بين نهاية العالم وعودة المسيح.. لماذا يدعم الإنجيليون الأميركيون ترامب وإسرائيل؟

بين نهاية العالم وعودة المسيح.. لماذا يدعم الإنجيليون الأميركيون ترامب وإسرائيل؟

بابتسامته العريضة، وبحضور عدد من أكثر القساوسة الإنجيليين نفوذا، يقف الرئيس الأميركي مربتا على كتف رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، معلنا أمام العالم خطته لسلام الشرق الأوسط أو ما تُسمى “صفقة القرن”.

نفوذ كبير اكتسبته التيارات المسيحية المحافظة في البيت الأبيض عقب وصول ترامب للسلطة، فمشهد القساوسة والمتدينين من الإنجيليين بالصفوف الأولى للقاعة كان يحمل في طياته الكثير.

وقد أرجعت العديد من وسائل الإعلام الأسباب وراء سعي ترامب الحثيث فيما يتعلق بملف القدس -ابتداءً من إعلانها عاصمة لإسرائيل، وانتهاءً بالإعلان عن “صفقة القرن”- هو خشيته من فقدان قاعدة إنجيلية داعمة لإسرائيل يعول عليها.

وباعتبارها كتلة تصويتية رئيسية في الولايات المتحدة، وتتمتع بعلاقات قوية مع إسرائيل، حرص ترامب على تحقيق أهداف الإنجيليين على الرغم من انشغاله بمعارك سياسية أخرى.

هذا ما نشاهده يوميا على شاشات التلفزة ومواقع الأخبار، إلا أن تساؤلات كثيرة تتبادر إلى الأذهان حول ماهية العلاقة بين الإنجيليين واليهود؟ ولماذا يدعم الإنجيليون الأميركيون ترامب وإسرائيل؟ وهل هي علاقة محبة حقيقية أم أن هناك تفسيرا آخر؟

الإنجيليون ينتظرون نهاية العالم
تقول كانديدا موس أستاذة اللاهوت في جامعة برمنغهام في تقريرها المنشور بصحيفة “ديلي بيست” إن نبوءات الإنجيليين الراسخة تعتقد بأن هناك حدثا جللا سيحدث قريبا في هذا العالم وهو “عودة المسيح لاستعادة أرض إسرائيل”.

وأشارت الكاتبة إلى أن ما حدث يوم افتتاح السفارة الأميركية بالقدس تم بمباركة القس المعمداني روبيرت جيفرس لهذه الخطوة والدعاء للرئيس ترامب ومدح استقامته، وكذا الإشادة بدور إسرائيل في التزامها برسائل الأنبياء وأخلاق المسيح.

وبحسب موس، فإن المشكلة حقيقية لا تكمن في تبريكات جيفرس، إنما بقناعته الراسخة في عقيديته المسيحية اليمينية، والتي تؤمن بأن افتتاح السفارة في القدس سيتبعه دمار كوني -كما هو معروف عن التدبيريي—-ن- وهم جماعة يفسرون هذه الخطوة ببدء حقبة نهاية العالم.

قد يختلف المُبشرون الإنجيليون في تفاصيل أحداث نهاية العالم، إلا أنهم يشتركون في منطق “عودة المسيح ونهاية العالم” ليعيد بناء المعبد اليهودي في القدس “ويستعيد دولة إسرائيل من اليهود” بحسب تصريح د. جريج كاري بروفسور العهد الجديد في جامعة لانيستر لصحيفة ديلي بيست.

ويقول كاري إن جيفرس نفسه -الذي بارك افتتاح السفارة في القدس- يؤمن بأن اليهود لن ينجوا من الدمار من غير اعتناق المسيحية، وبالتالي فإن دعمهم لإسرائيل يجب ألا يفهم على أنه دفاع عن الديانة اليهودية، ففي نهاية العالم إن لم يعتنق اليهود المسيحية، فجزاؤهم العذاب كبقية الناس.

الأمر الذي لا يعتبره كاري يصب في مصلحة إسرائيل واليهود “فولاء الإنجيليين لدولة إسرائيل مرهون باستشراف مستقبلي لعداء عالمي تجاه إسرائيل، وإعادة بناء الهيكل ليس إلا نقطة بداية للصراع النهائي”.
اعلان

تعرضت كنيسة الطابغة لاعتداء اعتبر من أكبر الاعتداءات الإسرائيلية التي نالت من الكنائس في فلسطين، اشتعلت النيران فيها فجرا محدثة أضرارا جسيمة، حُرقت قاعة الصلاة وكتب الإنجيل.

