الهوية الملكية: لماذا تتضامن دول الخليج برغم خلافاتها؟.. محاولة لفك الالتباس

الهوية الملكية: لماذا تتضامن دول الخليج برغم خلافاتها؟.. محاولة لفك الالتباس

3808

“تتميز دول الخليج بدرجة عالية من التماسك الداخلي والمناعة القومية، وقدرة على احتواء التحولات الداخلية والإقليمية، وقد تمكنت هذه الدول عن طريق هذا التماسك من أن تجعل سياساتها وقراراتها مؤثرة ليس على المنطقة العربية فحسب، ولكن على العالم كله”.هذه هي المقولة الرئيسية التي يطرحها “إف.جريجوري جوس”، رئيس قسم الشئون الدولية في جامعة تكساس، في مقاله المعنون “فهم دول الخليج” والمنشور بمجلة الديمقراطية في ربيع 2015، وذلك في إطار محاولته فهم قدرة دول الخليج على الحفاظ على علاقات قوية بالرغم من وجود بعض الاختلافات الجذرية بين قطر ودول الخليج، خاصةً فيما يتعلق بجماعة الإخوان المسلمين.

عوامل تماسك دول الخليج:
ينطلق الباحث من حادثة رئيسية وهي قيام تميم بن حمد أمير قطر بتقبيل رأس ملك السعودية الراحل عبد الله بن عبد العزيز في وقت ذروة الخلافات بينهما بسبب دعمها لجماعة الإخوان المسلمين، والمواقف المعادية للعديد من دول الخليج الصادرة من قناة “الجزيرة”، وهو الأمر الذي تم تفسيره من بعض الباحثين بأنه إشارة على أن الخلاف في طريقه للحل؛ إلا أن الخلاف استمر على الرغم من ذلك، وهو ما دفع الباحث إلى التساؤل: كيف تحافظ هذه الدول على علاقاتها رغم الخلاف في قضايا محورية؟.
ويفسر الباحث هذا التوافق بوجود عدد من العوامل التي تساعد في استمرار تماسك هذه الدول، لعل من أهمها: الهوية الملكية المشتركة، والوعي الذاتي بضرورة المحافظة عليها باعتبارها عاملا محددًا لأمن هذه الدول، وهي القيم التي يتم تناقلها عبر الأجيال، لا سيما داخل العائلات الحاكمة. ويرى الباحث أن هذا الاعتزاز بالهوية الملكية هو ما دفعها إلى دعوة دولتي الأردن والمغرب الملكيتين إلى الانضمام إلى مجلس التعاون الخليجي بعد ثورات الربيع العربي، بينما لم يتم توجيه هذه الدعوة إلى جارتهم اليمن.
أما العامل الثاني فهو تكوينها لشبكة علاقات قوية مع العديد من الدول على المستوى الإقليمي والدولي، ولعل من أهم هذه الدول الولايات المتحدة الأمريكية التي تستفيد من علاقتها بدول الخليج التي تمكنها من تحقيق استقرار استراتيجي لمبيعاتها في النفط ولاستثماراتها في المنطقة.
وقد وصف الباحث مواقف دول الخليج والولايات المتحدة الأمريكية بالمواقف المتحفظة من عملية التغيير، فالولايات المتحدة لا تريد أي تعديل مفاجئ في الإقليم من شأنه أن يضر بمصالحها، من ناحية أخرى ترفض دول الخليج التغيير الراديكالي، وتفضل التغيير المعتدل.
كذلك تعد قوة الاقتصاد الخليجي عامل قوة يُساعد في التقارب بينها، والتأثير على السياسات العالمية. فعلى سبيل المثال تنتج ما يزيد قليلا على 20 في المائة من النفط العالمي، وتملك نحو 30 في المائة من احتياطات النفط العالمية، وهي علاوة على ذلك تملك غالبية طاقة إنتاج النفط الفائضة، بمعنى أنها تملك القدرة على زيادة الإنتاج بسرعة.
جماعية مواجهة التحديات:
لفت الباحث النظر هنا إلى ثلاث فترات محددة من التحديات التي واجهت الملكيات الخليجية:
1- الثورة الإيرانية: تأسس مجلس التعاون الخليجي في عام 1981، وذلك في أعقاب الثورة الإيرانية 1979 والرغبة الإيرانية في التوسع من أجل استعادة مملكتها الفارسية القديمة، واستمرت إيران في استفزاز العراق حتى اندلعت الحرب العراقية الإيرانية في سبتمبر 1980، اعتقادًا منها بضرورة اتباع سياسة أمنية مشتركة تحقق الأمن الجماعي لهذه الدول.
2- الغزو العراقي للكويت: عندما أقدم صدام حسين على غزو الكويت في عام 1990، وقفت الدول الخمس الأخرى في صف الكويت لاستعادة أرضها واستعادة حكومتها الملكية، وقامت هذه الدول بالتعاون مع قوات التحالف الدولي على الرغم من احتمالية تعرضها لرد فعل من العراق.
