الربيع العربي وعصر المعرفة

الربيع العربي وعصر المعرفة

رئيسية7

“التقنية ليست فقط تطبيقا مجردا لاكتشاف علمي، ولكنها متوالية اجتماعية ثقافية، وتقتضي أيضا مضامين وسياسات جديدة.”
لم يكن الربيع العربي مفاجأة، ولكنه كان منتظراً ومتوقعاً، وربما كانت المفاجأة أنه تأخر، ما يجرى اليوم ببساطة تعبر عنه مقولة “الطبقة الوسطى مضافاً إليها شـبـكة الإنترنت”، ففي ملاحظتها وإدراكها الواضح للفــرق بين واقعها وما تتطلع إليه تبحث الطبقة الوسطى عن أدوات فاعلة وسلمية للتأثير على سياسات الدول والسوق على النحو الذي يحقق أهدافها ومصالحها او ينشئ بيئة عامة تعمل لصالحها.
النظر في التاريخ السياسي وانتقال السلطة والتأثير، يظهر ببساطة أن نخبة أو طبقة معينة تقود الدول والمجتمعات، وتستند في تأثيرها مصالحها إلى منظومة الموارد والعلاقات الناشئة عنها، ففي المجتمعات الزراعية الأكثر حضورا وامتدادا في التاريخ الحضاري، كانت تقود المجتمعات والدول طبقات من الأرستقراطيين والقادة العسكريين (الفرسان) وكبار ملاكي الأرض وقادة القبائل، وهو ما أنشأ فقه الغلبة أو العصبية المؤثرة، وفي المرحلة الصناعية انتقلت القيادة إلى قادة الأعمال والمهن الناشئة حول الصناعة، ونشأت الدول المركزية والاحزاب السياسية، ومؤسسات الحكم والتأثير والتوازن بينها.
ويمكن في الربيع العربي وفي الثورات والصراعات القائمة في دول ومجتمعات الاتحاد السوفيتي سابقا (الثورات البرتقالية) ملاحظة كيف يتحرك الناس جميعهم، لا تنظمهم أحزاب سياسية أو مؤسسات هرمية وقيادية، ولكنه تغيير مستمد من حراك الطبقات والمصالح والمجتمعات بشبكيّتها، .. الربيع العربي تعبير واضح عن التحولات الكبرى والجذرية… من الهرمية إلى الشبكية، أو من الأرستقراطية والنخب إلى الطبقة الوسطى، ومن الحتمية إلى الاختيار، ومن التلقي إلى المشاركة، .. فالدول والمجتمعات تتحول إلى شبكة ليس لها مركز، فكل عضو في الشبكة قادر على التأثير والمشاركة والوصول (Access) على قدم المساواة مع الآخرين مهما كانت ثرواتهم ومواقعهم.
وهكذا فإنه يمكن فهم الربيع العربي باعتباره مجتمعات تتحرك وتؤثر بوصفها مجتمعات أكثر مما هو حراك لأحزاب واتجاهات سياسية واجتماعية، أو هو تعبير عن التحولات الناشئة بفعل تقنيات المعلوماتية والمعرفة، والتي أنشأت متوالية من التحولات والتشكلات الاجتماعية والاقتصادية الجديدة والمختلفة، وسأحاول أن أجملها واعرضها في المجموعة التالية من الأوصاف تسهيلا لفهمها ومراجعتها.
من الصناعة إلى المعرفة
من الهرمية إلى الشبكية
من الحتمية إلى الاختيار
من التلقي إلى المشاركة
من الصناعة إلى المعرفة
يعتبر عالم الاجتماع الفرنسي جون بودريار والذي يعتبر من أهم المنظرين في مدرسة ما بعد الحداثة أن وسائل الاتصال الإلكترونية قد دمرت العلاقة التي تربطنا بماضينا، وأنشأت حولنا عالما من الخواء والفوضى (2)، ويرى بودريار أن القوى الاقتصادية التي شغل بها كارل ماركس لم تعد مؤثرة في تشكيل المجتمع، ولكن ما يؤثر في المجتمعات اليوم هو الإشارات والصور، والمعاني والدلالات تستمد من تدفق الصور على نحو ما نشاهده في برامج التلفاز، حتى إن الجانب الأكبر من عالمنا قد غدا يمثل كونا موهوما ومصطنعا نستجيب فيه ونتفاعل مع صور إعلامية لا مع أشخاص وأحداث وأمكنة واقعية حقيقية، وقد غدونا نتأثر ب”المشاهد” التي “تعرض” علينا عن الأحداث والكوارث والمشكلات أكثير بكثير من تأثرنا بالمضمون الحقيقي لهذه الوقائع، وهكذا فإن الحياة بمنظور بودريار تحل وتذوب في إطار شاشات التلفاز. (3)
ويقول أولريخ بيك صاحب نظرية “مجتمع المخاطرة العالمي” إن المجتمع الصناعي بدأ بالاندثار مفسحا المجال لمجتمع جديدة تسوده الفوضى، وتغيب فيه أنماط الحياة المستقرة ومعايير السلوك الإرشادية. (3)
ونلاحظ اليوم سيادة وانتشار مفاهيم تعبر عن هذه التحولات وضرورات استيعابها من قبيل “ما بعد” و”نهاية” نهاية المكان، نهاية الجغرافيا، نهاية التاريخ، نهاية الدولة، نهاية الايدولوجيا، نهاية الكتاب، نهاية المؤلف، نهاية المدرسة، نهاية القومية، نهاية المدينة، نهاية العمل والوظيفة، نهاية الطبقة الوسطى، نهاية الوسطاء، نهاية الذاكرة، أو ما بعد الصناعة، ما بعد الحداثة، ما بعد السياسة، ما بعد النفط، ما بعد المعلوماتية، ما بعد الإنترنت، ومنها مصطلحات النفي، مثل مصانع بلا عمال، ومدارس بلا مدرسين، مكتبات بلا كتب، وموظفون بلا مكاتب، أفلام بلا ممثلين، تعليم بلا معلمين، وهي مصطلحات يصفها الدكتور نبيل علي(4) الثقافة العربية وعصر المعلومات http://www.aljazeera.net/NR/exeres/F38D5389-5DDC-4057-9C87-F584DC985A08.htm ليست عشوائية ولكنها ذات دلالة وتداعيات كثيرة وعميقة.
