هل تصبح إسرائيل إمبراطورية الغاز الطبيعي في الشرق الأوسط؟!

هل تصبح إسرائيل إمبراطورية الغاز الطبيعي في الشرق الأوسط؟!

الباحثة شذى خليل*
اثبت الاكتشاف والتنقيب في منطقة الشرق الاوسط، احتواءها على طاقة هائلة من الغاز تقدر قيمتها بمئات المليارات من الدولارات، لكن الحقول المتداخلة بين اسرائيل، لبنان ، اليونان، قبرص، أوجدت صراعا على هذا الكنز، قد يؤدي الى اشتعال الحرب، وبخاصة ان إسرائيل وقبرص بدأتا فعلا ببسط نفوذهما واستغلال بعض الحقول، ومنها ظهر مصطلح جديد يسمي بحرب الغاز الاقتصادية.
هذا الملف الذي أخذ بعدا سياسيا دوليا تتشابك فيه المصالح الاقتصادية والعلاقات الدولية، فقبل اندلاع الثورات العربية قدمت دولة قطر مشروع مد أنابيب الغاز عبر الأراضي السعودية ثم الأردنية، مرورا بسوريا وتركيا بقصد تصديره للاتحاد الأوروبي، المستهلك الأكبر للغاز الطبيعي، لكن فشلت الصفقة نظرا لتقارب مصالح الرئيس بشار الأسد مع المصالح الروسية والإيرانية.
في البداية.. لابد من الإشارة الى المنطقة الاقتصادية الخالصة، وماذا تعني، فهي منطقة يحددها القانون الدولي للبحار لعام 1982، وهي أحقية الدولة في الامتداد لنحو 200 ميل بحري ضمن مناطق الولاية الوطنية، إذ يحق للدولة ان تمارس أي نشاط اقتصادي والاكتشاف والتنقيب، والاستغلال لأية ثروة تقع ضمن المنطقة الاقتصادية الخالصة لها ونتج التالي:
 في عام 2003 وقعت مصر مع قبرص اتفاقية لاقتسام المنطقة الاقتصادية الخالصة بينهما.

 في 2011 أعلنت قبرص اكتشاف حقل أفروديت، إذ يقدر الاحتياطي له 27 تريليون قدم مكعب من الغاز، ويمثل أعلى احتياطي عالمي، بقيمة 120 مليار دولار.
 ان حقل “لفيتان” البحري الذي يقع على مسافة تقدر بحوالي 190 كيلومترا شمال مدينة دمياط شمال شرقي مصر، في السفح الجنوبي لـ”جبل إراتوستينس” البحري بشرق البحر المتوسط، بين قبرص ومصر في منطقة يفترض أنها اقتصادية خالصة لمصر، يحتوي على الغاز الملوث بسلفيد الهيدروجين، الذي ستتعين إزالته بتكلفة إضافية” مما سيرفع ثمن الغاز المستخرج من الحقل، ويصعب تسويقه، بينما يبعد الحقل بـ233 كيلومترا غرب حيفا على عمق 1500 متر، إذ تعد المنطقة من أغنى مناطق الغاز الطبيعي في العالم.. لكن خريطة المسح الجيولوجي الأميركي التي تحيطها الشكوك التي تذهب إلى وجود اختلاف بالأرقام، في موقع حقل غاز لفيتان، تجعله أبعد عن مصر، وكذلك حقل غاز تمار ليظهر أبعد عن لبنان من الواقع.
 حقل شمشون: وهو من الحقول المهمة التي تقع في الحوض المتوسط، وبدأ تطويره عام 2012 لصالح اسرائيل، ويقدر احتياطيه من الغاز بـ 3.5 تريليون متر مكعب، ويقع الحقل على بعد 237 كم من حيفا، و114 كم من دمياط، مما يؤكد انه ضمن الحدود الاقتصادية الخالصة لمصر .

والحقول الثلاثة (لفيتان ، أفروديت ، شمشون) يتجاوز احتياطاتها 36 تريليون قدم مكعب من الغاز، التي تقدر قيمتها بـ 240 مليار دولار.
وبهذا.. ستتحول إسرائيل إلى إمبراطورية غاز طبيعي تمتلك أضخم احتياطي من الغاز، للتحول بذلك إلي أكبر مصدر لهذه الطاقة في منطقة الشرق الأوسط.
حيث وقعت اسرائيل ايضا مع شركة امريكية، اتفاقية للتنقيب والاكتشاف، واكتشفت أحد أكبر حقول الغاز الطبيعي في البحر المتوسط، وهو حقل لفيتان العملاق للغاز، والأكبر في تاريخ شركة “نوبل إنرجي”، ويقع تحت السيادة الاسرائيلية، ويقدر احتياطي الغاز فيه بأكثر من 16 تريليون قدم مكعب، وتعقد اسرائيل آمالا اقتصادية كبيرة على استغلاله وتصدير غازه إلى دول الجوار، وفي مقدمتها مصر والأردن ثم تركيا.
بعد الإعلان عن اكتشاف حقل لفيتان، اعتبرت إسرائيل ذلك بداية الطريق لتحولها من مستورد إلى مصدر للغاز، وتحدث وزير الطاقة الإسرائيلي حينها يوفال شتاينتسعن، عن “رؤية عندما تكون إسرائيل لاعبا رئيسا في سوق الطاقة”، معتبرا الغاز الطبيعي “المحرك الرئيس لجهود صياغة علاقات تقارب بين إسرائيل وتركيا”، وفي 13 سبتمبر/أيلول 2013، تقدمت شركة “تركاس” الفرع التركي لـ(شل)، باقتراح مد خط أنابيب غاز طبيعي من حقل لفيتان، يمتد الى جنوب تركيا، بتكلفة 2.5 مليار دولار، ويمكنه نقل 16 مليار متر مكعب من الغاز.
وحسب المعطيات والدراسات المقدمة، فإن اسرائيل وقبرص هما المستفيدتان من تلك الحقول، بينما تتجه مصر لاستيراد الغاز من اسرائيل، بعدما كانت اسرائيل تعتمد على مصر بـ 43% لسد احتياجاتها من الغاز .
الأهداف الإسرائيلية:

