العلاقات العسكرية الأميركية العراقية.. أقل من قطيعة وأكبر من تشقق

العلاقات العسكرية الأميركية العراقية.. أقل من قطيعة وأكبر من تشقق

وضعت التطورات الأخيرة التي شهدتها الساحة العراقية العلاقات بين واشنطن وبغداد على محك التساؤل، لتتباين المواقف بشأن الحضور العسكري الأميركي بين الساسة العراقيين كل حسب ميولاته وتوجهاته وارتباطاته، وهو في واقع الأمر وجود ظل مرفوقا دائما بنقاط استفهام جعلته في منزلة بين المنزلتين، يصفه البعض بأنه “أقل من قطيعة وأكبر من تشقق”.

سامية كولاب / قاسم عبدالزهرة

بغداد – شيّد برج مراقبة جديد فوق قاعدة عسكرية أميركية في شمال العراق. ورفعت الرافعات ألواحا ضخمة من الخرسانة لتعزيز الحواجز من أجل ضمان حماية أفضل. وقال الجنود هناك إن الخطر لم يكن ناتجا عن مجموعة من الخلايا النائمة المقاتلة الموجودة حولهم، لكن في مناطق أبعد من ذلك، في إيران.

كانت القوات الأميركية في العراق على أهبة الاستعداد لمواجهة انتقام إيران أو حلفائها من الميليشيات الشيعية منذ أن قتلت الولايات المتحدة في غارة جوية في بغداد الشهر الماضي قاسم سليماني، قائد فيلق القدس في الحرس الثوري وعراب التغلغل الإيراني في منطقة الشرق الأوسط. وقد أثارت الضربة التي وقعت في 3 يناير موجة الغضب بين الزعماء الشيعة في العراق، الذين استنفروا مطالبين بمغادرة القوات الأميركية للبلاد.

وسمم التوتر الحاصل الشراكة مع الأميركيين، خاصة بعد أن أبلغت الحكومة الجيش العراقي بعدم طلب المساعدة الأميركية في العمليات التي تستهدف تنظيم داعش، في إشارة إلى أن السلطات جادة في إعادة التفكير في العلاقة الإستراتيجية، وفق ما نقلته وكالة أسوشيتيد برس عن مسؤولين عسكريين عراقيين بارزين.

وتضع هذه التطورات، إمدادات الولايات المتحدة للعراق مثل الأسلحة والتكنولوجيا العسكرية والطائرات التي كانت أساسية في التصدي لتهديدات مقاتلي داعش الذين يحاولون العودة في شمال وغرب العراق، على المحك. واحتمال فقدان هذه المساعدة هو أحد الأسباب التي دفعت السياسيين العراقيين إلى التردد قليلا في توجيه مطالبهم للقوات الأميركية بالرحيل على الفور. أما كبار المسؤولين العسكريين العراقيين فيعارضون الانسحاب.

وقال جنرال متمركز في غرب العراق، تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته، “بالنسبة إلينا، الوجود الأميركي يشبه وجود شبكة الكهرباء في أحد المنازل. إذا انطفأ النور، فالمكان كله يظلم”.

المنعرج المنعطف

في أعقاب الضربة الأميركية التي قتلت قاسم سليماني وأبومهدي المهندس، نائب رئيس الحشد الشعبي، أصدر البرلمان العراقي قرارا غير ملزم يطالب الحكومة بطرد الأميركيين. وخرج عراقيون في مسيرة معادية للولايات المتحدة، بينما صرح رئيس الوزراء العراقي المستقيل، عادل عبدالمهدي، علانية بأن القوات الأميركية يجب أن ترحل.

كان على القوات الأميركية أن توقف العمليات المشتركة مع الجيش العراقي ضد داعش بعد الضربة، وهي فترة توقف تستمر لثلاثة أسابيع. وفي غضون ذلك، قامت القوات الأميركية بتحصين القواعد ضد الانتقام المحتمل من قبل إيران والميليشيات الشيعية العراقية الموالية لطهران- مثل البرج الجديد والحواجز المعززة في قاعدة بمدينة أربيل شمال العراق.

ويتمركز حوالي 5200 جندي أميركي في قواعد عراقية لدعم القوات المحلية التي تقاتل مسلحي داعش، وهي جزء من تحالف دولي أكبر دعت إليه الحكومة العراقية في عام 2014. لكن منذ ذلك الحين، يقول المسؤولون الغربيون إن السلطات العراقية لم تتخذ أي إجراءات ملموسة للتعجيل بخطة الانسحاب.

وقال أحد المسؤولين الأميركيين “أود أن أقول إنه مع كل قادة الأحزاب السياسية الشيعية تقريبا، كان هناك، خلف الأبواب المغلقة وفي الاجتماعات الخاصة، نهج أكثر موضوعية حول كيفية تعاملهم مع الموقف، كما عبروا كذلك عن رغبتهم في الحفاظ على علاقة وشراكة ائتلافية. وهذا أمر ضروري للعراق”.

وفي جلسة مجلس الوزراء، قال عبدالمهدي إن الأمر متروك للحكومة القادمة للنظر في قرار البرلمان. ولم يعلن رئيس الوزراء المكلف محمد علاوي، وزير الاتصالات السابق، عن سياسته. وقيل للدبلوماسيين الغربيين إن العراق قد شكل لجنة لدراسة مسألة وجود القوات الأميركية في العراق، لكن اثنين من المسؤولين العراقيين قالا إنه لا توجد إشارة رسمية من عبدالمهدي بتشكيل هذه اللجنة رسميا. وقال جيمس جيفري، المبعوث الخاص للتحالف العالمي لهزيمة داعش، متحدثا عن اللجنة “لم يكن هناك أي ارتباط حقيقي”، في تصريحات للصحافيين في واشنطن في 23 يناير.

