تاريخ المنتصرين: 4 ملاحظات على اليوم التالي لصفقة القرن

تاريخ المنتصرين: 4 ملاحظات على اليوم التالي لصفقة القرن

1-الاستسلام
تطلب صفقة القرن من الحركة الوطنية الفلسطينية الاستسلام دون شروط، مثل ألمانيا واليابان بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية. وحسب ترامب، سيتحقق السلام فقط إذا توقف الفلسطينيون عن ترديد “رواية الماضي” ووجهوا أنظارهم إلى الأمام، نحو الاعتراف الدبلوماسي والنمو الاقتصادي المتوقع لهم. هذا الأمر كان مجدياً بالنسبة لألمانيا واليابان. فقد تنازلتا عن النازية والإمبريالية وعن مكانتهما وطموحاتهما كدولتين عظميين عسكرياً وبحرياً، ووضعتا أمنهما في أيدي الولايات المتحدة، وحصلتا خلال عشرات السنين على الملذات والهبات الاقتصادية. خطة ترامب تقترح على الفلسطينيين صفقة مشابهة مع إسرائيل والدول المجاورة والمجتمع الدولي.
ترامب يقول للفلسطينيين: لقد خسرتم في الحرب، وحان الوقت لأن تدركوا ذلك. والحركة الوطنية الفلسطينية، التي تستند حتى الآن إلى إنكار الصهيونية كحركة كولونيالية عنصرية مجرمة، مطلوب منها الآن تغيير الفكرة القومية، وكتب التعليم والمقالات في الصحف الرسمية، وتبني رواية جديدة: الصهيونية حركة محقة أعادت الشعب اليهودي إلى البلاد بعد آلاف السنين في الشتات، والفلسطينيون هم الجيران الفقراء للدولة اليهودية، الذين يمكنهم التمتع بـ “استقلال منقوص” إذا اكتفوا بمنطقة محدودة ومقسمة بالمستوطنات ومسيطر عليها من الجوانب ومن الأعلى ومن موجات الأثير، من قبل الجيش الإسرائيلي. وإذا قاموا بتغيير الشريط فسيحصلون على عاصمة في أبوديس مع سفارة أمريكية، وعضوية كاملة في الأمم المتحدة و50 مليار دولار.
الروح الوطنية التي قام الفلسطينيون بتعهدها خلال أربعة أجيال، والتي يطالبون فيها بعودة اللاجئين الفلسطينيين إلى يافا وحيفا وإلى الـ 400 قرية دمرت في العام 1948، ويجب محوها ونسيانها، هي ومئات القرارات للأمم المتحدة التي دعت إلى إنصاف الفلسطينيين والدعاوى في محكمة الجنايات الدولية في لاهاي ودعم مقاطعة إسرائيل. في الحقيقة، يقول لهم ترامب إنه وبهذه الطرق لن تحققوا الاستقلال. لقد أصابكم الفقر والمعاناة وحققتم حكومات غير جديرة في رام الله وغزة. وإذا سرتم معي فسيكون هذا أكثر فائدة لأولادكم، وإذا واصلتم التصلب فلن تحصلوا على أي شيء وستخسرون مرة أخرى.
ترامب يتبنى دون شك موقف رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو الذي دعا منذ بداية مسيرته إلى تدمير الحركة الوطنية الفلسطينية، ويقوم بعرضها كمنظمة قتل وإجرام، نجحت في تضليل الرأي العام الليبرالي في الغرب بعد أن أقنعت أدولف هتلر بقتل اليهود في أوروبا كي لا يستوطنوا أرض إسرائيل. الفترة الزمنية التي منحها ترامب للفلسطينيين من أجل هضم وتبني الخطة تستهدف الانتظار حتى انتهاء فترة ولاية الرئيس الفلسطيني محمود عباس وصعود البديل، الذي سيكون ملزماً بصورة أقل منه برواية الظلم والضحايا وحق العودة. هل تسمع، يا جبريل الرجوب؟

