Internet of Everything: كيف ستغير المدن الذكية الحياة الاقتصادية للبشر؟

Internet of Everything: كيف ستغير المدن الذكية الحياة الاقتصادية للبشر؟

2838

لا يمكن إنكار أن الإنترنت قد غيّر شكل الحياة في العالم بأسره؛ إلا أن العلماء يقدّرون أن المرحلة القادمة للويب ستمثل ثورة على نمط الحياة بشكلٍ كليّ، سواء فيما يتعلق بأساليب العمل، أو اللعب، أو التعلم.

وفي هذا الإطار، استعرض “جون تشامبرز”، رئيس مجلس الإدارة والرئيس التنفيذي لشركة سيسكو، و”ويم إلفرينك”، نائب الرئيس التنفيذي لقطاع ابتكار الحلول في شركة سيسكو، في المقال المنشور على موقع “Foreign Affairs”، تحت عنوان “The Future of Cities: The Internet of Everything will Change How We Live”، كيف أن استخدام تطبيقات الإنترنت في جميع مناحي الحياة من شأنه أن يغير حياة البشر كليًّا، ويخدم الاقتصاد، ويُصالح البيئة. وحاولا تقديم نماذج لمدن قد تحولت بالفعل إلى “مدنٍ ذكية” من خلال تلبية عدة معايير تم تناولها في آخر المقال.

الإنترنت ومستقبل البشرية

يفتتح الكاتبان مقالهما بالإشارة إلى أن المرحلة المقبلة من التاريخ البشري، والتي يسميها البعض بـ”Internet of Things”، بينما أطلق عليها الكاتبان مسمى “Internet of Everything” – سوف تتمثل في اتصال ذكي بين البشر والعمليات والبيانات والأشياء. ورغم أن هذا الاتصال قد يبدو للوهلة الأولى فكرة بعيدة المنال، إلا أنه أصبح نسبيًّا واقعًا مُعاشًا حاليًّا تجسد في مجال الأعمال، ونشاط الحكومات، والمؤسسات التعليمية حول العالم.

فاليوم، نصف سكان العالم يستخدمون شبكة الإنترنت؛ وبحلول عام 2020، من المتوقع أن يكون ثُلُثا سكان العالم من مستخدمي الإنترنت. كذلك فإن 13.5 مليار جهاز متصل حاليًّا بالإنترنت، وبحلول عام 2020، من المتوقع أن يصعد هذا الرقم إلى 50 مليار. والجدير بالذكر أن طبيعة الأجهزة المتصلة بالإنترنت سوف تتغير، فلن تصبح مقتصرة على أجهزة الكمبيوتر، والهواتف، ولكن أيضًا أماكن وقوف السيارات، والساعات المنبهة، وخطوط السكك الحديدية، وصناديق القمامة. وجميع هذه الاتصالات سوف تولّد كميات هائلة من البيانات الرقمية، والتي تتضاعف كل سنتين. ومع ظهور أدوات جديدة تعمل على تحليل هذه البيانات؛ سيتمكن الأفراد والمؤسسات من اتخاذ أفضل القرارات، وأكثرها إنتاجية.

إن إدخال الإنترنت في كل عناصر حياة الإنسان، من المتوقع أن يُدرّ أرباحًا هائلة على الاقتصاد العالمي بقطاعيه الخاص والعام، والتي قد تصل إلى 19 تريليون دولار. كما أنه سيُساعد على معالجة أبرز التحديات الشائكة في عالمنا المعاصر، مثل: (نمو السكان، وتزايد تحركهم إلى المراكز الحضرية، وتزايد الطلب على الموارد الطبيعية المحدودة، وإعادة التوازن لعملية النمو الاقتصادي الذي يتزايد في بلدان الأسواق الناشئة، ويتباطأ في الدول المتقدمة).

كيف عالج الإنترنت مشكلات البنى التحتية؟

يرى الكاتبان أن العالم على وشك أن يشهد واحدًا من أهم التحولات التكنولوجية منذ ميلاد الإنترنت، حيث سيتم الربط بين الأشياء والناس، بدعم من عمليات شبكية، تُمكّن الجميع من تحويل البيانات إلى معلومات قابلة للتنفيذ لاستخدامها في القيام بأشياء لم تكن ممكنة من قبل، أو القيام بها بشكل أفضل.

فأكثر من نصف سكان العالم يعيشون الآن داخل أو بالقرب من منطقة حضرية كبرى، ومن المتوقع أن عدد سكان العالم سينمو من سبعة مليارات إلى 9.3 مليارات نسمة بحلول عام 2050، وسوف تكون مدنُ العالم الحضرية مُضطرَة لاستيعاب حوالي 70% من سكان العالم حينئذ.

ومع زيادة السكان، من المؤكد أن مشكلات البنية التحتية سوف تزداد في مدن العالم، لأنه مع محدودية المساحة والموارد الطبيعية، لن تتمكن الحكومات من إنشاء بنى تحتية جديدة تستوعب الزيادة السكانية الهائلة. الأمر الذي يتطلب استخدام طرق تكنولوجية حديثة لتوفير الخدمات الحضرية، سواء كان ذلك في الطرق أو المياه أو الكهرباء أو الغاز أو الرعاية الصحية. ففي المستقبل، سوف يكون التركيزُ على الاتصالات الافتراضية بدلا من الاتصالات المادية.

كذلك فإن مدن العالم تُواجه مشاكل عديدة مع أنظمة المياه التي غالبًا ما تحتاج لأن يتم استبدالها بعد فترة من الزمن. فعلى سبيل المثال، البنية التحتية للمياه في الولايات المتحدة تُعاني من مشكلات وأعطال يبلغ معدلها 240 ألف عطل سنويًّا، لذا فهي على وشك أن تُنهي دورة حياتها، وقد قدّر الخبراء تكلفة استبدال هذه البنية التحتية بحوالي تريليون دولار. بينما نجد أن وضع شبكة من أجهزة الاستشعار في أنظمة أنابيب المياه تحت الأرض يرفع من كفاءة عمل هذه الأنابيب، ويُسهّل عملية ترقيتها، وتوقع المشكلات المستقبلية المحتملة بها.

مشكلة أخرى تواجهها المدن حول العالم، وهي مشكلة النفايات، والتي من المتوقع أن يزداد حجمها من 1.3 مليار طن في 2012 إلى 2.2 مليار طن في عام 2025، وكذلك سترتفع تكلفة التخلص منها إلى 375.5 مليار دولار في عام 2025. وهنا نجد أيضًا أن الإنترنت يقدم طرقًا جديدة لإدارة وتقليل هذه التكاليف بشكل أفضل. فعلى سبيل المثال، يُمكن وضع أجهزة استشعار في حاويات القمامة السكنية والتجارية تُنبّه نُظُم إدارة النفايات في المدينة عندما تكون كاملة. كما أن هذه الأجهزة ستُمكّن السائقين كل صباح من الحصول على الطرق المُثلى لتفريغ الحاويات الكاملة بالمقارنة مع اتباع مسار ثابت يوميًّا، لذا فالنظام الجديد سيوفّر الملايين من الدولارات من خلال زيادة كفاءة وإنتاجية العمال.

ماهية المدن الذكية؟

يذهب الكاتبان إلى أن الحلول الجديدة والمبتكرة المرتبطة بفكرة “Internet of Everything” عملت –وما زالت- على تحويل مدن العالم إلى مدنٍ ذكية. حيث من المتوقع أن إجمالي عدد المدن الذكية سيرتفع إلى أربعة أضعاف (من 21 إلى 88 مدينة ذكية) بحلول عام 2025.

ويعرّف الكاتبان المدن الذكية بأنها تلك “المدن التي تعمل على دمج تكنولوجيا المعلومات والاتصالات عبر ثلاثة أو أكثر من المجالات الوظيفية”. أي أنها تجمع بين البنية التحتية التقليدية (الطرق والمباني وغيرها) مع التكنولوجيا لإثراء حياة مواطنيها. وفي هذا الإطار ساعدت العديدُ من التطبيقات على تقليل حركة المرور، وازدحام مواقف السيارات، والتلوث، واستهلاك الطاقة، والجريمة، كما أنها ولّدت المزيد من الإيرادات، وخفضت التكاليف المستخدمة في تلك المدن.

فعلى سبيل المثال، ثلث الشوارع في العالم تستخدم تكنولوجيا الستينيات في أنظمة إضاءة الشوارع. وتكشف الدراسات عن أن استبدال هذه النظم البالية بأخرى “ذكية” لإضاءة الشوارع عمل على توفير الكهرباء والتكاليف المستخدمة بنسبة تتراوح بين (70 – 80) %. كما قلّلت من معدل الجريمة بنسبة 7% بسبب توفير رؤية أفضل للمارة. ويُذكر أن مدينة “نيس” في فرنسا قد قامت بتطبيق نظام الإنارة الذكي للشوارع، ووضع أجهزة استشعار مرورية، عملت على الحد من حوادث سرقة السيارات والاعتداءات، وحتى سرقة المنازل. ومن المتوقع أيضًا أن تعمل على تقليل فاتورة الطاقة في المدينة بأكثر من 8 ملايين دولار.

كما أن المدن الذكية ستكون قادرة على ترشيد استخدام الطاقة داخل المنازل عن طريق أجهزة استشعار تعمل على جمع وتحليل بيانات استخدام الطاقة. وهو الأمر الذي من المتوقع أن يُخفّض تكاليف استخدام الطاقة على مستوى العالم بقيمة 100 مليار دولار خلال العقد المقبل.

وللتغلب على مشكلات الازدحام المروري، وما تسببه من ارتفاع لنسبة الغازات السامة في الجو، وكذلك استهلاك المزيد من الوقت والوقود؛ قامت مدينة “سان كارلوس” بكاليفورنيا بوضع أجهزة استشعار في أماكن وقوف السيارات، تعمل على تزويد السائقين بالمعلومات اللازمة لمعرفة أفضل الطرق التي من الممكن أن يسلكوها، وكذلك أماكن الوقوف المتاحة لهم. وهو الأمر الذي ساعد في تقليل الازدحام والتلوث واستهلاك الوقود.

وتقدّم مدينة برشلونة الإسبانية تجربة ثرية في مجال إدارة الحافلات العامة، وذلك من خلال نشر ما يُسمى بـ”محطات الحافلات الذكية”، حيث يُمكن للمواطنين استخدام شاشات تعمل باللمس لعرض أحدث الجداول الزمنية لمرور الحافلات، وخرائط المدينة، والشركات المحلية، ومراكز الترفيه.

كيف تحولت “برشلونة” و”سونغدو” إلى مدن ذكية؟

في هذا الجزء من المقال يستعرض الكاتبان مثالين بارزين للمدن التي بدأت في إدخال الإنترنت في معظم نواحي الحياة، وهما مدينتا “برشلونة” الإسبانية، و”سونغدو” الكورية الجنوبية.

فمدينة برشلونة، التي يبلغ عدد سكانها نحو 1.6 مليون نسمة، وتعتبر ثاني أكبر مدينة في إسبانيا؛ تبنت فكرة “Internet of Everything”، ومن المتوقع أن تصل أرباحها نتيجة اتباعها هذا النهج إلى ما يقارب 3.6 مليارات دولار خلال العقد المقبل؛ وذلك بسبب التحسينات الإنتاجية، وخفض الموارد والتكاليف البيئية المستخدمة في العمليات المختلفة، مع ملاحظة أن معظم هذه الإيرادات تأتي عن طريق أعمال جديدة تُركز على الابتكار. وقد استخدمت المدينة الإنترنت في إدارة معظم الخدمات الأساسية في المدينة، بدايةً من مكتب رئيس البلدية والمجلس البلدي، مرورًا بإدارة المياه والنفايات، ووصولا إلى أماكن وقوف السيارات، وأنظمة النقل العام. وهو الأمر الذي جعل برشلونة من المدن القليلة في أوروبا التي تُحقق فائضًا في الميزانية، بالتوازي مع تحسين نوعية الحياة لمواطنيها. وقد اختار الاتحاد الأوروبي في أوائل شهر مارس 2014 مدينة برشلونة كأكثر مدن أوروبا ابتكارًا.

وعلى الجانب الآخر من الكرة الأرضية، نجد مدينة “سونغدو” الكورية الجنوبية، وهي أول مدينة زراعية يطرأ عليها مثل هذا التطور التكنولوجي الذي شمل جميع مناحي الحياة بها؛ حيث تمتلك المدينة شبكات اتصال لا سلكية تربط بين جميع نظم المعلومات الأساسية فيها، سواء أكانت سكنية أم تجارية أم طبية أم حكومية، بشبكة الإنترنت العالمية. بالإضافة إلى وجود توصيلات في جميع أرجاء المدينة وأجهزة استشعار إلكترونية على الطرق المؤدية إليها، وداخل طرقاتها ومبانيها؛ حيث إن وظيفة كل جهاز إرسال البيانات إلى المحطة المركزية المسئولة عن جمع البيانات المتعلقة بالمباني والطرق ودرجة الحرارة داخل المدينة وتحليلها.

ولم تنحصر أهداف تطوير المدينة تكنولوجيًّا في ترقية الخدمات الحضرية، وتعزيز الحياة اليومية للمواطنين، وتقليل استخدام الموارد في المدينة فقط؛ بل تعدت إلى جعل المدينة مركز استقطاب للمواطنين والشركات الجديدة، وخلق قيمة اقتصادية حقيقية، فمدينة “سونغدو” ستكون قادرة خلال الـ15 عامًا المقبلة على توفير 300 ألف فرصة عمل، وتحقيق ما يقارب 26.4 مليار دولار زيادة في الناتج الإجمالي المحلي لها، إلى جانب وجود دراسات تُشير إلى أن المدينة ستكون قادرة على خفض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون بنسبة تصل إلى 4.5 ملايين طن.

معايير تعميم تجربة المدن الذكية

وهنا يُحاول الكاتبان وضع معايير مُحددة لكيفية تعميم تجربة المدن الذكية حول العالم، وقد حددوا في هذا الإطار خمسة معايير:

أولا: يجب على كل مدينة تحديد أولوياتها قبل الشروع في استخدام الإنترنت في تقديم خدماتها، وغالبًا ما يكون تحديد الأولويات مُستنِدًا إلى المشاكل التي تحتاج إلى معالجة.

ثانيًا: يجب على العالم إعادة النظر في استثمارات تكنولوجيا المعلومات. وهذا يعني الابتعاد عن شراء الخدمات الإلكترونية منعزلة، والتركيز على تلك التي تتكامل وتتكيف مع البنية التحتية التقنية للمدن.

ثالثًا: يجب على الحكومات أن تبدأ النظر إلى تكنولوجيا المعلومات على أنها مُنتِجة للقيمة وليست مُستهلِكة لها. فالحكومات التي تتوسع في استخدام تكنولوجيا المعلومات يمكنها تحقيق عوائد مادية قابلة للقياس في غضون بضع سنوات أو أقل، من خلال تحسين إنتاجية موظفيها، وتوليد إيرادات جديدة بدون رفع الضرائب، وأيضًا خلق منافع قابلة للقياس الكمي للمواطنين.

رابعًا: يجب ألا يخاف العالم من تبني التكنولوجيا بطرق جديدة. ويجدر بالقائمين على صناعة التكنولوجيا أيضًا تحسين تدابير الأمن والخصوصية بشكلٍ مستمرٍ وفعالٍ لمختلف التطبيقات التكنولوجية.

خامسًا: المدن الذكية تتطلب التعاون بين الشركاء من القطاعين العام والخاص، فهذا التعاون يساعد في تحمل التكاليف، وحل المشاكل الملحة، وزيادة الفوائد للحكومة والمستثمرين والمواطنين على حدٍّ سواء. لأن هذه الشراكة هي المفتاح لإدارة وتمويل المشروعات التي تتطلب تكنولوجيا متقدمة، وبنية تحتية متطورة.

وختامًا، اعتبر الكاتبان أن هذا العام (2014) هو نقطة تحول كبرى لفكرة “Internet of Everything” التي من شأنها خلق اقتصاد عالمي أكثر ديناميكية، وتطوير حياة البشر، بحيث تكون الشوارع أكثر أمنًا والمنازل أكثر ذكاءً.

جون تشامبرز، ويم إلفرينك: شركة  سيسكو لقطاع ابتكار

عرض :محمد محمود السيد 

المركز الاقليمي للدراسات الاستراتيجية 

http://goo.gl/tzGLZM

الكلمات الدلالية : الانترنت،المدن الذكية،التكنولوجيا،الاقتصاد العالمي .