العراق: قانون الانتخابات الجديد صياغة جديدة لقانون بريمر

العراق: قانون الانتخابات الجديد صياغة جديدة لقانون بريمر

رفض المحتجون العراقيون قانون الانتخابات، الذي صوّت عليه البرلمان العراقي، الثلاثاء الماضي، لأنه لم يمرر في البرلمان وإنما أريد له أن يمرر على الشعب، فقد وُضعت فيه الكثير من الألغام، وهو يبدو كما لو أنه يُخرج الفاسدين من الباب ليعيدهم من الشباك.

وبالرغم من أن تمرير القانون في البرلمان كان نصرا جديدا يسجله المنتفضون العراقيون، إلا أنهم سجلوا العديد من المؤاخذات على هذا القانون، الذي عدّوه مجحفا بحق الشعب العراقي، كما وصفوه بأنه “في عمومه مستنسخ من القانون البريطاني بعد إفراغه من محتواه بأياد إيرانية وفرضه على الشعب العراقي ليكون التدخل الإقليمي والدولي وبخاصة إيران متحكما بمصير العراق وشعبه، فضلا عن مخالفته لمطالب المتظاهرين الذين يرفضون هذا القانون”.

أولى مؤاخذات المحتجين أن القانون يتيح للأحزاب أو للمرشح الدخول إلى العملية السياسية إذا كان لديه جناح مسلح وهو ضد إرادة الانتفاضة، فضلا عن أنه لم يتضمن عدم دخول الأحزاب والشخصيات التي شاركت بالعملية السياسية منذ 2003 لغاية 2018، وهو مطلب أساس من المطالب الشعبية.

وأبقى القانون التحالف والتحزب داخل قبة البرلمان بما يعزز أكذوبة الكتلة الأكبر، كما أنه لم يتضمن عدم ترشيح من يمتلك جنسيتين عراقية وأخرى أجنبية، كما أنه لم يذكر من بعيد أو قريب نسبة الـ50 بالمئة +1، التي أكدها المحتجون في مطالباتهم، ما يعني أن أعلى مرشح وفقا لهذا القانون، سيحصل على 5 آلاف صوت من دائرة تعدادها 250 ألف صوت سيفوز وتضيع إرادة 245 ألف مواطن، فضلا عن أن القانون يعزز التناحر العشائري داخل القضاء الواحد ويكرس المناطقية والعشائرية حتى تتفرد الأحزاب وإيران بالسيطرة أكثر على مقاليد الحكم السياسي والاقتصادي والأمني في العراق. والأخطر أنه ينهي وجود الأقليات في العراق لأن الأغلبية ستكون في القضاء على أساس عنصري وهو ما سيغيّب شرائح واسعة من الشعب العراقي وسيفرض، على نطاق واسع الإقصاء والتهميش لفئات كبيرة ومهمة من المجتمع العراقي.

يجد المحتجون أن القانون بصيغته الحالية، مصمم للاستحواذ الكامل للأحزاب المتنفذة في الفوز وهو إنهاء كامل للأحزاب الناشئة والصغيرة وأنه سيقضي على المرشحين المستقلين.

إن إقرار قانون الانتخابات هذا يتناقض مع مطالب منتفضي التحرير، الذين خرجوا مطالبين بحل البرلمان وتجميد الدستور وتشكيل حكومة انتقالية تؤسس لعملية انتخابية برعاية الأمم المتحدة وبإشراف المجتمع الدولي بحيث يشهد لها العالم بنزاهتها، وبقانون انتخابي عادل يعزز وحدة الشعب العراقي وفقا للدوائر المفتوحة، التي يتساوى فيها التنافس بين الجميع ويعزز دور الكفاءات والنخب في حكم العراق والنهوض به، مما عدّه المحتجون ومن ورائهم العراقيون بأنه استهانة بهم وبتضحياتهم وبعقولهم، وأنه صياغة لقانون بول بريمر بعبارات وكلمات أخرى.

فقدت الحكومة وبرلمانها وأحزابها الفاسدة شرعيتها عندما استهدفت المتظاهرين السلميين بالرصاص الحي وقتلت منهم المئات وجرحت الآلاف، وحاولت إثارة الفوضى وإجبار المتظاهرين السلميين على الخروج عن سلميتهم، فضلا عن التزوير الذي كان سببا في الاستحواذ على مقاعد البرلمان ومقاطعة الشعب العراقي لهذه الانتخابات، لكن وعي الشعب العراقي وإصراره على إزالة الطغمة الفاسدة التي أضاعت العراق وسلبت خيراته أبطلت مخططهم الخبيث وأفسدته.

إن تمرير البرلمان المرفوض هذا القانون محاولة جديدة أخرى لإخراج الاحتجاجات العراقية عن سلميتها ودفعها إلى رفع السلاح لتغيير الأوضاع التي كرسها الاحتلال الأميركي، فكما أن الاحتلال لا يمكن أن يقدم خيرا لشعب محتل، كذلك فإن برلمانا تأسس على يد الاحتلال لا يمكن أن يقدم خيرا للشعب المحتل، ولم يكن هذا القانون التفافا على إرادة العراقيين فقط، وإنما مخالفة صريحة وواضحة لمرجعية النجف، التي يدّعون أنهم يقلدونها ولا يخرجون عن رأيها، والتي طالبت بأن يكون قانون الانتخابات الجديد متوافقا مع إرادة الشعب.

من المتوقع أن يتخذ المحتجون، يساندهم شعب العراق كله، خطوات تصعيدية أخرى باتجاه تحقيق مطالبهم حتى يجبروا البرلمان الفاسد على حل نفسه وتشكيل حكومة إنقاذ وطني تتصدى لترتيب الأمور وإجراء انتخابات مبكرة تنتزع الحكم من يد الفاسدين المنفذين للأجندة الإيرانية وتعيده إلى يد الشعب. فالملاحظ أن الوعي الشعبي يسبق الحيل والخدع التي تمارسها الطبقة الفاسدة بمسافات بعيدة.

العرب