بعد تدخل روسيا عسكريا ..هل ستصبح سوريا “أفغانستان” جديدة في المنطقة؟

بعد تدخل روسيا عسكريا ..هل ستصبح سوريا “أفغانستان” جديدة في المنطقة؟

rus_010

تحدثت وسائل إعلام دولية في الأيام الأخيرة عن قيام الحكومة الروسية بإرسال وحدات مقاتلة من الجيش الروسي الى الأراضي السورية بهدف مساعدة القوات الحكومية في قتالها للتنظيمات الجهادية.

فقد قال المحلل العسكري الإسرائيلي أليكس فيشمان في المقال الافتتاحي لصحيفة يديعوت أحرونوت الاثنين31 آب/ أغسطس الماضي “إن روسيا وإيران،وبموافقة من الولايات المتحدة،اتخذتا قرارًا استراتيجيًا للقتال إلى جانب الأسد لإنقاذه،مؤكدًا على أن سلاح الجو الروسي بدأ يحلق في سماء سوريا،وأن المقاتلات الروسية ستشن خلال الأيام القريبة القادمة غارات على مواقع لتنظيم الدولة،وكتائب إسلامية معارضة للأسد.

الخبر الجديد القديم لم يكن مفاجئًا للمتتبعين الذين يعرفون جيدًا الدور العسكري الروسي في سوريا،فمنذ سنة 2013 ظهرت فيديوهات بثتها كتائب المعارضة السورية تُظهر بعض المقاتلين الروس يقاتلون في الجبهات الأمامية مع القوات النظامية السورية،كما أجرت قناة فضائية روسية في شهر نوفمبر 2013 تحقيقًا عن مقاتلين روس قالت إنهم مرتزقة كانوا يقاتلون مع الجيش السوري مجرية حوارًا مع أحد العائدين منهم، والذي تحدث عن تفاصيل تجنيده وعن العقد الذي أبرمه مع الحكومة السورية وعن وظيفته المتمثلة في حماية المنشأت الحيوية في سوريا لكن الأمر تغير عندما وصل إلى سوريا وأصبح مشاركًا في قتال كتائب المعارضة.

كما نشرت حركة أحرار الشام في 30 من نوفمبر من نفس السنة ما قالت إنها بطاقة شخصية لأحد مرتزقة شبكة “موران” الأمنية الروسية قتلته في احدى المعارك، وهي واحدة من الشركات الأمنية التي تعاقدت معها قوات الأسد للقتال داخل الأراضي السورية مقابل رواتب عالية وضمن عقود مشبوهة وفق أحرار الشام.

شبكة موران الأمنية يوجد مقرّها الرئيس في سانت بطرسبرغ، ويديرها “فياتشيسلاف كلاشينكوف”، وهو ضابط احتياط برتبة مقدّم في جهاز الأمن الفدرالي الروسي FSB، ومما لا شكّ فيه أنه مرتبط بجهاز الاستخبارات الروسي.

وكشف موقع “فونتانكا”،ومقره مدينة سانت بطرسبورج الروسية في منتصف شهر نوفمبر 2013 عن قتال فرقة من المرتزقة الروس تحمل اسم “الفرقة السلافية”،إلى جانب قوات النظام.

و في شهر أكتوبر/ تشرين الأول عام 2014 فكك الجيش السوري الحر، محطة تجسس روسية في بلدة تل الحارة جنوب القنيطرة، على الحدود مع إسرائيل، ويظهر مقطع مصور، بثه الثوار، وثائق معلقة على الجدران، ومكتوبة باللغتين العربية والروسية، بما فيها رموز أجهزة الاستخبارات السورية والمديرية السادسة في جهاز الاستخبارات الروسي الخارجي وكذلك أظهرت الصور بعض الجواسيس من كلا البلدين وهم يعملون على فك الرموز وقراءتها،كما تظهر الخرائط التي تمّ عرضها مواقع للثوار وإحداثيات لوحدات تابعة لوزارة الدفاع الإسرائيلية.

