الربيع العربي والدولة الديمقراطية

الربيع العربي والدولة الديمقراطية

1_2012811_27321
صوّت ملايين من السوريين في انتخابات رئاسية جرت قبل عام، واختار المصريون رئيسهم الجديد، وسينتخبون نواباً جدداً قريباً. وكانت قد جرت انتخابات في العراق والجزائر، واقترع الكويتيون في انتخابات فرعية، وذهب التونسيون إلى صناديق الاقتراع قبل نهاية العام الماضي. لكن المظاهر تبدو خادعة. ففي الواقع، لم تحرز الديمقراطية العربية تقدما يذكر، حتى الآن، في كسر أنماط القيادة التي أُنشئت خلال عقود طويلة من الحكم الاستبدادي، وقد وعد الربيع العربي كثيرا، ولكن، لم يتحقق إلا القليل.
مصر خير مثال على ذلك، فمنذ إطاحة الرئيس حسني مبارك في 2011، صوّت المصريون في انتخابات رئاسية مرتين، وجرت انتخابات للبرلمان ومجلس الشورى، وثلاثة استفتاءات شعبية. وعلى الرغم من كل هذه المظاهر الديمقراطية، لا تزال الأجهزة العسكرية والأمنية المهيمنة على السلطة من خلف الكواليس، فقد تم تغيير أحدث دستور للدولة، ولا يزال يًكرِّس حق المحاكم العسكرية في محاكمة المدنيين، فضلاً عن ابتكار قانون جديد يفرض قيودا مشددة على المظاهرات. وقائد الجيش السابق، عبد الفتاح السيسي، الفائز في الانتخابات الرئاسية الأخيرة، جاء إلى السلطة في بلد أصبح الاستقطاب، بين الإسلاميين والعلمانيين، واضحاً للعيان.
جرت الانتخابات الرئاسية في سورية في بلد تمزقه الحروب، في حين أن المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة لم تختلف ظروفها كثيراً عن التي كانت سائدة قبل عام 2011. وفي غياب النقاش الحر ومنافس حقيقي لبشار الأسد في دولة الحزب الواحد، فإن الاقتراع الرئاسي المباشر، مجرد إجراء شكلي. وفي أعقاب إطاحة العقيد الليبي معمر القذافي، جرت أول انتخابات حرة في البلاد، في عام 2012، وظهرت نتائجها مبشّرة بحقبة جديدة. ولكن، منذ ذلك الحين، لم تكن السلطات المركزية والمؤسسات الوطنية قوية بما يكفي لمقاومة قوة المليشيات، حيث أصبحت فرص تحقيق نظام ديمقراطي شامل، قابل للترسيخ في المستقبل المنظور، بعيدة المنال إلى حد كبير.
من بين جميع الدول التي اجتاحتها ثورات الربيع العربي، برزت تونس التي تعتبر مهد الثورات، قصة نجاح وحيدة، حيث بقي الجيش على الحياد، ونجحت الجماعات السياسية في تقديم تنازلات من أجل التوافق على دستور جديد، يلبي احتياجات معظم شرائح المجتمع. ومع ذلك، تواجه الديمقراطية التونسية تحديات عدة، لكن متانة المؤسسات الأهلية في البلاد تعني أنها في وضع أفضل من مثيلاتها في الدول العربية الأخرى.
وفي بلدين من البلدان العربية الأخرى التي لم تصل إليها رياح الربيع العربي، شوّهت الطائفية المتنامية، في العراق ولبنان، العملية الديمقراطية لديهما، إذ يُحرم الناخبون، في كلا البلدين، من فرصة اختيار المرشحين الذين يتبنون الصالح العام للأمة ككل، بدلاً من مصالح المجتمعات الفردية التي تخدم طائفة بعينها. وفي الجزائر، تمارس العملية الديمقراطية تحت ظل الجيش ومصالح النخبة الحاكمة. وبالكاد أسهمت التغييرات الدستورية في الأردن والمغرب التي أُجريت بضغط من الثورات في أماكن أخرى، في تخفيف سيطرة ملكي البلدين على الحياة السياسية. وفي الوقت نفسه، يرى معظم شعوب دول الخليج العربي أن الديمقراطية، على النمط الغربي، غير ضرورية في المجتمعات التي يستطيع فيها السكان إيصال رغباتهم، أو شكاويهم، مباشرة إلى حكامهم، من خلال المجالس المفتوحة، كالتي تُعرف بمجالس الشورى التقليدية.
القضاء على أنماط القيادة الاستبدادية، في البلدان العربية، عملية صعبة وطويلة، تبدأ بإجراء إصلاحات مهمة في أنظمة التعليم العام، تشمل استبدال ثقافة التعلم عن ظهر قلب بالثقافة المبنية على الاستجواب والتحليل. وهو، في حال تطبيقه، سيشكل خطوة نحو تشجيع النقاش العقلاني الحر، فالمناقشات السياسية على الفضائيات العربية غالبا ما تنتهي بمشادات كلامية، على الرغم من أن الاختلاف في الرأي، ودخول مرمانا “هدف” من لاعبي الخصم، هو أحد الركائز الديمقراطية الأساسية التي لا يزال يتعين ترسيخها في الوجدان العربي.
في الوقت الحاضر، تُمارِس الدول العربية الديمقراطية، بطرق مختلفة وبدرجات متفاوتة. لكن عنصرا حيويا واحداً يبقى مفقودا، هو مزاولة السياسة في أوسع معانيها، إذ هناك حاجة ماسة للرؤى السياسية، بمختلف أنواعها، التي لا تشمل فقط ما هو خير للأمة، ولكن، أيضا، الاحتياجات الاقتصادية والاجتماعية للمجتمعات. عندما تصبح الانتخابات منافسة بين رؤى سياسية واقتصادية متنافسة، فإن المفكرة السنوية لتواريخ التصويت في العالم العربي سيصبح لها معنى حقيقي.
مازن إرشيد
موقع العربي الجديد