يُعد بيل غيتس أشهر وأهم وأغنى رجل في العالم، فهو رائد صناعة المعلوماتية التي تتنامى وتتعملق إلى درجة يصعب وصفها واستيعابها، ولا يعرف معظم الناس عالم الفيزياء برنرلي الذي ابتكر نظام الشبكة العنقودية العالمية (الإنترنت أو WWW- World Wide Web).
تفوق ثروة بيل غيتس الناتج القومي للعديد من الدول النامية، وهي تنمو نموا خرافيا، وتُعد الشركة التي يرأسها “ميكروسوفت” أهم شركة في العالم، ليس فقط بسبب حجمها الاقتصادي والمالي الهائل، ولكن بسبب دورها الجوهري في الحياة المعاصرة، فبرامج ميكروسوفت تنظم أعمال المؤسسات المالية والمصرفية والادارية والهندسية وتعيد صياغتها من جديد.
لقد تجاوز حجم صناعة المعلومات صناعة ثلاثة تريليونات دولار سنوياً وهي تشكل 50 – 60% من الناتج القومي للدول الصناعية في الوقت الحالي، ويُقدر حجم التجارة الإلكترونية “عبر شبكة الإنترنت” بتريليون دولار، ولكن هذه التجارة تتحول إلى حمى تجتاح العالم جعلت الإعلان والتسويق والتوزيع يتحول إلى الإنترنت، وقد أصبحت التجارة الإلكترونية أمراً حتمياً. (5)
إن اقتصاد المعرفة الذي بدأ بالتشكل حول الانترنت يحول اليوم مفاهيم القوة والثروة والتأثير، فبدأت الثروة تأخذ مفهوماً رمزياً جديداً مختلفاً عما استقرت عليه طوال القرون الماضية، فقد كانت في السابق عنصراً بسيطاً هو الأرض بموادها الظاهرة “الزراعة” ثم تحولت مع الثورة الصناعية إلى أوراق “نقود أو سندات أسهم” تعبر عن ممتلكات الإنسان.
وبتنامي قطاع المعلومات لم تعد الثروة تعبر عن موجودات صلبة ملموسة (أراض أو مصانع) فلا أحد يشتري سهم “مايكروسوفت” أو “آي بي إم” بسبب الأصول المادية للشركة ولكن ثروة هذه الشركات مستمدة من إمكانات معرفية في جماجم القائمين عليها، فالمساهم لا يشتري أصولاً واضحة، ولكنه يشتري القدرة التنظيمية والتسويقية والفكرية لهذه الشركات, ومن ثم فإن رأس المال اليوم يكاد يكون شيئاً رمزياً وربما وهمياً.
وحتى الأوراق التي كانت تعبر عن الممتلكات والأصول لم تعد تستخدم، وحل محلها “نقود إلكترونية” فبطاقات الائتمان المحوسبة يجري بموجبها تدفقات مالية عبر الإنترنت وشبكات المعلومات والاتصال تزيد على ثلاثة تريليونات يومياً (6)، بل إن الوصف الدقيق لرأس المال اليوم هو ما بعد الرمزي وليس رمزياً، فالأوراق النقدية اليوم مهددة بالبطلان، وامتنعت بالفعل مؤسسات كثيرة جداً عن التعامل معها.
هذه البطاقات خفضت كثيراً من سلطات الدول ومزايا البنوك التي لم تعد قادرة على التمتع بالأموال المتأتية من خلال تحصيل الشبكات ومقاصاتها، وبدأت البنوك بدلاً من ذلك تستثمر أموالها في البطاقات وصارت تنافس الشركات المصدرة لهذه البطاقات.
البنوك المركزية أيضاً تضعف سيطرتها بسبب هذه النقود البلاستيكية التي تصدرها شركات مستقلة عنها، دون التزام بالضوابط والأنظمة التي تضعها عادة البنوك المركزية، وقد تؤدي إلى رفع معدل التضخم وتغير السياسات النقدية دون إرادة حكومية مركزية.
وباختصار فإن رأس المال بمعنى الثروة التي يتم تشغيلها بهدف زيادة الإنتاج يتبدل بشكل مواز للنقود ويتخذ كلاهما أشكالاً جديدة.
والنقود تتحول إلى نبضات إلكترونية متغايرة تنتقل وتتحول لحظياً ويتم متابعة تدفقاتها على شاشة تلفزيونية.. إنها ليست سوى معلومات وكذلك رأس المال، وهكذا تحول رأس المال تدريجياً من شكل واقعي قابل للمس إلى شكل رمزي، وحالياً إلى شكل بعد الرمزي. (7)
وبالطبع فقد صاحب هذا التحول تغير آخر في القياس والمفاهيم، فبعد أن منحت الثقة للذهب والفضة ثم الورق، توصل العالم اليوم إلى الاقتناع بأن الإشارات الإلكترونية المتناهية الصغر والزائلة يمكن مقايضتها مقابل سلع أو خدمات.
إن ثروتنا بعد الرمزية هذه تعتمد عليها السلطة والموارد والعلاقات وقد تتحول هي الأخرى إلى ما بعد الرمزية.
من الهرمية إلى الشبكية
يعتبر عالم الاجتماع أمانويل كاستلز من الرواد الذين أشاروا إلى “الشبكية” باعتبارها مرحلة اجتماعية واقتصادية مختلفة، وقد حظيت كتبه مثل “مجتمع المعلوماتية” و”قدرة العلاقات” اهتماما علميا كبيرا، ومنح عليها جائزة هولبرغ لعام 2012 (8)
ويرى كاستلز أن مجتمع المعلومات المعاصر يتميز بظهور “الشبكات” و”اقتصاد الشبكات” والنظام الاقتصادي الرأسمالي السائد اليوم إنما يقوم على ثورة الاتصالات العالمية، ولم يعد قائما كما كان يفكر كارل ماركس على الطبقة العاملة أو على إنتاج السلع المادية، بل إنه يقوم على التقدم في شبكات الاتصال والحوسبة التي أصبحت هي الأساس لتنظيم عملية الإنتاج. وفي كتابه “قدرة العلاقات” يحلل قدرة اجهزة الاعلام في السياسة والثقافة والاجتماع ودور هذه الاجهزة في تهييج قوة الجماهير بواسطة الحركات الاجتماعية. (9)
جعلت تقنية المعلومات والاتصالات الحياة شبكية وقوضت الهرم الذي ظل رمزاً وفلسفة ومنهاجاً، فقد كانت الحكومات والنخب والإدارات العليا في الشركات والمؤسسات تملك هذه المعلومات وتتحكم تماماً في طريقة بثها وتدفقها، وتحدد من تصل إليه المعلومة. وكانت جهة واحدة هي التي تتلقى جميع المعلومات ثم تقرر مصيرها.