2- الفلسطينيون
في نهاية الإدانات المتوقعة، والشتائم الموجهة ضد ترامب، وأيام الغضب التي في المناطق، يجب على القيادة الفلسطينية أن تسأل نفسها إذا لم تكن مخطئة في فهم الساحة الدولية، وأضاعت فرصة صفقة أفضل. هل كان ياسر عرفات محقاً عندما رفض اقتراح التسوية الذي قدمه إيهود باراك وبيل كلينتون في قمة كامب ديفيد قبل عشرين سنة أم أنه قام بالانتحار الوطني؟
إسرائيل في الحقيقة حسنت منذ ذلك الحين عروضها. في محادثات طابا في نهاية فترة ولاية باراك وفي الخريطة التي عرضها إيهود أولمرت على عباس في العام 2008، فقد ووجهت هذه الحالات هذه الاقتراحات أيضاً برفض الفلسطينيين. ولكن قبل عشرين سنة كان عرفات زعيماً مقبولاً في العالم، يدخل إلى البيت الأبيض ويخرج منه. والسلطة الفلسطينية سيطرت على مدن الضفة الغربية ومعظم قطاع غزة. إسرائيل كانت تحت ضغط دولي شديد بزعامة الرئيس كلينتون من أجل إنهاء مسيرة أوسلو باتفاق دائم يؤسس لدولة فلسطينية في قطاع غزة ومعظم مناطق الضفة الغربية. في هذه المناطق كان يعيش عدد أقل بكثير من المستوطنين. وقد وافقت إسرائيل على إخلاء معظم الضفة الغربية وعلى تقسيم القدس واستيعاب بضع عشرات الآلاف من اللاجئين. ولكن الفلسطينيين أرادوا المزيد، واحتجوا على عدم عدالة الصفقة التي اقترحت عليهم، مقابل الانسحاب الكامل لإسرائيل من شبه جزيرة سيناء واقتراح انسحابها الكامل من هضبة الجولان.
محمود عباس حل محل عرفات وواصل طريقه السياسي، حتى بعد هزيمة الفلسطينيين في الانتفاضة الثانية وبعد أن طردت حماس السلطة الفلسطينية من قطاع غزة. لقد اعتقد أن التأييد الدولي للفلسطينيين قوي وحصين إزاء التغيرات السياسية، وأنهم إذا ما انتظروا وقتاً كافياً فإن العالم سيملي على إسرائيل اتفاقاً أفضل، لكنه لم يأخذ في الحسبان أن الولايات المتحدة قد تنقلب وتتبنى موقف اليمين الإسرائيلي. لقد قطع اتصالاته مع إدارة ترامب وتنازل عن محاولة التأثير على صياغة صفقة القرن على فرض أنهم أصلاً لن يستمعوا له. يجب على عباس الآن مواجهة خطة السلام التي تقوم على رؤية نتنياهو، ومقاطع كاملة منها منسوخة من كتبه وخطاباته. والأسوأ من ناحية عباس هو أن “العالم لم يقم بإدانة الخطة” والفلسطينيون ظلوا ضعفاء ومعزولين.

