حيدر العبادي …قرارات الصيف الساخن

حيدر العبادي …قرارات الصيف الساخن

lbdy1_0
من بغداد إلى النجف والبصرة والناصرية ومدن أخرى، انتفض العراقيون ضد الفساد وتردي الخدمات ونتائج المحاصصة السياسية التي أقعدت البلد في درك الفشل وشغلت الناس بحزازات طائفية على حساب الحرية والعدل والرخاء. ففي أكثر من مظاهرة رفع العراقيون شعارات جمعوية تتجاوز واقع التطييف والإرهاب، وترجع فشل الدولة إلى تجربة المحاصصة في السلطة وتغول الدين في السياسة “وحماية اللصوص المتنفذين”.وقد عبرت الجموع الكبيرة عن غضبها من نهب أموال طائلة من خزائن البلد، من بينها ثلاثين مليار دولار صرفت على ملف الطاقة وحده فيما لا يزال العراق يتخبط في الظلام ويتشوه مظهره بأسلاك مولدات كهربائية تمثل خطرا على حياة الناس.

واتساقاً مع الحدث وفي خطوة فاجأت الجميع، أصدر رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي قرارات تضمنت إلغاء مناصب نواب رئيسي الجمهورية والحكومة، وطلب من مجلس النواب التصديقَ عليها بعدما أقرها مجلس الوزراء.وتضمنت ورقة الإصلاح التي أعلنها العبادي إلغاء المخصصات الاستثنائية للرئاسات والهيئات والمؤسسات، وإلغاء مناصب نواب رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء، وإعادة فتح ملفات الفساد السابقة والحالية ووضعها تحت إشراف لجنة عليا لمكافحة الفساد، واعتماد عدد من القضاة المختصين للتحقيق فيها ومحاكمة الفاسدين.وجاءت القرارات بعد مظاهرات بدأت محدودة وتوسعت لتشمل بغداد ومحافظات الجنوب -بما فيها البصرة– احتجاجا على تردي الخدمات، خاصة منها الكهرباء التي تنقطع لأوقات طويلة في ظل صيف شديد الحرارة. وقال العبادي إن أخطاء النظام السياسي المتراكمة منذ عام 2003 -تاريخ الغزو الأميركي للعراق- لا تتحملها الحكومة الحالية، مضيفا أن حكومته تتحمل المسؤولية عن الإصلاح.وكان المرجع الشيعي علي السيستاني حث رئيس الوزراء العراقي على التحلي بالشجاعة كي يواجه الفساد الذي يقول عراقيون إنه متغلغل في كل أجهزة الدولة.

سياسيا أعرب مكتب نوري المالكي نائب الرئيس العراقي في بيان عن تأييده قرارات العبادي، ودعمه “الإصلاحات التي تقتضيها العملية السياسية”. كما أيدتها كتلة الأحرار التابعة للتيار الصدري، والمنضوية في التحالف الوطني الشيعي، وأكدت على أن تكون الإصلاحات فعلية.كما أعلنت كتلة اتحاد القوى السُّنية التي يتزعمها أسامة النجيفي نائب رئيس الجمهورية، ورئيس البرلمان سليم الجبوري، دعمهما قرارات العبادي. ولقيت حزمة الإصلاحات أيضا ترحيبا من ائتلاف الوطنية بزعامة إياد علاوي. بيد أن علاوي حذر في المقابل من نشوء دكتاتورية جديدة، تحصر الصلاحيات بيد شخص واحد، مذكرا بأن اختيار رئيس مجلس الوزراء تم على أساس حكومة الشراكة الوطنية وبتوافق سياسي.

أما بهاء الأعرجي نائب رئيس الوزراء العراقي فقد أكد في المؤتمر الصحفي الذي عقده في بغداد علىانصياعه لإرادة الشعب وورقة الإصلاح، مهدداً بكشف ملفات فساد كبيرة، ومكرراً عبارة “سأدوس بقدمي” على جهات كثيرة ذكرها.كما حظيت الإجراءات بتأييد رئاسة إقليم كردستان التي أعلنت وعلى لسان المتحدث باسمها أنها «تؤيد كل خطوة تخطوها الحكومة العراقية من شأنها إصلاح الدوائر والمؤسسات الحكومية ومكافحة الفساد وإبعاد المقصرين عن مؤسسات الدولة». من جهته، قال القيادي في التحالف الوطني العراقي موفق الربيعي، إن المطلوب الآن هو خطوات تكميلية لإنجاح ما أُعلِن عنه وتصحيح العملية السياسية في العراق التي قال إنها أصيبت بعد اثني عشر عاما بـ”سرطان الطائفية”. وقد صرّح صالح المطلك نائبُ رئيس الوزراء والقيادي في ائتلاف تحالف القوى الوطنية الذي يضم القوى السياسية السنية المشاركة في العملية السياسية، إن العملية السياسية في العراق تحتاج إصلاحات جذرية وإلاّ فإن الإصلاح سيبقى شكليا. أما رئيس البرلمان سليم الجبوري، قرر الشروع بإصلاحات كبيرة داخل مجلس النواب. وطبقا للمصدر فإن «إصلاحات الجبوري داخل البرلمان ستشمل تقليص حمايات ونفقات النواب أو إلغاءها كليا، وإعادة النظر في رؤساء اللجان، مع فصل عدد من أعضاء مجلس النواب الذين تجاوز سقف غيابهم الحد المقرر». وكان الجبوري دعا رؤساء الكتل إلى عقد اجتماع اليوم لبحث ورقة الإصلاح التي قدمها رئيس الوزراء حيدر العبادي. أما النائب الأول لرئيس البرلمان همام حمودي فقد أعلن من جانبه أن البرلمان سيخصص جلسته المقبلة لمناقشة الإجراءات الإصلاحية لرئيس مجلس الوزراء وإقرارها وفق الأطر الدستورية والقانونية.

