تحالف البناء يفضل استقالة برهم صالح على سحب ترشيح العيداني

تحالف البناء يفضل استقالة برهم صالح على سحب ترشيح العيداني

بغداد – يسعى تحالف البناء المقرب من إيران في البرلمان العراقي إلى تكييف إعلان رئيس الجمهورية برهم صالح استعداده التخلي عن منصبه ليكون بمثابة استقالة، تعدّ نافذة بعد سبعة أيام من تاريخ إيداعها البرلمان، ليتسنى تحويل صلاحيته آليا إلى رئيس مجلس النواب محمد الحلبوسي، وفقا للدستور العراقي.

وأعلن برهم صالح استعداده للاستقالة من منصبه، بعدما اعتذر عن تكليف أسعد العيداني، مرشح تحالف البناء لتشكيل الحكومة الجديدة، خلفا للمستقيلة برئاسة عادل عبدالمهدي.

ووفقا لمراقبين فقد أيقن تحالف البناء من تمرير المرشح المطلوب لتشكيل الحكومة في ظل وجود برهم صالح في موقع رئيس الجمهورية الذي يمنحه الدستور وحده حق تكليف رئيس الوزراء الجديد.

ولذلك يخطط التحالف الإيراني لقلب الطاولة على صالح، واعتبار موقفه الأخير بمثابة إيداع كتاب استقالته لدى البرلمان.

ووفقا للدستور، تعتبر استقالة الرئيس مقبولة آليا ولا تحتاج إلى تصويت أو موافقة بعد سبعة أيام من تاريخ إيداعها البرلمان، ما لم يعد إلى سحبها.

وفي حال خلوّ منصب الرئيس تنتقل الصلاحيات إلى نائبه. لكن القوى السياسية لم تعين نائبا لرئيس الجمهورية حتى الآن، ما يسمح لرئيس البرلمان بتولي مهام رئيس الجمهورية لحين انتخاب خليفة له خلال 30 يوما.

وينتمي الحلبوسي إلى تحالف البناء، وكان أحد الموقعين على طلب ترشيح العيداني الذي أرسل إلى رئيس الجمهورية واعتذر عن اعتماده.

وشنت كتائب حزب الله العراقية، المقربة من إيران والمنضوية في الحشد الشعبي، هجوما حادا على الرئيس برهم صالح.

واتهم بيان صادر عن كتائب حزب الله الرئيس العراقي “بالخضوع للإملاءات الأميركية، ولضغوطِ أطراف مشبوهة تعمل على استغلال التظاهرات لفرض إرادتها”.

لكن قائمة القوى المؤيدة للرئيس العراقي ليست فارغة، إذ يتصدرها تحالف “سائرون” الذي يرعاه رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر، ويليه تحالف النصر بزعامة رئيس الوزراء السابق حيدر العبادي وتيار الحكمة بقيادة عمار الحكيم وجبهة التنمية بزعامة أسامة النجيفي والقائمة الوطنية بزعامة إياد علاوي، إذ أعلنت هذه الأطراف أنها ترفض استقالة برهم صالح، بعد أن شكرته على موقفه بـ”الوقوف مع الشعب”.

وفي حال أصبح الحلبوسي رئيسا للجمهورية بالإضافة إلى وظيفته رئيسا للبرلمان، سيمكن تمرير أيّ مرشح تختاره الكتلة النيابية الموالية لإيران.

وحتى الساعة، ليس هناك مرشح واضح المعالم لتشكيل الحكومة الجديدة، ما يمنح عبدالمهدي المزيد من الوقت على رأس حكومة تصريف الأعمال، التي لا تختلف في صلاحياتها كثيرا عن الحكومة الدائمة، إلا فيما يتعلق بالتوقيع على مشاريع كبيرة من جهات خارجية.

وكان مقرّب من الصدر تقدم يوم الخميس بأسماء ثلاث شخصيات قال إنها قد تنال إجماع الشارع العراقي لنيل تكليف تشكيل الحكومة الجديدة.

لكن المقرّب عاد صباح الجمعة وسحب إعلانه، مشيرا إلى أن المتظاهرين المرابطين في الساحات والشوارع منذ ثلاثة أشهر لم يتجاوبوا مع مقترحه.

وبرغم أن عرض الأسماء الثلاثة، التي لا ينتمي أيّ منها للأحزاب الحاكمة حاليا، قوبل بتوجس من قبل المتظاهرين وسط إشارات إلى أن الصدر ينوي الاستحواذ على ثمار التظاهرات من خلال احتكار حق ترشيح رئيس الوزراء، إلا أنها فتحت بابا للنقاش بشأن مواصفات الحكومة الجديدة ومهامها.

وتضم قائمة الصدر رئيس جهاز المخابرات مصطفى الكاظمي الذي تصفه الأحزاب الموالية لإيران بـ”الأميركي”، نظرا لعلاقته الوطيدة بالولايات المتحدة. وفضلا عن الثقة التي يحظى بها في مكتب المرجع الشيعي الأعلى علي السيستاني، فقد لعب الكاظمي دورا بارزا في إذابة الجليد في العلاقات بين العراق والسعودية في حكومة رئيس الوزراء السابق حيدر العبادي.

لهذه الأسباب، يبدي زعيم رئيس منظمة بدر هادي العامري تصلبا كبيرا في رفض الكاظمي، الذي طرح لرئاسة الوزراء خلال مرحلة تكليف عبدالمهدي.

أما المرشح الثاني فهو رئيس هيئة النزاهة الأسبق القاضي رحيم العكيلي، الذي يطارده حزب الدعوة بزعامة نوري المالكي، لأنه كشف تورط بعض قادته في قضايا فساد تتعلق بمليارات الدولارات.

وخلال الولاية الثانية لرئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي صدر العديد من الأحكام الغيابية ضد العكيلي بتهم مختلفة، كان معظمها يثير السخرية في أوساط المتابعين نظرا للطابع السياسي الذي يغلّفها.

لذلك يصنف العكيلي على أنه أحد أبرز خصوم المالكي وعدد من قادة حزب الدعوة الإسلامية.

والمرشح الثالث في قائمة الصدر هو النائب الحالي فائق الشيخ علي، الذي ينحدر من عائلة دينية في مدينة النجف المقدسة لدى الشيعة، لكنه يفخر بكونه مدنيا علمانيا مناهضا للأحزاب الإسلامية، ولاسيما تلك الموالية لإيران.

وبرغم البذاءة التي عرف بها الشيخ علي في معظم تعليقاته السياسية، فإنه يتمتع بشعبية كبيرة بسبب النقد الحاد الذي يوجهه بانتظام للأحزاب الدينية الحاكمة.

ويمكن القول إن جميع المرشحين على قائمة الصدر يحتفظون بمكانة عالية للسيستاني ويرتبطون بعلاقات وثيقة مع مؤسسات أميركية وغربية، وينطلقون من العلمانية والمدنية في ممارسة السياسة، وليست لديهم علاقات واضحة بالإيرانيين، ما يضع الكثير من علامات الاستفهام بشأن قدرة داعميهم على تمرير أيّ منهم عبر البرلمان.

المزاد السياسي يقابل الحراك الشعبي
القرار بيد الشعب
وتقول مصادر سياسية إن هناك شبه إجماع على أن حكومة تصريف الأعمال برئاسة عبدالمهدي ستستمر في مهامها لحين تشكيل حكومة جديدة، وهو أمر ربما يستغرق بعض الوقت.

وعبّر مراقب سياسي عراقي عن شكوكه بانتهاء ما أسماه بـ”المزاد السياسي” قائلا إن المزاد لم يغلق بعد. فقد حاول تحالف البناء أن يغلقه بـ”العيداني” غير أن خطوة برهم صالح أفشلت تلك المحاولة، كما أفشلت كل العروض التي يمكن طرحها من قبل الكتل النيابية الأخرى.

واعتبر المراقب في تصريح لـ”العرب” أن تلك الخطوة انتقلت بالجميع إلى أجواء مرحلة جديدة تتسم بالسعي إلى احتوائها، والبحث عمّا يمكن أن يشكل غطاء دستوريا في حالة غياب الرئيس.

وقال المراقب “كما يبدو فإن الرئيس برهم صالح قد قرر من خلال سفره إلى السليمانية وابتعاده عن الصراع المباشر في بغداد أن يضع الجميع في مواجهة فراغ لا يمكن سده إلا من خلال العودة إلى استفتاء شعبي قد لا تجيء نتائجه لصالح الأحزاب المهيمنة على السلطة، وبالأخص تلك التي تنتسب إلى تحالف البناء الموالي لإيران بشكل مباشر”.

وترى أوساط سياسية عراقية أن ما تخيّله البعض يسيرا في وقت سابق صار يمثل اليوم عقدة لا يمكن تفكيكها إلا من خلال تقديم تنازلات تبدو بالنسبة إلى أحزاب السلطة كما لو أنها تمهد لاستبعادها عن السلطة.

وإذا ما كان التيار الصدري قد رشح عددا من الأشخاص، غير أن ذلك الترشيح تم على استحياء من غير أن يحدث أيّ رد فعل قوي لدى المتظاهرين الذين ما زالوا مصرين على الصفات التي يجب أن يتمتع بها الشخص الذي يقود المرحلة الانتقالية، وهي صفات إن تم الأخذ بها فإنها ستؤدي تلقائيا إلى حرمان الأحزاب من هيمنتها على الحكومة.

وتخشى الأحزاب الحاكمة من تداعيات تغيير رئيس الوزراء عندما يتم فتح ملفات فساد صارت بحكم الجاهزة.

ولا يستبعد المراقبون أن يعلن رئيس مجلس النواب في أيّ لحظة، بضغط من تحالف البناء، عن إجراء قد يؤدي إلى انهيار التسويات التي لا تزال تحكم علاقة الكتل السياسية بعضها بالبعض الآخر.

العرب