إحياء ذكرى الهولوكوست أم إعادة إنتاجه في فلسطين؟

إحياء ذكرى الهولوكوست أم إعادة إنتاجه في فلسطين؟

يلتقي في القدس المحتلة يوم غد رؤساء وملوك وأمراء ورؤساء حكومات أكثر من 50 بلداً في أوروبا وأمريكا الشمالية وأستراليا، بينهم رؤساء فرنسا وروسيا، ورئيس المجلس ورئيسة المفوضية ورئيس البرلمان عن الاتحاد الأوروبي، ومندوب عن الفاتيكان، مع ترجيح أن يتألف الوفد الأمريكي من نائب الرئيس وعضوية نانسي بيلوسي زعيمة مجلس النواب. وهذا المحفل العالمي غير المسبوق ينعقد بمبادرة من المنتدى العالمي للهولوكوست تحت شعار «تذكّر المحرقة، محاربة العداء للسامية»، وفي مناسبة الذكرى الخامسة والسبعين لتحرير معسكر اعتقال أوشفتز ـ بيركينو.
ولا ريب في أن الهولوكوست كان وصمة عار كبرى لطخت تاريخ أوروبا ما بعد عصور الأنوار عامة، وكان في رأس الجرائم الأكثر بشاعة التي ارتكبها النظام النازي بحقّ الإنسانية جمعاء، وليس ضد اليهود وحدهم في الواقع. ولكن التاريخ يسجل أن المؤسسات الصهيونية العالمية والألمانية خاصة تعاونت مباشرة مع الأجهزة النازية، وقايضت ترحيل بعض اليهود الألمان إلى معسكرات الاعتقال مقابل السماح لأكثر من 60 ألف يهودي ألماني بالهجرة إلى فلسطين والاستيطان فيها وتشكيل طلائع المنظمات العسكرية الإرهابية الصهيونية هناك، وكذلك مقابل عشرات الملايين من الدولارات سددتها شركات يهودية في فلسطين لصالح الصناعة النازية. وهذا السجل الأسود المبكر، الذي عرفته الوثائق السرية لوزارات خارجية سويسرا وبولندا وألمانيا ذاتها تحت اسم «اتفاقية هعفراه»، سوف يتواصل في أكثر من عاصمة أوروبية، وسيعترف به عدد من الباحثين الإسرائيليين أنفسهم، وتجعله مجموعة «ناطوري كارتا» اليهودية أحد أبرز أسبابها في معاداة الصهيونية.
كذلك فإن الدعاية الصهيونية لم تتوقف عن استغلال مأساة الهولوكوست للتغطية على ما ترتكبه دولة الاحتلال الإسرائيلي من جرائم ليست بعيدة عن روح التطهير العرقي والعقاب الجماعي والإبادة المنظمة التي حاقت بالملايين من يهود أوروبا، بل هي في الواقع تعيد إنتاج الكثير من عناصر الهولوكوست النازي ولكن بصياغات صهيونية معاصرة، وبحق الشعب الفلسطيني هذه المرة. وحين سيتجول في أرجاء مدينة القدس المحتلة أمثال الفرنسي إيمانويل ماكرون أو الروسي فلاديمير بوتين أو البريطاني الأمير شارلز أو الإسباني الملك فيليب السادس، فإن أنظارهم لن تقع على رموز الهولوكوست في متحف «ياد فاشيم» فقط، بل كذلك على عشرات الأبنية التي هدمتها السلطات الإسرائيلية بموجب قرارات أصدرها ضباط الاحتلال من أحفاد ضحايا معسكر أوشفتز، وصادق عليها «قضاة» يزعمون الانتساب إلى أسلاف قضوا في معسكرات اعتقال أخرى مثل داخاو وبوخنفالد وتريبلنكا.
ولأن معظم هؤلاء الساسة يفاخرون بالانتماء إلى أنظمة ديمقراطية وعلمانية تؤمن بمساواة مواطنيها بصرف النظر عن الجنس والدين واللون، وتعلي سلطة القانون، فإنهم في القدس سوف يتذكرون أنها مدينة محتلة تمّ إلحاقها بالكيان الصهيوني على نقيض من القانون الدولي، وأن مواطنها الفلسطيني تُنتهك إنسانيته كل يوم في استهتار صارخ بشرعة حقوق الإنسان، وأن هذه «الدولة» التي تزعم أنها واحة الديمقراطية في الشرق الأوسط سنّت قانوناً يثبّت هويتها اليهودية ويربط المواطنة فيها بالانتماء الديني.
وإن ذرف الدموع على ضحايا أوشفتز أمر مفهوم ومبرر إنسانياً، ولكنه لا يتساوى أبداً مع النفاق الفاضح في التعامي عن سجل دولة الاحتلال الأسود وإعادة إنتاج الهولوكوست في فلسطين.

القدس العربي