إصلاحات العبادي في مهب تجاذب سياسي ينبئ بتعطل تنفيذها

إصلاحات العبادي في مهب تجاذب سياسي ينبئ بتعطل تنفيذها

_59920_120

تمكنت حزمة الإصلاحات التي طرحها رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي، رغم تباين الآراء حول مدى جديتها، من اجتياز العقبة البرلمانية، بعد أن تمّت المصادقة على دفعتها الأولى. غير أنّ اختلاف وجهات النظر الحاد بين الأطراف السياسية الداخلية حولها، مازال يفيد بوجود عقبات حقيقية تحول دون تنفيذها الصارم على أرض الواقع، وفق دراسة للباحثة مروة وحيد، صادرة عن مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة.

اتسعت رقعة التظاهرات في المحافظات العراقية منذ مطلع شهر أغسطس الجاري، حيث امتدت التظاهرات من العاصمة بغداد إلى النجف وبابل والمثنى والناصرية وكربلاء، احتجاجاً في ظاهرها على تردي الأوضاع الخدمية وعلى ما تشهده العراق من فساد إداري ومالي منذ سنوات، ورفضا في باطنها لجملة الخيارات السياسية التي جعلت البلاد مرتهنة لإيران.

وهو ما دفع رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي إلى تقديم حزمة الإصلاحات في التاسع من الشهر الجاري، أقرها مجلس الوزراء والبرلمان العراقيين بعد ذلك، ووافق هذا الأخير على حزمتها الأولى.

ويطرح هذا الأمر عددا من التساؤلات، أبرزها يدور حول جدية تلك الإصلاحات ومدى قدرة العبادي على تطبيقها على الأرض، ومواقف القوى السياسية الداخلية في العراق منها، وكذلك مواقف القوى الإقليمية، خاصة الإيرانية من ذلك، بالإضافة إلى مدى تأثير هذه الإصلاحات على مواجهة تنظيم “داعش” في الأراضي العراقية.

وتشمل حزمة الإصلاحات التي تقدّم بها العبادي جملة من الإجراءات يهدف من خلالها إلى؛ إحداث تقليص شامل وفوري لأعداد عناصر الحماية أو الحرس لكل المسؤولين في الدولة، وفتح ملفات الفساد السابقة والحالية تحت إشراف لجنة عليا تتشكل من المختصين، ودعوة القضاء إلى اعتماد عدد من القضاة المختصين المعروفين بالنزاهة التامة للتحقيق فيها ومحاكمة الفاسدين.كما ألغى العبادي 11 منصبا في الحكومة.

وتقدم سليم الجبوري رئيس البرلمان، بدوره، بحزمة إصلاحات نيابية شملت إقالة أعضاء مجلس النواب الذين غابوا عن جلسات البرلمان من دون عذر مشروع أكثر من ثلث الجلسات من مجموع الفصل التشريعي الواحد، والنظر في أداء رؤساء اللجان النيابية، وتقليص أعداد أفراد حماية المسؤولين إلى النصف خلال 15 يوما.

وتضمنت الحزمة النيابية مواد تتعلق بمحاسبة المقصرين في الدفاع عن العراقيين ممن تسببوا في تسليم الأرض والسلاح إلى جماعات إرهابية، وهو ما يتنزل في إطاره إدراج رئيس الوزراء السابق نوري المالكي في تحقيقات حول سقوط الموصل في يد “داعش”، وكذلك إيجاد حلول عملية لمشكلة النازحين بما يحفظ لهم حياة كريمة.وتؤكد ورقة الإصلاحات النيابية على تشريع القوانين التي نص عليها الدستـور، خصوصا مشاريع قوانين الأحزاب، والمحكمة الاتحادية العليا، والمعاهدات، ومجلس الاتحاد والحرس الوطني، علاوة على قوانين المصالحة الوطنية، وتذليل ما يقف في وجه هذه التشريعات من عقبات.

