الوداع الأخير لا ينهي متاعب بريطانيا والاتحاد الأوروبي

الوداع الأخير لا ينهي متاعب بريطانيا والاتحاد الأوروبي

تفتح بريطانيا بنهاية الأسبوع القادم صفحة جديدة في تاريخها بخروجها الجمعة 31 يناير من الاتحاد الأوروبي عبر اتفاق بريكست الذي اُرجىء ثلاث مرات وكان مصدرا لانقسام سياسي حاد في البلاد.

وستكون بريطانيا الجمعة القادم أول بلد يغادر الاتحاد الأوروبي الذي يعاني بدوره رغم مرور ستة عقود على تأسيسه من الكثير من الأزمات والانقسامات التي أثرت على لحمة الدول الأعضاء به في السنوات الأخيرة.

وفيما يحتفل المؤيدون لهذه الخطوة، يترقّب آخرون هذه اللحظة الحاسمة في تاريخ بريطانيا بحزن وبتخوّف على مصير البلد وعلى مستقبل العلاقات مع الاتحاد الأوروبي على اعتبار أن المغادرة سيكون لها تداعيات كبيرة على الكثير من المجالات وأهمها الاقتصادية والتجارية والأمنية.

ويرى المراقبون أن خروج بريطانيا عن الاتحاد الأوروبي لا يعني بالضرورة إنهاءا تاما للمتاعب بين لندن والدول الـ27 المتبقية، بل إنه مع نهاية الجمعة القادم ستكون هناك بداية جديدة لمفاوضات أخرى صعبة ستهندس من جديد أسس العلاقة بين الطرفين.

مفاوضات شاقة
Thumbnail
لا يشكّل الحادي والثلاثون من يناير، نهاية لعملية بريكست المضنية والطويلة، بل ستليه مرحلة انتقالية تتخللها عدة تدابير تضع اللمسات النهائية للعلاقة المستقبلية بين الطرفين.

ومن المرجّح أن يصادق البرلمان الأوروبي في 29 يناير على اتفاق بريكست حتى يدخل حيّز التنفيذ، وذلك قبل يومين من الخروج النهائي المرتقب الجمعة.

وستلي مرحلة المغادرة فعليّا مراحل أخرى ستكون صعبة، وتتطلّب مفاوضات شاقة مع الاتحاد الأوروبي على اعتبار أن بريطانيا ستدخل رسميا في مرحلة انتقالية تمكّنها من إبقاء العلاقات مع الدول الأعضاء بالنادي، لكنها ستكون محرومة بعد ذلك من المشاركة في أعمال المؤسسات الأوروبية ومن الإدلاء برأيها في قرارات الدول الأعضاء.

وتجبر هذه المرحلة الطرفين على أن يتوصلا إلى أطر جديدة لعلاقاتهما الأمنية والتجارية، حيث تنطلق المفاوضات التجارية انطلاقا من شهر فبراير بحسب ما تقول لندن، فيما مازالت الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي بصدد تحديد أهدافها من هذه المحادثات.

ومن المرجّح أن يعلن في هذه الفترة رئيس الوزراء بوريس جونسون عن نية بلاده التوصل لاتفاق تبادل تجاري حر مع الاتحاد الأوروبي كالذي توصل إليه الاتحاد مؤخراً مع كندا، لا يفرض فيه الالتزام بالقواعد الأوروبية.

وقال في هذا الصدد، ستيفن باركلي وزير شؤون الخروج من الاتحاد الأوروبي (بريكست) إن بريطانيا ستحدد المزيد من التفاصيل في ما يتعلق بأهدافها في اتفاق للتجارة الحرة مع الاتحاد الأوروبي في الشهر المقبل بعد أن يكتمل خروجها من الاتحاد في 31 يناير الجاري.

وأضاف الوزير البريطاني في برنامج أندرو مار بتلفزيون هيئة الإذاعة البريطانية (بي.بي.سي) الأحد “سوف ننشر أهدافنا في المفاوضات… في الوقت المناسب بعد الحادي والثلاثين”. وأضاف “لكن المسألة الرئيسية هي أننا سنملك التحكم في قواعدنا. لن نكون مستقبلين للقواعد”.

وقال “لكن الفرصة الرئيسية هي أننا سنتمكّن من تحديد معاييرنا، المعايير العالية في حقوق العمال والبيئة ودعم الدولة في إطار تلك السياسة التجارية”.

وتعتزم بريطانيا في إطار البحث عن حلول بديلة تمليها فترة ما بعد الخروج من الاتحاد الأوروبي إطلاق مفاوضات مع دول أخرى، خصوصاً الولايات المتحدة في ظل إدارة دونالد ترامب الذي توقّع اتفاقا تجاريا “مذهلا” مع لندن.

ولن تكون المفاوضات البريطانية الأميركية سهلة لاسيما مع إعلان لندن أنها ستفرض ضريبة رقمية على الشركات التكنولوجية الكبرى في أبريل، رغم تهديد الأميركيين بتدابير مقابلة.

ومن المقرر أن يصل وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو إلى لندن في 29 يناير للقاء بوريس جونسون، و”إعادة التأكيد على العلاقة المميزة” بين الحليفين و”مناقشة السبل إلى توسعة وتعميق العلاقات التجارية” بينهما بعد بريكست.