ولكن المعلومات تصل اليوم عبر الإنترنت والأقمار الصناعية إلى أي شخص مهما كان موقعه الهرمي في المجتمع والدولة، وتقبع أجهزة استقبال المحطات الفضائية ومواقع الإنترنت في مكاتب رؤساء الحكومات وقادتها كما هي تماماً عند الصحفي في بيته أو ربة المنزل.
ولم تعد الرقابة على المطبوعات والمواد الإعلامية مؤثرة أو فعالة، وتحول هذا المورد الخطير المهم (المعلومات) من مجوهرات خاصة جداً في خزائن النخب إلى مادة شعبية وربما أكثر من ذلك كالماء مثلاً أو الهواء، وهكذا فقدت الحكومات والنخب جزءاً كبيراً من أهميتها ونفوذها لصالح العامة والمجتمعات، وكانت هذه أهم ضربة في الهرم جعلته ينبعج ويتفلطح، فلا يعرف له رأسا أو مركزا.
المعلوماتية والشبكية تفرض منظومة اجتماعية وثقافية وسياسية جديدة يجب أن تؤخذ بالاعتبار، فالتقنية لم تعد تطبيقا مجردا لاكتشاف علمي، ولكنها متوالية اجتماعية ثقافية، وتقتضي أيضا مضامين وسياسات تعليمية جديدة.
والشبكية نفسها تتحول إلى فلسفة في الحياة والإدارة والتعليم والسياسة والثقافة بديلة للهرمية القائمة أو التي كانت قائمة، فالناس في تعاملهم الشامل مع الشبكات للتعليم والتواصل والاتصال والعمل والتشاور والحصول على المعلومات والمعارف وتبادل الآراء والخبرات والمعارف وتحويل وتلقي المال والخدمات والسلع، يستبدلون بنظامهم الهرمي التاريخي في الحياة نظاما شبكيا قائما على المساواة والمشاركة المتحققة فنيا.
ومن الواضح أن دور الحكومات والدول يتغير، فالحكومات تنسحب من كثير من المواقع التي سيطرت عليها، وتتخلى عن أدوار كثيرة كانت تقوم بها كالتعليم والصحة وتنظيم الاقتصاد وتوجيهه والأسعار والثقافة، ولكن بديل الحكومات ليس واضحاً بعد ولا محدداً، لقد كان يظن أنه الشركات والقطاع الخاص، وذلك يصلح في المجالات التي يمكن أن تكون استثماراً ومصدراً للربح، فإذا لم تكن كذلك فلن تقدم عليها الشركات والاستثمارات، فهل يعني ذلك تبخر كثير من الأعمال والبرامج والمشروعات غير الربحية كالثقافة مثلاً أو الرياضة في بعض المناطق؟‍‍‍‍‍ وهل يعني أيضاً حرمان الناس الذين لا يستطيعون أن يتعاملوا مع الخدمات كاستثمار، كالتعليم والصحة والاتصالات..إلخ
ولكن هذا السيناريو ليس هو الوحيد، فالمجتمعات والدول تعيد تنظيم نفسها على نحو (شبكي) قد لا يكون للشركات والاستثمارات فيه دور حاسم أو رئيس، فتنمو اليوم مؤسسات جديدة قد تتبلور في المستقبل على نحو أكثر فاعلية، هذه المؤسسات من النقابات والاتحادات والتعاونيات والجمعيات التي تنتظم معظم الناس يمكن أن تطور من أدائها لتحقق للناس معظم احتياجاتهم بمعزل عن الحكومات والشركات الاستثمارية، إنها صيغة شبكية تتفق مع المرحلة والتغييرات الجارية، وفرصة نجاحها مستمدة من كونها شبكية، بمعنى مشاركة جميع الناس في تمويلها والتخطيط لها.
من الحتمية إلى الاختيار
ثمة تحول كبير من الطباعة الورقية إلى الطباعة الإلكترونية يحمل أبعاداً جديدة تفوق بكثير التحول الذي حصل من الكتابة المخطوطة إلى الكتابة المطبوعة، فالأمر لا يقف فقط عند تخفيض التكاليف، ووقف النزف البيئي الناتج عن صناعة الورق من الأشجار، ولكن الإعلام الإلكتروني يقدم آفاقاً جديدة تعيد النظر في المفاهيم والأسس التي استقر عليها العمل الإعلامي طوال أكثر من 400 سنة.
فصحافة الإنترنت ليست مجرد استبدال للصحافة الورقية إلى صحافة إلكترونية وليست فقط تخطياً للزمن والجغرافيا والرقابة، ولكن الصحيفة الإلكترونية يمكن أن تقدم النص والصوت والصورة الثابتة والمتحركة والربط والاستدعاء بين المعلومات والبيانات ووسائل الإعلام، لتكون وسيلة إعلام جديدة تمزج بين الصحافة والإذاعة والتلفزيون، وهي في الوقت نفسه شيء مختلف عنها.
هذا الإعلام الجديد ليس بثاً أحادياً وتلقياً إجبارياً ولكنه تفاعل يختار فيه الناس احتياجاتهم ويشاركون هم في الوقت ذاته في الرأي والبث، وتستطيع بموجبه وسائل الإعلام أن تقدم لكل شخص ما يريد وتستمع لكل شخص أيضاً، ويمكن إتاحة مساحات لأي شخص أيضاً لينشر، إنه إعلام أشبه بمجلس أو ندوة يشارك فيها عشرة أشخاص على قدم المساواة، وهنا تزيد أهمية الفردية والخصوصية.