لن نستعرض كثيرًا تلك التقارير الإعلامية المتنوعة والتي تحدثت عن وجود مستشارين عسكريين من روسيا ومئات المقاتلين من المرتزقة الروس الذين يقاتلون إلى جانب قوات الرئيس السوري بشار الأسد دفاعًا عنه،لأن الأمر محسوم وقد ثبت بما لا يدع مجالًا للشك وجود مرتزقة من عدة دول تقاتل جنبًا إلى جنب مع القوات النظامية السورية.

ولكن وبعد أن انتهى دور المرتزقة وفشلوا في الدفاع عن المدن السورية التي سقطت في أيدي قوات المعارضة والجماعات الجهادية وظهور أغنى وأخطر تنظيم “إرهابي” في العالم أصبح لزامًا على حلفاء الأسد الذين لهم مصالح كبرى في سوريا أن يتدخلوا بأنفسهم سياسيًا، وبقواتهم عسكريًا لمنع سقوط النظام الذي يمثل سقوطه دمارًا لمصالحهم العسكرية والاقتصادية.

لقد تأكدت اليوم تصريحات قائد قوات الإنزال الروسية الفريق الأول فلاديمير شامانوف،الذي أعلن يوم الثلاثاء 4 آب/اغسطس،أن القوات الخاصة ستقوم بمساعدة الحكومة السورية في حربها الحالية ضد “الإرهابيين”،إذا تلقوا الأوامر بذلك وقال شامانوف للصحفيين وقتها،ردًا على سؤال وُجّه له حول استعداد قواته لتقديم المساعدة العسكرية للحكومة السورية، في محاربة الإرهاب “تلك القرارات تتخذها الحكومة، ونحن بطبيعة الحال، سننفذ المهمة إن كلفنا بها”.

فالدور الروسي في إطالة أمد الصراع في سوريا إلى حين استكمال الاتفاقات بين الدول الكبرى من أجل ايجاد البديل المثالي لخلافة الأسد والحفاظ على المصالح الروسية فيها، لا يمكنه إلا أن يكون مواليًا لروسيا ويحافظ على كل الاتفاقيات المبرمة مع النظام السابق، فرحيل الرئيس السوري بقوة السلاح يعني خسارة مليارات الدولارات من الجانب الروسي وإمكانية الرحيل من قاعدة طرطوس البحرية وخسارة موقعها الوحيد في منطقة الشرق الأوسط.

صحيح أن روسيا الآن هي المستفيد الأول من الاضطرابات التي تعيشها المنطقة العربية، فصفقات السلاح قد تضاعفت،كما أصبحت موسكو في المدة الأخيرة قبلة للزعماء العرب، فكل القاصدين لها يريد منها أن تكون حليفًا له في حروبهم التي يخوضونها؛ ولكن رغم أنها المستفيد الأكبر من هذه الاضطرابات إلا أن سقوط روسيا لن يطول بسبب تأجيجها للصراعات في المنطقة فربما تشتعل المناطق الروسية التي وصلها نفوذ تنظيم الدولة الإسلامية في الفترة القادمة وتصبح المعركة بينهما في عمق المناطق الروسية.

فقد بايعت عدة جماعات جهادية مقاتلة التنظيم وقاموا بعمليات دغدغة للقوات الروسية في مناطق سيطرتهم؛ ولكن هذه الدغدغة ربما تصبح بعد هذا التدخل المباشر الآن في الحرب السورية من أجل قتال الجماعات الجهادية والتي على رأسها تنظيم الدولة الإسلامية،ضربات موجعة تذكر روسيا بما حصل لها في العاصمة موسكو عندما اقتحم مسلحون شيشانيون مسرح موسكو المزدحم في 23 أكتوبر2002 وقتلوا ما لا يقل عن 129 رهينة وإن كان معظمهم سقطوا جراء الغازات السامة التي ضختها القوات الخاصة الروسية في فتحات التهوية في المبنى.

