الحرس الثوري يستعد لجني الأرباح بعد عقود من الاستثمار في اقتصاد العقوبات

الحرس الثوري يستعد لجني الأرباح بعد عقود من الاستثمار في اقتصاد العقوبات

_59219_iran3

لن يكون الشعب وحده سعيدا برفع العقوبات الاقتصادية المفروضة على إيران لعقود، بقدر ما ستعيش المؤسساتالنخبوية أسعد لحظاتها رغم تمكنها من التعايش وتوسيع نفوذها بشكل كبير داخل اقتصاد يعاني من وطأة العقوبات والانعزال عن العالم.

يتطلع الإيرانيون الذين انتظروا بشغف لشهور توصل بلادهم لاتفاق نووي مع القوى الغربية إلى رفع العقوبات عن اقتصاد إيران المتدهور، لكن لا يدرك الكثير منهم أن فوائد رفع العقوبات ستعود بشكل مباشر على النخب بدلا من الطبقة الوسطى أو الفقراء.

ومن بين النخب في إيران رجال الأعمال الذين يتمتعون بنفوذ كبير والمؤسسات المرتبطة بالنظام الحاكم، وعلى رأسها الحرس الثوري الإيراني.

وتقول اليريزا نادر، الخبيرة في مركز “راند” للسياسة الدولية “الفساد والهدر وغياب الشفافية باتت أمراض مزمنة في إيران، وستشكل تحديا أمام طموحات الرئيس حسن روحاني الاقتصادية حتى نهاية ولايته”.

وأضافت “يسعى روحاني إلى خصخصة الاقتصاد الإيراني وإعادة البلاد مرة أخرى إلى حظيرة الأسرة الدولية، لكن في نفس الوقت سيكون عليه الدخول في اشتباك مع القوى التي وضعت الاقتصاد في البلاد تحت سيطرتها لعقود طويلة”.

وتركت العقوبات الاقتصادية آثارا سلبية واضحة على الاقتصاد الإيراني. وفي عام 2013، شهدت البلاد أول انكماش في إجمالي الدخل القومي خلال عقدين كاملين.

وفي نفس العام تراجعت صادرات النفط بنسبة هائلة بلغت 60 بالمئة بالمقارنة مع معدل الصادرات عام 2011، بالتزامن مع ظهور نتائج توسيع العقوبات الأميركية على قطاع الطاقة الإيراني بين عامي 2006 و2012. وترجم التراجع في عائدات الطاقة إلى خسائر تخطت حاجز 65 مليار دولار بين عامي 2011 و2013.

وامتد تأثير العقوبات أيضا على سعر الريال الإيراني في الوقت الذي لم تتمكن إيران فيه من سحب بعض أموالها المجمدة في الخارج، والتي وصلت إلى 100 مليار دولار أميركي.

وطبقا لبنود الاتفاق الذي وقعته إيران مع مجموعة (5+1) في فيينا قبل أسابيع، فإن التزام طهران بالاتفاق يؤدي فورا إلى رفع العقوبات الاقتصادية بشكل كامل.

لكن محللين يعتقدون أن الأموال التي ستدخل البلاد ستسهم بشكل كبير في تعزيز المكانة الاقتصادية للنخب التي وسعت من نفوذها السياسي تحت وطأة نظام العقوبات، وتستعد الآن لجني الأرباح.

وعلى رأس القائمة يأتي الحرس الثوري الذي يدير إمبراطورية اقتصادية هائلة داخل البلاد. ومن المتوقع أن يوسع قادة الحرس الثوري هذه الإمبراطورية بشكل كبير بمجرد رفع العقوبات.

وقال سعيد لايلاز، الاقتصادي الإيراني القريب من إدارة روحاني، إن العقوبات “كانت أمرا سيئا بالنسبة لإيران بشكل عام، لكن كانت لها آثار إيجابية على بعض القطاعات في المجتمع الإيراني”.

وأضاف “داخل الحكومة الإيرانية هناك الكثيرون الذين يحبون هذه العقوبات لأنهم في حاجة إليها. طهران تستطيع إخفاء سوء الإدارة والنهب المنظم للثروة الإيرانية”.

وحينما وصلت العقوبات إلى مداها، ظهرت تقارير في عام 2012 ترجح أن العزلة الاقتصادية كانت سببا في تعزيز قوة الحرس الثوري الإيراني ومؤسسات أخرى في الداخل.

لكن ديفيد باتر، المحلل المتخصص في اقتصاديات الشرق الأوسط بمعهد تشاثام هاوس في لندن لا يرى أن الحرس الثوري من الممكن أن يتمكن وحده من الاستحواذ على العائدات التي ستتدفق على البلاد بعد رفع العقوبات.

وقال باتر لـ”العرب” إن “الأمر ليس بهذه البساطة، تناول الواقع بهذا الشكل يحد من الصورة الحقيقية بشكل كبير”. وأضاف “أعتقد أن الأموال التي ستدخل إلى إيران ستوزع بين الحرس الثوري ومنافسين آخرين ينتظرون هذه اللحظة بفارغ الصبر”.

واستحوذت الشركات التابعة للحرس الثوري بالفعل على أسهم كبيرة في قطاعات اقتصادية هامة، منها الاتصالات والقطاع المصرفي والنقل والطاقة، بعدما وقفت العقوبات في وجه الشركات العالمية التي كانت تطمح في الاستثمار في هذه القطاعات.

وبحسب المنتقدين للاتفاق، فإن تدفق هذه الأموال ستمكن أذرع إيران، ومنها الحرس الثوري، من لعب دور أوسع في الصراعات التي تسهم فيها طهران بشكل كبير حول المنطقة.

ويرى باتر أن ذلك من الممكن أن يحدث إذا تمكن الاقتصاد الإيراني الذي عانى تحت وطأة العقوبات لعقود، من امتصاص كم الأموال الهائل الذي ينتظر أن يدخل البلاد.

وقال لـ”العرب” إن مؤسسات الدولة في إيران “تعاني خللا كبيرا على كل المستويات، وسيكون من الصعب التعامل مع السياسات الاقتصادية الجديدة بين يوم وليلة. سيتوقف الأمر برمته على السياسيين ورؤيتهم الجديدة لاقتصاد البلاد”.

والتأثير خارجيا مازال محل خلاف بين العديد من المحللين الإيرانيين الذين يقول بعضهم إن الأموال ستسهم بدلا من ذلك في ظهور منازل فخمة والمزيد من سيارات الفيراري الفارهة في شوارع طهران.

وتوقعوا أن تسهم خشية الحرس الثوري من أجندة روحاني السياسية والاقتصادية في دفعه إلى زيادة الإنفاق على العمليات في الخارج، لكن الاحتمال الأكبر في الداخل أن يتفرغ لحصد الأموال الناتجة عن رفع العقوبات.

وسيكون على المنافسين الاخرين، كالشركات المحلية الكبرى وتلك الغربية التي كانت تنتظر بفارغ الصبر العودة للاستثمار في إيران، انتزاع حصتها من رفع العقوبات عبر الدخول في منافسة شرسة مع أذرع النظام الاقتصادية والعسكرية التي تمتلك شركات كبيرة.

صحيفة العرب اللندنية