تهدف اسرائيل من عمليات التنقيب، الى تحقيق اهداف اقتصادية، ومحلية، وسياسية اقليمية، واستراتيجية دولية ، وهو ذو اهمية مالية كبيرة لما يحققه من ارباح مالية هائلة ترفد الخزينة الإسرائيلية، وتسهم بالنمو الاقتصادي، فمثلا الاتفاق مع مصر وحدها يدخل 700 مليون دولار لخزينة اسرائيل .
بالإضافة الى تشجيع الدول الاوروبية لإسرائيل لاستغلال تلك الثروة الهائلة ، مما يقلل اعتمادها على الغاز الروسي، الذي توقف عن امداد اوروبا بسبب الازمة الاوكرانية، وهنا نجد ان اسرائيل بعد اكتشاف الغاز، تقدم نفسها بديلا عن روسيا ، خاصة ان جسر الطاقة الذي يمتد بين شرق المتوسط والاتحاد الاوروبي يعتمد بنحو 25% على الغاز المصدر من روسيا.
الغاز في سوريا:
تعد سورية الضحية للأطماع الدولية المصدر الأساس في هذا الصراع الإقليمي من اجل السيطرة على المناطق الجغرافية لتسهيل مرور مصادر الطاقة إلي الدول المستهلكة.
إذ أصبح رهان وضع اليد علي دولة سورية مكسب مالي وثورة كبري باعتبارها موقع إستراتيجي لتسهيل العمليات التجارية خاصة في مجال الطاقة، وجعلها من الدول ذات الاحتياط الهائل للغاز في المنطقة ، إذ تعد حمص محطة اقتصادية هائلة، تحوي على محور حيوي في سوق الغاز العالمي .