فالإعلام مجبر على أن يرضي كل شخص بمفرده، وتتراجع النمطية في الإعلام والخطاب، وتزداد أيضاً أهمية ثقافة المجموعات القليلة وفكرها، وتجد الفرصة للتعبير عن نفسها وإمكانية التفاعل مع الثقافات الأخرى، أي أن الإعلام سيكون تعددياً بلا حدود حتى يستطيع البقاء والاستمرار.
ويؤدي هذا الإعلام المتعدد الوسائط دوراً جديداً غير القراءة والخدمة والتثقيف والتسلية، ولكنه أيضاً وسيلة تعليم وتدريب قد يكون بديلاً أو منافساً قوياً للمدارس والجامعات ومراكز التدريب التي يجب أن تعيد النظر في دورها ووجودها، حيث يمكن الحصول على معظم ما تقدمه بتكاليف لا تقارن في انخفاضها بتكاليف هذه المؤسسات.
وباختصار فإن الإعلام القادم هو مؤسسات جديدة تختلف كثيراً عما عهدناه في وسائل الإعلام التقليدية، إنه ليس إعلام صحفيين وكتاب وقراء، ولكنه مجتمع متفاعل يتبادل فيه الأعضاء خدماتهم ويحصلون على احتياجاتهم الأساسية ويمارسون أعمالهم اليومية، وإذا لم تفكر الصحف ووسائل الإعلام في الآفاق والتحديات الجديدة فإنها ستواجه الإعراض والعزوف والخسائر وربما الانقراض والتبخر.
من التلقى إلى المشاركة
“شبكات التواصل الاجتماعي تحولت إلى ساحة للتأثير والعمل والتسويق.. ومآرب أخرى”
يتحول فيسبوك إلى ساحة هائلة للتسويق والتأثير الاقتصادي والسياسي، ويكرس اليوم محترفون متفرغون عملهم وأوقاتهم في فيسبوك، سواء كانوا يعملون لحسابهم الخاص أو في شركات ومؤسسات تفرغ عددا من العاملين لديها للعمل مع هذه الساحة الإعلامية والتجارية الهائلة، بل إنه لم يعد بمقدور مؤسسة تجارية أو إعلامية أو عامة الابتعاد عن فيسبوك، كما يحتاج اليوم للتعامل المستمر معه المدراء والعاملون في التسويق والعلاقات العامة.
وهناك كتب وإصدارات متخصصة للتدريب على العمل من خلال فيسبوك وفهم وتوظيف تطبيقاته التي تعد بعشرات الآلاف، ومنها بالإضافة إلى التدوين والتواصل الشخصي والإعلامي، بناء المجموعات المفتوحة والمغلقة والسرية، والصفحات المتخصصة، والصور والفيديو والدردشة والبريد الخاص، والحضور التجاري والإعلاني والتسويقي على شبكة فيسبوك، ومسائل الخصوصية.
لقد زادت الشبكات الاجتماعية حضورا وتأثيرا في حياة الناس، وبالطبع فقد بدأ التواصل عبر الإنترنت قبل الـ “فيسبوك”، فنشأت من قبل المنتديات وغرف الدردشة، ومواقع للتواصل من خلال الصور، مثل موقع فليكر، والرسائل القصيرة، مثل “تويتر”، والفيديو، مثل “يوتيوب”.
يقدم كتاب “التسويق عبر فيسبوك” تأليف جوستن ليفيي (10) أفكارا كثيرة للعمل والإحاطة بالفرص والإمكانيات التي يتيحها فيسبوك، وبالرغم من أن الكتاب موجه أساسا إلى الأعمال التجارية، فإنه يمكن للمؤسسات الإعلامية والبحثية والأفراد توظيف الإمكانيات نفسها، لتفعيل رسالتهم البحثية والإعلامية والفكرية.
تتيح هذه الأدوات للفرد إمكانية تطوير علامة شخصية، ومن خلال تطوير هذه العلامات الشخصية تسمح الشبكات الاجتماعية والمدونات للناس اليوم بالتحكم في الأخبار التي يطلع عليها الآخرون، وتسمح لك هذه الشبكات الاجتماعية بإدارة سمعتك الشبكية، وإلى جانب هذه المزايا، فإنها توفر إمكانية استخدام الفرد للمنصة لمخاطبة آلاف البشر، وتسمح الشبكات الاجتماعية للأفراد العاديين بممارسة تأثير في أوساطهم وبالتحول إلى مصادر موثوقة لها، وقد يكون لهذه الأوساط أثر مباشر في قدرتك على بناء أعمالك بنجاح عبر التواصل مع زبائنك الحاليين والمستقبليين على الشبكة، وتأسيس قاعدة متينة من المعجبين، ويستفيد من هذه الشبكات أفراد ومشروعات صغيرة إضافة إلى شركات عملاقة.
ويمكن للشركات والمؤسسات أن تطور حضورا قويا على الـ “فيسبوك” بعدة طرق، فتقديم المعلومات الشخصية والمهنية يساعد على التسويق، وتكوين علاقات وصداقات تساعد في العمل والحياة المهنية، ومن أسهل الطرق التي يمكن للشركات من خلالها تطوير حضور تجاري على الـ “فيسبوك” أن تتأكد من استخدام الموظفين لنفس اسم الشركة في ملفاتهم، فعندما يتم إنشاء الشركة لأول من قبل مستخدم ما يتم حفظها في قاعدة بيانات الـ “فيسبوك”، حيث يمكن للموظفين عند انضمامهم أن يجدوها وأن يستخدموا الاسم القياسي للشركة، وهو ما يساعد على الربط بين الموظفين والسماح للمستخدمين بالبحث بناء على اسم الشركة.
تبدأ الشركة والأعمال التجارية بفتح صفحة على الـ “فيسبوك”، ثم تصنيفها كأعمال محلية أو علامة منتج أو منظمة، ثم تدخل الاسم، كما تريد أن يظهر على الـ “فيسبوك”، ويمكن أيضا تحميل شعار المؤسسة، ثم يجري تحميل الصور والفيديو، ويمكن المزاوجة بين الصفحة ويوتيوب، وتجميع المقاطع المتناثرة على الإنترنت وجمعها في مكان واحد على الـ “فيسبوك”.
