الأزمة السورية.. مبادرات وتطورات ميدانية

الأزمة السورية.. مبادرات وتطورات ميدانية

Rajimat

يشهد المسرح السوري سباقاً بين الجهود الدولية والإقليمية لإطلاق تسوية سياسية للأزمة، من جهة، وسير المعارك الميدانية من جهة ثانية. دارت، أخيراً، رحى العجلة الدبلوماسية من حول الأزمة السورية، بشكل ملحوظ. وانطلقت إشارة التحرك للمبادرات حول سورية مع إرسال الرئيس الأميركي، باراك أوباما، وزير خارجيته، جون كيري، إلى روسيا للقاء الرئيس فلاديمير بوتين.
وخلال شهري يوليو/تموز وأغسطس/آب، نشطت حركة الاتصالات الدولية والإقليمية بشأن سورية، وبلغت ذورتها في لقاءات الدوحة وطهران وموسكو، وجولات وزراء الخارجية، الأميركي كيري، والإيراني محمد جواد ظريف، والسعودي عادل الجبير، في المنطقة. وفي أثناء هذا الحراك، أطلقت إيران مبادرتها لحل الأزمة السورية، وردت عليها السعودية بمبادرة أخرى.
وسط هذه الاتصالات والمبادرات، زار رئيس مجلس الأمن الوطني السوري، علي مملوك، السعودية سراً، إلا أن التسريبات تضاربت بشأن وقائع الزيارة.
على الجانب الآخر، كثفت أنقرة مفاوضاتها مع واشنطن بشأن دورها في التحالف ضد تنظيم داعش. وتوصلت العاصمتان إلى تفاهماتٍ، أتاحت استخدام طائرات التحالف القواعد التركية، وخصوصاً إنجرليك، في مهامها ضد داعش، في مقابل تعاون الدولتين في إقامة منطقة مطهرة من داعش شمال مدينة حلب على الحدود السورية التركية. وبالترافق مع وضع اللمسات النهائية على التفاهمات الأميركية التركية، شنت الطائرات التركية، بشكل منفصل، ضربات على مواقع لحزب العمال الكردستاني في العراق.

ي المقابل، وبعد أن فرغت من التفاوض على اتفاق لإنهاء أزمتها النووية، استدعت إيران المعلم لتبلغه فحوى مبادرتها لحل الأزمة السورية. وإرضاءً لبشار الأسد، عدلت طهران مبادرتها، وسحبت منها أي إشارة إلى صلاحيات رئيس الجمهورية في البند المتعلق بتعديل الدستور، لكنها سعت إلى جعل مبادرتها أكثر إغراءً للقوى الدولية والإقليمية، من خلال البنود التي تتحدث عن الاعتراف بالأقليات، والإشراف الدولي على الانتخابات في سورية خلال “المرحلة الانتقالية”، وإن تجنبت تسميتها كذلك.
تزامنت زيارة المعلم إيران مع وصول مبعوث الرئيس الروسي للشرق الأوسط وإفريقيا، ميخائيل بوغدانوف، إلى طهران، والذي تمسك ببيان جنيف لحل الأزمة، ودعا مع نائب وزير الخارجية الإيراني للشؤون العربية والأفريقية، أمير حسين عبد اللهيان، إلى تشكيل جبهة مشتركة لمواجهة الإرهاب. وفيما بعد زار المعلم مسقط، ثم توجه ظريف إلى لبنان وسورية، ليروج المبادرة الإيرانية المعدلة.
جال الجبير على العواصم الأوروبية التي سبق لوزراء خارجيتها أن زاروا طهران، مثل وزيري ألمانيا وإيطاليا، معلناً مباردة سعودية بشأن سورية، تقوم على مبادئ بيان جنيف الأول، بتشكيل هيئة حكم انتقالية والحفاظ على وحدة سورية ومؤسساتها المدنية والعسكرية، مؤكداً على “رحيل بشار الأسد وعدم شموله في أي ترتيبات مستقبلية”، واشترط على إيران كي تسهم في حل الأزمة السورية سحب قواتها من سورية، بما فيها قوات حزب الله الموالية لها. ومع انهيار “قناة مملوك” وضع الوزير السعودي النظام أمام “عملية سياسية وانتقال سلمي للسلطة، وصولاً إلى سورية جديدة من دون الأسد”، وإلا فالخيار الآخر “عسكري ينتهي بهزيمة الأسد”. وبلغت ذروة المواقف السعودية في لقاء الجبير نظيره الروسي سيرغي لافروف في موسكو، حيث أعلن الأول، رفض الرياض القتال مع الرئيس الأسد، وهو رهان حذر منه لافروف.