مواقف القوى الداخلية

وقد جاءت إصلاحات العبادي بالتزامن مع العديد من الأحداث السياسية والميدانية التي يشهدها العراق وهو ما أثّر على مواقف الجهات الداخلية وتفاعلها معها. وتعتبر دعوة المرجع الشيعي الأعلى في العراق آية الله علي السيستاني رئيس الوزراء حيدر العبادي باعتباره المسؤول التنفيذي الأول، إلى مواجهة الفساد والطائفية، أبرز ما سبق تلك الحزمة من الإصلاحات. وقد دعا السيستاني العبادي لأن يكون أكثر شجاعة وجرأة في قراراته الإصلاحية والضرب بيد من حديد على المفسدين، وإبعاد كل مسؤول غير قادر على أداء مهامه مهما كانت طائفيته أو قوميته أو حزبه. كما شدد على أن يضع العبادي القوى السياسية أمام مسؤولياتها، وأن يتجاوز المحاصصة الطائفية والحزبية، وأن يتقدم لإصلاح مؤسسات الدولة وتعيين الكفاءات، والتأكيد على أنّ كل هذه الخطوات ستكون مدعومة من قبل القوى السياسية والجماهيرية.

كما جاءت الإصلاحات في توقيت على درجة كبيرة من الأهمية على الساحة العراقية الداخلية، في ظل ما يشهده إقليم كردستان من انقسامات خاصة حول رئاسة الإقليم، وهو ما جعل المكون الكردي يمرر الإصلاح بغية الانتباه إلى مشاكله الداخلية وسعيه للحفاظ على تماسك واستقرار أربيل، واعتبار هذا الأمر أحد أهم عناصر مواجهة تنظيم “داعش”.

أمّا عن موقف القوى السياسية السّنية، فقد اعتبر تحالف القوى السنية أن هذه الإجراءات غير كافية، وأنها لا تعبر عن المطالَب الأساسية للتظاهرات الاحتجاجية التي تشهدها البلاد. كما طالب التحالف الحكومة بفتح ملفات معينة مثل ملف العقارات الحكومية التي تقدر بمليارات الدولارات، خاصة في ظل ما يعانيه العراق من أزمة تتعلق بإغاثة النازحين والمهجرين بعد أن فشلت الحكومة في إيجاد حل مناسب لها. وكذلك ملف التسليح الذي كلّف ميزانية العراق 148 مليار دولار منذ عام 2003، ولم يثمر ذلك، سواء في توحيد الجبهة الداخلية أو تقوية الجيش العراقي للتصدي للإرهاب. هذا علاوة على ملف الكهرباء الذي كلّف الدولة عشرات المليارات من الدولارات دون جدوى.

ووعد التحالف بتقديم ورقة إصلاح برلمانية تتضمن إصلاحات حقيقية وجذرية تستجيب لكل مطالب المتظاهرين التي تنسجم مع ما نص عليه الدستور والقانون، وهو ما يعني بشكل ما التشكيك، ولو بطريقة غير مباشرة، في مدى مصداقية حزمة الإصلاحات الأخيرة، وهو ما يمكن أن يفتح المجال لمزيد من الجدل بين المكون السني والشيعي في المرحلة المقبلة.

وفي الوقت الذي خرجت فيه التظاهرات العراقية إلى الشارع لدعم خطة حيدر العبادي الإصلاحية، وطالبته باتخاذ مزيد من الإجراءات الإصلاحية، اعترض إياد علاوي نائب رئيس الجمهورية على “دستورية” قرار إلغاء منصب نائب الرئيس، معتبرا أن إصلاحات رئيس الوزراء تعد انتهاكا للدستور.

وبناء عليه أمهل علاوي الحكومة ثلاثة أشهر لتلبية مطالب المواطنين، وإلا فإنه سيطالب بإجراء انتخابات مبكرة.

ويمكن القول إنّ معظم عناصر المكون الشيعي أيدت خطة العبادي الإصلاحية، خاصة بعد دعوة السيستاني، حيث أكد حزب الدعوة الإسلامية على لسان رئيس الوزراء السابق نوري المالكي تأييده لخطة العبادي، داعيا إلى تشكيل حكومة جديدة من التكنوقراط بدلا من الحكومة الحالية.