وتحتاج الشركات والأعمال إلى أن تستكشف التطبيقات المتاحة على الـ “فيسبوك”، وملاحظة التصنيفات المتاحة أيضا للمشاركة فيها، ويمكن أيضا متابعة مداخلات “تويتر”، والاستفادة من تطبيقات خدمة الصور في مواقع مثل فليكر، والاقتراعات، وغيرها… وللمساعدة على تغذية الوسط الاجتماعي يمكن الاستفادة من ميزة المناقشات التي يمكن تفعيلها وإضافتها إلى الصفحة الخاصة بالشركة.
وتحتاج بعد إنشاء الصفحة إلى ترويجها، ومن الأفكار والوسائل تقديم البريد الإلكتروني وإتاحته للتواصل، ويمكن أيضا ترويج الصفحة بواسطة “تويتر” وتذكير المتابعين بصفحتك بين فترة وأخرى، وإذا كانت الشركة ترسل رسائل بالبريد الإلكتروني للتسويق، فيمكن أيضا التذكير بالتفاعل مع موقع الشركة على الـ “فيسبوك”، ويمكن أيضا تشجيع الناس ودفعهم ليكونوا من معجبي الصفحة. ويمكن أيضا تشغيل إعلان الـ “فيسبوك” لحث المستخدمين وتشجيعهم على الدخول إلى الصفحة والانضمام إلى قائمة المعجبين، وتمكن المجموعات من تأسيس أوساط اجتماعية خاصة بشركتك ومؤسستك داخليا وخارجيا، لأجل التفاعل مع الجمهور والمعجبين، ويمكن إنشاء مجموعات خاصة بموظفي الشركة، ويمكن أن تكون هذه المجموعات مفتوحة يمكن لأي شخص أن ينضم إليها، أو مغلفة يحتاج المشترك إلى موافقة للانضمام، ويمكن أن تكون سرية تتم المشاركة فيها بالدعوة الخاصة للانضمام، ولا تظهر هذه المجموعة في أية عملية بحث.
وتحتاج إلى مواصلة تغذية وسطك الاجتماعي الخاص بوسائل تشجع المشاركين وتحفزهم مثل المسابقات، ومشاركة بعض المحتويات، وإنشاء محتويات خاصة تشجع المشاركين والزوار، وتحديث صفحتك باستمرار، وتشجيع الوسط الاجتماعي ومخاطبته باستمرار.
وبالطبع، فعليك مواصلة متابعة وسطك الاجتماعي لملاحظة التعليقات السلبية، والجدل الذي يدور، ويشجع المؤلف على استيعاب التعليقات السلبية، وخاصة إذا كانت غير عنيفة أو جارحة بالنقاش والرد وليس بالحذف.
سيؤدي بطبيعة الحال استكشاف الـ«فيسبوك» إلى زيادة استخدام فوائد المزايا التي يقدمها، ما يعني العودة إلى زيارته أكثر، وهذا بالطبع ما يريده الـ “فيسبوك”، وسيبقى يزيد المزايا، ويحاول اجتذاب المزيد من المشتركين وإقناعهم بالبقاء في حالة تصفح الموقع والعمل فيه أكبر قدر ممكن من الوقت، ولذلك فإن العمل عبر الـ “فيسبوك” يحتاج إلى مواصلة استكشافه ومتابعة التطورات التي تجري على الخدمات والميزات التي يقدمها. وقد أضاف الـ “فيسبوك” عام 2008 خدمة “كونّكت connect” التي تتيح للمستخدمين اختيار تسجيل الدخول إلى حسابهم ونشر تعليقاتهم على المدونة أو الموقع، وقد قامت العديد من منصات المدونات والتعليقات بإدماج الـ “فيسبوك كونّكت” في مواقعها، مما يعني أن مستخدمي المدونة ونظام التعليقات يمكنهم بسهولة إضافة الـ “فيسبوك كونكت” على مواقعهم، وتتيح هذه الخدمة أيضا القدرة على مشاركة مقالة من مدونة أو موقع وب على الـ “فيسبوك” عبر ملحقات أو أدوات، مثل شارك هذه المادة.
وبعامة يمكن الـ “فيسبوك كونّكت” أن يشكل أداة فعالة لدمجها في المواقع والمدونات والتطبيقات، وقد أثبت أنه يجتذب المزيد من الزيارات والمشاركات، ويمكن أيضا اختيار طيف واسع من الخيارات تقوم بإدماجها في موقعك، ويمكن البدء مباشرة بتحقيق ميزة مشاركة المحتويات في الموقع، بينما تعمل على تطوير طرق الانتقاء الاجتماعي في تطبيقاتك، وعلى ابتكار تجربة مخصصة شخصيا تقدمها لزوارك.
ومن أكثر الجوانب إثارة في الـ “فيسبوك كونّكت” أنه يقدم لك رسما بيانيا اجتماعيا لموقعك أو تطبيقك أو خدمتك، فبفضل المعلومات التي يعرفها الـ “فيسبوك” عن كل مستخدم يمكن أن تحدد تماما هوية الشخص الذي يتفاعل مع موقعك، وبتسلحك بهذه المعلومات يمكنك أن تقدم محتويات وعروض وخيارات معدة لهذه الفئة الديموغرافية.
ويمكن استخدام إعلانات الـ “فيسبوك” لأغراض عدة، مثل إصدار المنتجات الجديدة، وورشات العمل على الإنترنت، والتوظيف، وتعزيز العلامة التجارية المعرفة بها، والتسويق لمناسبة أو حدث، وحملات الخدمة الاجتماعية، وفي المقابل هناك أسباب كثيرة قد تجعلك ترفض الإعلان، مثل كتابة جميع الكلمات بحروف كبيرة والأخطاء القواعدية، الغش في العروض والتنزيلات والصور غير اللائقة أو غير ذات الصلة وتقديراتك ومخاوفك من البريد العشوائي والتطفلي والاستهداف غير المناسب، واختيار لغة غير مقبولة، وغير ذلك كثير.