3- الديمقراطيون
اليسار في إسرائيل يرد في هذه الأثناء على خطة ترامب بالنفي ويظهر الأمل بأن “ما كان لن يكون”. وفي الأصل لن يخرج من هذا شيء، وكل ذلك كلام فارغ، و لن يتجرأ نتنياهو على الصم.. الخ. هذا يذكر بدرجة ما بالردود الأولى لليمين على خطة الانفصال لاريئيل شارون في غزة. ولكن لصفقة القرن جمهور في الولايات المتحدة، التي هي على أبواب حملة انتخابات رئاسية، وتضع معضلة أمام المرشحين الديمقراطيين الذين يريدون استبدال ترامب، خاصة أمام المرشح الأقوى جو بايدن الذي يعتبر رجلاً وسطاً، وصيغة أمريكية من “أزرق أبيض”.
كيف سيتصرف بايدن إذا فاز في الانتخابات؟ وما الذي سيفعله ديمقراطي أكثر يسارية إذا ورث ترامب البيت الأبيض في كانون الثاني القادم؟ من المعقول أن أي رئيس مستقبلي سيقوم بتخزين خطة سلفه السياسية، مثلما فعل جميع رؤساء الولايات المتحدة منذ العام 1967. هذه هي السياسة. ومن المعقول أيضاً أن الديمقراطيين الملتزمين بالتعاون الدولي سيحترمون قرارات الأمم المتحدة ولن يتعاملوا مع هذه المؤسسة كجسم ينتج القمامة، مثلما يعتقد ترامب وطاقمه. ولكن كيف سيتعامل الديمقراطيون مع الخطوات التي اتُخذت على الأرض؟ هل سيعيدون السفارة الأمريكية من القدس إلى تل أبيب؟ هل سيطلبون من إسرائيل إلغاء خطوة الضم إذا تم الإعلان عنها في الأشهر القريبة المقبلة وإعادة المستوطنات إلى الحكم العسكري وأوامر قائد المنطقة؟
تعلمنا التجربة بأن الولايات المتحدة تسلم بخطوات أحادية الجانب لإسرائيل، حتى لو كانت تعارضها من البداية، فكيف إذا تمت بمباركتها! هكذا وافق الأمريكيون على الإعلان عن الدولة في العام 1948 ونقل عاصمة إسرائيل إلى القدس وبناء المفاعل في ديمونة وضم القدس وهضبة الجولان وقصف المفاعل العراقي والتواجد الطويل في لبنان. ويمكن التقدير بأنهم سيسلمون أيضاً بأثر رجعي بضم غور الأردن والمستوطنات، خاصة بعد أن حصل هذا الضم على موافقة أمريكية. هذا هو السبب الذي سيجعل نتنياهو أو من سيرثه يعلن عن الضم حتى قبل الانتخابات الأمريكية في تشرين الثاني القادم.

4- نتنياهو
في خطابه في البيت الأبيض وهو يقف إلى جانب ترامب، قارن رئيس الحكومة يوم 28 كانون الثاني 2020 مع يوم الإعلان عن الدولة في 14 أيار 1948. هذه المقارنة غير مدحوضة، ففي مثل هذا اليوم استغلت الحركة الصهيونية بنجاح ضائقة الرئيس الأمريكي الذي أراد أن يعاد انتخابه، والخوف من الهزيمة في الانتخابات، من أجل الحصول على دعم البيت الأبيض. ومن السابق لأوانه التقدير بأن 28 كانون الثاني سينقش في تاريخ إسرائيل، أو حتى ستتم الإشارة إليه في المستقبل إلى جانب يوم الاستقلال كـ “يوم الحدود” أو “يوم الانتصار على الفلسطينيين”، أو أنه سيتلاشى بهدوء مثل تواريخ تاريخية أخرى نتذكرها من العملية السلمية.
ولكن ليس مبالغاً فيه التقدير بأن 28 كانون الثاني 2020 كان يوماً تأسيسياً في مسيرة نتنياهو الطويلة، وهو اليوم الذي طرحت فيه رؤيته السياسية كخطة سلام أمريكية، بعد سنوات كثيرة وقف فيها وحده أمام الرأي العام الإسرائيلي والدولي؛ وهو اليوم الذي قدمت ضده لائحة اتهام خطيرة بسبب تلقي الرشوة. كل ميزات نتنياهو برزت في يومه العظيم: مهاراته الخطابية كدبلوماسي وخطيب، التي أهلته لحضور الاحتفال في البيت الأبيض، وسعيه المريض من أجل الحصول على التقدير الذي جعله يتورط في أمور جنائية في ملفات الألف. والذكر الواجب لزوجته سارة في بداية خطابه في البيت الأبيض مثلما هي الحال في الأخبار المشجعة في “واللاه” و”يديعوت أحرونوت” التي يريد نتنياهو نسيانها.

الديمقراطية