية وإيديولوجية. اليوم، يوقّع المرشد الأعلى (علي خامنئي)، الذي يشغل موقع الخميني، على الاتفاق النووي، بعد مفاوضات بدأت قبل 12 عاماً تفاوتت فيها الضغوط والمطالب والشروط المتبادلة والظروف المختلفة، فهل يقول المرشد، في سرّه، إنه يتجرّع سمّ النووي من أجل إنهاء العقوبات الاقتصادية التي أرهقت كاهل الحكومة الإيرانية والشعب الإيراني، وكادت في لحظة أن تجعل “الثورة” تفقد زمام السيطرة على البلد؟
يدرك المتابع للوضع الإيراني حجم التأثير الذي أحدثته العقوبات الاقتصادية على إيران، على الرغم من أن الحصار الذي فرض عليها جعلها تفكّر في البدائل الدائمة، وجعلها تتجاوز، أحياناً كثيرة، المآزق والمشكلات عبر الحلول المبتكرة محلياً، بل أكثر من ذلك حفّز الحصار العقول الإيرانية على الإبداع والابتكار في المجالات العلمية والتطوير، فضلاً عن أنه ترك الفرصة للنظام لاستثمار هذا الحصار لصالحه، من خلال تصويره على أنه يستهدف إرادة الشعب الإيراني الذي لم يجد بداً من الاصطفاف خلف قيادته، بغض النظر عن نظرته إليها، طالما أن الاستهداف هو للشعب ومقدراته، وليس للنظام والحكومة.
حرمت العقوبات الاقتصادية والحصار إيران من الحصول على كثير من قطع الغيار لكثير من الآلات المتوفرة عندها، كما أنه حرمها من الحصول على أسلحة نوعية من دول مختلفة، ومن إمكانية تطوير البنية التحتية الإيرانية، حتى تواكب حركة التطور التي طاولت دولاً مماثلة في الإقليم، والأهم أنه حرمها من موارد مالية كبيرة من عائدات النفط والغاز وسواها، علماً أنها تملك احتياطاً كبيراً منهما، ومع ذلك، جعل الحصار إيران تتحول إلى دولة تستورد البنزين، والأخطر أن الحصار والعقوبات التي حرمت الخزينة من موارد كثيرة تركت فئات كثيرة من الشعب في حالة فقر وحاجة في ظل السياسات التي اتبعتها الحكومات التي أعقبت “الثورة” في توزيع ثروات البلاد واستثمارها في مشاريع خارجية في لبنان وسورية وغيرها، وقد خرجت تظاهرات، في أوقات سابقة، تردد علناً رفض صرف الأموال الإيرانية على حزب الله في لبنان أو على حركتي حماس والجهاد الإسلامي في فلسطين، وقد بلغت هذه العقوبات مبلغاً بدأت فيه تؤذي مفاصل الدولة الإيرانية، وقد بدا ذلك من خلال التصويت في الانتخابات الرئاسية الأخيرة التي فاز فيها روحاني باعتباره إصلاحياً سيضع حداً وحلاً لمشكلة العقوبات التي ضاق بها الشعب الإيراني ذرعاً.
كان المرشد يدرك هذه الحقائق، ويدرك أن تأثير “الثورة” في المدن بات شبه منته، وأن تأثيرها في الأرياف في طريقه أيضاً إلى التلاشي والأفول، في ضوء انحسار تأييد المدن مسار “الثورة” وانحيازها (المدن) لصالح منطق الدولة. وبالتالي، كان لا بدّ من استيعاب هذه المرحلة بخطوات وقرارات ليست معهودة، وهي بالطبع كـ “تجرّع السم” من أجل حماية “الثورة” من الشعب، من خلال هذه الخطوات التي لا بدّ أن تترك أثرها على الداخل، في ظل الانفتاح المتوقع بين إيران والدول الأخرى. ولكن ذلك أيضاً سيف بحدّين، فقد يكون هذا الانفتاح مدخلاً لتغيير كبير في المشهد الإيراني، عندما يلمس الشعب حجم الفروق بينه وبين غيره من الشعوب على مستوى مساحة الحرية ومستوى الدخل، وما سوى ذلك.
فوّض المرشد الرئيس روحاني بالتوقيع على الاتفاق، على الرغم من معارضة كبيرة داخل الحرس الثوري الإيراني، وقَبِل أن تفتح المنشآت الإيرانية أمام لجان التفتيش الأممية من دون اعتراض، وقبل أن يبقى الحظر على السلاح التقليدي خمس سنوات، وعلى الصواريخ ثماني سنوات، وقبل تخفيض نسبة التخصيب، وباقي الشروط التي في معظمها قاسية بحق إيران، ما يمسّ في مكان ما سيادة الدولة وهيبتها، لكن خامنئي أدرك، في مقابل ذلك كله، أن حجم الخسارة في حال استمرار النهج الآخر هو أكبر كلفة، وأن هذه الخطوة، على قساوتها، قد تشكل فرصة للانطلاق من جديد على قاعدة التراجع خطوة إلى الوراء، من أجل التقدّم خطوتين إلى الأمام، وهو ما حصل في قرار تجرّع السمّ في العام 1988، وهي الكأس التي تعود إلى إيران في العام 2015.
وائل نجم
صحيفة العربي الجديد