وقبل عودة الحرارة إلى الاتصالات الروسية الأميركية بأشهر، كانت روسيا قد سحبت نفسها من لعبة المحاور الإقليمية، وطرحت نفسها وسيطاً بين الأطراف الإقليمية المتصارعة. ومع اقتراب نهاية مفاوضات النووي الإيراني، أخذت موسكو تقترب من الرياض أكثر فأكثر، من أجل توسيع خياراتها في الشرق الأوسط، وتحسباً من أي عزلة قد تجد نفسها فيها، إذا ما حصل اتفاق إيراني أميركي حول المنطقة ترضى به السعودية.
وبالترافق مع وصول المعلم إلى روسيا للقاء الرئيس بوتين، توقفت معارك درعا بشكل غامض، ربما إشارة حسن نية سعودية باتجاه الكرملين، من أجل الإفساح في المجال أمام الجهود الروسية لتسويق مبادرة التحالف. وعوّلت الرياض على أن خسارة النظام اللواء 52 في الجنوب قد تساهم في تليين مواقفه، إلا أن الأمور ما لبثت أن عادت إلى المربع الأول، مع الخطاب الذي ألقاه الأسد أواخر شهر يوليو/تموز الماضي. وقد سخر فيه بشكل مبطن من الدبلوماسية الروسية، وأعلن رفضه “العبودية” (على الأرجح أنه يقصد السعودية) وشكر إيران، واعتبر أن وجود حزب الله في سورية أمر خارج النقاش، بل شرعن وجود المقاتلين الأجانب بالقول إن السوري هو من يدافع عن سورية بغض النظر عن جنسيته. وفي اليوم التالي للخطاب، شنت قوات النظام حملة عنيفة على حي جوبر، إلا أنها باءت بالفشل، وبعدها بأربعة أيام، سرّب النظام نبأ زيارة مملوك إلى السعودية، وتصاعدت حدة التوتر في محيط دمشق.

على الخط الآخر، واصلت قوات النظام وحزب الله هجومها على مدينة الزبداني، في مسعى إلى تقليد تجربة القصير. وكي توضح إيران مدى نفوذها في سورية، رعت مع تركيا هدنة في بلدات الزبداني في ريف دمشق وكفريا والفوعة في أدلب، على أن تستمر المفاوضات بشأن ترحيل المقاتلين من الزبداني، وإدخال المواد الغذائية إلى كفريا والفوعة اللتين يحاصرهما جيش الفتح. لكن الهدنة لم تمدد، وعادت الاشتباكات.
في جبهة سهل الغاب، هدد “جيش الفتح” معسكر جورين الذي يعتبر أحد أعمدة الوجود الإيراني في سورية. وبالإمكان الافتراض أن هدف هذا التهديد “إقناع” النظام بضرورة التخلي عن مدينة حلب، التي بات استمرار وجود قواته فيه أمراً بالغ الصعوبة، بعد ما جرى في أدلب، وأيضاً بسبب اقتراب تفعيل المنطقة الآمنة.
وتشكل بلدتا جورين في ريف حماة والصنمين في ريف درعا الشمالي الهدف الذي تسعى المعارضة إلى الوصول إليه، وإخراج قوات النظام منهما. وقد يؤدي وصول قوات المعارضة إلى البلدتين إلى إحدى نتيجتين، إما أن يسرّع عجلة الحل السياسي، أو أن يؤدي إلى حرب شاملة، تؤدي إلى إطاحة بالنظام. فطريق دمشق سيغدو مفتوحاً إذا ما سقطت الصنمين، بينما ستتمكن المعارضة إذا ما سيطرت على جورين من نقل المعارك إلى قلب مناطق النظام في حماة واللاذقية، والاتصال بفصائل الثوار في شمال حمص وقرب حماة، ما يؤدي إلى إعادة النظر في وضع حمص، وربما يسقط مفاعيل حرب القصير.
ولكن، ونظراً لتجربة إدلب وللمصالح التركية في حلب، ومن أجل مراعاة إيران في سورية، فإن جورين قد تكون خارج حسابات “جيش الفتح”، على الرغم من تكثيفه الضغط عليها. وقد تسعى “الجبهة الجنوبية” مدعومة من السعودية، إلى السيطرة على الصنمين، بعد درعا، لكن الولايات المتحدة قد تؤخر هكذا خطوة، لأنها تريد للحل أن يكون سياسياً.
على أية حال، ستظل الأشهر القليلة المقبلة حاسمة، سواء لانطلاق الحل السياسي، أو للتطورات العسكرية التي يتوقع أن تحصل في مطلع العام 2016 المقبل.

أنيس الوهيبي

صحيفة العربي الجديد