ودعا زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر السلطة القضائية إلى محاسبة من تثبت إدانتهم في قضايا الفساد بشكل حيادي وحاسم، مؤكدا رفضه أي تدخل أجنبي في حملة الإصلاحات.

كما أبدى ائتلاف المواطن، وهو إحدى قوى التحالف الوطني الشيعي، تأييده لهذه الإصلاحات، وأعرب نواب كتلة الصادقون التابعة لعصائب أهل الحق عن تأييدهم للإصلاحات أيضا، معتبرين أنها تتوافق مع تطلعات الشارع العراقي.

عقبات في طريق التنفيذ

على الرغم من تشكيك بعض المراقبين في قدرة مجلس النواب على تمرير حزمة الإصلاحات نظرا لما يشهده النظام السياسي العراقي من محاصصة طائفية، فإن المجلس قد استطاع الموافقة عليها بالإجماع في جلسة استثنائية؛ وهو ما يمكن إرجاعه إلى أن كافة القوى السياسية بمختلف ألوانها تخشى في الوقت الحاضر من تمدد وانتشار موجة الاحتجاجات في الشارع، خاصة مع حالة الانفلات الأمني التي تشهدها العراق في ظل ضعف قدرات قوات الأمن؛ الأمر الذي دفع غالبية القوى السياسية الرئيسية في العراق إلى تأييد خطوات العبادي.

ويمكن اعتبار هذا التأييد نوعا من المحافظة على نصيب المكون الشيعي من السلطة، وعدم الرغبة في المجازفة بما حصل عليه طوال الفترة الماضية.

وهنا ثمة بعض الملاحظات المهمة، أوّلها أن اقتراح العبادي القاضي بإلغاء نظام المحاصصة في المناصب الحكومية وتقليص أعداد الحمايات الشخصية لكبار المسؤولين، يحتاج إلى إجراء برلماني أو إلى تعديلات دستورية، وكلا الأمرين يصعب ضمان تحققهما، ما يعني أن تنفيذ هذه الإجراءات سيأخذ مزيدا من الوقت، خاصة مع ترسخ فكرة الولاءات الحزبية والطائفية في العراق منذ سنوات، حيث أصبح المواطن العراقي أسيرا لميوله المذهبية التي تستخدمها القوى السياسية والدينية، لإعلاء الانتماء الطائفي على الوطني لتحقيق مصالحها الخاصة، وهو ما يزيد من صعوبة تطبيق العبادي لخطته.

أما الملاحظة الثانية فتتعلق بمدى قدرة هذه الحزمة على القضاء على جذور الفساد المستشري في المؤسسات والهيئات العراقية، فهي وإن كانت تمثل عنصراً مساعداً في تقليصها إلى حد ما إلاّ أن ثمة عقبات عديدة تعترضها في ظل وجود طبقة سياسية ذات نفوذ كبير في مؤسسات الدولة.

أمّا الملاحظة الثالثة فتشير إلى أنّ خطة الإصلاح لم تعالج ما تقوم به الميليشيات الشيعية الموالية لإيران من انتهاكات وخروقات، متمثلة في عمليات التطهير الطائفي التي تقوم بها في المناطق المحررة من تنظيم “داعش”، وهو ما يضيف صعوبة أمام العبادي لكسب ثقة المكون السني في المرحلة القادمة، خاصة مع ثقة معظم القوى السياسية السنية في عدم قدرته على محاسبة هذه الميليشيات أو حتى على تقييد دورها.

وتشير جملة هذه الملاحظات إلى أنّ مُشكلات العراق، سواء من ناحية الاختلافات الواضحة بين القوى السياسية بمختلف انتماءاتها أو التحديات الاقتصادية، ستظلّ مؤجلة حتى يتم التصدي لإرهاب داعش وتحرير الأراضي العراقية من قبضته، وهو ما يعني ضرورة أن يعمل كل مكون على إعلاء مصالح العراق وطرح أي انتماءات طائفية جانباً، وإلا سوف يفتح المجال أمام صراعات داخلية في المستقبل يصعب على الجميع في الداخل والخارج التعامل معها أو احتواءها.

صحيفة العرب اللندنية