بين الاستمرار والانقطاع: أولويات وتحديات أمام الحكومة المصرية الجديدة

بين الاستمرار والانقطاع: أولويات وتحديات أمام الحكومة المصرية الجديدة

155fd212106b74_EGFHQOIKMLPNJ

عقب قضية الفساد الشهيرة في الأيام القليلة الماضية، والتي طالت وزير الزراعة المصري، تقدمت حكومة المهندس، إبراهيم محلب باستقالتها للرئيس عبد الفتاح السيسي، حتى تفسح المجال واسعًا أمام تشكيل حكومة جديدة برئاسة المهندس، شريف إسماعيل، والتي من المتوقع أن تؤدي اليمين الدستورية اليوم أمام رئيس الجمهورية.
ولكن يمكن القول في هذا الإطار إن تشكيل الحكومة الجديدة شهد تغيرات واسعة، خاصة بالنسبة للوزراء الذين كثر حولهم الجدل في الآونة الأخيرة. وبصرف النظر عن دمج أو استحداث وزارات جديدة في حكومة المهندس شريف إسماعيل، يبقى هناك عدد من الأولويات والتحديات أمام عمل تلك الحكومة منها تحدي الإرهاب والفساد. كذلك هناك قضية أخرى ترتبط بعمل الحكومة وهي تلك المتعلقة بموضوع مدى إمكانية استمرارها بعد الانتخابات البرلمانية القادمة.
على الحكومة الجديدة أن تعمل على تحقيق مجموعة من الأولويات العاجلة من أجل دفع عجلة الاقتصاد الوطني إلى الأمام
أولا- أولويات عاجلة
من المنطقي القول إن هناك آمالًا عريضة معلقة على نظام الرئيس عبد الفتاح السيسي، ومن هنا وجب على الحكومة الجديدة أن تعمل على تحقيق مجموعة من الأولويات العاجلة من أجل دفع عجلة الاقتصاد الوطني إلى الأمام، وتوفير الحياة الكريمة للمواطن، حتى يتسنى تحقيق التقدم المنشود، وإعادة مصر إلى وضعها الطبيعي مرة أخرى على المستويين الإقليمي والدولي.
• إنجاز المشروعات القومية: فقد تبنت الدولة المصرية مجموعة من المشروعات القومية العملاقة عقب وصول الرئيس السيسي للحكم من أجل التغلب على التحديات التي تواجه الاقتصاد المصري، مثل مشروع قناة السويس الجديدة، ومشروع استصلاح واستزراع مليون ونصف المليون فدان، وغيرها من المشروعات الأخرى. ولا شك البتة أن تلك المشروعات تحتاج لتضافر كل الجهود من أجل إنجاحها، خاصة في ظل الظروف الصعبة التي تعصف بالمنطقة، والتحولات الكبرى في هيكل موازين القوى على المستوى العالمي والإقليمي، مع العلم أن مشروع قناة السويس الجديدة هو عبارة عن مشروعين رئيسيين وهما حفر قناة موازية، وتنمية محور القناة لكي يتحول إلى مركز تجاري ولوجستي عالمي، وهو يتطلب بالضرورة توافر حجم كبير من التمويل، وهو تحدي واضح ليس للحكومة المصرية فقط، بل للدولة أيضًا، خاصة في ظل وجود مجموعة من المشروعات المنافشة لمشروع القناة مثل إعادة إحياء طريق الحرير الذي يربط بين الصين وإسبانيا عبر خط سكة حديد، ومشروع ميناء إيلات- أشدود بإسرائيل الذي يربط بين البحرين الأبيض والمتوسط، ومشروع قناة نيكاراجوا. كما أن هناك بعض المشروعات التي تواجه صعوبات في تنفيذها مثل العاصمة الإدارية الجديدة، نتيجة لوجود بعض الغموض في التفاوض مع المستثمر الرئيسي في المشروع، محمد العبار. إذًا على الحكومة الجديدة أن تضع برنامجًا قويًا وسريعًا من أجل العمل على إنجاز تلك المشروعات في مداها الزمني المحدد، مع ضرورة وضع خريطة واضحة ببدائل عملية التمويل المتاحة لتلك المشروعات.
