حوار الثقافات مدخل لبناء نظام عالمي جديد

حوار الثقافات مدخل لبناء نظام عالمي جديد

635599419400840000

في غمرة الأزمات والحروب الإقليمية الناشبة في مناطق شتى من العالم اليوم، والتي باتت تهدد الأمن والسلم الدوليين، وفي ظل أجواء التوتر وضعف اليقين التي تسود العلاقات الدولية، يكون الجنوح إلى السلم، بديلا عن نوازع الصراع والصدام، ورسالة دعاة السلام وبُـناة الحضارة الإنسانية الجديدة، وضرورة حياتية تفرضها طبيعة المرحلة الحرجة التي تمرّ بها الأسرة الدولية، والتي تؤثر سلبـًا في استقرار أوضاع العالم، وفق دراسة حديثة صادرة للدكتور عبدالعزيز التويجيري المدير العام للمنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة (الإيسيسكو) تحمل عنوان “تحالف الحضارات وبناء نظا عالمي جديد”.

ويرى التويجري في دراسته الصادرة، ضمن منشورات الإيسيسكو، أنّ النظام العالمي الحالي إذا كان لا يلبي حاجات الشعوب للأمن بمفهومه العميق، وللسلام بمدلوله الشامل، ولا يفي بمتطلبات التعايش الحضاري الإنساني، فإن من الأسباب الموضوعية في قصور هذا النظام في تحقيق الأهداف الإنسانية، وفشله في ضبط العلاقات الدولية على إيقاع تبادل المصالح التي تلبي احتياجات الشعوب إلى التنمية والازدهار، وتطلعاته نحو إقرار أسس السلام العادل الذي يدرأ عن الإنسان المخاطر، ويخرجه من ظلمات الصراع بكل أشكاله، إلى أنوار الوفاق بكل تجلياته، عدم إرساء قواعد ثابتة للحوار بين أتباع الأديان والثقافات والحضارات، انطلاقـًا من المبادئ الإنسانية المستقرة، وصدورًا عن القيم الروحية والثقافية والحضارية التي تنبثق من الرسالات السماوية الهادية إلى سبل الخير والحق والفضيلة والسلام.

وإذا كان المجتمع الدولي قد اختار، وفق ذات التحليل، حوار الثقافات وتحالف الحضارات منهجين حكيمين لتعزيز التعاون الإنساني الدولي، في قرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة، فإن تفاقم الأزمات الإقليمية والدولية على شتى المستويات وتصاعد موجات العنصرية والكراهية والإسلاموفوبيا، وارتفاع مستويات الإرهاب والجريمة المنظمة التي تهدد أمن الأفراد والجماعات واستقرار المجتمعات، تحت دعاوى متعددة بعضُها يستند إلى أصول دينية، قد تسبَّب في تعطيل الجهود الدولية الرامية إلى نشر ثقافة السلام وقيم الوئام والحوار الذي يجمع بين الشعوب ويقرب بين الثقافات ويشجع على التحالف بين الحضارات.

وهو الأمر الذي إذا ما استمر على ما هو عليه، أدى إلى نشوب مزيد من الأزمات ذات النوازع المتعددة والدوافع المتنوعة والأهداف المختلفة، التي تـَتـَعَارَضُ جملة وتفصيلا مع طموحات الشعوب، والتي تـتـنـاقـضُ كليًا مع مبادئ القانون الدولي.

ويستطرد الباحث ليشير إلى أنّه تفاديًا لهذا المصير الذي تساق إليه الإنسانية، وسعيًا إلى إرساء القواعد الراسخة للسلام الإنساني العادل، يمر المدخل إلى بناء نظام عالمي جديد يمر عبر حوار الثقافات وتحالف الحضارات وتعايش الشعوب والأمم، في إطار من الاحترام المتبادل للمعتقدات وللاختيارات والخصوصيات الروحية والثقافية والحضارية وللكرامة الإنسانية.

ويخلص بعد ذلك إلى أنّه من تجليات تبلور الوعي الإنساني الجديد، على إثر الحروب التي عرفتها البشرية والأزمات التي عاشها العالم، أنْ تـزايـد الاهتمام لدى القيادات الفكرية والثقافية والعلمية العالمية ذوي الإرادات الحـرة، بالسعي من أجل بناء نظام عالمي جديد يكون بديلا عن النظام الحالي الذي يرهق كاهل الإنسانية بتنكره للقيم السامية وللمبادئ المثلى.

وفي هذا الإطار الواسع تندرج هذه الدراسة التي طرح فيها الباحث أسئلة محورية حاول الإجابة عنها، تتصل بالمقصود بفكرة حوار الثقافات وتحالف الحضارات والأهداف المتوخاة منهما، وبالعلاقة بين الحوار بين الثقافات والحوار بين أتباع الأديان، وبينهما وبين الحكم الرشيد. وخلص إلى نتيجة مفادها أنّ تواصل الدور الذي يلعبه الحوار بين الثقافات والتحالف بين الحضارات في تعزيز السلام العالمي، وفي نشر قيم التعايش السلمي، والتمكين لثقافة العدل والسلام وكذلك ترسيخ مبادئ الشورى والديمقراطية والحكم الرشيد، فإنّ من شأن هذا الحوار الثقافي وهذا التحالف الحضاري، أن يُحدثا تحولاتٍ عميقة في العلاقات الدولية من النواحي كافة، وأن يغيّرا من مسارات الأمور على الساحة الدولية، في اتجاه تقييم اختلال العالم، وتعديل موازين القوى على المستويات جميعًا، حتى تستقيم أوضاع العالم وتستقر أحواله ويسود السلام.

ويظل السبيل إلى بناء عالم جديد للأجيال القادمة، وفق التويجري، هو تعزيز القيم المشتركة التي تتمثل في القوانين الدولية، وفي القيم والمبادئ السمحة التي جاءت بها الأديان، وتلك التي صاغها المفكرون الأحرار والفلاسفة العظام والعلماء المنصفون عبر المسيرة الإنسانية.

صحيفة العرب اللندنية