سوريا… ما السر وراء الحراك الدبلوماسي المكثف؟

سوريا… ما السر وراء الحراك الدبلوماسي المكثف؟

20qpt470

يعج الفضاء السياسي العربي والدولي بحراك سياسي مزدحم محوره الأساسي «المأساة السورية» مابين اجتماع الدوحة وماليزيا ومابينهما في عُمان .
تحدثت الدبلوماسية الإيرانية عن تقديم إيران مقترحاً للأمين العام للأمم المتحدة السيد بان كي مون، من شأنه أن ينهي فصول الصراع الدامي في سوريا وعلى سوريا.
سبق أن تم تسريب معلومات حول ماتم تداوله بين لافروف ونظرائه الخليجيين ، حول مقترحات روسيا من أجل فك شفرة المأزق السوري الذي تحول إلى قضية دولية تناقش في معظم المحافل الدولية بعيداً عن إرادة ورغبة «الشعب السوري» ، الذي قال منذ 2011 الشعب «يريد» لكن أذان المجتمع الدولي صماء عن سماع محنة أطفال ونساء سوريا التي طالت فصولها .
يبدو أن هذه المقترحات الروسية لم تلق قبولا لدى وزراء مجلس التعاون الخليج، والتي دارت حول تحالف مشكل من روسيا أمريكا تركيا ونظام الأسد ، تحت عنوان مكافحة الأرهاب .
وتسريبات أخرى عن لقاء ولي وولي العهد السعودي بـ»علي مملوك» الذي حسم الجدل فيه ، ما قاله وزير الخارجية السعودي «عادل الجبير» ،،إنه ليس هناك «مستقبل لبشار الأسد في سوريا، فكلما جرى التسريع في ذهابه حل النزاع سريعاً،، وقبل يوم من زيارته لروسيا . كما صوت مجلس الأمن الدولي ليلة الجمعة 7 آب /أغسطس على قرار في مجلس الأمن الدولي حول تحديد المسؤولين عن استخدام الغازات السامه ضد المدنيين في سوريا وتحميلهم المسؤولية عن ذلك ، نتيجة لتزايد الضغوط من قبل منظمات حقوق الإنسان ودول فاعلة في المجتمع الدولي .
يأتي هذا التزاحم السياسي في أروقة السياسة العربية والدولية وفي قاعة مجلس الأمن الدولي ، على أصوات طبول الحرب التي تتسارع ضرباتها في عموم الجبهات السورية ، لكنها تصب في مسار واحد ، المعارضة المسلحة .
قد يستغرب البعض ويتساءل عن السر وراء الحراك الدبلوماسي المكثف والمتسارع في ما يخص البحث عن حل سياسي يخرج سوريا وشعبها من شلال الدماء .
لا يحتاج المتابع لكثير من البحث والتمعن كي يفك طلاسم هذا الحراك المتسارع واستيقاظ الضمير الإنساني المفاجئ لدى الروس والإيرانيين .
في نظرة سريعة على خريطة الصراع السوري، نجد تقدما استراتيجيا لفصائل المعارضة المسلحة على كافة الجبهات من الجنوب إلى الشمال ، وخاصة الإنجاز الأهم الذي حققته الفصائل المنضوية تحت جيش «الفتح « في أدلب الذي تمكن من سحق قوات الأسد ودحرها إلى أبعد مسافه عن ريفي أدلب وحماه ، وأصبح أهم مقر عسكري لجيش الأسد والميليشيات المتحالفة معه ، معسكر «جورين « على بعد كيلو متر واحد أي على مدى أسلحة المعارضة المسلحة ،المتوسطة المدى.
كما أن قوات النخبة لدى جيش الأسد من «الحرس الجمهوري « المدعومة بميليشيا أحمد جبريل وحزب الله اللبناني ، عاجزة عن أقتحام أسوار الزبداني بعد مضي شهر على إعلان النظام هجومه على المدينة القابعة في الريف الدمشقي .
يضاف إلى ذلك التحرك الذي فاجأ الجميع من قبل فصائل المعارضة المسلحة في «داريا»القريبة من مطار المزة العسكري أهم قلاع النظام في دمشق والقريبة جدا من حي المزة مقر البعثات الدبلوماسية ومنطقة كفر سوسة حيث المقار الأمنية.