• الإعداد لاستكمال استحقاقات خارطة الطريق، وهي تلك المتعلقة بإجراء الانتخابات البرلمانية: فمصر مقبلة على إجراء الاستحقاق الثالث لخارطة الطريق المعلن عنها في 3 يوليو 2013، وهي الانتخابات البرلمانية،والتي من المقرر إجراؤها في الفترة ما بين 17 أكتوبر وحتى 2 ديسمبر 2015، حسبما أعلنت اللجنة العليا للانتخابات. وهو ما يقتضي من الحكومة الجديدة توفير عدد من الترتيبات اللوجستية المهمة لضمان نزاهة وشفافية العملية الانتخابية، وتوفير عامل الأمن والأمان للمواطنين المشاركين في الإقتراع، وهذا بالضرورة يتطلب العمل على تحقيق الإشراف القضائي الكامل على كال اللجان الانتخابية، والتأمين القوي لهذه اللجان بقوات مشتركة من الشرطة المصرية والقوات المسلحة، لإخراج تلك العملية إلى بر الأمان، والحفاظ على صورة الدولة المصرية أمام كل دول العالم. لأن إجراء الاستحقاق الثالث في جو ديمقراطي، سيفتح آفاقًا واسعة أمام دعم عملية الاستقرار السياسي في البلاد، وزيادة القوة في مؤسسات الدولة، وبالتالي جذب المزيد من الاستثمارات الأجنبية المختلفة، نتيجة لارتفاع معدلات الثقة في النظام السياسي القائم، والتأكيد على عزم الدولة على المضي قدمًا في عملية التحول الديمقراطي.
• مواجهة موجة ارتفاع الأسعار:فالمواطن المصري يعاني من موجة شديدة في ارتفاع الأسعار منذ رمضان الماضي، تتمثل في ارتفاع أسعار الفواكه والخضراوات واللحوم ومواد البناء، فقد بلغ معدل التضخم عن شهر أغسطس وفقًا للجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء 7.9%، واستمر ارتفاع الأسعار على الرغم من الإجراءات التي اتخذتها الحكومة السابقة مثل التسعير الجبري، وفتح منافذ لبيع السلع بأسعار مخفضة لإجبار التجار على تخفيض الأسعار، ولكن هذه الإجراءات لم تفلح في مواجهة هذه المشكلة، والتي زادت بسبب استمرار تدهور قيمة الجنية المصري أمام الدولار، وعدم وجود أي إجراءات رادعة لمواجهة جشع التجار. وهذا الملف في غاية الأهمية، لأنه يمس حياة المواطن مباشرة، لذلك وجب على الحكومة الجديدة العمل على اتخاذ بعض الخطوات الجادة في سبيل خفض أسعار السلع.
• الارتقاء بمستوى الخدمات المقدمة للمواطن، من خلال تطوير الجهاز الإدري بالدولة ورفع كفاءته: حيث يعاني الجهاز الإداري بالدولة المصرية من العديد من المشكلات التي تعيق تحقيق الكفاءة المطلوبة في عمله منها على سبيل المثال؛ التضخم الكبير في حجم الجهاز الإدراي حتى وصل عدد الموظفين إلى 6.5 مليون موظف، وانتشار الفساد والرشوة والمحسوبية. وقد اتضحت هذه العيوب في عدد من القضايا التي أثارت الرأي العام في الشهور الأخيرة مثل قضية اصلاح التعليم والمرتبطة بقضية صاحبة صفر الثانوية العامة، وقضايا الرشوة في وزارة الزراعة، وقضية اللحوم الفاسدة نتيجة لغياب الرقابة الفاعلة. ويرتبط بهذه النقطة أيضًا كيفية العمل على تهيئة المناخ الملتهب لتطبيق قانون الخدمة المدنية الجديد، وهي كلها ملفات مهمة يجب أن تعمل عليها الحكومة الجديدة، خاصة إذا أخذنا بعين الاعتبار أن حجم الرواتب التي تدفع لموظفي الدولة تشكل 26% من حجم الإتفاق العام في مصر.
تواجه الحكومة الجديدة جملة من التحديات وعلى رأسها مكافحة الإرهاب وضرورة العمل على مواجهة الفساد، وخلق البيئة المواتية لجذب الاستثمار الأجنبي
ثانيا- تحديات ملحة
من المهم هنا الأخذ في الاعتبار عند عمل الحكومة الجديدة التحديات التي تواجه الدولة المصرية وعلى رأسها مكافحة الإرهاب وضرورة العمل على مواجهة الفساد، وخلق البيئة المواتية لجذب الاستثمار الأجنبي، وهذا بالطبع يتطلب وضع إستراتيجية شاملة من أجل خلق وضع أفضل للاقتصاد المصري.
• مكافحة الإرهاب: وهو العائق والتحدي الكبير الذي يواجه الحكومة الجديدة، ولعل ما اتخذته الحكومة السابقة من إجراءات في هذا الإطار لمواجهة الإرهاب، مثل إصدار قانون مكافحة الإرهاب، هي خطوات هامة ولكن يجب على الحكومة الجديدة أن تبني عليها، خاصة في ظل توتر الأوضاع في المنطقة بدرجة مقلقة. لذلك يجب أن تنشط الحكومة الجديدة في التصدي للعناصر الإجرامية من خلال تكثيف العمليات التي تقوم بها القوات المسلحة والشرطة المصرية لمواجهة الإرهاب، مع ضرورة العمل على تبني رؤية اقتصادية واجتماعية وثقافية، إلى جانب المواجهة الأمنية للتصدي لهذا الخطر الداهم الذي لا يهدد فقط حياة المواطن، بل يهدد أركان الدولة بأكملها. وكذلك العمل على المساهمة في حل المشكلات والقضايا الإقليمية التي تغذي الإرهاب في مصر، خاصة الأزمة الليبية، من أجل مواجهة عمليات تهريب الأسلحة وتدفق الإرهابين.
• مواجهة الفساد: وهو من القضايا الشائكة التي تواجه عمل الحكومة الجديدة، فالدولة المصرية تعاني من مشكلة الفساد منذ زمن طويل نتيجة لترسخ مجموعة من العوامل، وشيوع ثقافة الفساد داخل المؤسسات المصرية الحكومية. وقد تعددت أسباب تلك الظاهرة مثل عدم فاعلية المشاركة السياسية، وجمود الجهاز البيروقراطي، ووجود خلل كبير في نظام الأجور والرواتب، مع اختلال سلم القيم الاجتماعية ووجود ثقافة اجتماعية مؤيدة ومروجة لتلك الظاهرة. وقد أثر الفساد بالسلب على قطاعات واسعة في الدولة مما حال دون تحقيق تنمية شاملة داخل المجتمع المصرى، ومما يدل على ذلك تقارير المنظمات الدولية عن حالة الفساد فى العالم، والتى احتلت فيها مصر مراتب متدنية، حتى بين الدول العربية، ومن بين تلك الآثار ضعف الدولة، وتشجيع الاقتصاد الريعي والموازي، وتشجيع التهرب الضريبي، وعرقلة التنمية الاقتصادية والبشرية، وزيادة حدة التفاوت الاجتماعي. ولمكافحة الفساد فى مصر لا بد من توافر إرادة سياسية حقيقية وغير مشروطة، وكذلك تحقيق التناسق والاستقرار التشريعى والعمل على إنفاذ القانون. ولذلك فإن العمل على تقوية المؤسسات المسؤولة عن محاربة الفساد، هو أمر لا غنى عنه مع ضرورة تحقيق استقلالية تلك المؤسسات، بالإضافة إلى تبنى مجموعة من المبادئ المهمة والفاعلة فى هذا المجال مثل مبادئ ( حكم القانون، الحكم الجيد، الشفافية والنزاهة ). ووضع إستراتيجية شاملة لمحاربة الفساد ترتكز على مجموعة من المحاور السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والإعلامية.
