إيران ترتّب لمصالحة الصدر والمالكي لتقوية حلفائها في وجه انتفاضة العراق

إيران ترتّب لمصالحة الصدر والمالكي لتقوية حلفائها في وجه انتفاضة العراق

بغداد – كشفت مصادر سياسية في بغداد عن وجود حراك إيراني جاد لتسوية الخلافات القديمة بين رجل الدين الشيعي واسع التأثير مقتدى الصدر وزعيم ائتلاف دولة القانون نوري المالكي، وذلك لقطع الطريق على الاحتجاجات الشعبية التي تستمر للشهر الخامس على التوالي، في أن تحقق تغييرا عميقا في هيكلية الطبقة السياسية الحاكمة.

وتعتقد طهران أن تحالف الصدر والمالكي سيساعد في تشكيل رافعة مثالية لمشروع إخراج القوات الأميركية من العراق.

وأبلغت المصادر “العرب” بأن وسطاء إيرانيين استغلوا وجود مقتدى الصدر في بلادهم منذ شهور بحجة الدراسة لفتح ملف العلاقة مع المالكي، الذي يشكل منذ أعوام علامة فارقة على عمق التصدعات السياسية داخل الوسط الشيعي المحافظ.

وذكر ساسة عراقيون رفيعو المستوى في أحاديث مع “العرب” أن “إيران حددت هدفا استراتيجيا جديدا، بعد مقتل قاسم سليماني القائد السابق لفيلق القدس في الحرس الثوري على أيدي الأميركيين في غارة قرب مطار بغداد مطلع العام الجاري، يتمثل في إصلاح الوضع بين المالكي والصدر”.

ويقول هؤلاء الساسة المطلعون على كواليس العملية السياسية العراقية إن وضع إيران الحالي لا يحتمل وجود انقسام بين أبرز حليفين لها في بغداد، لذلك سعت عاجلا إلى التقريب بينهما.

وعزز فشل تحالف هادي العامري، زعيم منظمة بدر المدعومة من إيران، مع الصدر من فرص المالكي للعودة إلى المشهد مجددا، بعدما برهن بين 2006 و2014 على أنه شريك ينفذ التعليمات الإيرانية من دون ضجة.

وتتحدث مصادر عن لقاءات رفيعة بين ممثلين عن الصدر والمالكي قد تكون عقدت في مدينة قم الإيرانية، أو ربما في طريقها إلى الانعقاد هناك، بهدف تحويل نظرية التسوية إلى واقع.

وقال مراسل “العرب” في بغداد إنه عرض هذه المعلومات على شخصيات وثيقة الصلة بالصدر والمالكي، فلم تنفها، في مؤشر واضح على إمكانية ظهور أخبار هذه التسوية إلى العلن في أيّ لحظة.

وتعتقد طهران أن الجبهة السياسية في العراق لن تكون متماسكة من غير تصفير الخلافات بين الصدر والمالكي، اللذين يمكنهما أن يشكلا رافعة مثالية لمشروع إخراج القوات الأميركية من العراق.

واعتبرت مصادر سياسية عراقية أن تحالف الصدر والمالكي قد يجد الانتخابات البرلمانية القادمة، التي يتوقع أن تكون قبل نهاية العام الجاري أو مطلع العام القادم، لحظة مثالية لانطلاقه، لاسيما أن القانون الذي ستجرى به الانتخابات، يحتفظ بحظوظ متقاربة لكل اللاعبين السياسيين الحاليين.

وينحدر الصدر والمالكي من خلفيات سياسية إسلامية، إذ يتزعم الأول تيارا شعبيا شيعيا واسعا جدّا ورثه عن والده، فيما يترأس الثاني حزب الدعوة الإسلامية أقدم الأحزاب الشيعية العراقية.

وتنافس الصدر مع المالكي مرارا على تزعم المشهد السياسي الشيعي، فبينما يمثل الأول الخزان التصويتي الأكبر على مستوى البلاد في أيّ عملية انتخابية، يمثل الثاني الأحزاب السياسية الشيعية التي صعدت بعد إطاحة نظام صدام حسين في 2003.

وبلغ التنافس بينهما قمته في 2008 عندما دفع الصدر ميليشيا جيش المهدي التي شكلها بحجة طرد الولايات المتحدة من العراق إلى تحدي سلطات المالكي عندما شكل حكومته الأولى بين 2006 و2010.

وفي 2008 قاد المالكي حملة عسكرية كبرى في مدينة البصرة الجنوبية الغنية بالنفط، أكبر معاقل الصدر خارج بغداد، ضد ميليشيا جيش المهدي. ولولا تدخل القوات البريطانية لتمكنت ميليشيا الصدر من قتل المالكي، بعدما حاصرته في موقع معزول مع وزير الداخلية آنذاك جواد البولاني ومسؤولين آخرين.

وساعد الدعم البريطاني في البصرة، والأميركي في بغداد في العام نفسه، المالكي على استعادة توازنه، وقتل العشرات من ميليشيا جيش المهدي واعتقال عشرات آخرين، ما أجبر الصدر على اتخاذ قرار بتجميدها.

وبالرغم من عودة الصدر إلى دعم المالكي ليحصل على ولايته الثانية بين 2010 و2014، بعدما لعب دورا حاسما في ترجيح كفته على رأس السلطة بين 2006 و2010، فإنّ العلاقة الشخصية بين الرجلين بقيت متوترة، فيما تنشب بين أتباعهما نزاعات إعلامية كل حين.

وفي 2018، وبسبب تلاشي قوة المالكي السياسية بعد خروجه من منصب رئيس الوزراء الذي استخدمه في بناء شبكة علاقات واسعة، ذهب التحالف الذي ورثه، وهو “الفتح” بزعامة هادي العامري، إلى التحالف مع الصدر أيضا لتشكيل حكومة عادل عبدالمهدي.

لكنّ هذا الاتفاق لم يصمد سوى لعام واحد، إذ استقال عبدالمهدي تحت ضغط احتجاجات شعبية واسعة ضد احتكار السلطة بين النخبة الشيعية الفاسدة الموالية لإيران.

العرب