خطة ترامب… بين “أضغاث أحلام” وعودة الحركة الوطنية الفلسطينية إلى نقطة الصفر

خطة ترامب… بين “أضغاث أحلام” وعودة الحركة الوطنية الفلسطينية إلى نقطة الصفر

هذه هي أفضل الخطط السياسية الأمنية التي سبق أن طرحت على إسرائيل في الموضوع الفلسطيني، وعلى إسرائيل أن تتبناها جملة وتفصيلاً، بما فيها البنود التي قد لا تكون مريحة لها. هذه خطة تحطم المنظومة الفكرية الكونية –دولة فلسطينية في حدود 1967 عاصمتها القدس الشرقية، وإخلاء المستوطنات– التي ترسخت في العالم منذ محادثات باراك – عرفات، وفي أوساط ما كان عليه “اليسار” الإسرائيلي. هذه خطة تلقي إلى سلة القمامة بحدود 67، تسمح لإسرائيل بأن تقرر حدودها على أساس اعتراف أمريكي بالاحتياجات الأمنية لإسرائيل، تعترف بالقدس الموحدة، وتعترف بشرعية المستوطنات، وهكذا تخرج من الخطاب السياسي اصطلاح “الاحتلال”. هذه خطة لها إجماع واسع في الحياة العامة الإسرائيلية (باستثناء الأغبياء وغريبي الأطوار في الهوامش المتطرفة من اليمين واليسار).
ثانياً، هذه الخطة تعيد الحركة الوطنية الفلسطينية إلى نقطة الصفر: لا حدود 67، لا “حق عودة”، لا ما تلقوه كـ “هدايا” من باراك وأولمرت (السيطرة على نحو 95 في المئة من أراضي يهودا والسامرة، وإخلاء مستوطنات، وقدس مقدسة، وعودة “رمزية”، للاجئين، وسيطرة على الحرم والحوض المقدس). صحيح أن الخطة تتحدث عن دولة فلسطينية بعد أربع سنوات، عاصمتها شرقي القدس (بمعنى القرى مثل أبو ديس وقلنديا)، ولكن من أجل نيل هذه الجائزة، على الفلسطينيين أن ينفذوا سلسلة من الشروط، وعلى رأسها الاعتراف بدولة إسرائيل كدولة يهودية. من ناحية الفلسطينيين، فهذا تنكر للأمر الأهم وخيانة للجوهر وللهوية الفلسطينية. فضلاً عن ذلك، فإن دولتهم ستكون محدودة جداً في سيادتها، ولن تكون لها رقابة على الحدود. وكل ما قلته حتى الآن يذكرني بالإرث الذي تركه إسحق رابين في خطابه في الكنيست قبل شهر من اغتياله: لن نعود إلى حدود 67، القدس ستبقى موحدة، والكتل الاستيطانية ستضم، وغور الأردن بالمعنى الأوسع سيكون حدودنا الأمنية؛ لن تكون دولة فلسطينية بل شيء ما أقل من دولة.
ثالثاً، قطاع غزة وحماس. تتحدث الخطة عن نزع سلاح حماس، وتجريد القطاع وارتباطه بيهودا والسامرة بواسطة نفق. برأيي، هذه حقاً أضغاث أحلام. فمن سينزع سلاح حماس؟ هذا وحده ينذر بالشر للخطة.
رابعاً، أبو مازن والقيادة الفلسطينية، كطريقها التاريخي المقدس، لن يرفضا الخطة فقط، بل وسيحاولان القتال ضدها، وتهديداتهما تناطح السحاب. لهم مشكلتان: الأولى، ليس لهم دعم من الدول العربية، التي عملياً هجّرت الفلسطينيين؛ الثانية، باستثناء الإرهاب الشعبي المصعد، من الصعب اليوم تجنيد الشارع العربي لعنف بعيد المدى. من يمكنه أن يمارس العنف هما حماس والجهاد الإسلامي في قطاع غزة. فهل ستنتج خطة القرن عنفاً كهذا من قطاع غزة، إلى أن يرفعنا هذا إلى “لحظة الحقيقة” بالنسبة لمستقبل حماس في القطاع؟ أرى خطرين آخرين محتملين: الأول، أن لا يعرف سياسيون كيف سيتصدون للتحدي الأكبر الذي يواجه الدولة الآن؛ والخطر الثاني، أن لا ينتخب ترامب مرة أخرى في تشرين الثاني. ينبغي الصلاة من أجل انتخابه.
خامساً، هل نضم غور الأردن الآن؟ هذا أمر ليس مرغوباً فيه، بسبب المخاطر الكثيرة. وإذا كان لا بد، فمرغوب فضم “معاليه أدوميم” أو إحدى الكتل. مخاطر أقل، إجماع أكثر.
وختاماً، في نظرة عامة: الخطة جاءت في الوقت الذي توجد فيه إسرائيل في موقع قوة إقليمية، والدول العربية في مشاكل عويصة، والولايات المتحدة في موقع تأثير في المنطقة لم يكن لها في الماضي، وفوق كل ذلك، لا ننسى للحظة أن المشكلة هي إيران.

القدس العربي