تنظيم الدولة الذي أعلن عن وجوده الرسمي في منطقة القوقاز الروسية ليس مثل الجماعات الجهادية الأخرى في الشيشان، والتي خاضت مع روسيا حربًا كبيرة لسنوات عديدة، فنحن الآن أمام أغنى وأذكى وأفظع تنظيم في التاريخ المعاصر، فهو الآن ينتظر الفرصة لكي ينقل عملياته إلى قلب المدن الروسية الكبرى مستمدًا شرعية بما سيقوم به من العمليات العسكرية التي ستقوم بها القوات الروسية ضده.

لقد أعلنت “داعش” منذ أيام عن تبنيها هجومًا على ثكنة للجيش الروسي في جنوب داغستان وقتل وجرح العديد من الجنود وذلك حسب بيان أصدرته، هذا الهجوم الأخير هو مؤشر خطير على أن المرحلة القادمة ربما تشهد مواجهات متفرقة بين مقاتلي التنظيم والجيش الروسي في هذه المنطقة، خاصة وأن القوقاز يشهد انتشارًا كبيرًا لفكر التنظيم بها، حيث قال المحلل السياسي نيقولاي سوركوف في مقال له في صحيفة روسيا ما وراء العناوين في الـ17 من آب/ أغسطس الماضي “ما يشكل خطرًا على القوقاز الآن ليس “داعش” بحد ذاتها، بل أيديولوجيتها التي قد تبعث الحماس في نفوس الشبيبة المحلية المسلمة. وبالفعل،فقد أقسمت بعض المجموعات في شمال القوقاز بالولاء “للدولة الإسلامية”، وهي تحاول الآن استئناف هجماتها المسلحة بغية لفت انتباه الممولين الأجانب”.
كما قال نائب وزير الخارجية الروسي لشؤون مكافحة الارهاب أوليغ سايرومولوتوف في تصريحات نقلتها وكالة “تاس الروسية” في الـ 8 من شهر يوليو الماضي: “نحن نتابع ونحلل تصريحات قادة تنظيم داعش المحرضة للقتال بشأن مسألة نقل الجهاد إلى مناطق شمال القوقاز وآسيا الوسطى“، مبينًا أن “هؤلاء المقاتلين لن يجلبوا معهم الإرهاب فقط إذا عادوا بل الأفكار المتطرفة أيضًا،وسيشكلون مصدرًا للأفكار السلبية التي تؤثر في المجتمع، وخصوصًا على الشباب المؤمن“، معلنًا في الوقت نفسه عن وجود أكثر من 2000 مقاتل روسي يقاتلون في صفوف التنظيم.

سايرومولوتوف شدد أيضًا على ضرورة القضاء على هؤلاء المقاتلين الروس وضمان عدم عودتهم مجددًا إلى بلادهم، مايشير إلى الخوف الروسي الكبير من هذه القنابل الموقوتة التي ربما تنقل خبرتها الحربية من ساحات القتال في سوريا والعراق إلى قلب العاصمة موسكو، والعمليات التي قام بها المقاتلون الشيشان في المدن الروسية سابقًا هي خير دليل على أن هذه الجماعات قادرة على الوصول إلى قلب المدن الروسية الكبرى.

القلق الروسي من نشاط تنظيم الدولة لم يكن فقط بسبب وجود التنظيم داخل سوريا والقوقاز، بل زاد تخوفهم بسبب تمدد التنظيم داخل أفغانستان، فقد أكّد وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف في شهر يونيو الماضي، أنّ بلاده مستعدة لتقديم جميع أنواع الدعم لأفغانستان بهدف القضاء على الجماعات المسلحة، وتحسين الوضع الأمني هناك. وأوضح خلال اجتماعاته مع نظيره الأفغاني صلاح الدين رباني، ومستشار الرئيس الأفغاني للشؤون الأمنية حنيف أتمر، أن موسكو لن تدّخر جهدًا في مساعدة أفغانستان في مجال مكافحة الإرهاب.

كما قال الرئيس الأفغاني السابق حامد كرزاي إنه ناقش محاربة تنظيم الدولة الإسلامية مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في الـ 24 من نفس الشهر.

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أكد في كلمة ألقاها في اجتماع قمة منظمة معاهدة الأمن الجماعي بموسكو، الثلاثاء 23 ديسمبر الماضي، أن المنظمة يتوجب عليها اتخاذ تدابير استباقية لمنع امتداد خطر “الدولة الإسلامية” إلى أفغانستان وأضاف الرئيس الروسي قائلًا “يجب الانتباه إلى أن بعض مجموعات تنظيم “الدولة الإسلامية” تحاول الزج ببعض الولايات الأفغانية فيما يسمى بـ”دولة الخلافة”.

هذه المؤشرات وغيرها الكثير، تؤكد أن القرار الروسي الأخير بالتدخل المباشر في سوريا واستهداف مناطق سيطرة تنظيم الدولة هدفه وقف تمدد التنظيم في سوريا نحو مصالحه في المدن السورية ومحاولة القضاء عليه وعلى قيادييه بالدرجة الأولى لأن وقف تمدده وإضعافه في سوريا والعراق هو بالضرورة يؤدي إلى إضعاف له في القوقاز وفي أفغانستان،وتشكل هاتان المنطقتان خطا تماس بالنسبة للتنظيم يمكن له من خلالها استهداف روسيا والدول الموالية لها.

فروسيا تبذل مساعي دبلوماسية كبرى مع كل الأطراف من أجل محاربة التنظيم في كل المناطق التي يتواجد بها، وزيارة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي إليها ومقابلته لبوتين أواخر شهر آب/ أغسطس الماضي تمثل دليلًا واضحًا على مدى التخوف الكبير من كل المسؤولين العرب والغربيين من “الدولة الإسلامية”، فقد أكد المحلل الروسي أفجيني صدرف،أن لقاء السيسي مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، سيتضمن في المقام الأول محاربة تنظيم داعش “الإرهابي”.

القيادة السياسية الروسية أصبحت وجهة جديدة يقصدها كل الزعماء العرب من أجل محاربة التنظيمات الجهادية، وأخذ الخبرة الروسية في قمعها ومقاتلتها دون أن ننسى إبرام صفقات أسلحة بمليارات الدولارات من أجل إرضائهم.

ولكن ورغم كل الوعود التي يقدمها بوتين وحاشيته لكل زائريهم بلا استثناء إلا أنه يبقى وفيًا لصديقه الأسد والحقيقة أننا لا نستغرب هذه العلاقة القوية التي تجمعهما فكليهما نظامين فاشيين لهما تاريخ في قمع خصومهم السياسيين؛ ولكن تبقى المصلحة الأهم لروسيا من بقاء الأسد هي الحفاظ على موطن قدم لها في المنطقة.

لقد ساعدت الحكومة الروسية نظيرتها السورية عسكريًا وسياسيًا واقتصاديًا، ووفرت لها الغطاء السياسي وزودته بالأسلحة والأموال بالمعلومات الاستخباراتية، ولعل فيما قاله بورس دولغوف، الخبير في المعهد الروسي للدراسات الشرقية، لإذاعة صوت أمريكا “من مصلحة روسيا الحفاظ على النظام العلماني في سوريا، ولكن من سيكون الرئيس بشار الأسد أو أحد آخر، ليس أمرًا مهمًا جدًا” الدليل الكافي أن ورقة الأسد قابلة للاستبدال إذا ما وجد البديل المثالي.

إن هذه التقارير الإعلامية التي تحدثت عن قيام روسيا بوضع اللمسات الأخيرة بقصد التدخل العسكري في سوريا تبدو أقرب إلى الصحة من الموقف الروسي الرسمي، حيث نفى المتحدث باسم الكرملين “ديميتري بيسكوف” في مؤتمر صحفي الأريعاء 2سبتمبر الجاري، مشاركة بلاده في العمليات العسكرية ضد مواقع تنظيم “الدولة الإسلامية” في سوريا، وفقًا لما ذكرته وكالة “الأناضول” التركية، نافيًا بذلك الأنباء التي أوردتها وسائل الإعلام الإسرائيلية حول “اتخاذ موسكو قرارًا بإرسال طائرات إلى سوريا لمحاربة التنظيم، وقدكانت صحيفة “يديعوت أحرنوت” الإسرائيلية كشفت عن مؤشر جديد يظهر موافقة ضمنية أميركية على بقاء نظام بشار الأسد،عبر إشارتها إلى أن روسيا وإيران، اتخذتا قرارًا استراتيجيًا للقتال من أجل الأسد لإنقاذه، بموافقة أميركية صامتة.

الروس دهاة السياسة الدولية لا يتكلمون كثيرًا في وسائل الإعلام بل سرعان ماينفون الأنباء الرائجة، وفي المقابل تكون مقاتلاتهم وجيوشهم الجرارة قد بدأت فعلًا بالتدخل كما حصل في إقليم القرم في أواخر شهر فبراير2014.

ويشهد أيضًا ما كشفته صحيفة يديعوت أحرونوت وما أوضحته صحيفة التايمز البريطانية يوم الخميس الـ3 من سبتمبر الجاري من أن مقطع فيديو مدته ثلاث دقائق صوّره مسلحون موالون للأسد يظهر قوات تدعمها مركبة مصفحة من بين أكثر المركبات تطورًا في الجيش الروسي “سمعت فيه أصوات روسية بوضوح”. وقالت الصحيفة إن المقطع يزعم أنه لقوات حكومية سورية تقاتل المسلحين في جبال اللاذقية،كما أعرب محللون عن دهشتهم لظهور المركبة المصفحة BTR-82A التي سلمت إلى القوات الروسية في العام الماضي، في سوريا، وأشارت (التايمز) إلى أن الصوت المصاحب للفيديو يبدو وكأنه يصدر تعليمات بالروسية لشخص لا يظهر على الشاشة.

كما صرح العميد المتقاعد من الجيش الأمريكي، مارك هيرتلنغ لقناة “سي إن إن” أن تقارير الاستخبارات الأولية تشير إلى أن روسيا ترسل بعض المعدات والوحدات السكنية بجانب أبراج المراقبة، ما يعني أنها قد تكون تساعد قوات الجو السورية أو أنها قد توفر مقاتلات في المعارك أيضًا، مؤكدًا أن الأسد في سقوط على ما يبدو الآن، ويعزز القوة في العاصمة ويحاول الدفاع عن القليل الذي تبقى لديه وتتم مهاجمته من كل الجهات.

لذلك فتصريحات موسكو المتتالية الداعية إلى التصدي لتنظيم الدولة الإسلامية ودعوة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في وقت سابق إلى قيام تحالف إقليمي لمحاربة التنظيم، يضم كلا من سوريا والسعودية والأردن وتركيا ودولًا إقليمية أخرى، يبدو أنها دخلت حيز التنفيذ مع هذه التسريبات المتعلقة بالوجود الفعلي للقوات الروسية بمعداتها المتطورة داخل سوريا، خاصة وأنه في فترة سابقة كشف بوتين خلال زيارة وزير الخارجية السوري وليد المعلم إلى موسكو في أواخر يونيو/ حزيران الماضي أن موسكو تتلقى خلال اتصالاتها مع دول المنطقة التي تربطها بها علاقات طيبة جدًا، إشارات تدل على استعداد تلك الدول للإسهام بقسطها في مواجهة الشر الذي يمثله “داعش” وربما يكون هذا الشر تحت نيران الروس في الأسابيع أو الأشهر القليلة القادمة بعد استكمال تأمين مناطق النظام المهددة من قبل بعض الفصائل المسلحة من الجيش السوري الحر وعلى رأسهم مدينة اللاذقية الاستراتيجية، والتي أكد الجيش الحر أن عناصر من القوات الروسية يقومون بإنشاء خطوط دفاع على حدود هذه المدينة السياحية المطلة على البحر الأبيض المتوسط.

لذلك أصبح من شبه المؤكد أن الصحفي الإسرائيلي أليكس فيشمان كان محقًا فيما ذهب إليه في مقاله بالصحيفة العبرية خاصة وأن سوريا الآن في مرحلة حاسمة تتطلب وقوف الشريك الروسي مع صديقه الموشك على الانهيار، فأكثر من نصف الدولة خارج السيطرة وتسيطر عليه فصائل المعارضة والنصيب الأكبر بيد تنظيم الدولة الذي بات على بعد 15 كلم من العاصمة السورية دمشق بعد أن سيطر على عدة أحياء بمدينة الحجر الأسود التابعة لريف دمشق.

الحل السياسي في سوريا بعد أكثر من 4 سنوات من الحرب ومئات الآلاف من القتلى والجرحى وملايين المهجرين أصبح ضربًا من الخيال حتى ولو اتفقت أطراف الصراع على البديل المثالي،فالحكومة القادمة التي يريدون تنصيبها مكان الأسد ستحكم خُمس سوريا فقط، فقد أشارت صحيفة التايمز البريطانية السبت 22 آب/ أغسطس الماضي،إلى أن مجموعة “آي إتش أس جاينز إنتيليجنس″ البريطانية التي تضم مستشارين متخصصين في شؤون الدفاع كشفوا مؤخرًا عن حجم تراجع نفوذ القوات السورية، حيث انكمش حجم الأراضي التي تقع تحت السيطرة الكاملة لها بنسبة 18% منذ يناير/ كانون الثاني.

وأضافت الصحيفة أن عدد أفراد الجيش السوري انخفض بنسبة 50%،مقارنة بما قبل اندلاع الثورة السورية، حيث كان قوام الجيش يصل إلى 300 ألف جندي؛ ولأن المقاتلين المتبقين في الجيش معظمهم من صغار السن الذين لا يملكون الحد الأدنى من التدريب ويعانون من انخفاض الروح المعنوية، وهو ما يعني أن الأسد لن يكون بمقدوره الاستمرار لفترة أطول.

التدخل الروسي الآن أصبح ضرورة ملحة لإنقاذ نظام الأسد، فلا إيران وميليشياتها قدرت أن تحافظ على الأرض وتوقف تمدد الفصائل السورية المسلحة ولا التحالف الدولي قادر على إخراج تنظيم الدولة من مناطق سيطرته في سوريا والعراق، لذلك أصبحت مشاركة سلاح الجو الروسي في أرض المعركة مستقلًا دون الدخول تحت راية التحالف الستيني أمرًا ملحًا ولازمًا وإلا ستتبخر مجهودات عشرات السنين من الاتفاقيات بين الروس وبين حافظ الأسد وابنه بشار.

إن العالم اليوم يعيش صراع مصالح بين القوى الكبرى، فالناظر إلى العلاقات الروسية السورية في السنوات الأخيرة يلاحظ أن سوريا دولة مستهلكة للأسلحة الروسية لفترة طويلة، وما حصل بعد مجيء الأسد وبوتين إلى السلطة في عام 2000 هو ازدياد تجارة الأسلحة بين البلدين بصورة مكثفة. ووفقًا لـ “معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام”، شكلت روسيا 78 في المائة من مشتريات سوريا من الأسلحة بين عامي 2007 و 2012،كما وصلت مبيعات الأسلحة الروسية إلى سوريا بين عامي 2007 و 2010 إلى 4.7 مليار دولار، أي أكثر من ضعف الرقم المسجل في السنوات الأربع التي سبقتها، وفقًا لـ “خدمة أبحاث الكونغرس” الأمريكي. وعلى نطاق أوسع، تعتبر روسيا الآن ثاني أكبر دولة مصدرة للأسلحة في العالم بعد الولايات المتحدة.

