ثلاث قضايا تطيل بقاء القوات الأميركية في العراق

ثلاث قضايا تطيل بقاء القوات الأميركية في العراق

مازال قرار البرلمان العراقي الصادر منذ مطلع شهر يناير الماضي والقاضي بطرد القوات الأميركية في العراق في خطوة وصفت بأنها تدخل في خانة تطبيق حكومة بغداد لإملاءات إيران خاصة بعد مقتل قاسم سليماني يثير جدلا واسعا، لا فقط في العراق المنقسمة طبقته السياسية بشأن الملف بل داخل الإدارة الأميركية بقيادة الرئيس الأميركي دونالد ترامب والتي تجد نفسها أيضا في مطب لا يتماشى مع وعود ترامب الانتخابية والتي أعلن فيها عزمه عن سحب قوات بلاده من العراق مباشرة بعد القيام بمهمتها الأساسية وهي القضاء على تنظيم داعش.

واشنطن – منذ غزو العراق في عام 2003، تميز التعاطي مع الوجود العسكري الأميركي في البلد بمواقف متناقضة لا تخص فقط الطبقة السياسية الحاكمة في العراق الموالية لإيران بل أيضا مواقف الإدارة الأميركية غير الحاسمة والتي بقيت مترددة.

بعدما أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب عن سحب قوات بلاده من سوريا، تميزّت خطاباته بإعلان عزمه عن سحب القوات الأميركية من أفغانستان والعراق أيضا.

الخيارات المطروحة
إن التطورات المتواترة في منطقة الشرق الأوسط وفي مقدّمتها الصراع مع إيران خاصة بعدما تمكّنت القوات الأميركية من قتل قاسم سليماني قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني أملت واقعا جديدا زاد في ضبابية نوايا واشنطن.

ومنذ أن أعلن البرلمان العراقي عن مصادقته على قرار طرد القوات الأميركية من البلاد، باتت واشنطن أكثر حذرا في تعاملها مع الموضوع الذي يتعلق أساسا بالأمن الأميركي في العراق.

وتطرق موقع “ستراتفور” الأميركي إلى هذا الملف خاصة من ناحية المعطيات والخيارات المطروحة على مكتب ترامب بشأن حسم الجدل حول مستقبل القوات الأميركية في العراق.

واشنطن أمام تحديات مواصلة القتال ضد داعش وتخفيف تأثير إيران الإقليمي وضمان بقاء المنطقة الكردية المتمتعة بالحكم المستقل في العراق

ويؤكد التقرير الأميركي أن الوجود العسكري الأميركي في العراق يعيش على وقع العديد من المتناقضات. فقد ترشح ترامب لمنصب الرئاسة واعدا بتقليص عدد القوات الأميركية في المنطقة إلى الحد الأدنى، لكنه اضطر إلى زيادة أعدادهم. كما ينقسم العراقيون إلى حد كبير على أسس طائفية ويختلفون على حجم الوجود الأميركي الذي يريدونه في البلاد.

من جهة أخرى، لطالما أرادت إيران أن يواجه جميع الأميركيين وحلفاء الناتو وقوات التحالف تنظيم داعش في العراق وبلاد الشام، لكنها الآن تدفع بكل قوة للضغط على حلفائها في إيران للتمسك بطرد القوات الأميركية.

بمجرد انتهاء التهديد المباشر من داعش، بدأت الجماعات العراقية المتحالفة مع إيران حملة مضايقة تقوم من خلالها بإطلاق الصواريخ على المنشآت الأميركية. ولم تصل الهجمات التي يشنها وكلاء إيران إلى مستوى الرد الأميركي إلى أن وقعت ضربة الصواريخ في 27 ديسمبر 2019، مما أسفر عن مقتل مقاول أميركي واثنين من ضباط الشرطة العراقية وإصابة العديد من الأفراد الأميركيين والعراقيين.

وردا على ذلك، في 29 ديسمبر، أمر ترامب بشن سلسلة من الغارات الجوية على مرافق تخزين الأسلحة والقيادة التابعة لكتائب حزب الله، الميليشيا العراقية الأكثر ارتباطا بإيران، ثم تلا ذلك حلقة من الفعل والانتقام الذي أدى إلى هجوم مطول من جانب مؤيدي كتائب حزب الله على السفارة الأميركية في بغداد، ليشفع بقتل الولايات المتحدة للجنرال قاسم سليماني وأبومهدي المهندس، قائد كتائب حزب الله ونائب قائد قوات التعبئة الشعبية.

وترتكز تصورات الإدارة الأميركية في هذا الملف على معالجة ثلاث قضايا أمنية رئيسية في العراق تحدد ما إذا كانت القوات الأميركية أو قوات الناتو ستبقى.

تكمن المشكلة الأولى في الاحتفاظ بالقدرة على مواصلة القتال ضد داعش؛ والثانية في الحفاظ على القدرة على تخفيف تأثير إيران الإقليمي؛ والثالثة هي ضمان بقاء المنطقة الكردية المتمتعة بالحكم المستقل في العراق. أما الشرط الثابت فهو منع وقوع إصابات كبيرة أو هجوم مسبب للخسائر على قاعدة عراقية تضم موظفين أميركيين أو قوات التحالف أو مجمع دبلوماسي أميركي.

