الشعب الفلسطيني يرفض خطة ترامب ولكنه يفضل الرد العملي الهادئ

الشعب الفلسطيني يرفض خطة ترامب ولكنه يفضل الرد العملي الهادئ

تؤكد ثلاثة استطلاعات مختلفة للرأي أجريت في فلسطين خلال الأسابيع القليلة الماضية أن سكان الضفة الغربية وغزة يرفضون بشكل قاطع خطة السلام التي اقترحتها الإدارة الأمريكية، بهوامش راوحت 90 في المائة. غير أن الاستطلاع الأحدث، الذي أجراه “المركز الفلسطيني لاستطلاع الرأي” يُظهر بدوره أن معظم الفلسطينيين أصبحوا يرفضون الآن أيضًا أي مواجهة مسلحة أو انتفاضة ضدّ إسرائيل – مختارين بدلًا من ذلك التركيز على إدخال تحسينات عملية على الأرض أو حتى على استئناف محادثات السلام.

رغم رفض الخطة، معظم الغزاويين يريدون إجراء محادثات: في أحدث استطلاع أجراه “المركز الفلسطيني لاستطلاع الرأي” وانتهى في 11 شباط/فبراير، أعرب 94 في المائة من سكان الضفة الغربية عن “رفض قاطع” لخطة ترامب. وما يثير الاهتمام أن المستطلعين الغزاويين أكثر اعتدالًا إلى حدّ ما إزاء هذه المسألة، كما هي الحال بشأن العديد من المسائل الأخرى. ففي غزة، ترفض نسبة 70 في المائة الخطة غير أن 20 في المائة تريد “انتظار وترقب التفاصيل”، في حين نسبة 9 في المائة المتبقية تقبل بها. وعلى نحو مماثل، ثلث الغزاويين فقط – مقارنةً بالثلثين في الضفة الغربية – يرغبون الآن في قطع كل الروابط الدبلوماسية مع الولايات المتحدة.

الأغلبية ترغب في التهدئة وليس المواجهة: فضلًا عن ذلك، إن رفض خطة السلام هذه لا يعني الرغبة في مواجهات عنيفة. على العكس، تريد أغلبية الفلسطينيين عمومًا أن تلتزم حركة “حماس” بوقف لإطلاق النار مع إسرائيل: 56 في المائة من الغزاويين إضافةً إلى 69 في المائة من سكان الضفة الغربية يؤيدون هذه السياسة. وأظهر الاستطلاع الأحدث أن 22 في المائة فقط من سكان الضفة الغربية يرغبون في “تصعيد المقاومة ضدّ إسرائيل”. وتتماشى هذه النسبة مع نتيجة استطلاع منفصل انتهى قبل أسبوع نشرته جامعة بيرزيت في الضفة الغربية.

ما سبب رفض الانتفاضة؟ تعزو أغلبية سكان الضفة الغربية (55 في المائة) السبب إلى عامل واحد وهو أن “العديد من الناس يخشون ردود فعل عنيفة من السلطة الفلسطينية إزاء أي اضطرابات”. ويتردد هذا الشعور في استطلاع منفصل صدر للتو عن “المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية” الذي يترأسه خليل الشقاقي، حيث “تتوقع نسبة 73 في المائة ألا تسمح قيادة “السلطة الفلسطينية” باستئناف نزاع مسلّح أو انتفاضة مسلحة”. وتشمل عوامل التهدئة الأخرى التي أشارت إليها أغلبية سكان الضفة وغزة على السواء الانشغال باهتمامات شخصية والخوف من أي انتقام إسرائيلي والأمل بالحصول على دعم خارجي وقلة وجود قادة موثوقين أو حتى ميل نحو انتهاج مقاربات سلمية.

وتتجلى هذه البراغماتية في إجابات أخرى تضمنها آخر استطلاع. فنسبة 85 في المائة من الغزاويين و71 في المائة من سكان الضفة الغربية يوافقون على التصريح التالي: “في الوقت الراهن، يكتسي الإصلاح السياسي والاقتصادي الداخلي أهمية أكبر بالنسبة لنا من أي مسألة تتعلق بالسياسة الخارجية”. والأكثر تحديداً، توافق نسبة 70 في المائة أيضًا في المنطقتين على هذا الاقتراح الذي يبدو استفزازيًا: “في الوقت الراهن، يتعين على الفلسطينيين التركيز على مسائل عملية على غرار الوظائف والرعاية الصحية والتعليم والاستقرار في حياتهم اليومية وليس على خطط سياسية كبيرة أو خيارات مقاومة”.

الاقتصاد أولًا بالنسبة لغزة: إن إيلاء الأولوية للمسائل الاقتصادية نقطة مهمة على نحو خاص في غزة، حيث الحاجات العاجلة أكثر إلحاحًا. وتقول نسبة 70 في المائة من الغزاويين، مقابل 20 في المائة فقط من سكان الضفة الغربية، إنها ترغب في أن “توفر الشركات الإسرائيلية المزيد من فرص العمل” في منطقتهم. وفي سياق متصل، وعند سؤالهم عن أكثر ما يريدونه من الولايات المتحدة، اختارت نسبة 20 في المائة من الغزاويين المزيد من المساعدات الاقتصادية؛ ونسبة 9 في المائة فقط من سكان الضفة توافقهن الرأي، حيث تفضل الأغلبية ألا تتدخل الولايات المتحدة ببساطة في شؤونهم عمومًا.

الأغلبية تتوقع محادثات سلام بعد الانتخابات الإسرائيلية: عند النظر إلى الانتخابات القادمة في كل من إسرائيل والولايات المتحدة تتجلى نتيجة مشجعة على نحو مفاجئ. فنحو 60 في المائة من الفلسطينيين – سواء في غزة أو في الضفة الغربية – يقولون إن “استئناف مفاوضات السلام مع حكومة إسرائيلية جديدة” هو على أقل تقدير احتمال “مرجح على نحو كبير”بعد انتخابات الثاني من آذار/مارس. غير أن التوقعات بشأن الانتخابات الأمريكية أكثر تشاؤمًا حيث تعتقد نسبة 22 في المائة فقط من الغزاويين – ونسبة أقل حتى لا تتخطى 9 في المائة من سكان الضفة الغربية – أن نتيجة انتخابات تشرين الثاني/نوفمبر ستجعل “الأمور أفضل بالنسبة للفلسطينيين”.

ملاحظات منهجية: هذه النتائج متأتية في المقام الأول من استطلاع أجراه “المركز الفلسطيني لاستطلاع الرأي” الذي يقع مقره في بيت ساحور في الضفة الغربية، ويشمل مقابلات وجهًا لوجه من عينة تمثيلية ضمّت 500 مستطلع من الضفة الغربية و500 من غزة، خلال الفترة الممتدة بين 23 كانون الثاني/يناير و11 شباط/فبراير 2020. وسمح هذا الاستطلاع، برعاية “معهد واشنطن”، للكاتب بالسفر إلى المنطقة من أجل الإشراف شخصيًا على إطلاقه والمساعدة على ضمان سرية المستطلعين التامة والكفاءة التقنية وضوابط الجودة. ويمكن توفير تفاصيل منهجية إضافية عند الطلب.

أما النتائج الثانوية، فتتأتى من استطلاعين آخرين أجريا قبل فترة الاستطلاع الأخير بقليل. الأول هو استطلاع منفصل أجرته المنظمة المحلية نفسها بين 31 كانون الثاني/يناير و5 شباط/فبراير 2020 شمل عينة تمثيلية من 1255 فلسطينيًا ونشرته جامعة بيرزيت في وكالة الأنباء الفلسطينية “معًا” في العاشر من شباط/فبراير. أما الثاني، فهو استطلاع أجراه ونشره “المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية” الذي يقع مقره في رام الله بين الخامس والثامن من شباط/فبراير وشمل عينة تمثيلية من 1270 فلسطينيًا. ويقدّر هامش الخطأ في كل من الاستطلاعات الثلاثة بنحو 3 في المائة.

ديفيد بولوك

معهد واشنطن