بعد سليماني.. واشنطن تستفرد بإيران وتعزل أذرعها

بعد سليماني.. واشنطن تستفرد بإيران وتعزل أذرعها

لا يبدو أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب مهتم بتجاوز الحكومة الإيرانية لملف اغتيال قاسم سليماني، فوزير خارجية إيران محمد جواد ظريف أعلن، بوضوح، أن اغتيال واشنطن لسليماني لا يشكل حائلا دون إجراء حوار بين إيران وواشنطن. هذه الهدية الإيرانية رفضها ترامب وقال “شكرا”.

يأتي الموقف الإيراني ليؤكد أن إيران ليست في وارد التصعيد ضد واشنطن، بل يُظهر أن سيف العقوبات الأميركية جعل إيران في موقع حرج، وباتت الآمال الإيرانية باهتزاز الموقف الأميركي وتراجعه غائبة، بل بات الانتظار الرسمي الإيراني إلى حين الانتخابات الرئاسية الأميركية، أمرا محفوفاً بمخاطر جدية، ليس بسبب ترجيح فوز ترامب بولاية ثانية، بل في ظل تساؤلات حول قدرة الدولة الإيرانية على تحمل تبعات الانتظار حتى نهاية هذا العام.

مردُّ التضعضع الإيراني يكمن في التداعيات التي يشهدها النفوذ الإيراني في “دول الهلال” التي تباهت قيادات إيرانية بالتحكم والسيطرة عليها، وكان اغتيال قاسم سليماني مؤشرا على نهاية مرحلة من التناغم الميداني الإيراني – الأميركي في أكثر من ساحة عربية، وبداية مرحلة جديدة بشروط ومعايير مختلفة، الثابت فيها الانتهاء من الأذرع العسكرية التابعة لقيادة الحرس الثوري، التي أسسها سليماني، أو عزّز نفوذها ودورها وولاءها لإيران.

ومع الانتفاضة التي تفجرت في العراق ثم في لبنان، بدا واضحا أن النفوذ الإيراني في أهم قاعدتين لهذا النفوذ، عرضة للانهيار وليس للاهتزاز فحسب. فالأولويات التي برزت لدى الشعبين العراقي واللبناني، باتت مغايرة لكل ما قام النفوذ الإيراني عليه. أي أن سؤال الدولة ومرجعيتها وتقويض الثنائيات المتناسلة من الدولة والدويلة، هي أبرز مطالب المحتجين، فضلا عن الفساد الذي بات هدفا يسعى المحتجون لعزله وتهميشه، كانت أذرع إيران تغذيه وتعيش عليه لسنوات طويلة.

على أن هاتين القاعدتين المهتزتين في العراق ولبنان، تنافسهما الساحة السورية التي تشهد حالة انكفاء إيراني في ظل تمدد روسي بات معنيا بضبط الحدود مع الجولان وإسرائيل، وبتغطية كل الضربات الأميركية أو الإسرائيلية على القواعد الإيرانية في سوريا.

على وقع هذه التطورات تشكلت الحكومة اللبنانية الجديدة برئاسة حسان دياب، وبرعاية حزب الله الذي يتحكم بقواعد سلوكها، لاسيما المتصلة بقضايا استراتيجية، لكن هذه الحكومة التي لم ترض الانتفاضة بسبب المحاصصة التي حكمت تأليفها وبسبب قفزها على مطالب المحتجين، تبدو في وضع لا تُحسد عليه، هذا إذا كانت فعلا معنية بإنقاذ لبنان من مأزقه المالي والاقتصادي ومن الانهيار الذي يطال بناه الاقتصادية، ذلك أن معظم الوزراء، إن لم يكن جميعهم، هم ممثلون لأطراف سياسية وحزبية قامت الانتفاضة ضدهم وضد منهجية الحكم التي أرسوها وأوصلت لبنان إلى ما هو عليه اليوم.

المعضلة التي يواجهها لبنان اليوم، هي حصيلة ما وصلت إليه الدولة في ظل سيطرة حزب الله كامتداد للنفوذ الإيراني. والمفارقة المؤلمة أن كل السياسات التي اعتمدها لبنان لاسيما في علاقاته العربية والدولية كان معيارها ما سماه حزب الله “الدولة المقاومة”، أو تلك الثلاثية المسماة “الجيش والشعب والمقاومة”. والكارثة أن لبنان تحول باسم هذه السياسة وبسببها إلى دولة ينخر مؤسساتها وسلطتها الفساد من جهة، ودولة لم يعد لها من خيار إلا الاستعطاء والتسكع على أعتاب الدول التي طالما كان يسميها حاملو لواء المقاومة والممانعة، دولا متآمرة أو استعمارية، أي تناصبها العداء ولا ترى ضيرا اليوم من استعطائها من جهة أخرى.

لكن الأهم من كل ذلك أن نموذج الدولة المقاومة الذي أداره ورعاه حزب الله في لبنان ولا يزال، جعل من لبنان دولة ذات مؤسسات عاجزة ومجتمع منهك، وسلطة نهب معظم أركانها مال الدولة والناس، ودولة عاجزة أن تلبي بذاتها تمويل استيراد الحدّ الأدنى من مقومات الصمود، القمح والنفط والدواء، هذا الذي خلص إليه مشروع سلطة المقاومة في لبنان، وهو نموذج عاجز عن أن يصمد إزاء أي تحدّ حقيقي، إذ أن مئات آلاف الصواريخ التي طالما تباهى بها الأمين العام لحزب الله، حسن نصرالله، عاجزة اليوم عن أن تحصّن لبنان ليس من أي خطر خارجي فحسب، بل هي عاجزة أيضا عن التصدي لاحتلال الفساد والنهب للدولة والمجتمع.

العرب