تمرّد وخلافات بين القادة تهزّ “الحشد الشعبي” عقب اغتيال سليماني والمهندس

تمرّد وخلافات بين القادة تهزّ “الحشد الشعبي” عقب اغتيال سليماني والمهندس

مع مرور أسبوع كامل على مقتل زعيم “فيلق القدس”، قاسم سليماني، ونائب زعيم مليشيات “الحشد الشعبي” أبو مهدي المهندس، بضربة أميركية قرب مطار بغداد الدولي، غربي العاصمة بغداد، تبدو مساحة الخلافات داخل فصائل مليشيات “الحشد الشعبي”، أكثر وضوحاً من ذي قبل، خصوصاً في ما يتعلق بنسف فصائل عدة لتوجيهات وقرارات سابقة من الحكومة العراقية، تتعلق بعملها وتحركاتها، على اعتبار أنها جزء من المنظومة الأمنية وليست بمعزل عنها.
وعلى الرغم من أن الحكومة منعت بموجب قانون نظم عمل فصائل “الحشد الشعبي” في يوليو/تموز الماضي، من استخدام الفصائل المسلحة أسماءها القديمة، والالتزام بالتقسيم الجديد الذي يعتمد نظام الألوية والأفواج، إلا أنه، خلال الأيام الماضية، عادت كل مليشيا للعمل بمفردها، وإصدار بيانات باسمها، تتبنى مواقف سياسية أو أمنية مختلفة بعيداً عن “هيئة الحشد الشعبي”، أو مقررات الحكومة.


عادت كل مليشيا لإصدار بيانات باسمها، تتبنى مواقف سياسية أو أمنية مختلفة بعيداً عن “هيئة الحشد الشعبي”، أو مقررات الحكومة


ووفقاً لمسؤول عراقي بارز في بغداد، فإن الفصائل الأكثر ارتباطاً بإيران لم تعد ترتبط بالحكومة إلا بيوم “26 من كل شهر”، في إشارة إلى موعد تسلّم مرتبات أفراد تلك المليشيات، مضيفاً: “هناك حالة تمرّد ومخالفة للقوانين الخاصة بالحشد أو المرسوم الديواني رقم 331، الذي أصدر في يوليو/ تموز الماضي”.
وبيّن، في حديث لـ”العربي الجديد”، أن رفع الحرس الثوري، الخميس الماضي في مؤتمر صحافي له، علم “الحشد الشعبي”، إلى جانب أعلام أخرى يعتبرها محور مقاومة بالمنطقة، أحرج الحكومة والقوى السياسية في العراق. ولفت إلى أن فصائل مثل كتائب “حزب الله”، و”النجباء”، و”العصائب”، و”بدر”، و”البدلاء”، و”الإمام علي”، و”سيد الشهداء” و”الخرساني”، تجد أن قرارات الحكومة غير ملزمة لها، وعادت للتعامل مع الملف العراقي على أساس فكر الفصيل، وليس مظلة “الحشد الشعبي” أو أنها جزء من الدولة.
وكشف عن أن الخلافات الحالية داخل “الحشد” تتلخص في كون ما بين 10 إلى 12 فصيلا مسلّحا متمردا على قرارات الدولة وسياستها لا يمكن السيطرة عليها، وتصادر القرار العام في “الحشد الشعبي” منذ الهجوم الأميركي على معسكر لكتائب “حزب الله” في القائم نهاية الشهر الماضي، مروراً بالهجوم على السفارة الأميركية وحتى الآن.
وأكدت مصادر مقربة من “الحشد الشعبي” وجود خلافات مستعصية بين زعامات وقادة المليشيات في العراق، مؤكدة أنها موجودة منذ مدة ليست بالقصيرة، لكن تفاقمت بعد اغتيال سليماني والمهندس، معتبرة أن أغلبها ذو طابع شخصي متعلق بالصدارة والنفوذ داخل المؤسسة، أو التنافس على القرب من صنّاع القرار في إيران.

