نهج «مجموعة العمل المالي» للتعامل مع إيران يجب أن يجمع بين الانخراط معها والضغط عليها

نهج «مجموعة العمل المالي» للتعامل مع إيران يجب أن يجمع بين الانخراط معها والضغط عليها

عندما تجتمع «مجموعة العمل المالي» [«فريق العمل المالي» / «مجموعة العمل المعنية بالإجراءات المالية»] في باريس هذا الأسبوع لحضور جلستها العامة التي تعقد كل ثلاث سنوات، سيتضمن جدول أعمالها مراجعة تقدم إيران في الامتثال للمعايير الدولية لمكافحة التمويل غير المشروع. فعلى الرغم من التحذير الصارم الذي وجّهته المنظمة المسؤولة عن ضبط المعايير في جلستها العامة السابقة في تشرين الأول/أكتوبر، إلّا أن إيران فشلت في التصديق على الاتفاقيات الدولية التي يمكن أن تحول دون إعادة الفرض الكامل لـ “التدابير المضادة” لـ «مجموعة العمل المالي».

وإذا اتخذت المنظمة التدابير اللازمة، ستكون محقّةً في ذلك. (تجدر الإشارة إلى أن «مجموعة العمل المعنية بالإجراءات المالية» تحتفظ بمثل هذه المداولات بسرية، ولكن من المتوقع أن تعلن قرارها علانية في 21 شباط/فبراير). ولم تُحرز إيران تقدّم بشأن البنود الرئيسية في خطة العمل المتفق عليها بشكل متبادل، والمفروض أنها انتهت في عام 2018. ومنذ علّقت «مجموعة العمل المالي» العمل بالتدابير المضادة المتخذة ضد إيران في حزيران/يونيو 2016، دعت إلى الانتباه بشكل خاص إلى ضرورة [مساعدة] إيران لمعالجة أوجه القصور المتعلقة بتمويل الإرهاب. وهذا يعني أولاً وقبل كل شيء تجريم الأعمال المنصوص عليها في «الاتفاقية الدولية لمكافحة تمويل الإرهاب» التابعة للأمم المتحدة، والتي تُعتبر المصادقة عليها جزءاً من التشريعات التي لا تنفك إيران تماطل في إقرارها.

الحفاظ على الانخراط

حصلت إيران على إعفاءات متعددة في السنوات الأخيرة. وقد دعت «مجموعة العمل المالي» الدول الأعضاء إلى فرض قيود تدريجية على قدرة المصارف الإيرانية على العمل عبر الحدود الوطنية [خارج البلاد]. ومع ذلك، نظراً للعقوبات الأمريكية الصارمة، فقد أصبحت إيران اليوم معزولة بشكل ساحق عن النظام المالي العالمي، لذلك من غير المحتمل أن يكون للتطبيق الكامل للإجراءات المضادة لـ «مجموعة العمل المالي» تأثير عملي كبير على القطاع المصرفي والمالي في إيران. وكما أشار المبعوث الخاص لوزارة الخارجية الأمريكية براين هوك في كانون الأول/ديسمبر، لا تستطيع إيران الوصول إلا إلى نسبة 10 في المائة فقط من احتياطياتها الأجنبية في الوقت الحاضر لأن المصارف ترفض نقل هذه الأموال نيابة عنها. وبالمثل، صرح محافظ البنك المركزي الإيراني عبد الناصر همّتي في وقت سابق من هذا الشهر أنه من غير المرجح أن يحرك قرار «مجموعة العمل المالي» أسواق العملة لأن معظم المصارف الأجنبية ترفض أصلاً التعامل مع المصارف الإيرانية؛ وفي رأيه، أن كل مَن يقول خلاف ذلك يستخدم فقط القضية “كذريعة لضبط أسعار العملات”.

ومع ذلك، سيكون من الخطأ لإيران والمجتمع الدولي استبعاد أي انخراط إضافي إذا تم فرض تدابير مضادة لـ «مجوعة العمل المالي». فقد تنظر إيران بازدراء إلى العقوبات الأمريكية الأحادية الجانب، لكن إدراجها على القائمة السوداء من قبل منظمة محترمة متعددة الأطراف أمر آخر. فقرارات «مجموعة العمل المعنية بالإجراءات المالية» هي أحكام تكنوقراطية تصدر بالإجماع عن خبراء دوليين، لذلك لا يمكن رفضها على أنها سياسية أو متحيزة. فضلاً عن ذلك، عندما تم تعليق العقوبات جزئياً خلال تطبيق الاتفاق النووي في عام 2016، اعتُبر إدراج إيران على القائمة السوداء التابعة لـ «مجموعة العمل المالي» على أنه عقبة رئيسية أمام إعادة المصارف الإيرانية روابطها بالبنوك الأجنبية.

وإذا كانت طهران تعقد الآمال على الاستفادة من تخفيف العقوبات المستقبلية، عليها أن تثبت قدرتها على الالتزام بالمعايير الدولية المتعلقة بـ «مكافحة غسل الأموال»/«مكافحة تمويل الإرهاب». ويشمل ذلك الإقرار بالعقوبات الدولية وتنفيذها، وكذلك فرض الشفافية اللازمة لاستعادة مصداقيتها أمام النظام المالي الدولي.

وتخدم هذه الخطوات مصالح أوروبا وأمريكا أيضاً. ولكي يغير ضغط العقوبات سلوك إيران فعلياً، يتعين على الحكومات الغربية إقرانه بعرض موثوق للمساعدة – وهو تحد لا يزال يعيق الحملة الراهنة للضغط الأقصى. ولطالما رأت أوروبا في العلاقات الاقتصادية أساساً للحوار السياسي مع طهران وأقرّت بأن امتثال إيران لمعايير «مجموعة العمل المالي» هو شرط أساسي لمثل هذه الخطوة. علاوة على ذلك ، فإن مثل هذا التخفيف لن يقوّض الضغط الناشئ عن العقوبات الأمريكية، والتي ستظل تشكل عائقاً أمام النشاط الاقتصادي حتى لو تحسّن وضع إيران مع «مجموعة العمل المالي».

العمل الذي لم يتم القيام به بعد

مع ذلك، هناك عقبات كبيرة أمام إيران تمنعها من المضي قدماً في الامتثال لمعايير «مجموعة العمل المالي». فالجدال الذي يجري داخل البلاد حول هذه المسألة يتطرّق إلى المثل الثورية الأساسية والمصالح الراسخة، ولذلك ستكون معالجته صعبة.

في الأسابيع الأخيرة، شنّ المؤيدون الإيرانيون لالتزام بلادهم بمعايير «مجموعة العمل المالي» حملة على أمل التأثير على المرشد الأعلى علي خامنئي لكي يستخدم نفوذه ويضغط من أجل إقرار تشريع عالقٍ لدى «مجلس تشخيص مصلحة النظام»، تلك الهيئة المتشددة المعنية بتسوية النزاعات بين البرلمان و«مجلس صيانة الدستور». وهذا التشريع المعلّق يصادق على «اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية» (المعروفة أيضاً باسم «اتفاقية باليرمو»، التي تم اعتمادها في عام 2000) و «الاتفاقية الدولية لمكافحة تمويل الإرهاب»، بناءً على طلب «مجموعة العمل المالي». ويجادل المؤيدون بأن تجنب الإصلاحات التي تطلبها «مجموعة العمل المعنية بالإجراءات المالية» والعودة إلى القائمة السوداء من شأنه أن يهدد ما تبقّى من العلاقات الإيرانية بالمصارف الدولية وفرص الاستثمار الأجنبي.

وأحيلت مشاريع القوانين إلى «مجلس تشخيص مصلحة النظام» بعد أن كان «مجلس صيانة الدستور» – الذي يضمن تماشي التشريع مع الدستور – قد رفضها مرتين. وفي هذا السياق، أعلن أحد ممثلي «مجلس تشخيص مصلحة النظام» في أواخر كانون الثاني/يناير أن فترة العام الواحد المخصصة للنظر في الخلاف قد انتهت، وأن التمديد “لا يبدو ضرورياً”.

إن إحدى القضايا المطروحة هي استثناء “منظمات التحرير” من أحكام «الاتفاقية الدولية لمكافحة تمويل الإرهاب» – والتي تعني من الناحية العملية الجماعات الإرهابية أمثال «حزب الله» والميليشيات الشيعية العراقية وحركة «حماس» و«طالبان» وما إلى ذلك. وعلى الرغم من أن التعديلات التي أُدخلت على القانون الإيراني لـ «مكافحة تمويل الإرهاب» لعام 2018 قد ألغى هذا الاسثتناء على ما يبدو، إلا أنهم استمروا في الإشارة إلى أن التصنيفات الإرهابية ستصدر بالتوافق مع المادة 154 من الدستور، والتي تدعم “كفاح المضطهدين من أجل حقوقهم ضد الظالمين في أي مكان في العالم” – وما هذه فعلياً سوى طريقة أخرى للسماح بالاستثناء نفسه. بالإضافة إلى ذلك، يتضمن مشروع القانون المقترح للمصادقة على «الاتفاقية الدولية لمكافحة تمويل الإرهاب» و «اتفاقية باليرمو» “تحفظاً” يجادل بأن اعتراف إيران بـ “كفاح الشعوب ضد الهيمنة الاستعمارية والاحتلال الأجنبي” لا يسمح لها بالاعتراف بـ”إطار العمل الخطي للإرهاب” الذي تنص عليه الاتفاقية. وقد رفض المتشددون حتى هذه الشروط، قائلين إنها “عديمة القيمة” وتعادل الدعوة إلى نزع سلاح «الحرس الثوري الإسلامي» الإيراني و«حزب الله».

ولكن لعل أكثر ما يخشاه المتشددون هو التهديد الذي قد يحدق بالمصالح التجارية المرتبطة بـ «الحرس الثوري» الإيراني والمنظمات شبه الحكومية عند الالتزام بإرشادات «مجموعة العمل المالي». وتستفيد هذه المصالح الخاصة من شروط الملكية المتهاونة أو الضبابية التي ستلغيها إصلاحات «مجموعة العمل المعنية بالإجراءات المالية» بحكم الضرورة.

الخاتمة

ريثما تعالج إيران هذه القضايا، فإن «مجموعة العمل المالي» محقةٌ في إدراجها على القائمة السوداء ودعوة الدول الأعضاء إلى فرض تدابير مضادة. إلّا أن هذه الإجراءات لا تعني بالضرورة نهاية انخراط «مجموعة العمل المالي» مع إيران. يجب على المنظمة أن تفعل ما فعلته حتى الآن، وهو استخدام البيان العام الصادر هذا الأسبوع لتوضيح المسار المستقبلي لكل من إيران والدول الأعضاء. وبدورها، يجب على هذه الدول أن تبقى منخرطة مع إيران بشكل فردي، وتبذل قصارى جهدها لضمان إدراك إيران لفوائد الامتثال وثمن التأجيل المستمر في إقرار القوانين.

كاثرين باور

معهد واشنطن