وفي هذا السياق، أكد السياسي العراقي وعضو البرلمان السابق عزت الشابندر، أن «الانتفاضة الجماهيرية التي قام بها العراقيون وإن جاءت متأخرة فهي صاحبة التغيير، علما بأن علينا أن نقول وبكل صراحة إن الشعب كان شريكا في ما وصلنا إليه من أوضاع سيئة، لأنه وطوال ثلاث دورات انتخابية يأتي بالوجوه نفسها، ولا أملك حتى الآن ضمانة بألا يكرر الشارع الخطأ نفسه في الدورة الانتخابية المقبلة». وأضاف الشابندر أن «خطوة العبادي بإلغاء مناصب نواب رئيس الجمهورية والوزراء، وهي مناصب رمزية، ليست هي القضية المهمة، بل المهم هم الوزراء، وحين أقول الوزراء فإنني أعني الكتل السياسية التي ترشح هؤلاء الوزراء، وبالتالي هم مصداق الشراكة وطريقة تقاسمها»، مشيرا إلى أن «هناك كلاما بشأن إجراءات يمكن أن يقوم بها (العبادي) بشأن إعفاء بعض الوزراء لكي يكونوا كباش فداء، أو دمج وزارات، بينما الإجراء الصحيح هو أن يذهب إلى البرلمان ويتقدم بطلب إعفاء حكومته حتى لا تكون العملية مجرد محاولة لاحتواء غضب الشارع المخدوع ببعض الشاشات التي تطالب بتغيير وزراء بعينهم، ولذلك فإنه على العبادي وبعد الاتفاق مع الكتل تقديم استقالة حكومته وتكليفه بتشكيل حكومة تكنوقراط ومنحه مهلة سنة للعمل، وعندها يكون التقييم بعد سنة». وردا على سؤال بشأن ما إذا كان البرلمان سيصادق على إجراءات العبادي، قال الشابندر «نعم البرلمان سيصادق لأنه الآن في مرمى مدفعية الشارع».

من جهتها، أكدت عضو البرلمان العراقي عن كتلة التحالف المدني الديمقراطي شروق العبايجي، أن «التحالف المدني الديمقراطي كان قد طالب منذ وقت مبكر بمثل هذه الإصلاحات وغيرها، حيث طالبنا بإلغاء المحاصصة الطائفية والحزبية كشرط ضروري لقيام دولة المواطنة، كما طالبنا وفقا لآليات حددناها بمحاربة الفساد والترهل في الدولة، وقدمنا مقترحات في هذا الصدد لا سيما على صعيد تشكيل حكومة كفاءات وتكنوقراط وليس حكومة محاصصة»، مشيرة إلى أن «الكتل السياسية المتنفذة عرقلت الإصلاحات، بالإضافة إلى الشخصيات صاحبة القرار والنفوذ في العملية السياسية، حيث إنها لم تتخل عن أي موقف وبقيت متمسكة بالمصالح الحزبية والشخصية». وأوضحت العبايجي أن «الشعب هو من أجبر الحكومة والطبقة السياسية على الإقدام على هذه الإصلاحات حين انتفض مطالبا بالتغيير ودعمته المرجعية الدينية التي ظلت لسنوات تنادي بالتغيير لكن دون أن يصغي إليها القادة السياسيون».

لكن القاضي وائل عبد اللطيف، الذي شغل طوال الاثنتي عشرة سنة الماضية مناصب مهمة منها عضوية مجلس الحكم ووزير شؤون المحافظات وعضو البرلمان لأكثر من دورة، يقول في حديثه لـ«الشرق الأوسط»، إن «ما أقدم عليه العبادي إنما هو في حقيقته ليس إجراءات، وإنما هو طلب إذن بإجراء تغييرات بالإحالة إلى مجلسي الوزراء والنواب، ما عدا إلغاءه مناصب نواب رئيس الجمهورية، وهو أمر لا يدخل في صلاحياته لأنه مقنن بقانون، وهو ما يقتضي مجيء رئيس الجمهورية إلى البرلمان ليعلن إعفاء نوابه، وبالتالي فإن كل ما فعله العبادي مرهون في النهاية بموافقات الكتل من خلال إحالتها إلى البرلمان والحكومة»، مشيرا إلى أن «الكثير من الإجراءات كان بإمكانه إصدار أوامر ديوانية بالتصرف. وعلى سبيل المثال فإن عزمه على تقليص الحمايات لا يحتاج إلى إحالة إلى البرلمان، بل بإمكانه القول إن حماية نواب الرئيس ورئيس الوزراء (377 عنصرا لكل واحد منهم) يمكن أن يصبحوا 100، كما أن إلغاء المخصصات الاستثنائية كلام عام وفيه خلط، لأن هناك كارثة في الموازنة التشغيلية لهم تبلغ نحو 5 مليارات دينار عراقي (أكثر من 4 ملايين دولار)، وهو مبلغ كبير جدا»، مشيرا إلى أن «الأمر نفسه ينطبق على إبعاد المناصب العليا عن المحاصصة أو ترشيق الوزارات حيث إنها بيده لا بيد رؤساء الكتل أو البرلمان».والحقيقة أن كل ما يحدث بالعراق، ومنذ الإحتلال الأميركي للعراق في 9نيسان/إبريل عام2003م، يقول إن هناك أزمة ثقة حقيقية بين المكونات العراقية ولا بد من معالجته معالجة جدية قبل فوات الأوان.

وحدة الدراسات العراقية

مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية