الاتفاق النووي الإيراني قادم بالفيتو

الاتفاق النووي الإيراني قادم بالفيتو

_60863_iran4

انتقلت حمى الجدل الدائر في أروقة البيت الأبيض حول الاتفاق النووي الإيراني إلى الشارع الأميركي، الذي أصبح وضعه كوضع أعضاء الكونغرس المنقسمين بين مؤيد للاتفاق ومعارض له. وفي انتظار ما ستؤول إليه الأمور داخل العائلة الأميركية المنقسمة، يبقى السؤال مطروحا هل أن الولايات المتحدة ستكون أمام اتفاق جديد هو الأول من نوعه مع الجانب الإيراني أم أن خيار رفض الاتفاق برمته سينتصر؟

مع اقتراب جلسة التصويت على مشروع الاتفاق النووي الإيراني في الكونغرس للبت في القرار، تمحور الحديث في الشارع الأميركي حول ماهية هذا الاتفاق وجدواه من حيث الفوائد المرجوة منه في حال تم التوافق عليه، وتبعاته في حال تم رفضه. ما أعاد للذاكرة ما حدث في فترة الثمانينات من قبل النظام الإيراني وهجومه على السفارة الأميركية آنذاك.

تشير كل المؤشرات الحالية إلى احتمال احتدام المعركة عند التصويت على مشروع الاتفاق بين أعضاء الكونغرس، الذي يسيطر على غالبية مقاعده الجمهوريون، الذين يعلنون رفضهم المطلق والصريح للاتفاق، وبين إدارة الرئيس الديمقراطي باراك أوباما، الذي يلوح باستخدام الفيتو في حال تم رفض التصويت لصالح الاتفاق من قبل الكونغرس. وقبل حوالي أسبوعين على التصويت بلغ عدد المؤدين الديمقراطيين 31 سيناتورا، الأمر الذي يجعل أوباما يحتاج إلى ثلاثة أصوات فقط؛ حيث يحاول أوباما جمع 34 صوتا في مجلس الشيوخ لضمان عدم رفض المجلس الاتفاق.

الفيتو الأميركي

التلويح من قبل الرئيس الأميركي باستخدام الفيتو ساهم في تحفيز الجمهوريين للقيام بعمليه حشد كبيرة بين الديمقراطيين والجمهوريين في مجلس النواب، وذلك لضم أكبر عدد ممكن من أعضاء مجلسي النواب والشيوخ لضمان دعمهم فيما يتعلق برفض القرار وقطع الطريق على الرئيس لاستخدام الفيتو الذي بموجبه يستطيع أن يمرر قرار الموافقة على مشروع الاتفاق دون موافقة الكونغرس.

في هذا الشأن تحدّث مع “العرب”، من واشنطن، خليل جهشان، أستاذ العلوم السياسية والدراسات الشرق أوسطية ومدير المركز العربي للدراسات والبحوث، مشيرا إلى أن الرأي العام الأميركي أصبح يتعاطى مع المسألة وفق وجهة نظر حزبية تجعل كل من لديه انتماء أو ميول للتيار الجمهوري يعارض الاتفاق، في حين يؤيده الموالون الديمقراطيون. وهو ما يجعل نسبة التأييد تنزل ويختصر المشهد ما بين نصف مؤيد ونصف آخر معارض بعد أن كان ثلثا الأميركيين يؤيدون هذا المشروع.

وأكد جهشان أن غياب الثقة هو المحرك الأساسي اليوم في التعامل مع الاتفاق، ويعود ذلك إلى أزمة الثقة القوية والعميقة تجاه النظام الإيراني. فالمواطن الأميركي لا ينسى، وهو يقرر التوجه برأيه نحو هذا الاتفاق الهام، تاريخ العلاقات السيئة بين واشنطن وطهران.

وقال جهشان “المواطن الأميركي قد يقبل ويقتنع بالاتفاق ولكن ليست لديه ثقة في أن الجانب الإيراني لديه النية في تطبيق هذا الاتفاق أو إمكانية تنفيذه بحذافيره”. وهو ما جعل بعض الأصوات الديمقراطية في الكونغرس تقف ضد القرار والتحفظ عليه.

أزمة ثقة

تواجه إدارة الرئيس أوباما مشكلة كبيرة قد تكون أصعب من موقف إدارة بوش الابن لحشد الموافقة لشن الحرب على العراق في 2003، وذلك لأن أوباما يراهن على الأحزاب الموالية لإسرائيل في حين تتعالى أصواتها التي تعارض البرنامج النووي الإيراني.

وكان السيناتور الديمقراطي روبرت ميننديز، الرئيس السابق للجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشيوخ، قد صرح في خطاب بجامعة سيتون هول في ولاية نيوجرسي، بأنه يعارض الاتفاق في الوقت الذي يميل فيه غالبية الحزب الديمقراطي إلى دعمه، منضما بذلك إلى زميله في نيويورك تشاك شامر الذي عبر عن رفضه لهذا المشرع بقوله “كرست حياتي لبعض المبادئ التي تدفعني مجددا إلى بناء نهج لا يحظى بشعبية، ولكن إذا امتلكت إيران السلاح النووي فلن أكون من الموقعين على ذلك”. وأضاف “علينا أن نكون واضحين جدا نحن نريد اتفاقا صحيحا، ولا نريد مجرد اتفاق لا ينص سوى على تأخير محتوم لامتلاك إيران للقنبلة النووية”.

ويرى المدير التنفيذي للمركز العربي للدراسات والبحوث بأن هذه الاتفاقية لها مدلولاتها السياسية فهي من جهة ستعتبر إنجازا للديمقراطيين إن تم انتزاع الموافقة عليها من الكونغرس وتطبيقها، ما يعني أن الحزب الديمقراطي يحافظ على وعوده ولديه القدرة على اتخاذ القرارات وتمريرها. في الوقت الذي قد يثير غضب كل من إسرائيل والدول العربية، وإن كان ذلك من منظورين مختلفين.

فإسرائيل ترى في القرار تهديدا لوجودها ولن تسمح لأحد ألد خصومها في المنطقة بامتلاك السلاح النووي حتى لو كان لأغراض سلمية؛ في الوقت الذي ترى فيه دول المنطقة العربية أنه قرار ساذج سيمنح إيران مزيدا من الغطرسة والتدخل في شؤون بلادهم. هذا فضلا عن الدعم المالي والدولي في تمويل أذرعها بالمنطقة، لاسيما وأنها ستقوم باستعادة أموالها المحجوزة بسبب الحصار.

وسيمكّن هذا الاتفاق إيران من استعادة ما يقارب 150 مليار دولار من التدفقات النقدية في الحساب المصرفي الذي يرى مراقبون أنه لن يشمل حاجيات المواطن الإيراني الذي تضرر كثيرا بسبب الحصار الذي فرض على بلاده، وإنما سيُستغل فيما يتعلق بالأنشطة النووية والعسكرية التي تحظى بالأهمية الكبرى لدى السلطات الإيرانية.

ويضيف خليل جهشان أن الحزب الجمهوري لن يرى في القرار إلا نكسة وهو الذي لا يقبل برفع العقوبات عن إيران ولا يرغب بالسماح بمنحها المزيد من الأموال التي يعتبرها بمثابة الهبة الأميركية كونه لا يعترف بأنها أموال إيرانية مستعادة. وصرح العضو الجمهوري إد رويس، رئيس لجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب، وهو الذي تقدم بمشروع قانون رفض الاتفاق، بأن هذا الاتفاق يقدم الكثير وبسرعة قياسية لبلد يصفه بالإرهابي، إلى جانب كونه يشكل خطرا على أمن واستقرار العالم.

كلينتون تدفع الثمن

يعتبر خليل جهشان أن إدارة الرئيس أوباما والمؤيدين لهذا القرار سيرون أنه إنجازا عظيما يعكس قدرتهم على تحجيم قدرة إيران النووية وطاقاتها لتطوير السلاح النووي. ذلك أن منطقة الشرق الأوسط اليوم تعيش على وقع سباق تسلح نووي، وهو ما يعني أن إدخالها في اتفاقيات من هذا القبيل لن يلحق الضرر بالمصالح الأميركية في المنطقة. وسيكون بمثابة الضغط لتغيير سياساتها في المنطقة العربية وعدم الدخول في مواجهة معها والتوقف عن دعم الإرهاب والاعتراف بإسرائيل على حد تعبيره.

لكنه مع ذلك يقر بإمكانية تأثير ما يحدث على موقف هيلاري كلينتون المرشحة الرئاسية في حال استمرت في السباق الانتخابي. ذلك أن الهجوم الذي يطالها من الجمهوريين سوف يتفاقم، حيث ستنصب كل الكراهية الموجهة لسياسة أوباما عليها. وهو ما يجعلها الآن تحاول خلق بعض الفروقات في مواقفها السياسية لتبتعد قليلا عن سياسة أوباما مع الأخذ بعين الاعتبار أيضا عدم إنكار تعاطفها الكامل مع إسرائيل.

ويتوقع جهشان بأن الاتفاق سيمر على المدى البعيد حتى في حال قيام الكونغرس بعرقلة القرار من خلال التصويت عليه بالرفض، وأن استخدام الفيتو سيكون الحل لتمرير القرار.

نسرين حلس

صحيفة العرب اللندنية