وقد حدث هذا الاعتداء بغية “تغيير نظام الحكم وتقريب الخلاص، عن طريق جملة من الوسائل، بينهم المس بالمواقع المسيحية في أنحاء البلاد” كما قال مرتكب الحادثة اليهودي يانون رؤوفيني.

يدرك المسيحيون في الأراضي الفلسطينية جيّدا ما تكنه بعض الجماعات اليهودية لديانتهم ومقدساتهم، ويسمعون الفتاوى المتتالية من الحاخامات التي تجيز ذبحهم وحرقهم “لأن يسوع أفسد إسرائيل وهدمها” حسب الديانة اليهودية.

ويستمد هذا الموقف من الرأي الفقهي الذي تؤمن به جميع التيارات الدينية اليهودية، والذي يرى المسيحية ضربا من ضروب الوثنية.
اعلان

في هذا الصدد، يقول الباحث في الشأن الإسرائيلي د. صالح النعامي إنه على الرغم من الدور الكبير الذي تقوم به الجماعات المسيحية الإنجيلية الأميركية الداعمة لإسرائيل، فإن هناك رفضا كبيرا لأي علاقة معهم من معظم المرجعيات الدينية اليهودية، بل وتطالب بعدم السماح للإنجيليين بـ “تدنيس المستوطنات”.

ولا يقتصر العداء على المواقف النظرية -بحسب النعامي- بل يتعداه إلى ممارسة الاعتداءات على الكنائس واستهداف رجال الدين المسيحيين.

وقد ذهب رئيس منظمة لهافا المتطرفة بنتسي غوبشتين لأبعد من ذلك قائلا إن إقامة دولة إسرائيل “أكبر صفعة رنانة تلقتها الكنيسة على وجهها على الإطلاق بعد سنوات من محاولات فاشلة لإبادة اليهود”.

وأكد في مقال له على موقع كوكر الحاريدي شاكيًا من “فقدان الأمن الروحي” الذي يشعر به في القدس بسبب الكنائس المسيحية التي اعتبرها عدوا قاتلا منذ قرون، قائلا “لا ينبغي منح العمل التبشيري موطئ قدم، لنلقي بمصاصي الدماء خارج أرضنا قبل أن يقوموا بشرب دمنا مرة أخرى”.

الأخطر من ذلك، هو التعدي على المقدسات المسيحية في القدس في قضية تسريب الأملاك المسيحية إلى الاحتلال الإسرائيلي خلال السنوات الماضية من بيع الأراضي والعقارات.

بل وتعدى ذلك إلى تدخل المحكمة الإسرائيلية لتنتزع أملاكا تعود لكنيسة الروم الأرثوذكس، وهي فندقا البتراء وأمبريال ومنزل المعظمية في البلدة القديمة من مدينة القدس لصالح جماعات استيطانية.

تحالف انتهازي
يصف الباحث أسعد العزوني التحالف الإنجيلي الصهيوني “بالانتهازي” لأنه قائم على أن كل طرف يستغل الآخر ويتربص به للانقضاض عليه بعد انتهاء “حرب هرمجدون” التي يزعم الإنجيليون أن المسيح المنتظر سيخوضها ضد المسلمين.

ويقول العزوني إن الصهاينة من اليهود يرسمون على استغلال المسيحيين المتصهينين لابتزازهم، فيدعمونهم لتمكينهم من استقبال “المخلص” الذي سيقود معركته ضد المسلمين، ومن ثم سيطلبون منه لقاء خدماتهم التسهيلية لنزوله أن يجبر اليهود على اعتناق المسيحية لتصبح الديانة الوحيدة على الأرض.

وفي ختام حديثه يؤكد أن اليهود يخططون لتهويد المسيحيين، في حين أن المسيحيين المتصهينين يخططون أيضا لتمسيح اليهود، وبين هذا وذاك نعود لطرح السؤال مجددا: هل يحب الإنجيليون والصهاينة بعضهم بعضا؟

عبدالله الرشيد

الجزيرة