الضغط المباشر

قابلت واشنطن طلبات العراق ببدء سحب القوات برفض صريح، مهددة بفرض عقوبات قد تشل الاقتصاد العراقي. وبدلا من الضغط المباشر من أجل الانسحاب الأميركي، يبدو أن الحكومة العراقية تتردد الآن قليلا. ورغم أن الولايات المتحدة أعلنت عن استئناف العمليات المشتركة ضد داعش، إلا أن العراق لم يكن واضحا.

وأعلن الجيش العراقي انتهاء توقف العمليات في 30 يناير، لكن متحدثا عسكريا ألغى هذا الادعاء في تصريحات للتلفزيون الرسمي. ولم يتم توضيح هذا الادعاء. وفي مناسبتين على الأقل في يناير، قال المسؤولون الأميركيون إنهم يتوقعون إلغاء هذا التوقف المؤقت في وقت قريب. ولفت اثنان من المسؤولين العسكريين العراقيين وقائد ميليشيا إلى إن الحكومة طلبت من جيشها عدم طلب المساعدة من التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة في عمليات ضد داعش وتقليل التعاون معها. وذكر مسؤول كبير في المخابرات العسكرية “حتى الآن، لم نطلب من الأميركيين تقديم المساعدة، بل نعتمد على قدراتنا على متابعة عناصر داعش. إن وجود الأميركيين في العمليات المشتركة هو مجرد أمر رسمي”.

وقال مسؤول آخر، وهو قائد في قوات مكافحة الإرهاب العراقية المدربة من النخبة الأميركية في محافظة الأنبار الغربية، إن بعض التدريب مستمر، لكن “فيما يتعلق بالعمليات العسكرية وتنفيذ العمليات، لا يوجد أي دعم”.

في المقابل أشار المتحدث باسم التحالف مايلز كاجينز إلى أنه لم يتم تنفيذ أي غارات جوية للتحالف ضد داعش منذ مقتل سليماني. لكنه تم تنفيذ 45 غارة في العراق في شهري أكتوبر ونوفمبر. وبيّن كاجينز أن “العراقيين لم يطلبوا المساعدة في الغارات الجوية في الأسابيع الأخيرة أثناء توقف عملياتنا”.

فرانك ماكنزي: قوات العمليات الخاصة الأميركية تنفذ ببعض المهام مع القوات الخاصة العراقية باعتبار أن الوضع “لا يزال في فترة الاضطراب”
والتقى الجنرال الأميركي في مشاة البحرية الأميركية فرانك ماكنزي، القائد الأعلى للقوات الأميركية في الشرق الأوسط، الثلاثاء بقادة عراقيين وأقر بأن العمليات العسكرية المشتركة والتدريب قد تم تقليصهما، رغم أنه قال إن قوات العمليات الخاصة الأميركية تقوم ببعض المهام مع القوات الخاصة العراقية. وأضاف “لا نزال في فترة الاضطراب”.

سيؤدي الانسحاب الأميركي الشامل إلى حدوث نكسة كبيرة في القدرات العراقية لمحاربة داعش كما يعترف الضباط العسكريون العراقيون. وكانت الولايات المتحدة قد انسحبت من البلاد في عام 2011، فقط من أجل مشاهدة انهيار الجيش العراقي في مواجهة الحرب التي شنها تنظيم الدولة الإسلامية عام 2014 والذي اجتاح مدنا عراقية كثيرة في الشمال والغرب. وكنتيجة لذلك، دعت الحكومة الأميركيين للوقوف بجانبهم.

وقال مسؤول عراقي “القوات العراقية الموجودة في غرب العراق تحتاج إلى دعم جوي مستمر ودعم لوجستي. يتم توفير هذا الدعم لنا من قبل قوات التحالف، وخاصة الولايات المتحدة. إذا تم إخراجهم، فسنصبح مشلولين”. وبدوره اعتبر مسؤول كبير في المخابرات العسكرية بأن المعركة ضد داعش أصبحت تقنية بشكل متزايد، ونحن لا نملك أيا من هذه التقنيات. الأميركيون وحدهم من يمتلكون مثل هذه التقنيات.
ويعتمد العراقيون أيضا على الخبرة العسكرية الأميركية للحفاظ على طائراتهم المقاتلة الأميركية من طراز إف 16.

وفي تبرير تمويل البنتاغون في مارس 2019 للسنة المالية 2020، قالت وزارة الدفاع إنه إذا لم يتم تخصيص مبلغ 1.045 مليار دولار لمواصلة التدريب والمعدات المضادة لداعش، فإن ذلك “سيعرّض قدرة العراق على ترسيخ المكاسب التي حققها التحالف للخطر”، ومن المحتمل إجبارهم على “تعزيز العلاقات مع الجهات الحكومية الأخرى”، في إشارة إلى إيران.

وقال تقرير للمفتش العام غلين فاين في سبتمبر 2018، في شهادة أمام الكونغرس، إن قوات الأمن العراقية أبدت “ضعفا نظاميا” وكانت “سنوات إن لم تكن عقودا” بعيدة عن إنهاء الاعتماد على مساعدة التحالف. ويعارض الأكراد في العراق ومعظم الفصائل السنية الانسحاب الأميركي. حيث يعتبر الكثير من السنة الوجود الأميركي بمثابة حصن ضد كل من داعش والقوة الإيرانية.

وقال أبوأحمد، وهو صاحب متجر للبقالة في مدينة الموصل القديمة “إذا خرج الأميركيون، فسنتعرض للهجوم من الجميع، وأعني الجميع داعش والحكومة والميليشيات والأحزاب. الأميركيون وحدهم هم من يمنعون هذه الفصائل من ابتلاع الموصل”.

العرب