لقد أعلن ترامب عن فوزه على داعش، وأنّ رحيل الولايات المتحدة عن العراق سيؤكد وفاءه بوعده للناخبين بتقليص انتشار قوات بلاده في الشرق الأوسط.

وبالرجوع إلى تعليقاته بعد تصويت البرلمان العراقي، لا يزال الرئيس الأميركي يرغب في الاحتفاظ ببعض القوات في البلاد لمراقبة إيران ولحماية النفط.

لم يكن لدى ترامب مشكلة في الابتعاد عن منطقة لا يريد العودة إليها، كما كان الحال في شمال سوريا، لكنه الآن قد لا يريد التضحية بقواعد في العراق من المحتمل أن تكون هناك حاجة إليها مرة أخرى.

ورغم أن الرئيس الأميركي لا يبدو قلقًا بشأن المنشآت الصغيرة المتبقية في سوريا، فقد طالب علنا بالتعويض عن الإنجازات التي نفذتها الولايات المتحدة في قاعدة عين الأسد الجوية التابعة للجيش العراقي في محافظة الأنبار، والتي تضم عددا كبيرا من أفراد القوات الأميركية وقوات التحالف وكانت الهدف الرئيسي لضربة صاروخية انتقامية من إيران.

يرجح تقرير “ستراتفور” أن تتقاسم إدارة ترامب مع إدارة الرئيس السابق باراك أوباما قناعة في أن وجود الولايات المتحدة وحلف الناتو في العراق سوف يتصدى بطريقة ما لقوات الحشد الشعبي الموالية لإيران والتي تتحكم في الهيكل الأمني العراقي.

ويرى ضباط الجيش العراقي والسياسيون الذين يخشون من ازدياد النفوذ الإيراني في الحكومة وأجهزة الأمن والاقتصاد، استمرار الوجود الأميركي السبيل الوحيد لصد حملة إيران للاستيلاء على السلطة عن طريق العنف بالوكالة والتأثير الانتخابي المتزايد.

أما في الولايات المتحدة، فإن الغضب الداخلي من الحزبين الديمقراطي والجمهوري، بعد سحب ترامب للدعم الأميركي للأكراد في سوريا، دفع إلى الترجيح بأن ترامب سيمنع مغادرة أكراد العراق الذين اعتمدوا على وجود عسكري أميركي منذ عام 1991.

من جهة أخرى، فإن المناطق السنية في غرب العراق تستضيف القواعد الأميركية، ولا يثق الناس في تلك المناطق بحكومة بغداد التي يهيمن عليها الشيعة، والتي كان حكمها السيء عاملا مهما في صعود داعش. ولطالما طالب المسيحيون واليزيديون العراقيون من القوات الأميركية وقوات التحالف أن تنتشر بنشاط في مناطقهم وأن تقوم بدوريات فيها لمنع هيمنة الميليشيات الشيعية التابعة لطهران.

لذلك، قد يكون هناك بعض الخيارات المتاحة للحفاظ على قوة أميركية في العراق. أحدها هو إخضاع الوجود العسكري الأميركي في مهمة دولية أقل استفزازا، مثل مهمة تدريب الناتو. حيث أن خيارات مثل مهمة الناتو التدريبية في العراق يمكن أن توفر نظريا غطاء قانونيا لبعض الوجود الأميركي المتبقي، لاسيما أن مهمة الناتو يقودها جنرال كندي مما يلفت الأنظار بعيداً عن هدفها الأميركي.

وقد تم تعليق مهمة الناتو حاليا بسبب المخاطر الأمنية المتزايدة، ومن غير المرجح أن تعود إلى العراق إذا لم يكن هناك وجود أميركي أكثر أهمية من أوامر البعثة بنفسها. ولكن من الصعب رؤية الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ورئيس الوزراء الكندي جاستين ترودو والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل يقبلون المخاطر العسكرية لتوفير الدعم لمواصلة الوجود الأميركي في جميع أنحاء العراق.

ويرى المراقبون أن توجه عادل عبدالمهدي القائم بأعمال رئيس الوزراء في العراق وقرار البرلمان المطالب بالانسحاب الأميركي من العراق من الأمور التي يمكن أن تكون ذريعة لوجود أميركي طويل الأمد. وأن هذا الوجود الأميركي يمكن أن يستمر حتى يجتمع البرلمان بنصاب قانوني، لإعادة تأكيد الدعوة للانسحاب، أو ببساطة يرفض اتخاذ المزيد من الإجراءات، وبالتالي يلغي التصويت الاستشاري المبكر.

تتداخل المعطيات التي تجعل من الوجود الأميركي في العراق ضروريا ومنها تواصل تدريب وتجهيز القوات العراقية ودعم الغارات الجوية الأميركية ضد داعش. وبموجب هذا السيناريو، ستكون القوات الأميركية قادرة على القيام بمهمتها المتمثلة في دعم وإدامة قوات الأمن العراقية القوية والمهنية الموالية للحكومة المنتخبة في بغداد، بدلاً من مجرد الاحتماء والتركيز على الحماية الذاتية.

من جهة أخرى، إن خطر حماية قوات أميركية يعني أنه من غير المرجح أن تكون القوات الأميركية موجودة في العراق بأعداد صغيرة ولذلك يجب أن يكون لدى واشنطن ثقل عسكري هام في أي مكان.

العرب