مؤتمر عمان التمهيدي لثوار العراق: الرؤية والآفاق

مؤتمر عمان التمهيدي لثوار العراق: الرؤية والآفاق

 

 د. حسام الدين علي مجيد*

بادئ ذي بدء، تمَّ عقد المؤتمر التمهيدي للقوى المناهضة للعملية السياسية (عدا تنظيم الدولة الإسلامية- داعش) في مدينة عمّان على مدار يومَي (15-16) تموز 2014.

وقد ترأس جلسات المؤتمر المرجع السنّي (الدكتور عبد الملك السعدي) وبحضور (300) شخصية عراقية مُمثلة لِمختلَف الإتجاهات السنّية الرئيسة، وفي مقدمتها: حزب البعث العربي الاشتراكي (عبد الصمد الغريري)، وهيئة علماء المسلمين (الشيخ محمد بشار الفيضي)، كذلك المجلس السياسي العام لِثوَّار العراق (الشيخ زيدان الجابري)، والحِراك الشعبي السنّي (الشيخ فاروق الظفيري)، أيضاً جبهة الجهاد والتحرير والخلاص الوطني (الشيخ عبد الناصر الجنابي)، والجيش الإسلامي في العراق (الشيخ أحمد الدبّاش).

ونظراً لأهميةِ هذا المؤتمر سياسياً وعسكرياً، فقد عمد المشاركون الى حَجْبِ حيثياتهِ ونقاشاتهِ من دائرة التغطية الإعلامية، بحيث جرى الاكتفاء بتغطية بيانهِ الختامي الذي أُلقيَ من قبل (الشيخ أحمد الدبّاش)، الذي أشار فيهِ الى إتفاق المؤتمرين على تحقيق جملةِ أهداف وهي وفقاً للبيان على النحو التالي:

أ- الحفاظ على وحدة العراق ورفض مشاريع التقسيم.

ب- إسناد ثورة السنّة/الشعب على طغيان حكومة المركز.

ج- رفض وجود التنظيمات المسلحة، مثل الصحوات والميليشيات.

د- العمل على تنظيم مؤتمر وطني عام في المستقبل القريب، وذلك بهدفِ البحث في مستقبل العراق.

ه- السعي لتوفير الدعم الدولي.

و- مطالبة المجتمع الدولي بإيقاف مساندة حكومة المركز وسياساتهِ الإقصائية.

ز- مطالبة المجتمع الدولي بتقديم الدعم الإنساني للنازحين والمهجّرين.

وفي ضوء هذه الأهداف، ومن خلال إدراك وتحليل حيثيات المؤتمر وتوجهات المشاركين فيه، يمكن تسليط الضوء على عدّة جوانب:

1– استبعاد المؤتمر لِبعض دعاة إنشاء الإقليم السنّي وفي مقدمتهم تنظيم (المجلس الموّحد لثوار عشائر العراق) الذي يتزعّمهُ (الشيخ رعد السليمان) الذي خَلَف (الشيخ علي حاتم السليمان)، وكذلك اتجاه (الشيخ خميس الخنجر) الذي ينحو صوب التوجه القومي-العشائري ويُعَّد من داعمي تنظيمات وأنشطة الحراك السياسي في المحافظات العراقية السنّية.

وقد جاء هذا الاستبعاد من منظور عدم تمثيل هذا الاتجاه لأي قاعدة عسكرية-شعبية على أرض الواقع. مما يُزيح ذلك السِتار عن فكرة أنَّ الصوت الغالب داخل نقاشات المؤتمر كان موزّعاً بين دعاة إنشاء الإقليم السنّي والذي أضحى يُعبِّر عن تصوراتهِ بصورة علنية وواضحة، وبين أنصار المشروع الكلاسيكي والمتمثل في نظام المركزية الإدارية، والذي يقودهُ حزب البعث وهيئة علماء المسلمين. وهو نفس المشروع الذي تسبَّب عملياً في إبعاد العرب السنّة من الدائرة الحيوية لِصناعة القرار السياسي لاسيما منذ عام 2005، ناهيك عن سياسات الإقصاء العَمدية والمتراكمة سواءً من قبل إدارة بول بريمر أو حكومة المركز.

2– عليهِ، فقد انقسم المؤتمرون مجدداً حول رأيين: أولهما يؤيد فكرة استعادة السيطرة على العاصمة بغداد وسائر أنحاء العراق عدا إقليم كوردستان. ومن ثمَّ إنهاء العملية السياسية القائمة واستبدالها بعملية أخرى حقيقية وجديدة شريطةَ الاتفاق على هذا ضمن إطار مؤتمرٍ تأسيسي وطني وشامل،.

ثانيهما يدعو الى إنشاء إقليمٍ سني أولاً على أرض الواقع، ثم التفاوض مع حكومة المركز بهدف إصلاح العملية السياسية وإخراج الفاسدين منها على المدى المنظور. أي بمعنى تجزأه معالجة أزمة الدولة العراقية وفقاً للرؤية الأخيرة الى مرحلتَين: يتم في الأولى إنشاء إقليم جديد وحكومة محلية خاصة بهِ، ثم يتم العمل على المشاركة في عملية سياسية جديدة، من خلال إعادة كتابة الدستور. ولكن يبدو أنَّهُ في كلا هذين الرأيين/ المشروعَين المتنافسَين لا يتم الشروع في بناء العملية السياسية الإ بعد إسقاط الحكومة الحالية والسيطرة على العاصمة بغداد.

3– ومن أجل تحقيق ذلك على أرض الواقع، من المرجَّح أنَّ برنامج عمل التنظيم السياسي المشكَّل ضمناً من التكوينات السياسية لهذا المؤتمر، برنامجٌ يجري في ثلاثة مسارات متوازية: بحيث يتم في أُولاها توحيد جهود وموارد المجالس العسكرية للمسلَحين وتنسيق الإستراتيجيات العسكرية ضد حكومة المركز. أما في المسار الثاني فيتم العمل على حشد الدعم العربي للتنظيمات السنية بهدف حيازة المزيد من التمويل فضلاً على الدعم السياسي، وبخاصة تأمين الدعم الدولي التركي والأمريكي. وفي المسار الثالث يتم إنشاء عملية سياسية جديدة ودستور جديد وذلك بالتعاون مع الشيعة والكورد أو بواسطة المكوِّن السني لوحدهِ في أعقاب السيطرة العسكرية على بغداد. وما يؤكد ذلك، كون هذا المؤتمر كان تمهيدياً، بحيث سَيَعقبهُ في مدىً قريب “المؤتمر الوطني الكبير” الذي سيُدعى اليهِ وبواسطة اللجنة التحضيرية للمؤتمر نفسهِ أكثر من (700) شخصية وتنظيم سياسي محلي وربَّما دولي مِمَنْ يُعنى بقضية (أمن العراق و وحدة أراضيه). حيث سيتم العمل فيه على تشكيل اللجان العسكرية والإعلامية والسياسية، فضلاً عن مجلس قيادة موحَّد للعمليات العسكرية.

  بمعنى آخر، أنَّ المزاج العام للمؤتمرين في عمّان هو بالضدِّ من فكرة تقسيم العراق، بكل ما تَشتمِلُ هذه الفكرة من مشروع الكونفِدرالية بخاصة، فضلاً على ما تتضمنُهُ ربّما من مناهضة لِممارسة حق تقرير المصير من قبل إقليم كوردستان. وهو ما سيُفضي ربَّما الى وضعية التصادم مع إرادة الإقليم في قابل الإيام وليس في عاجِلها، وبخاصة إذا ما آلَتْ أوضاع العراق الى المزيد من عدم الاستقرار السياسي والطائفي.

 ثم إنَّ انعقاد المؤتمر في العاصمة الأُردنية عمَّان يكشف عن وجود دعمٍ أميركي غير مباشر وراء توحيد جهود التنظيمات السنية ومحاولة إخراجها من دائرة (التنظيمات الإرهابية). وفي هذا السياق بخاصة، هناك تنسيق ميداني-استخباري مكثّف ما بين حلفاء الولايات المتحدة (تركيا والسعودية والأردن)، قائمٌ على وجوب مساندة سنّة العراق وحركاتهم السياسية المناهضة لحكومة المركز عدا تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، وذلك عبر تأمين غطاء عسكري جوي وبري لوجودهم الديموغرافي والعسكري. بحيث أنَّ الولايات المتحدة ستعمل بدورها على توفير الدعم السياسي واللوجستي في حال إذا ما قرَّر حلفاؤها القيام بهذا التدخل العسكري. وبخاصة أنَّ الإدارة الأمريكية تجمعها مع التنظيمات السنّية فكرة (وحدة العراق) وضرورة التراجع عن دعم تنظيمات الإسلام السياسي الشيعي في إدارة وبناء الدولة العراقية، غير أنَّ الوحدة التي تريدها الإدارة الأمريكية للعراق وحدةٌ في ضوء مشروع الجمهوريين لِعام 2006، والذي أقَّرهُ الكونغرس الأميركي من أجل “الحؤول دون تمزُّق الدولة العراقية”.

ومن هنا يعمل الامريكيون في كلا المسارَين الرسمي والمناهض: فهم يَدعمون المَسار الرسمي للعملية السياسية في بغداد، وفي الوقت نفسهِ يُمهِّدون السبيل لإشراك قوى سياسية جديدة للمكوّن السني في العملية السياسية نفسها. ومن بعدِ ذلك، يغدون في حالٍ من الانتظار للنتائج السياسية المترتبة على إدخال هذا العامل الجديد في المسرح العملياتي، فيكونون بعدئذٍ ولاسيما الديمقراطيين منهم مع الكفّة الراجحة. فإنَّ تمَّ بذلك استقرار العملية السياسية كان بها، والإ فإنَّ الجمهوريين في الدورة الانتخابية اللاحقة سيكون لهم كلمةُ فصل. وحتى ذلك الحين أي قرابة السنة وبضعة أشهر من موعد الانتخابات الرئاسية الأمريكية، ستبقى رؤية الديمقراطيين هذه هي السائدة ربَّما.