ولكن من المهم إذا قررت أن تلجأ إلى الإعلان عبر الـ “فيسبوك” أن تتبع مجموعة من القواعد والمبادئ وأن تطور العمل الإعلاني التقليدي بما يلائم الـ«فيسبوك»، مثل تصميم الإعلان، وأن تكون مباشرا في دعوتك، وأن تستهدفك جمهورك المتوقع والمطلوب.
تزيد تطبيقات الـ “فيسبوك” على 45 ألف تطبيق، وهو مستمر في نموه في هذا المجال بمعدل كبير، وقد تشكلت شركات بكاملها بناء على تطوير تطبيقات الـ “فيسبوك”، فشركات مثل غرار زينجا، وهي شركة ألعاب اجتماعية تنتج الألعاب لصلاح الشبكات الاجتماعية الأخرى، وشركة ماي سبيس تلقت تمويلا بقيمة 219 مليون دولار، وتبلغ قيمتها اليوم 1.5 مليار دولار، وبصفتك مسوقا تستطيع أمام هذه التطبيقات والعدد المتنامي من الشركات توسيع ملفك الشخصي على الـ “فيسبوك”. أكثر الوظائف جاذبية في التطبيقات هي الشبكة الواسعة من التنبيهات التي تنشر تحديثات الحالة على جدران المستخدمين، ولكن المستخدمين قد يحبطون بسبب تنبيهات التطبيقات الكثيرة والإغراق الذي يتعرضون له منها، وهذه إحدى ورطات المشاركة في التطبيقات وخاصة في التعامل مع الشبكات ذات العدد الكبير من الأعضاء. تحتاج بطبيعة الحال إلى مراجعة دليل التطبيقات لفهمها واستعراضها وللاختيار من بينها، ثم تحتاج إلى إدارة التطبيقات التي اخترتها، وتستطيع أيضا أن تحدد نوع التنبيهات التي ستنشر على حائطك، كأن تكون من الجميع أو الأصدقاء فقط أو تخصيصها.
قد تساعدك تطبيقات الـ “فيسبوك” على تخصيص التجارب التي تريد تقديمها لأصدقائك ومعجبيك عند زيارتهم لملفك الشخصي أو لصفحتك، وتستطيع تطبيقات الـ “فيسبوك” مساعدتك في تجميع المحتويات من الإنترنت في منطقة مركزية، ولكن تحتاج لاستكشاف هذه التطبيقات وتحديد ما يفيدك وما تحتاج إليه منها.
إن اختيارك لسياسات الخصوصية المتاحة يؤثر أيضا في خياراتك الأخرى، فتحتاج أن تلاحظ أثر هذه السياسات في تسويق علامتك أو منتجك أو خدماتك، ومصير المعلومات التي تقوم بمشاركتها إن كنت تحتاج إلى أن تظهر في محركات البحث، مثل “جوجل” وغيره من المحركات، ولكل اختيار مخاسره ومكاسبه بطبيعة الحال، ولكن هناك أفكار أخرى للخروج من المأزق، فبالفصل بين الشخصي والعمل في الـ “فيسبوك”، يمكن أن تتغير سياسات الخصوصية، لأنها تختلف من العمل إلى الشخصي، وقد أكد الـ “فيسبوك” أن معلوماته ليست مفهرسة على “جوجل”؛ بمعنى أنه لا يمكن الحصول على معلومات شخصية من ملفك في الـ “فيسبوك” بالبحث عنها في “جوجل”، ويمكن أيضا إلغاء قدرة “جوجل” على الوصول إلى ملفك الشخصي، ولكنك تسويقيا ستخسر ميزة قد تحتاج إليها بالنسبة لمستخدمي “جوجل” لأغراض البحث، والذين قد يكونون زبائن محتملين. تستطيع أيضا منع الناس في بلدان معينة، ومجموعات عمرية معينة، ويمكن أن تحدد مستوى نشر الصفحة، فيمكن ألا يطلع عليها سوى عدد محدد مثل مديريك، وتتيح عمليات إعداد الخصوصية للمجموعات اختيار أن تكون مفتوحة أو مغلقة أو سرية. وعلى الرغم من محاولة الـ “فيسبوك” أن يضمن تزويدك بالتحكمات الضرورية لتتحكم في خصوصيتك، فإن عليك أن تتوخى الحرص دائما فيما يتعلق بكم المعلومات الذي تريد مشاركته، ليس فقط على الـ “فيسبوك”، بل وعلى الإنترنت بشكل عام أيضا، وعلى الرغم من قدرة الـ “فيسبوك” على تقديم الكثير من الأدوات لك، والتي قد تفيد، ليس أنت فقط، بل وشركتك أيضا، فإن عليك أن تنشط فقط على المستوى الذي تشعر معه بارتياح في النهاية.
وتستطيع استخدام الـ “فيسبوك” بطرق مختلفة، ولكن تحتاج إلى أن تنظم استخدامك وتوجهه حسب الاستراتيجيات التي تتبعها، وبالطبع يجب أن تكون لديك استراتيجية، وهذا يعني أن تجيب عن أسئلة أساسية، من قبيل: لماذا تريد استخدام الـ “فيسبوك” في أعمالك؟ وما الأهداف التي تريد تحقيقها في أعمالك عبر الـ “فيسبوك”؟، وكيف يمكنك استخدام الـ “فيسبوك” لتلبية حاجة أو رغبة زبائنك، وماذا يتوقع زبائنك أو زبائن منافسيك أن يجدوا؟ هل تقوم بالترويج على الإنترنت؟ وهل ترغب في توجيه إعلاناتك بطريقة أفضل؟ ما خطتك فيما يتعلق بقياس النجاح؟
وباختصار يمكن استخدام الـ “فيسبوك” بفاعلية كبيرة في مجال الأعمال بثلاث طرق: بناء وسط اجتماعي، والتسويق والترويج، والإعلان، وتحتاج إلى تطبيق استراتيجية بناء وسط اجتماعي إذا كان هدفك الرئيس هو الحضور القوي على الـ “فيسبوك”، فتحتاج هنا إلى المحادثات وتوجيه المعرفة بسلعك وزيادة قاعدة معجبيك، وأن تكون طرفا نشطا في هذا الوسط. وإذا كنت في حاجة للترويج، فعليك التركيز على أدوات محددة في الـ “فيسبوك”، مثل توجيه الزيارات إلى صفحتك ومواقعك الخاصة.