• العمل على خفض عجز الموازنة العامة للدولة: وهو من أهم الملفات الاقتصادية العاجلة للحكومة، وهنا يمكن البناء على الإجراءات السابقة التي اتخذتها حكومة المهندس إبراهيم محلب، مثل تخفيض الدعم الموجه إلى قطاع الطاقة، وبعض الإجراءات الخاصة المتعلقة بمنظومة الضرائب، والإصلاحات التشريعية لتهيئة مناخ الاستثمار، وكان منها قانون الاستثمار الموحد، بالإضافة إلى إقامة عدد من المشروعات القومية لتشجيع الاستثمار الأجنبي.حيث يبلغ عجز الموازنة نحو 251 مليار جنيه أو ما يعادل 8.9% من الناتج المحلى الإجمالى. ويتطلب العمل على خفض عجز الموازنة العامة ضرورة تطبيق سياسة مالية منضبطة وتوجيه الإنفاق بما يحقق أكبر فاعلية وأفضل عائد للمجتمع، وتحديث المنظومة الضريبية للقضاء على عمليات التهرب، ووقف تفاقم الدين العام، وتحقيق رقابة فعالة على الأسواق من أجل تقليل معدلات التضخم. لأنه وبلا شك سيقود تخفيض عجز الموازنة إلى زيادة الثقة في الاقتصاد المصري، مما يتيح الفرص الواسعة لجذب الاستثمارات الأجنبية، من أجل تمويل المشروعات القومية، وخلق فرص عمل أمام الشباب المصري لتقليل معدلات البطالة.
إن استمرار الحكومة يتوقف على تجديد الثقة فيها من قبل الرئيس عبد الفتاح السيسي، وقيام رئيس الحكومة بعرض برنامجه على البرلمان المقبل
ثالثا- مستقبل الحكومة الجديدة
إذًا هناك أولويات وتحديات أمام الحكومة الجديدة، ولكن السؤال الذي يشغل الرأي العام المصري هو مدى إمكانية استمرار هذه الحكومة عقب إجراء الانتخابات البرلمانية المقبلة؟
يمكن القول في هذا الإطار إن استمرار الحكومة يتوقف على تجديد الثقة فيها من قبل الرئيس عبد الفتاح السيسي، وقيام رئيس الحكومة بعرض برنامجه على البرلمان المقبل، للحصول على ثقة أغلبية أعضاء المجلس، مما يعني أن عمر هذه الحكومة قد يكون قصيرًا إذا لم تحصل على ثقة أغلبية أعضاء البرلمان، وهو ما يستوجب تشكيل حكومة أخرى من خلال تكليف رئيس الجمهورية رئيسًا لمجلس الوزراء بترشيح من الحزب أو الائتلاف الحائز على أكثرية مقاعد مجلس النواب، وهو ما أشارت إليه نص المادة 146 من الدستور المصري الحالي بنصها:
” يكلف رئيس الجمهورية رئيسًا لمجلس الوزراء، بتشكيل الحكومة وعرض برنامجه على مجلس النواب، فإذا لم تحصل حكومته على ثقة أغلبية أعضاء مجلس النواب خلال 30 يومًا على الأكثر، يكلف رئيس الجمهورية رئيسًا لمجلس الوزراء بترشيح من الحزب أو الائتلاف الحائز على أكثرية مقاعد مجلس النواب، فإذا لم تحصل حكومته على ثقة أغلبية أعضاء مجلس النواب خلال 30 يومًا، عُد المجلس منحلًا ويدعو رئيس الجمهورية لانتخاب مجلس نواب جديد خلال ستين يومًا من تاريخ صدور قرار الحل، وفي جميع الأحوال يجب ألا يزيد مجموع مدد الاختيار المنصوص عليها في هذه المادة على ستين يومًا وفي حالة حل مجلس النواب، يعرض رئيس مجلس الوزراء تشكيل حكومته وبرنامجها على مجلس النواب الجديد في أول اجتماع له، وفي حال اختيار الحكومة من الحزب أو الائتلاف الحائز على أكثرية مقاعد مجلس النواب، يكون لرئيس الجمهورية، بالتشاور مع رئيس مجلس الوزراء، اختيار وزراء الدفاع والداخلية والخارجية والعدل”.
وهذا النص المتقدم يعني تدخل البرلمان القادم في تشكيل الحكومة، مما قد يتعذر معه استمرار حكومة المهندس، شريف إسماعيل، بعد إجراء الانتخابات البرلمانية المقبلة، فهي حكومة انتقالية من المتوقع تقديم استقالتها بعد انتخاب البرلمان القادم، إذ لم يجدد الرئيس الثقة فيها وتحظى أيضًا بموافقة أغلبية أعضاء البرلمان.

إبراهيم منشاوي

المركز العربي للبحوث والدراسات