وقال عضو في الوحدة الإدارية بهيئة “الحشد الشعبي”، إن “الهيئة باتت مجرد جهة إدارية لدفع الرواتب لا أكثر”، مبيناً أن ضعف رئيس الوزراء الحالي تسبب بتفاقم المشكلة، وتفلت بعض الفصائل، واستقوائها حتى على الجيش والشرطة العراقية.
ونشر ناشطون وحسابات مقربة من “مليشيات الحشد”، صوراً لعدد مع زعماء “الحشد” وهم إلى جانب قائد “فيلق القدس” الجديد خلال وجودهم في إيران.
وبينما أكد مراقبون الانقسام الواضح بين تلك الفصائل، حاولت قيادات “الحشد الشعبي” التغلب عليه من خلال اجتماع عقدته ليل أمس الجمعة، لكن عدداً من قيادات الفصائل تخلف عن حضوره، ولم يخرج بأي مقررات تذكر.


حاولت قيادات “الحشد الشعبي” التغلب على الانقسام من خلال اجتماع عقدته ليل الجمعة


وعقب الاجتماع، أكدت قيادة مليشيا “الحشد”، أن “الحشد الشعبي ما زال بكامل قوته وجهوزيته وتماسكه، وأن رحيل القائد أبو مهدي المهندس، مع القائد الكبير قاسم سليماني، وباقي القادة، سيعطي زخماً معنوياً لنا، بالثبات على الخط والدفاع عن العراق”، مؤكدة تمسكها بالمرجعية العليا، والحفاظ على هيبة الدولة، وحصر السلاح بيد المؤسسة العسكرية والأمنية، والالتزام بالقانون، والتحلي بالانضباط، وطاعة أوامر القيادة العامة للقوات المسلحة”.
وشكر المجتمعون، “جميع فئات المجتمع العراقي التي شاركت في مراسم تشييع المهندس وسليماني”.
وأقرّ القيادي في الحشد محمد البصري، في حديث لـ”العربي الجديد”، بوجود خلافات، مبيناً أن فصائل عدّة تصرّ على توجيه ضربة للقوات الأميركية، وأخرى تجد أنه يجب التريث في ذلك.
وأضاف البصري أن هجمات الكاتيوشا الأخيرة على السفارة الأميركية وقاعدة بلد الجوية تقف وراءها فصائل محددة، وهي تحدٍّ لفالح الفياض وتوجيهاته الأخيرة، أكثر من كونها تريد فعلاً استهداف السفارة الأميركية”.
في الأثناء، تنصلت مليشيا “العصائب”، وهي إحدى فصائل “الحشد”، من مسؤولية المشاركة بتنفيذ القصف على السفارة الأميركية ببغداد، وقال القيادي في المليشيا، جواد الطليباوي، في تصريح صحافي، إن “الحديث عن استهداف الحشد الشعبي للمنطقة الخضراء والسفارة الأميركية بالصواريخ، غير صحيح”، معتبراً القصف “تصرفاً فردياً انفعالياً، وقد يكون محاولة لتشويه سمعة الحشد”.

وأكد أن “الحشد ليست لديه أي عملية عسكرية ضد السفارة الأميركية والوجود العسكري الأميركي، وأنه (الحشد) لا يخالف تعليمات رئيس الحكومة”.
ويؤكد مراقبون أمنيون، وجود انقسام واضح بين قيادات “الحشد”، وقال الخبير الاستراتيجي الأمني، هشام الهاشمي، في تصريح له، إن “تصريحات قيادات الحشد الشعبي، وحديثها وتوعدها بالمقاومة المسلحة لإخراج القوات الأميركية، تؤشر إلى الانقسام الواضح بين قياداته والمقاومة الشيعية”.
في غضون ذلك، شهدت سماء بغداد، منذ ليل أمس وحتى صباح اليوم السبت، تحليقاً واسعاً للمروحيات الأميركية، والتي ركزت على مناطق عدّة، فوق وقرب مبنى السفارة الأميركية، وفي سماء مطار بغداد، وعدد من مناطق غربي العاصمة.
يشار إلى أن المليشيات لم تنفذ، منذ مقتل المهندس وسليماني حتى الآن، سوى أربع ضربات فقط على مقر السفارة الأميركية في بغداد، وقاعدة بلد العسكرية في محافظة صلاح الدين، وجميع تلك الضربات أخطأت هدفها، وبعضها أصاب منازل سكنية.

أكثم سيف الدين ومحمد علي

العربي الجديد