كما أنه ووفقًا لصحيفة “موسكو تايمز”، فإنه فضلًا عن الأسلحة، استثمرت الشركات الروسية ما مجموعه 20 مليار دولار في سوريا منذ عام 2009. وإذا فقد الأسد السلطة،فسيتم إلغاء هذه العقود،كما أن سقوطه يعني خسارة روسيا لقاعدتها العسكرية الوحيدة خارج حدودها وهي مركز التموين البحري في ميناء طرطوس السوري.

هذا بالإضافة إلى موقع سوريا المطل على البحر الأبيض المتوسط وإسرائيل ولبنان وتركيا والأردن والعراق، والذي يجعلها ذات أهمية كبرى لا يُسمح بخسارتها وسقوطها في قبضة الجماعات الجهادية وخاصة تنظيم الدولة الإسلامية وجبهة النصرة التي وإن كان خلافها مع التنظيم كبيرًا إلا أنه من غير المستبعد أن يعود التفاهم والتحالف بينهما، ما يعني مشاكل أكبر للتحالف الستيني رفقة التحالف الثلاثي الجديد (روسيا،سوريا،إيران).

أيضًا فإن سقوط الزعيم الليبي معمر القذافي قد ساهم أيضًا في عناد بوتين حول سوريا، ووفقًا لمصادر روسية مثل وكالة “ريا نوفوستي” وموقع “Utro.ru”، خسر الكرملين نحو 4 مليارات دولار بصورة عقود أسلحة عندما سقط النظام الليبي، وهو الآن يريد تجنب تكرار ذلك في سوريا.

كما أن الدور الدبلوماسي الروسي في تأمين حوار بناء بين أطراف الصراع وتقريب وجهات النظر والمساعدة في تنظيم عملية السلام عن طريق عقد مؤتمري جنيف1 وجنيف2 وحل مشكلة نزع الأسلحة الكيميائية السورية، قد فشل في الوصول إلى حل نهائي من أجل إيقاف الحرب، بل تواصل القتال وسقط الألاف من القتلى والجرحى وخسر الأسد مناطق أخرى، ليدق ناقوس الخطر أمام الروس الذين تمثل لهم سوريا شريان الحياةربفضل ميناء طرطوس الذي يحتضن أكبر قاعدة عسكرية لروسيا خارج أراضيها، والوحيدة في بحار المتوسط.

لكن ربما تكون روسيا بقرارها الأخير قد اتخذت أغبى قرار في سنواتها الأخيرة، فالتاريخ يخبرنا أن حرب روسيا على أفغانستان وبروز الجماعات الجهادية في قتالها للاتحاد السوفييتي كان سببًا رئيسًا في انهيار الاتحاد السوفييتي سنة 1991، وربما يعيد التاريخ نفسه وتكون نفس هذه الجماعات سببًا في انهيار روسيا وإعلان حالة تمرد في الجمهوريات التي تسيطر عليها والتي تحكمها بالوكالة.

لقد كانت روسيا سببًا في وجود القاعدة وكانت أمريكا سببًا في بروز تنظيم الدولة الإسلامية الذي أصبح قوة ضاربة اليوم تخشاه دول وتحشد 60 دولة جيوشها لقتاله، وتجمع روسيا الغارقة في الفساد رجالها وعتادها لتدخل في تحالف ثلاثي خاص بها يضم كل من سوريا وإيران إلى جانبها، مشعلة بذلك حربًا أخرى في المنطقة العربية التي لا تهدأ ولن تهدأ ما دام مصيرها يقرره المجتمعون في البيت الأبيض سابقًا وفي الكرملين حاليًا.

لقد دخل بوتين حربًا غير متكافئة وغير متوازنة القوى اليوم، وذلك بعد فشل ايران وميليشياتها في حماية النظام السوري من الانهيار رغم 4 سنوات من الدعم المالي والعسكري، فهل تكون سوريا أفغانستان جديدة للروس؟ وهل يستنزفهم تنظيم الدولة كما استنزف التحالف الدولي؟ أم أن الروس اتعظوا من تجربة الأفغان وسيقضون على الجماعات الجهادية في مدة قياسية؟

شمس الدين النقاز

التقرير