3- الأمن الإقليمي: مع قيام الانتفاضات العربية في 2011 وما صاحبها من تهديدات أمنية واستراتيجية، ونشاط العديد من الجماعات الإرهابية – دُفعت دول الخليج للتضامن خشية امتداد هذا الخطر إليها. وعلى الرغم من أن قطر كانت بمثابة عامل محفز للمظاهرات التي جرت في الدول العربية كافة، فقد اتخذت موقفًا مناقضًا للمظاهرات التي جرت في البحرين وعمان.
كذلك تضامنت هذه الدول على المستوى الاقتصادي فقامت بدعم الاقتصاد البحريني والعماني بمليارات الدولارات. وصحيح أن العلاقة بين قطر وشركائها في مجلس التعاون الخليجي قد شهدت العديد من التوترات منذ 2011 وما قبلها، إلا أنها تضامنت مع هذه الدول من أجل استعادة الأمن الإقليمي.
مركزية القيادة:
هناك توافق بين دول الخليج في غالبية القضايا والسياسات، وهو الأمر الذي لا ينطبق على مستوى السياسة الخارجية فحسب، بل يمتد ليشمل السياسات الداخلية التي تكاد تصل إلى حد التطابق. فعلى سبيل المثال قامت كل من الإمارات والكويت باتخاذ موقف مشابه لموقف السعودية فيما يتعلق بعدم تخفيض الإنتاج في مواجهة انخفاض الأسعار.
بيد أن هذا لا ينفي وجود بعض القضايا الخلافية، ويفسر الباحث وجود هذا الخلاف في الرؤى بالمقولة النظرية في العلاقات الدولية “رؤية القادة للعالم وإدراكهم تؤثر على السياسة الخارجية للدولة”، وهو الأمر الذي من الممكن أن يكون صحيحًا في ظل تشابه النظم الداخلية، وخريطة التحديات والفرص، بينما تظل رؤية القيادة هي العامل المتغير الوحيد.
وتُعد قطر مثالا نموذجيًّا على مركزية القيادة، فقد كان الأمير الأسبق لقطر خليفة بن حمد آل ثاني من الموالين للمملكة العربية السعودية، وقام بالتركيز على السياسة الداخلية بدلا من الخارجية، وبعد تولي ابنه الشيخ حمد السلطة في 1995 اختلفت السياسة القطرية كلية، حيث تم اتباع سياسة خارجية نشطة تعتمد على القوة الناعمة، كقناة “الجزيرة”، وإنشاء العديد من فروع الجامعات الأجنبية في الدوحة، مما جعل البعض يطلق على الدوحة عاصمة التعليم، كما اتخذت موقفًا داعمًا للجماعات الإسلامية، وخاصة الإخوان المسلمين.
واختلف موقف الشيخ “تميم بن حمد” الذي تولى السلطة في 2013 بعد تنازل أبيه عن الحكم له طواعية، حيث يشير الباحث إلى أنه حتى الآن لا يمكن تحديد معالم واضحة للسياسة الخارجية القطرية في عهد تميم، إذ إن فترة حكمه قد شهدت بعض التقارب مع السعودية ومصر، مثل إعلان المصالحة مع السعودية في 2014، وإغلاق قناة “الجزيرة مباشر مصر” في ديسمبر 2014، إلا أن دعمه للإخوان استمر وإن كان بدرجة أقل من والده.
وفيما يتعلق بالإمارات، اتبع أول رئيس لها الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان سياسة تهدف إلى تحقيق التنمية الاقتصادية، والسعي إلى التدخل للمصالحة في الخلافات العربية العربية، كما اتبع ايضا الشيخ محمد بن زايد ولي عهد أبو ظبي ونائب القائد العام للقوات المسلحة سياسة نشطة تعتمد على رفع القدرات التسليحية للإمارات وخاصة القوات الجوية، ومحاولة إبقاء بلاده بمعزل عن الخلافات العربية التي رأى أن تدخله فيها من شأنه أن يفسد علاقة الإمارات مع دول الإقليم، بحسب وجهة نظر كاتب المقال.
ولم يختلف الأمر كثيرا بالنسبة للمملكة العربية السعودية، فالملك سلمان بن عبد العزيز قام بإتباع سياسة خارجية مختلفة عن الملك السابق عبد الله؛ حيث قام باستباق التهديدات في اليمن بهدف التصدي لتوسعات الحوثيين عسكريًّا، وعلى الرغم من أن الملك عبد الله اتبع سياسات قوية في مواجهة توسعات إيران، إلا أن الباحث يصف سياسة الملك سلمان بكونها الأكثر قوة لوقف التمدد الإيراني.
ولعل هذا ما يفسر الخلاف بخصوص الإخوان المسلمين، وهو الأمر الذي دفع السعودية والإمارات والبحرين لسحب سفرائها من قطر في مارس 2014. وفي الوقت الذي اتجهت فيه قطر لدعم الإخوان المسلمين بعدة وسائل (مثل: دعم يوسف القرضاوي الزعيم الفكري للإخوان المسلمين والحاصل على الجنسية القطرية، ودعم حكومة حماس، وتقديم العديد من المساعدات لحكومة الإخوان المسلمين)، قامت الإمارات والسعودية بإدراج الإخوان كتنظيم إرهابي، واتخاذ موقف داعم لنظام السيسي في إطار حربه على الإرهاب.

راشد عليان

المركز الإقليمي للدراسات الإستراتيجية