يتيح بناء وسط اجتماعي زيادة المعرفة بمنتجاتك وخدماتك، وبزيادة مستخدمي الـ “فيسبوك” ونموه يزداد احتمال أن يكون زبائنك الحاليون والمستقبليون يتجولون على الموقع، ويمكنك لأجل ذلك مخاطبة أعضاء الشبكات الاجتماعية، وتقديم عنوان صفحتك على الـ “فيسبوك” مع بريدك الإلكتروني وبطاقة الأعمال، وتشجيع وسطك الاجتماعي على التواصل معك.
وتستطيع أن تخبر عن نشاطاتك وأعمالك والأحداث والمناسبات المتعلقة بعملك، وأن تستخدم الصور ومختلف أنواع البث لعرض منتجاتك، ويمكن أن تحلل إحصائيا وظائف الـ«فيسبوك» من خلال ما يزودك بمعلومات عن عدد التحديثات والمداخلات المنشورة، وعدد التفاعلات التي أجراها وسطك الاجتماعي على صفحتك، وعدد التفاعلات مع كل مداخلة منشورة، والتقييم التقريبي لجودة النشر، وعدد المداخلات المنشورة المتعلقة بالمناقشات، وعدد المراجعات والتعليقات والمعجبين وتوزيع الجمهور حسب الأعمار والجنس والبلدان. إن قدرتك على استخدام الـ “فيسبوك” بنجاح كآلة للترويج لا يحدها سوى خيالك.
ثمة إقبال عربي واسع على استخدام شبكات “الفايسبوك” و”تويتر”، للتعبير عن الرأي والتواصل الشخصي، أو التسلية والترفيه، أو العمل العام والسياسي أو التجاري والتسويق والإعلان، ولكنه استخدام يبدو مصحوباً بالشعور بالنجاح والتأثير بمجرد الوصول إلى الشبكة والمشاركة فيها… ما يحدث اليوم مع استخدام “الفايسبوك” و”تويتر” هو ما حدث في موجة الحوسبة ثم الإنترنت، فعندما بدأت الحوسبة كانت المؤسسات تعتقد أن الحاسوب هو سر النجاح، مجرد وجود الحاسوب يعني التفوق والتسويق والأرباح والتأثير، ولكنه بالطبع يتحول إلى عبء وإنفاق إضافي إذا لم يستخدم على النحو الذي يفعل الوقت والجهد والإنفاق، طبعاً أصبح هذا المثال تاريخياً، فقد صارت الحوسبة جزءاً أساسياً من الحياة والعمل على كل المستويات، ولم يعد ممكناً تصورها من دون حاسوب!
وعندما ظهرت الإنترنت اعتقد كثير من الأفراد والشركات والمؤسسات أن الإنترنت مجال واسع وهائل وتلقائي للتأثير والانتشار والتسويق والربح الوافر والعالمية، ولكن تبين بسرعة أن مواقع الإنترنت تتحول إلى ساحات فضائية مهجورة، إن لم تكن في منظومة عمل واسعة ودائبة من الإعلام والتواصل والتأثير ونوعية المنتج المقدم في الشبكة، وظهر أن الذين كانوا يسوقون الشبكية، باعتبارها حلاً تلقائياً للتقدم والإنتاج ليسوا أكثر من مشعوذين ونصّابين، وكانت كما نتذكر فقاعة الإنترنت التي أدت إلى خسائر هائلة.
وفـــي موجة”الفايسبوك”و”تويتر”، ثمة إقبــــال كبير على هذا الإعلام الجديد، ومن قبـــل جرت موجة إقبال على التدوين والمدونات مصحوبة بآمال وتوقعات كبرى وخيالية عن النجاح والتسويق والتأثير والتواصل، وربما تكون شبكة التواصل أداة شائعـــة في الحملات الانتخابية، هناك بالطبع قصص نجاح كثيرة جداً من خلال التدوين.
“الفايسبوك” يخدعنا، يمنحنا شعوراً أكثر من التواصل الاجتماعي والشخصي، نعتقد أننا نفكر للعالم ونؤثر فيه، هذه التفاعلات الإيجابية أو السلبية تمنحنا شعوراً بأننا فاعلون ومؤثرون، وهذا شعور نسبي؛ فالتدوين نطاقه محدود يجب إدراكه وتحديده وملاحظة مدى ما يمكن أن يصل إليه، واللقاءات الشخصية والملاحظات المتفاعلة والمكتوبة والمشاعر الفائضة حول التدوين والكتابة تعكس إعجاباً ذاتياً كبيراً بما يكتب وينشر ويدوّن. لكن العالم المحيط حتى الأصدقاء والمعجبين والمجاملين هم في حالة بعيدة مختلفة كثيراً عن الكاتب.
