إيران…التوظيف السياسي لحادثة منى

إيران…التوظيف السياسي لحادثة منى

خامئني-620x330

ما إن أعلنت المملكة العربية السعودية عن وفاة 717 حاج كان من بينهم 95 إيرانياً وإصابة 836 كان من بينهم 60إيرانياً جراء تدافع الحجاج في مشعر منى أثناء رمي جمرة العقبة في أول أيام عيد الأضحى المبارك، حتى حمّل النظام الحاكم في إيران بدءاً من مرشده الأعلى علي خامئني ومرورا برئيسه حسن روحاني ووصولاً إلى خطيب جمعة طهران محمد أمامي كاشان المملكة مسؤولية ما حدث.

وهذا الموقف الإيراني من الحادث ينسحب أيضا على مواقف حلفائها من العرب إذ حمّل في لبنان حسن نصر الله الأمين العام لحزب الله المملكة العربية السعودية مسؤولية ما حدث، ودعا إلى مشاركة الدول التي توفي رعاياها في تحقيقات الحادث وهنا إشارة واضحة إلى زج إيران في مجرياته، أما في العراق فقد عبّر علي العلاق عضو الإئتلاف في دولة القانون، عن حقده وكرهه للمملكة العربية السعودية مستغلا الحادثة بالقول:” أن المملكة فشلت في إدارة الحج” ودعا “إلى عقد جلسة طارئة لمنظمة التعاون الإسلامي لمناقشة إدارة ملف الحج”. وهي إشارة أيضاً تكاد تكون واضحة من أجل سحب إدارة الحج من المملكة العربية السعودية وجعلها إدارة مشتركة تكون إيران إحدى دولها.

وهذا الأمر مستبعد تماماً لما تمثله المملكة العربية السعودية من ثقل سياسي وديني واقتصادي في بيئتها العربية والإقليمية والدولية. وعلى أي حال، تحاول إيران وحلفائها إخراج الحادث من سياقه الطبيعي على اعتبار تجمع ملايين فى مساحة جغرافية واحدة بوقت واحد، قد يؤدي إلى وقوع ما حدث، وهذا لا يعني أننا نقلل من قيمة ما حصل على المستوى الإنساني ولكن نرفض أن تتداخل الشعائر الدينية بالصراعات الإقليمية ذات الأبعاد السياسية. كونه لم يكن الحادث الوحيد في ذاكرة مواسم الحج وهذا ما سيأتي على ذكره لاحقاً.

فالحادث- مما لايقطع مجالاُ للشك- أخذ بعداً سياسياً عملت إيران على تغذيته، لأنه وقع فى وقت تخوض فيه، المملكة العربية السعودية منذ آذار/ مارس من العام الحالي وحتى وقتنا الحاضر وحلفائها من الدول العربية، حرباً مع وكلاء إيران الحوثيين وجيش علي عبدالله صالح فى اليمن. وفي سوريا تقف المملكة العربية السعودية ضد توجهات إيران التوسعية. ومحاولاتها الرامية أيضا إلى اسقاط النظام السياسي في البحرين.

فتاريخياً شهدت المملكة العربية السعودية حوادث مشابهة على مدى الأربعين عاما الأخيرة منها حسب تسلسلها التاريخي نذكر في موسم عام 1975م وقع حريق فى مخيمات للحجاج بالقرب من مكة أسفر عن مقتل 200حاج، وأرجعت السلطات وقتها أسباب الحادث إلى انفجار أسطوانة غاز فى أحد الخيم. وفي عام1989م قتل حاج وأصيب 16آخرون بعد أن هاجم 16 كويتيا شيعيا الحجاج بالقرب من المسجد الحرام فى مكة المكرمة، وفى العام نفسه قتل خمسة باكستانيين وجرح34 آخرون إثر بمخيم بالقرب من مكة. وفي عام 1990م وقع حادث نفق منى الذى كان الأكبر فى حصيلة الضحايا، إذ قتل 1426 حاجا نتيجة للتدافع فى النفق وتوقف أجهزة التهوية. وفي عام 1994م قتل 270 حاجًا دهسا بالأقدام بعد التدافع أثناء رمى الجمرات. وفي عام 1997م وقع حريق أتى على مخيم حجام في منى، وقتل343 حاجا وجرح أكثر من1500 آخرين. وفي عام 1998م قتل أكثر من118 حاجا في تدافع منى أثناء رمي الجمرات. وكان آخرها في العام 2006م لقي 346 حاجا حتفهم في أثناء رمي الجمرات.

وكانت إيران لها سوابق سلبية فى موسم الحج إذ كان الحجاج الايرانيون ينظمون تظاهرات “البراءة من المشركين” تنفيذا لتعليمات ولي الفقيه الخميني وتسببت إحدى هذه التظاهرات، خلال موسم حاج عام 1987م، في صدامات دامية، وقاطعت إيران بعد ذلك مواسم الحج في الفترة ما بين 1990 و1998، قبل أن تعود وفودها إلى أداء هذه الشعيرة.

ونفذ حجاج إيرانيون أعمال شغب وتظاهرات سياسية، ففي سنة 1987 رفع متظاهرون إيرانيون روح الله الخميني، فضلاً عن شعارات الثورة الإيرانية، وأخرى منددة بالولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل. وقاموا أيضًا بقطع الطرق وعرقلة السير، وحاول المتظاهرون اقتحام المسجد الحرام ما أدى إلى صدامات بين المتظاهرين وقوات الأمن، كانت “حادثة نفق المعيصم” هي الأشد خطورة والمتورطة فيها إيران خلال موسم الحج. حيث قام حجاج كويتيون منتمون لما يعرف باسم بـ”حزب الله الحجاز”، وبالتنسيق مع جهات إيرانية، باستخدام غازات سامة لقتل آلاف الحجاج في نفق المعيصم سنة 1989م.

ما يمكن قوله في هذا المقام، أن من يقتل المسلمين في العراق ويقف مؤيدا ومناصراً لسياسات رئيس وزرائه السابق نوري المالكي القائمة على الطائفية المقيتة والتهميش والاستئصال، لمكون رئيسي من أبناء العراق، وهو المكون السُني، ومن يقف في وجه تطلعات الشعب السوري في الانعتاق من الحكم الشمولي والانطلاق إلى رحاب الحرية، ويعمل في ذات الوقت على قتله من خلال فرق الموت الميليشاوية التي جلبها من إيران كالحرس الثوري الإيراني،ومن العراق كعصائب أهل الحق وكتائب حزب الله ومن لبنان حزب الله- الذي أعلن زعيمه أن طريق فلسطين يمر عبر مدينة الزبداني السورية- وباكستان لواء الزينبيون وأفغانستان لواء الفاطميون وحتى من أوكرانيا وكوريا الشمالية، ومن ساعد الحوثيون على الانقلاب العسكري في أيلول/سبتمبر من العام الماضي، ضد حكم الرئيس عبدربه منصور هادي، وحاول أن يدخل اليمن في أتون حرباً أهلية لولا تدخل المملكة العربية العربية السعودية في الوقت المناسب من خلال عاصفة الحزم لإعادة الأمور إلى نصابها السابق على الانقلاب.

ومن يعمل أيضاً على زعزعة استقرار دولة لبنان عبر وكيله هناك حزب الله، ومن يساهم ببث سمومه الطائفية في الخليج العربي وتحديدا في دولة البحرين والكويت والمملكة العربية السعودية ويعمل بلا كلل أو ملل على زعزعة استقرارهم، ومن يدرب الخلايا النائمة من أبناء العرب الشيعة المغرر بهم في صحراء مدينة النجف العراقية؛ ليعودوا إلى أوطانهم كخلايا نائمة، تنتظر لحظة الصفر لتفجير الأوضاع الداخلية فيها وتعد دولة البحرين و الكويت مثالاً بارزا على ذلك.

ومن يقوم بإشعال حرباً طائفية في المشرق العربي، ويتباهى أحد رموز نظامه السياسي بالسيطرة على أربع عواصم عربية، وأن العاصمة العراقية بغداد هي مركز حضارة وثقافة الإمبراطورية الفارسية لا يحق له نهائياً أن يوجه اللوم إلى جهود المملكة العربية السعودية في أداء مناسك الحج، كما أن محاولات إبداء تعاطفه الإنساني مع موتى حجاج بيت الله الحرام لا يمكن التسليم به فهو أمر مشكوك به، لأنه من الأجدى أن تتعاطف إنسانيا قبل أن يكون إسلاميا على ضحايا قتلوا بمئات الآلاف بفعل سياساتها التوسعية في العراق وسوريا واليمن من أجل إحياء موروث إمبراطوري انقرض ولن يعود مهما حاولت إيران عبر سياساتها العبثية من الإخلال بتوازنات الإقليم أو استغلال حالة الضعف العربي لتنفذ إلى جسده. فموقفها من أحداث شعيره منى في أول أيام عيد الأضحى المبارك لا يعدو عن كونه محاولة فاشلة في توظيف واقعة منى.

وحدة الدراسات الإيرانية