وبالإضافة إلى التجارة، على الطرفين مناقشة مواضيع عديدة أخرى مثل الأمن والتعاون القضائي والتعليم والطاقة. ويمكن للمملكة المتحدة أن تمدد المرحلة الانتقالية لعام أو عامين، لكن عليها أن تبلّغ الاتحاد الأوروبي بذلك في الأول من يوليو القادم.

ويؤكد بوريس جونسون أنه لن يطلب أي تمديد، لكن المفوضية الأوروبية تعتبر أن المرحلة الانتقالية الحالية قصيرة جداً، حيث وقالت رئيسة المفوضية أورسولا فون دير لاين محذرة إنه من المستحيل الاتفاق حول “كافة المواضيع” خلال هذا الوقت الضيق، وأنه يجب اختيار المواضيع التي تشكّل “أولويات”.

وتشكل نهاية المرحلة الانتقالية بحلول ديسمبر القادم نهاية للشكل الحالي من علاقة بريطانيا مع الاتحاد الأوروبي الذي دام 47 عاما. ودون اتفاق جديد حول طبيعة العلاقة المستقبلية أو تمديد للمرحلة الانتقالية، قد تشهد قطاعات التجارة والنقل وغيرها اضطرابات كبرى.

وتهدف المرحلة الانتقالية خصوصا إلى أن تعمل لندن وبروكسل على البحث في طبيعة علاقتهما المستقبلية، خصوصاً في مجال التجارة. ويريد جونسون أن ينهي هذه المفاوضات الانتقالية خلال وقت قياسي، مستبعدا أي إرجاء لموعدها إلى ما بعد نهاية العام.

لن تدق أجراس ساعة بيغ بن التي تخضع لتصليحات عند موعد الخروج، رغم محاولات أكثر المؤيدين حماسةً لبريكست تحقيق ذلك. في المقابل، سيجرى عدٌّ تنازلي عبر ساعة مضيئة أمام مقر رئاسة الحكومة في داونينع ستريت.

وبهذه المناسبة، ستدخل قطعة نقدية من فئة 50 بنسا قيد التداول. وستطرح قيد التداول بدايةً ثلاثة ملايين قطعة، ثم سبعة ملايين.

ويلقي رئيس الوزراء جونسون المؤيد القوي لبريكست والذي يطرح نفسه كشخصية جامعة في البلاد منذ فوزه في الانتخابات التشريعية، خلال ليلة الجمعة 31 يناير الجاري كلمة للأمة.

وكتب جونسون في رسالة نشرها حزب المحافظين أن الوقت “حان لنترك الماضي خلفنا” و”لنوحد البلاد”، في إشارة إلى الانقسام بين مؤيدي ومعارضي بريكست الذي صوّت 52 بالمئة من البريطانيين لصالحه في استفتاء عام 2016.

لكن مهمة توحيد البلاد لن تكون سهلة أمام جونسون، إذ رفضت مجالس نواب المحلية في أسكتلندا وويلز وأيرلندا الشمالية قانونه حول بريسكت.

ونجح جونسون الذي وصل السلطة في يوليو، حيث فشلت رئيسة الوزراء السابقة تيريزا ماي، هذه الأخيرة غادرت داونينغ ستريت دامعة العينين بعدما أخفقت ثلاث مرات في الحصول على موافقة البرلمان على اتفاق بريكست.

وبعدما أعاد التفاوض على النص مرتين مع بروكسل وحصل على حلّ جديد يمنع إعادة حدود فعلية بين جمهورية أيرلندا وأيرلندا الشمالية، انتزع رئيس بلدية لندن السابق تأييد البرلمان لقانون يتيح تنفيذ الخروج من الاتحاد الأوروبي.

ويعود الفضل بذلك للغالبية البرلمانية الساحقة التي حققها في ديسمبر، وهي غالبية غير مسبوقة لحزب المحافظين منذ عهد مارغريت تاتشر.

ووقعت الملكة إليزابيث الثانية في 23 يناير النص المؤلف 535 صفحة، والذي تم التوصّل إليه في أكتوبر وحوّل اتفاق الخروج إلى قانون بريطاني.

وتبقى هناك خطوة أخيرة قبل النهاية الرسمية لعلاقة دامت 47 عاما بين بريطانيا والاتحاد الأوروبي، وتتمثّل باعتماد البرلمان الأوروبي الأربعاء اتفاق بريكست الذي وقع الجمعة في كل من بروكسل ولندن.

وعلى ممثّلي الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي أن يعلنوا موافقتهم كتابيا على النص غداة ذلك، وهي الخطوة الأخيرة الرسمية.

وفي هذه الأثناء، عيّن الاتحاد الأوروبي سفيره السابق في الولايات المتحدة البرتغالي جواو فاليه دي ألمييدا، سفيراً في لندن، يتولّى مهامه في الأول من فبراير القادم.

وأعلن جونسون بوضوح أنه يرغب في اتفاق مشابه لاتفاق بلاده التجاري مع كندا، مع عدم الالتزام بقواعد التكتّل الأوروبي.

العرب