لقد حولنا الإعلام الجديد إلى أمم من الكتّاب والمدونين. لكن ذلك لا يعني الكثير، بل العكس فربما تكون قليلة الأثر، أو لنقل إن لها نطاقاً محدداً وأثراً محدداً ووظيفة محددة، ليس التأثير الفكري وما يحسبه الكتاب والمدونون إبداعاً وإصلاحاً وتأثيراً… من بين مجالات وظائف التواصل الاجتماعي، وأهدافه، ولكن مشروعات الفكر والإصلاح ليس من مجال لاستقبالها والتفاعل معها سوى العمل الفكري القاسي والممل في الكتب والدراسات والحوارات العميقة والجماعات والمصالح والأفكار المشغولة بالجدل الحقيقي حول قضايا الفكر والإصلاح والكتابة الحقيقية الدسمة أو التعبير الأدبي والفني عنها بالفنون والموسيقى والمسرح والرواية والقصة،…
يمكن أن يكون”الفايسبوك”سوقاً اقتصادية عظيمة للتسويق والإعلان والبيع والشراء والمقايضة وبيع السلع الإلكترونية والترفيهية، أو ميداناً لتنظيم الأعمال بين أعضاء المجموعات والشركات والعلاقات بين الشركات والمجموعات وجماهيرها ومستهلكيها، ولكنه ليس نجاحاً او عملاً يتحقق بتلقائية، والنجاحات اليوم بعامة في الاقتصاد والمجتمعات الجديدة ليست سهلة ولعلها أصعب من السابق، ومعظمها مزيج من الابتكار والديموقراطية وطبيعة السوق واتجاهاتها. هناك أعمال إبداعية لا يمكن انتشارها ونجاحها من غير ديموقراطية وحريات وسوق تستوعب هذه الأعمال، وبغير هذه البيئة المتكاملة فلا نجاح للأعمال الإبداعية الجديدة، وانتشار المعرفة والإنترنت والتواصل الاجتماعي يزيد التحدي على القادة الفكريين والاقتصاديين والسياسيين، كما أن السوق العالمية في دخولها إلى الأسواق الصغيرة والمحلية، جعلت المنافسة صعبة جداً ولم يعد ثمة مجال إلا للتفوق والإبداع… والخوف من الانقراض!
يساعدنا مصعب قتلوني في كتابه ثورات فيسبوك (11) (بيروت، شركة المطبوعات، 2014) على رصد ومتابعة عدد كبيرة من الآراء والأمثلة والحالات التي تربط بين الربيع العربي وشبكات التواصل، تلك فكرة سائدة وتبدو تحظى بقبول معظم الناس إن لم يكن جميعهم، فقد ساعدت مواقع التواصل وبخاصة فيسبوك في النقاش العام والحشد وتبادل المعلومات والأفكار، وكانت بديلا للأعلام التقليدي، من الصحف والمحطات الإذاعية والتلفزيونية.
وبالنظر إلى ما حدث في مصر وتونس وغيرهما من الأقطار، يمكن ملاحظة دور شبكات التواصل الاجتماعي في التعبئة والتنظيم وتقديم المعلومات ومتابعة قضايا الاعتقال والتعذيب والفساد، ويمكن الاستدلال على دورها الفاعل بما قامت به الحكومة المصرية في أثناء الاحتجاجات والمظاهرات من إيقاف أنظمة الاتصالات وخدمات الإنترنت.
يلخص نديم المنصوري أستاذ العلوم الاجتماعية في الجامعة اللبنانية المميزات التي جعلت فيسبوك أفضل وسيط في تحريك الثورات؛ سرعة الاتصال، والسهولة وانخفاض التكلفة، وسهولة الاستخدام، وتعدد اللغات، والحضور المتواصل، والقدرة على التعبئة، والعالمية، والخروج عن سيطرة السلطة السياسية.
ويقول الباحث الأمريكي بمركز بيركمان للإنترنت والمجتمع إن الثورة التونسية هي أول ثورات تويتر، فقد استطاعت مواقع التواصل تحريك التونسيين والإفلات من هيمنة النظام السياسي على وسائل الإعلام، وأسهمت كما يقول عادل الثابتي في فك الحصار عن الثورة واستقطاب الدعم العالمي والتواصل مع العالم، كما كان فيسبوك أداة الشباب في نشر الأخبار والمعلومات وتداولها.
وفي دراسة فلسطينية، ظهر أن حوالي ثلاثة أرباع مجتمع الدراسة يملكون حسابات على فيسبوك، ويرى معظمهم أن فيسبوك يسهم في حرية التعبير، ويلاحظ المؤلف أن جميع الفصائل والمنظمات الفلسطينية أنشأت لها حسابات خاصة على فيسبوك، وكذلك الشخصيات الرسمية والسياسية.
ويشير المحلل السياسي ضياء رشوان إلى الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي على مدى السنوات الأربع السابقة للثورة، وكيف أنها غيرت مسار الإصلاح والمعارضة في مصر وحققت في ذلك نجاحا منقطع النظير.
وتؤشر الأرقام والإحصاءات على انتشار واسع لاستخدام مواقع التواصل الاجتماعي في مصر؛ ففي تقرير لشبكة تكنو وايرلس المتخصصة بالتسويق الإلكتروني وشبكات الهاتف المحمول أن عدد مستخدمي الإنترنت كان قبل 25 يناير حوالي 21.1 مليون شخص وارتفع بعد الثورة إلى 23.1 مليون، وارتفع عدد مستخدمي فيسبوك من 4.2 مليون قبل الثورة إلى 5.2 مليون شخص، ويقضي مستخدم الفيسبوك 1800 دقيقة شهريا بعد الثورة، وكان يقضي قبل ذلك 900 دقيقة شهريا.
وفي دراسة للباحث أحمد إبراهيم، أستاذ الإعلام بجامعة فاروق في الإسكندرية أن جمهور الطلبة الجامعيين اعتمدوا على الإنترنت في الحصول على معلومات عن ثورة 25 يناير كانون الثاني، وكانت حصة التلفزيون 10% فقط، وكانت حصة فيسبوك: 44.6% يليه يوتيوب (24.9%) ثم المواقع الإخبارية (21.1%) ثم تويتر (5.8%) ثم المنتديات (1.9%) ثم المدونات (1.7%).
وتشير دراسة أخرى إلى 31% من نشطاء فيسبوك استخدموه لرفع مستوى الوعي بشأن الحركات الشعبية، وأن 24% استخدمون لنشر الأخبار والمعلومات، في حين استخدمه 30% للتنسيق بين الناشطين وتنظيم الحراكات.
ويمكن اقتباس ما أجمله شريف اللبان؛ أستاذ الصحافة بجامعة القاهرة عن الإنترنت وشبكات التواصل في الثورة بالأبعاد والمجالات التي نجحت فيها الثورة في استخدام فيسبوك: الحشد والتنسيق والتدريب وتشبيك الأعمال والمساهمات، وتوجيه المشاركين والمتطوعين إلى الأفكار والخطوات والأعمال الممكن أداؤها واستخدام الشعارات الإبداعية والدعابة والسخرية والفكاهة.

إبراهيم غرايبة

مركز الدراسات الاستراتيجية – الجامعة الاردنية