المأزق الفلسطيني الراهن!

المأزق الفلسطيني الراهن!

0c402735bd4704d6a2f48b7c5c72554b

رئيس المجلس الوطني الفلسطيني يعرف يقينا أن انعقاد دورة عادية للمجلس يتطلب حضور “ثلثين + واحد”، ولا جدال في ذلك، وسبق لمنظمة التحرير الفلسطينية مواجهة مثل تلك المشكلة في دورة عمان عام 1984، ولولا مهارة الراحل أبو عمار، وقتاله الشرس حتى آخر لحظة، لضمان حضور العضو المكمل للنصاب القانوني، ممثلا بالسيدة “أم سمير حوري” لكانت قانونية الدورة قد انهارت، ولكانت الشرعية الفلسطينية قد تزعزعت، وذلك ما سعى إليه آنذاك الرئيس السوري السابق حافظ الأسد.

تلك حقائق يعلمها الجيل الحالي في القيادة الفلسطينية، لكن تعجل الأمور لتصفية حسابات شخصية، قد يصبح سببا لانهيار ما تبقى من شرعية ومكانة المنظمة وبرلمانها، فاستقالة رئيس وأعضاء اللجنة التنفيذية هدفت إلى التخلص من أمين سر اللجنة التنفيذية ياسر عبد ربه، وإقصاء عدد آخر من الأعضاء، لكنها خطوة أنتجت مأزقا قانونيا خطيرا، تضع شرعية المنظمة ودورة “رام الله” في مهب الريح.

من المؤكد وعلى المستوى السياسي، أن الدورة القادمة للمجلس تعد قفزا عن تقاليد المنظمة في إجراء حوار مكثف يسبق عقد المجلس، ويبلور “توافقات” وطنية، يعلن عنها في “احتفاليات” انعقاد الدورة، كما أن الدورة القادمة تعد قفزا عن توافقات القاهرة، وحتى لو اكتمل النصاب العددي لعقد دورة عادية، فإن غياب فصائل فلسطينية رئيسية، مثل حركتي حماس والجهاد الإسلامي، وربما الجبهة الشعبية، إضافة إلى تيار مؤثر من حركة فتح، ومن الأعضاء المستقلين، يعني فقدان الأغلبية السياسية، ويعني انحسار التأييد الشعبي لوحدانية تمثيل المنظمة، ويكرس واقع تعدد المرجعيات الممثلة للشعب الفلسطيني.

أما المستوى القانوني فهو مأزق لا يقل خطورة عن مخاطر غياب، أو تغييب التوافق الوطني والأغلبية السياسية، فعدم اكتمال النصاب العددي لعقد دورة عادية للمجلس يعني أحد أمرين:

الأول: الذهاب إلى دورة استثنائية بمن حضر، وبجدول أعمال محدد وملزم قانونا. الثاني: فراغ قانوني وسياسي خطير وغير مسبوق في القيادة الأولى، بحكم الاستقالات المفتعلة.

لكن المأزق الحقيقي، أو “سر الأسرار” فهو ما تتكتم عليه رئاستا المنظمة والمجلس حتى الآن، ولا شك أنه “سر” يربك القاضي الشيخ “أبو الأديب”، فلا أحد بمكانته وسمعته لدى الشعب الفلسطيني سيرضى لحياته وتاريخه خاتمة قانونية وسياسية مفجعة كتلك التي تواجه الرجل اليوم، وهو من هو، أحد أقدم مؤسسي حركة فتح، وأحد مرجحي قرار الكفاح المسلح الفتحاوي قبل نصف قرن من الآن، أمده الله بالصحة وطول العمر .

أين المأزق إذن وما هو سر الأسرار؟

وفقا للفقهاء القانونيين، وعلى رأسهم الدكتور الجليل أنيس القاسم، والذي يعد مرجعا وحارس قوانين منظمة التحرير الفلسطينية، فإن قواعد وشروط انعقاد الدورة الاستثنائية تجعل من المحال إقصاء ياسر عبد ربه، لأنه وبكل بساطة “لم” يتقدم باستقالته، وما ينطبق على “عبد ربه” ينطبق على سائر الأعضاء الذين “لم” يتقدموا باستقالاتهم من عضوية اللجنة التنفيذية، وطبعا لا ينفع مع نص وروح القانون كل الأفلام “الهندية” المضروبة، فالدورة الاستثنائية “لا” تجيز، بل “تمنع” يقينا اتخاذ خطوة مثل تلك التي في نية القيادة المستقيلة، ورئيس المجلس الوطني يحفظ ذلك عن ظهر قلب.

لكن ذلك ليس “سر الأسرار” وليس أكثر من “موس” جارح، ستضطر المراجع المعنية إلى ابتلاعه بحكم رغبة البقاء، أما المأزق الحقيقي ، اما ” سر الأسرار ” فهو أخطر بكثير، وموجزه أن القانون، ووفقا لشروط وقواعد الدورة الاستثنائية، لا يتيح إعادة اختيار “المستقيلين” إلى رئاسة أو عضوية اللجنة التنفيذية، بل هو نص مؤسس على حتمية “إحلال” أعضاء جدد لملء شواغر نتجت عن غياب قسري، أو عن استقالات ناجزة، أي أن الذهاب إلى دورة استثنائية للمجلس الوطني، ووفقا للمادة 14 ج، يعني أن “الرئيس” وحلفاءه المستقيلين قد فقدوا حق “العودة” إلى مقاعدهم في اللجنة التنفيذية، وبالقطع ليس ذاك ما خطط له مسبقا، وقبل اكتشاف “الورطة”، وبذلك يكون “أبو مازن” قد ضغط على الزناد، وأطلق الرصاصة الأخيرة دون أن ينتبه إلى أن فوهة المسدس موجهة في الواقع إلى رأس المستقيلين، وليس إلى رأس ياسر عبد ربه كما أراد.

والآن، القانون الفلسطيني المعتمد منذ عام 1969، ، يضع “القيادة المستقيلة” أمام خيارات معقدة وصعبة للغاية، وأقلها ألما واضطرابا هو النجاح في تحقيق نصاب عددي، أي “ثلثين + واحد” لتأمين شرعية الدورة، لكنه خيار يحطم آمال إنهاء الانقسام الفلسطيني راهنا، ويرجئه إلى أن “يحله الحلال”، ومن الواضح أن بعض فصائل يسار منظمة التحرير الفلسطينية ترغب في تقديم تلك “الهدية” للقيادة المستقيلة ولكن بشروطها هي.

أما الخيار الثاني، وفي حال فشل تأمين النصاب العددي، وحسب ما هو مخطط مسبقا، يتم الانتقال إلى خيار الدورة الاستثنائية بتفعيل عوامل القوة القاهرة، وذلك له مستند قانوني حسب ما أسلفت، ويجيز استدعاء المجلس للانعقاد بمن حضر، ويجيز استبدال الأعضاء المستقيلين بأعضاء جدد، وطبعا هو خيار لا تريده القيادات المستقيلة، لأنه لا يتيح عودتهم إلى اللجنة التنفيذية الجديدة، لا أفرادا ولا جماعة في حال تطبيق صحيح القانون الفلسطيني.

أما الخيار الثالث، وهو الخيار “المنحرف”، ويعني الهروب من تطبيق صحيح القانون، إلى “تطويعه” لصالح “الجماعة” المستقيلة، وعقد دورة استثنائية للمجلس، ولكن بصلاحيات الدورة العادية، وليس لهذا الخيار أي مستند قانوني في لوائح منظمة التحرير الفلسطينية، ولقد سبق لرئيس المجلس تنبيه القيادة المستقيلة مرارا من خطر الانزلاق إلى تزوير القانون، ولا أحد يدري اليوم إن كان رئيس المجلس الوطني سيظل متمسكا بصحيح القانون أم ينحاز إلى “التزوير” بسبب الضغوط ولضمان مركزه الشخصي.

الرصاصة انطلقت، والدعوات صدرت، حاملة زمان ومكان انعقاد الدورة العادية/الاستثنائية، وفي ظل غياب المهارة السياسية، وفي ظل فقدان الرغبة في تحمل واحتواء الآخر، يظل “الإقصاء” هو الطريق الأقصر أمام بعض القيادة الفلسطينية، لكنه “إقصاء” قد يطال القانون هذه المرة، وإن حدث لا سمح الله، فسيدفع منظمة التحرير الفلسطينية إلى مستقبل مجهول.

محمد رشيد

العربية نت