مخاوف الحرب تربك الحسابات المالية والاقتصادية للمنطقة

مخاوف الحرب تربك الحسابات المالية والاقتصادية للمنطقة

خيّم الغموض والقلق على أسواق الشرق الأوسط في ظل ارتفاع مخاطر اندلاع حرب شاملة بين واشنطن وطهران. وظهر ذلك جليّا في تراجع قيمة السندات السيادية ومؤشرات أسواق الأسهم في المنطقة.

لندن – ارتبكت الحسابات المالية والاقتصادية للمستثمرين المحليين والعالميين المتعلقة بأسواق المال في الشرق الأوسط، وخاصة القريبة جغرافيا من إيران مع ارتفاع التصعيد إلى حافة الهاوية منذ قيام الولايات المتحدة بقتل قائد فيلق القدس الإيراني قاسم سليماني.

وقالت وكالة موديز للتصنيفات الائتمانية أمس إن التبعات الائتمانية لصراع عسكري بين واشنطن وطهران ستعتمد على عوامل كثيرة مثل مداه الزمني ونطاقه. ورجّحت أن تؤثّر بشكل كبير على العراق ومصدري أدوات الدين في الخليج وربما لبنان.

وأضافت أن القنوات الرئيسية لحركة الائتمان سوف تتلقى التأثير الفوري للصدمة على الصادرات والإيرادات المالية، إذا أدى التصعيد إلى إلحاق ضرر كبير وطويل الأمد بطاقة إنتاج النفط الخام والغاز الطبيعي.

وفي مؤشر رئيسي، على خطورة الآفاق المستقبلية، قفزت تكلفة التأمين على ديون السعودية من خطر التخلّف عن السداد بمقدار السُدس منذ اغتيال سليماني يوم الجمعة الماضي، في انعكاس لوطأة رد الفعل في أسواق الشرق الأوسط عموما.

وبلغت عقود مقايضة مخاطر الائتمان السعودية لخمس سنوات أمس 64 نقطة أساس، ارتفاعا من 55 نقطة في الثاني من يناير، وفقا لبيانات آي.أتش.أس ماركت.

وتزيد تلك القفزة في تكلفة التأمين على ديون السعودية، على الارتفاع الذي حدث في أعقاب هجمات سبتمبر على منشأتي نفط سعوديتين، والذي أسفر في بداية الأمر عن هبوط إنتاج أكبر مصدر للنفط في العالم إلى النصف تقريبا.

وتمثّل تداعيات التصعيد على الحسابات المالية السعودية عنوانا أساسيا بسبب كونها خصم إيران الرئيسي في المنطقة.

وانعكس ذلك في تراجع السندات الدولية التي أصدرتها الحكومة السعودية نحو عشر نقاط أساس في الآجال الأطول على المنحنى عند المقارنة بمستويات ما قبل الغارة الأميركية.

وتراجع سهم شركة أرامكو إلى 34.5 ريال (9.20 دولار) مسجلا أدنى مستوى له منذ بدء تداولها في 11 ديسمبر الماضي، عقب طرح عام أولي حطم أرقاما قياسية، لكنه لا يزال أعلى من سعر الطرح البالغ 32 ريالا.

وظهر تأثير الهجوم في أسواق الدين الأخرى في الخليج، لكنه كان أقلّ بشكل ملحوظ، ففي دبي ارتفعت عقود مقايضة مخاطر الائتمان نقطة أساس واحدة فقط في حين زادت عقود أبوظبي إلى 37 نقطة أساس من 34 في الأسبوع الماضي.

وقال مصرفي متخصص في الدين في دبي، طلب عدم نشر اسمه، إن أي خطط محتملة للمقترضين في المنطقة إلى إصدار أوراق جديدة ستتأجل على الأرجح نظرا إلى التقلبات في السوق.

وأضاف أن “الكثير من المستثمرين الأجانب تحركهم عناوين الأخبار، ولذا سيحجمون عن أي نشاط في المنطقة في ظل هذه الأوضاع المتوترة”.

وسبق أن قالت السعودية إنها تتطلع لإصدار أدوات دين جديدة مقومة بالدولار لأغراض خاصة بالميزانية في بداية هذا العام.

وقال فراس موداد، مدير الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في آي.أتش.أس ماركت إنه “كلما تفاقم التصعيد، زادت حاجة دول الخليج العربية للتمويل وزاد الطلب على الدين لكن سترتفع أيضا تكلفة الاقتراض الجديد”.

وتباين أداء أسواق الأسهم في المنطقة بعدما تراجعت يوم الأحد بشكل حاد، لكنها تحركت في نطاق ضيق أمس بانتظار تطورات جديدة لتحديد بوصلة التعاملات.

وواصلت أسعار النفط الزيادة أمس ارتفاعها الكبير، حيث وصل سعر مزيج برنت القياسي في العقود الآجلة لخام برنت إلى 70.72 دولار للبرميل وسط مخاوف حيال التأثير المتوقع للأزمة على الإمدادات.

ويعكس ذلك قلق الأسواق من تفاقم الصراع في الشرق الأوسط والتأثير المحتمل على إمدادات المنطقة، التي تسهم بنحو نصف صادرات النفط الخام في العالم، حيث تمر خُمس شحنات النفط العالمية عبر مضيق هرمز.

وقال نوربرت روكر مدير الاقتصادات لدى بنك جوليوس باير السويسري إن “الوضع يضفي الكثير من الضبابية على محاولات التنبؤ الجيوسياسي بردود الأفعال”.

ويرى جيسون توفي كبير اقتصاديي الأسواق الناشئة في كابيتال إيكونوميكس أن اندلاع الحرب بين الولايات المتحدة وإيران يمكن أن يقلص الناتج المحلي الإجمالي عالميا بواقع 0.5 بالمئة أو أكثر. ويرجع ذلك بصفة أساسية لانهيار الاقتصاد الإيراني وأيضا إلى تأثير ارتفاع أسعار النفط”.

وارتفعت عقود التأمين على الديون من مخاطر التخلّف عن السداد التي يشتريها المستثمرون لحمايتهم في حالة التخلّف عن السداد بأكثر من 13 بالمئة يوم الجمعة عقب مقتل سليماني حسب بيانات رفينيتيف.

وتتجه الأنظار إلى التطورات في العراق باعتباره ساحة المواجهة الرئيسية، بعد أن اندفع البرلمان إلى مطالبة الحكومة بمطالبة الولايات المتحدة بالانسحاب من العراق.

وتصاعدت أصوات الميليشيات المرتبطة بإيران في محافظة البصرة الغنية بالنفط، ونظمت أمس احتجاجات أمام مقرّ شركة أكسون موبيل الأميركية، مطالبين الشركة بالرحيل من البلاد.

وقال مصدر أمني في قيادة شرطة البصرة طلب عدم الإشارة إلى اسمه إن “المحتجين رفعوا شعارات تطالبهم بالرحيل الفوري من العراق ومغادرة الحقول النفطية”.

ويخشى محللون أن يصل الرد الإيراني إلى دفع العراق إلى الفوضى الشاملة وإيقاف صادرات البلاد النفطية، التي تصل إلى 3.5 مليون برميل يوميا من الموانئ الجنوبية على الخليج.

ويمكن أن يؤدّي ذلك إلى ارتفاع الأسعار إلى مستويات فلكية، بسبب صعوبة تعويض تلك الإمدادات الكبيرة، الأمر الذي يضع ضغوطا هائلة على الإدارة الأميركية.

العرب