في غضون ذلك حقق تنظيم الدولة الإسلامية ، تقدما في غاية الأهمية والحساسية بعد إعلانه السيطرة على مدينة «القريتين « في ريف حمص الشرقي ، تكمن أهميتها العسكرية بأنها مدينة كبيرة ونقطة تجمع وأتصال مع عناصر التنظيم في مدينة تدمر، وهي تمنح التنظيم القدرة على شن هجمات على مناطق ريف دمشق الشرقية «الغوطة» وفي التوقيت نفسه يمكنها التقدم إلى غرب حمص نحو الحدود اللبنانية السورية «القصير» وتقطع الطريق الدولي دمشق حمص ، بذلك تنسف جهد النظام على مدى السنوات السابقة في تأمين الطريق الدولي والواصل إلى الساحل السوري الذي يعد الملاذ الأخير للنظام وآخر أوراقه في حال انهزم في دمشق «مشروع التقسيم « ، كما يتيح الفرصة لتنظيم الدولة للهجوم على مقار النظام جنوب حمص وربما السيطرة على حمص كاملة ، هذا يعني سقوطا مدويا لكل من المعارضة والنظام ، كون حمص أكبر محافظة سورية من حيث المساحة وتفصل سوريا مابين الجنوب والشمال ، لأن لحمص حدودا دولية مع العراق «معبر» ومع لبنان معابر «الدبوسية ، والقصير « .
أمر مهم لا يمكن إغفاله في الإجابة عن سر تسارع الحراك السياسي حول سوريا ، وهو التغيير الإقليمي المستجد في نوعيته ، وهو التدخل التركي المباشر في التحالف الدولي ضد تنظيم الدولة وبوادر إتفاق على تشكيل منطقة أمنه في شمال سورية تنفذها «تركيا « بنفس المقام ضرب ميليشيا حزب العمال الكردستاني بجناحيها السوري والتركي ، ومنع التواصل بينهما وبمباركة دولية .
هذه التغيرات الدراماتيكية على رقعة المعارك السورية ، أدت إلى دينامية جديدة متسارعة لدى المجتمع الدولي «اصدقاء»الشعب السوري ، وأصدقاء نظام بشار الأسد .
بعد هذا الاستعراض للمشهد السوري ، نجد سر هذه الهرولة من قبل الروس والإيرانيين نحو اقتراح حلول سياسية للوضع في سوريا.
إيران الحليف الشريك في إراقة الدم السوري إلى جانب نظام الأسد ، قدمت مقاربتها وبمباركة نظام الأسد حول آلية الحل وما تسرب منه ، يظهر حجم الخبث الإيراني ، حيث يشير المقترح حسب ما تناقلته وسائل اعلام ، عن ضرورة وقف اطلاق النار فوراُ ، والاتفاق على انتخابات رئاسية جديدة تحت اشراف دولي ، يكمن الخبث الايراني في النقطة التي تحدثت عن «تعديل الدستور بما يضمن حقوق الأقليات « رغم أن الطائفة الشيعية في سوريا لا تشكل 0.1% من مجموع السكان ، لكنها تخدم المشروع الإيراني في جعل سوريا دولة الطوائف المفككة وتضمن مصالح العلويين الغارقين في دماء السوريين ، الذين سيضمنون المصالح الإيرانية في المياه الدافئة «البحر المتوسط» وضمان نقطة أمداد لذراعها العسكري في لبنان «حزب الله « .
أما روسيا التي وجدت أن رهانها على صمود الأسد أشرف على الإنتهاء في ظل تقدم المعارضة المسلحة وأنهيار جيش الأسد في ظل تنامي المعارضة المسلحها وتمددها .
لذلك وافقت على قرار مجلس الأمن حول تحديد المسؤولين عن استخدام الغازات «السامة» وهي التي طالما رفضت مثل هكذا قرار وأستماتت في تقديم المبررات لعدم قيام النظام باستخدام سلاح كيميائي ، بل اتهمت المعارضة بذلك . ربما قدمت موافقتها قربانًا على مذبح المجتمع الدولي من أجل حفظ ماء الوجه ، بعد أن أجبرت على ذلك أمام ضغوط المجتمع الدولي وتقدم المعارضة .
خلاصة القول إن تقدم المعارضة المسلحة هو الدافع الرئيسي وراء تسارع الحراك السياسي حول سوريا ،تحت عنوانين
الخوف من انتصار المعارضة وإسقاط النظام عسكريا ، الأمر الذي ينظر إليه المجتمع الدولي بأنه اسقاط للدولة السورية. الأمر الآخر التخوف من اتساع مساحة الأراضي التي يسيطر عليها التنظيم واحتمال سقوط حمص بيده وهي «قلب سوريا».

ميسرة بكور

صحيفة القدس العربي