حيث يتركـز الاحتياطي السّـوري مـن الغــاز والبتــرول في الباديــة الســورية والسـاحل بواقـع 83%، بينمــا يوجــد في الجزيــرة الســورية 12% فقــط.
وبحسب دراسات حديثة، ستبـدأ آبــار الجزيــرة السورية بالنضــوب اعتباراً مـن عــام 2022، بينمـا بـاقي الحقــول في الباديــة والساحل، إن بــدأ اسـتغلالها عام 2018، ستبقى حتى عام 2051 على الأقل.
وترتيب سوريا لعام 2008 في احتياطي الغاز كان في المرتبة 43 عالمياً، بواقع 240,7 بليون متر مكعب، حسب موقع List of countries by natural gas proven reserves. بينما كانت بالمرتبة 31 باحتياطي البترول.
في عام 2017، قدر الاحتياطي السوري من الغاز في منطقة تدمر وقارة وساحل طرطوس وبانياس، بالأكبر بين الدول الست، وهذا يجعل سوريا، إن تمّ استخراج هذا الغاز “ثالث بلد مصدّر للغاز في العالم”، وسوف تحتل مركزا ربما تنافس قطر، وروسيا وإيران، ويقدر مركز فيريل للدراسات احتياطي الغاز السوري بـ28,5 بليون متر مكعب.
غير انه توجد ثلاثة حقول غاز متوسطة الحجم شمال تدمر، تكفي لتزويد سوريا كاملة بالطاقة الكهربائية، 24 ساعة يومياً، لمدة 19 سنة.
وان حجم الغاز المكتشف في إسرائيل يوازي 11% منه في سوريا، وفي لبنان 8%، وفي مصر 31%.
وهناك حقائق تتعلق بالصراع على الغاز في سوريا لا يمكن التغافل عنها، وهي:
 إصرار موسكو على الدفاع عن سوريا، ليس لتأمين منفذ لها على المتوسط فقط، بل الأهم هو الغاز والبترول، وإنشاء قاعدة بحرية دائمة في طرطوس للاستفادة من بحر الغاز هناك، وتؤكد روسيا انها مستعدة لخوض حرب عالمية من أجل الغاز، والنظام السوري لا يتخلى عن موسكو، لأنها تطيل في عمر حكم بشار، حتى لو كان هذا على حساب قتل الشعب السوري بأكمله .
 اما إيران.. فأطماعها في سوريا أكثر بكثير من روسيا، اضافة الى استمرار تمدد إيران وفكرها الارهابي، وذكرت صحيفة غارديان البريطانية في تقرير أن لديها مشروع استراتيجي لتأمين ممر بري يخترق العراق في نقطة الحدود بين البلدين ثم شمال شرقي سوريا إلى حلب وحمص وينتهي بميناء اللاذقية على البحر المتوسط، وان انتشار ميليشيات ايران الطائفية تضع الخطط للتقدم بتنفيذ مشروع الممر الذي يصلها إلى الرقة بسوريا، عن طريق غرب الموصل، الذي يُعد أساسا في تحقيق الهدف الإيراني للوصول للبحر الأبيض المتوسط.
و أن إيران تحاول توطيد أقدامها بالمنطقة، لتحقق اطماعها التوسعية، اذ اكد مسؤول أوروبي وثيق الصلة بالتطورات في العراق وسوريا طوال السنوات الماضية، أن الإيرانيين ظلوا يعملون بقوة لتنفيذ مشروعهم التوسعي، مضيفا انهم سيستطيعون نقل القوى البشرية والإمدادات بين طهران والبحر المتوسط في أي وقت يشاؤون، عبر طرق آمنة يحرسها موالون لهم أو آخرون بالوكالة، وان الممر الذي ظلت طهران تشقه تحت سمع وبصر الأصدقاء والأعداء، لم يستشعر خصوم إيران خطورته إلا خلال الفترة الاخيرة.
وهنا تزايدت أهمية الجغرافيا السورية، لما تملكه، وما يمكن أن تملكه، من احتياطيات النفط والغاز، ولمرور الأنابيب عبر أراضيها، ناهيك عن أن المشروع لا يصبح ذا جدوى بالنسبة للقارة العجوز إلا بتجميع الاحتياطيات وتصديرها، لذا ضغطت إسرائيل على مصر لربط حقولها بخط الغاز العربي الذي يوصل الغاز المصري إلى مدينة حمص السورية عبر الأردن، ولاستكمال مسيرة الطاقة، لا بدَّ من ربط الأنبوب بخط ناب التركي الذي ينقل حوالي 5 مليار متر مكعب من الغاز الأذري إلى أوروبا، الذي دفعت الولايات المتحدة بثقلها لإنشائه.

تركيا وإسرائيل:
إسرائيل تحتاج تركيا في جميع سيناريوهات إيصال الطاقة إلى أوروبا، إذ يمكن أن تقوم بمد خط إلى القارة العجوز عبر قبرص، على الرغم من العقبات التي تعترضها من مشاكل قبرص السياسية والحدودية، ومن عمق المياه.
إسرائيل تستخدم هذا الخط كورقة ضغط على موسكو لإرضاء تركيا التي تنحصر مشكلتها بقيام دولة كردية على حدودها، وتسعى تركيا بشتى الوسائل لمنع قيام تلك الدولة.
وعلى الرغم من أنّ الروس لا يريدون مشاركة الأتراك لهم في الأرض السورية، إلا أنّ أنقرة ترى من الضروري والأكثر أماناً للمستقبل، أن تتدخل في الشمال السوري وتمنع قيام الدولة الكردية.
من الضروري جداً للولايات المتحدة وإسرائيل تخفيف اعتماد تركيا على مصادر الطاقة الإيرانية، التي باتت وإلى حد كبير المحرّك الوحيد لعجلة الاقتصاد الإيراني، مما يسرّع بانهيار الاقتصاد ودفع الشارع الإيراني إلى الانفجار وإسقاط النظام.
هذا سيساعد على إجبار إيران التي تملك ثاني أكبر احتياطي من الغاز الطبيعي في العالم، على ضخ شحنات الغاز داخل أنبوب “ناب” التركي لتخفيف الضغط الروسي على الأوروبيين.
إذاً، اضطلاع روسيا بحصة من الغاز الإسرائيلي والمشاركة بنقله، تتطلب إرضاء الأتراك الذين استطاعوا حتى الآن إمساك العصا من منتصفها على اعتبار تركيا عقدة أنابيب الطاقة المتجهة نحو أوروبا، وذلك أيضاً فرض على الأوروبيين ضرورة الحفاظ على الهدوء على المسرح التركي، كضرورةٍ لوصول إمدادات مستقرة.

وفي الختام.. لا يمكن أبداً الاقتصار على الجانب الاقتصادي والمكاسب المالية، إذ أنّ البُعد الاستراتيجي والجيوسياسي يفرض نفسه على جميع الأطراف الحليفة وغير الحليفة، إذ لم تكن الموارد الطبيعية أبداً نقمةً على الشعوب على امتداد الحضارات، إنّما تُمَثَّلُ النقمة الحقيقية بأنظمةِ حكم بائد وحكّام دمّروا الدولة والمجتمع ليكونوا خاسرين بامتياز .

 

وحدة الدراسات الاقتصادية

مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية