الانتخابات المبكرة في تركيا قد لا تشهد تغيراً ملحوظاً في النتائج

الانتخابات المبكرة في تركيا قد لا تشهد تغيراً ملحوظاً في النتائج

TurkeyAKPflagsRTR3I97S-198x132

مع اقتراب موعد الانتخابات المبكرة في تركيا في 1 تشرين الثاني/نوفمبر، وفي الوقت الذي تشهد فيه البلاد حالة استقطاب حاد، من غير الواضح ما إذا كان «حزب العدالة والتنمية» الحاكم سيعوض جزئياً أو كلياً عن التراجع الإجمالي في شعبيته بنسبة 20 في المائة الذي سجله في انتخابات حزيران/يونيو، والذي وضع حداً لحكم الحزب الواحد الذي كان سائداً في البلاد طيلة ثلاثة عشر عاماً.

ووفقاً لما تُظهره استطلاعات الرأي الأخيرة، قد لا يحقق «حزب العدالة والتنمية» الكثير من المكاسب على الإطلاق، نظراً لاستئناف القتال ضد «حزب العمال الكردستاني» المحظور والتراجع الحاد للّيرة التركية. وتُظهر هذه الاستطلاعات أن نسبة تأييد «حزب العدالة والتنمية» تتراوح بين 40 و41 في المائة، مما يتطابق مع نتائج انتخابات حزيران/يونيو (40.87 في المائة). ولكن بخلاف الانتخابات السابقة، اشتدت حالياً قبضة مؤسس الحزب وزعيمه السابق رجب طيب أردوغان، على الرغم من استقالته من الحزب في آب/أغسطس عام 2014 لتولي سدة الرئاسة. وخلال الثمانية عشر شهراً الماضية، صوّت المواطنون الأتراك في ثلاثة انتخابات كبرى (محلية ورئاسية وعامة)، شكّلت جميعها على ما يبدو استفتاءات حول أردوغان وأسلوبه الحازم في الحكم. وقبل خمسة أسابيع من موعد إجراء الانتخابات الجديدة، ليست هناك الكثير من الأدلة التي تشير إلى حدوث تغيير ملحوظ مقارنة بالنتائج السابقة أو انكفاء أردوغان عن مناصرة «حزب العدالة والتنمية» ، رغم أن الدستور يحظر الانتماء الحزبي على الرئيس.

الخلفية

في الواقع، وضعت انتخابات 7 حزيران/يونيو حداً لهيمنة «حزب العدالة والتنمية» الموالي للإسلاميين على السياسات التركية، وبدا أنها تُنبئ بمرحلة جديدة قائمة على تقاسم السلطة. ومع أن «حزب العدالة والتنمية» ما زال الحاصد الأكبر للأصوات، إلا أنه دفع ثمناً باهظاً مقابل عملية السلام غير المدروسة التي بدأ بها مع «حزب العمال الكردستاني»، وخسر في الوقت نفسه أصوات الأكراد والأتراك القوميين. كما أن رد الفعل الشعبي العنيف إزاء محاولات أردوغان تنصيب نفسه على أنه الرئيس التنفيذي الأعلى الفعلي للبلاد، في انتهاك للدستور التركي، قد ألحق الضرر أيضاً بـ «حزب العدالة والتنمية». وقد حصل خلف أردوغان، أحمد داوود أوغلو، الذي اختاره أردوغان بنفسه كرئيس للوزراء، على 258 مقعداً فقط في التصويت، أي أقل بـ 18 صوت من 276 صوتاً، وهو عدد الأصوات الضروري لتشكيل حكومة من حزب واحد. وبالتالي، دخل قادة الحزب في محادثات حول تشكيل حكومة ائتلافية مع «حزب الشعب الجمهوري»، الذي هو حزب المعارضة الرئيسي، وكذلك مع «حزب الحركة القومية» الذي يعرف أيضاً بـ «حزب العمل القومي». وقد حصد هاذان الحزبان على 25 في المائة و16 في المائة من الأصوات على التوالي. إلا أن هذه المحادثات فشلت في التوصل إلى اتفاق لتقاسم السلطة.

الظل الرئاسي

يعتقد أعضاء بارزون من «حزب الشعب الجمهوري» كانوا قد شاركوا في الاجتماعات مع وفد «حزب العدالة والتنمية» في تموز/يوليو وبداية آب/أغسطس، أن داوود أوغلو كان صادقاً في جهوده الرامية إلى تشكيل تحالف، وبالتالي استعادة مركز الثقل فيما يتعلق بالسياسات التركية.

ولكن يبدو أن أردوغان كان قد قرر انتهاج مسار مغاير. فقد بدأ – إلى جانب أصوات إعلامية داعمة – بالتحدث عن انتخابات جديدة أطلق عليها تسمية “الانتخابات المتكررة”، مباشرةً بعد انتخابات 7 حزيران/يونيو؛ وعند عودته من الصين في 31 تموز/يوليو، قال للمراسلين إنه “من غير المجدي توقُّع أي فوائد للبلاد” من الحكومات الائتلافية، معرباً بذلك عن تفضيله بصورة واضحة. ومع أن ائتلافاً بين «حزب العدالة والتنمية» و«حزب الشعب الجمهوري» بدا مرجحاً في البداية، إلا أن أردوغان عمد بسهولة وبسرعة إلى إبعاد «حزب العدالة والتنمية» عن هذا المسار وعن الصيغ الائتلافية الأخرى، معلناً في 24 آب/أغسطس عن إجراء انتخابات جديدة.

وفي حين تُظهر الاستفتاءات أن «حزب العدالة والتنمية»، والأحزاب الثلاثة الكبرى الأخرى، ستحصل على الأرجح على نفس الدعم الذي حصلت عليه في انتخابات 7 حزيران/يونيو، يعوّل أردوغان على الفكرة بأن الناخبين قد يضعون شكاواهم المتعلقة بـ «حزب العدالة والتنمية» جانباً ويختارون دعم زعيم قوي، نظراً لتردي الاقتصاد وتراجع الأمن الداخلي. ومن شأن ذلك أن يحوّل أبرز النقاط السلبية لدى أردوغان، وهي نزعته الاستبدادية، إلى نقطة إيجابية تصب في مصلحته. فأردوغان، الذي أبقى سيطرة عملية محكمة على الحزب أكثر من أي وقت مضى، كانت له على ما يبدو – وفقاً لبعض التقارير – الكلمة الفصل فيما يتعلق باختيار قادة «حزب العدالة والتنمية» في المؤتمر الذي عقده الحزب في 12 أيلول/سبتمبر بالإضافة إلى التدقيق في أسماء المرشحين الواردة في القوائم المرفوعة من الحزب، الذين سيشاركون في الانتخابات البرلمانية المزمع عقدها في 1 تشرين الثاني/نوفمبر.

أردوغان مقابل الـ 13 في المائة، والعكس بالعكس       

بالرغم من الحظر الدستوري المذكور سابقاً، ليس هناك شك بأن أردوغان سيشارك في الحملة الانتخابية التي ستجري خلال الأسابيع القليلة المقبلة من أجل استقطاب أصوات مؤيدة لـ «حزب العدالة والتنمية» ، وفي الغالب في إطار التجمعات الحاشدة المناهضة للإرهاب، التي سُجل أولها في إسطنبول في 18 أيلول/سبتمبر. وكما جرى قبل انتخابات حزيران/يونيو، من غير المرجح أن يكون حزب المعارضة الرئيسي، «حزب الشعب الجمهوري»، المستهدف الأساسي من قبل أردوغان، بل أن «حزب الشعوب الديمقراطي» أو كما يٌعرف بـ «حزب ديمقراطية الشعوب» الموالي للأكراد، هو الذي سيكون الهدف الحقيقي. وهذا الحزب هو كتلة أصغر حجماً من «حزب الشعب الجمهوري» وحقق مكاسب كبرى في انتخابات حزيران/يونيو.

وفي الواقع، كان «حزب ديمقراطية الشعوب»، الذي يتزعمه صلاح الدين دمرتاش ذو الشخصية الجذابة والبالغ من العمر 42 عاماً، مرشحاً غير بارز ومغيراً لقواعد اللعبة في انتخابات حزيران/يونيو. وقد ضاعف دمرتاش، وهو ناشط سابق في حقوق الإنسان، رصيد الحركة السابق، فتجاوزت بذلك عتبة الـ 10 في المائة الضرورية للانضمام إلى البرلمان. بالإضافة إلى ذلك، نجح «حزب ديمقراطية الشعوب» في توسيع قاعدته الشعبية بتخطيه عدد مؤيدي «حزب العمال الكردستاني»، وحصوله على 6 ملايين صوت (13 في المائة)، من خلال حشده دعم الأكراد المنتمين إلى الطبقة الوسطى والحضريين والأتراك الليبراليين والناخبين من أقصى اليسار. فقبل انتخابات حزيران/يونيو، كان المرشحون الذين يمثلون الحركة السياسية الكردية في البلاد يخوضون الانتخابات كمستقلين وفقاً للأقضية، وكان عددهم يتراوح عادةً بين 25 و35 نائباً في أنقرة. ولكن مع تركيز الحملة الانتخابية هذه المرة على التنوع والتعددية الثقافية والطابع الجامع، فقد اختار «حزب ديمقراطية الشعوب» قائمة يتكون نصفها من النساء، وتشمل أيضاً أعضاء من الأقليات العرقية والدينية في البلاد، بمن فيهم الأرمن، بالإضافة إلى مرشحين مثليين، وهي سابقة في تركيا. ومن خلال ترشيح هذه القائمة الموحدة للحزب، فاز «حزب ديمقراطية الشعوب» بـ 80 مقعداً برلمانياً، أي ما يعادل نسبة تأييد «حزب الحركة القومية»، مما جعله لاعباً سياسياً بارزاً يؤخذ في الحسبان. كما أن نجاح «حزب ديمقراطية الشعوب» أدى أيضاً إلى إدراج القضية الكردية ضمن اللعبة التركية السائدة، إذ قد لا يوافق الأتراك على مطالب الأكراد السياسية، ولكن لا يمكنهم بعد الآن إهمالها بكل بساطة.

لقد اعتُبرت انتخابات حزيران/يونيو من عدة نواحٍ، بمثابة مواجهة بين أردوغان ودمرتاش؛ فمنذ الانتخابات لم ينكفّ الرئيس التركي عن استهداف «حزب ديمقراطية الشعوب» وزعيمه، وغالباً ما كان يطلق على أعضائه تسمية “داعمي الإرهاب”، في إشارة إلى علاقة الحزب بـ «حزب العمال الكردستاني». وقبل انتخابات حزيران/يونيو بوقت طويل، برز دمرتاش من خلال اعتراضه على رغبة أردوغان بتحويل النظام السياسي في البلاد إلى نظام يرتكز على الرئاسة التنفيذية، معلناً ما يلي: “لن نسمح لك بأن تصبح رئيساً [تنفيذياً]”. وقد أصبح هذا الإعلان بمثابة الصرخة الحاشدة لـ «حزب ديمقراطية الشعوب»، الأمر الذي ساهم في اجتذاب الناخبين اليساريين والناخبين العلويين ذوي الميول الليبرالية؛ وقد أدى ذلك إلى دفع أردوغان إلى وقف عملية السلام مع «حزب العمال الكردستاني» ومؤسسه المعتقل عبد الله أوچلان.

تصاعد العنف

في تموز/يوليو، استؤنفت عمليات القتال بين «حزب العمال الكردستاني» والحكومة التركية، وسُجلت أولى هجمات «حزب العمال الكردستاني» في 20 و22 تموز/يوليو، في خطوة أنهت وقف إطلاق النار الذي بدا واعداً ذات مرة. ومنذ ذلك الحين، أخذ «حزب العمال الكردستاني» يستهدف الشرطة وعناصر الجيش في شرق تركيا، الأمر الذي أجج الشعور القومي التركي. إن ذلك قد يساعد أردوغان و «حزب العدالة والتنمية» في انتخابات 1 تشرين الثاني/نوفمبر، من خلال انتزاعه ناخبين من «حزب الحركة القومية» التركي. ولكن القتال في المنطقة الكردية في جنوب شرقي البلاد قد يضرّ أيضاً بـ «حزب العدالة والتنمية» ويقوّي في الوقت نفسه «حزب ديمقراطية الشعوب» من خلال تحالف الناخبين الأكراد المحافظين مع «حزب ديمقراطية الشعوب» – وكان هؤلاء الناخبون قد غضبوا من تعليق الحقوق المدنية في المحافظات ذات الغالبية الكردية. بعبارة أخرى، قد تضاهي الخسائر التي قد يتكبدها أردوغان من جراء القتال ضد «حزب العمال الكردستاني» المكاسب التي قد يحققها.

إنه الاقتصاد

لقد  فاز «حزب العدالة والتنمية» في انتخابات متتالية بعد استلامه زمام السلطة في عام 2002 عبر تأمين الازدهار والحكم الرشيد بشكل رئيسي. ولكن خلال العام الماضي، شهدت الليرة التركية تراجعاً يقارب 35 في المائة مقارنة بالدولار، وأصبح قطاع البناء – محرك النموذج الاقتصادي لـ «حزب العدالة والتنمية» الذي يرتكز على الاستهلاك – يعاني من صعوبات جمة. كما أن استخدام حكومة «حزب العدالة والتنمية» تدقيق حسابات الضرائب بشكل هادف من أجل معاقبة المعارضين السياسيين – من أبرز الأمثلة على ذلك شركة “كوتش” القابضة (Koç Holding) ومجموعة “دوغان” الإعلامية (Dogan Media Group) – أدى منذ عام 2011 إلى ترهيب الجهات الفاعلة التركية البارزة في المجال الاقتصادي وثنيها عن خوض استثمارات واسعة النطاق.

ويؤمن أردوغان برأسمالية الدولة، التي لا تختلف عن نموذج بوتين، ويساعد شخصياً في اختيار الفائزين في العقود الحكومية الكبرى. ولكن بينما شكّل النداء الذي وجهته حكومة «حزب العدالة والتنمية» إلى المستثمرين الأجانب، ولفترة طويلة، الوعد الذي قطعته بتأمين الاستقرار المالي، أخذ الاستثمار الأجنبي المباشر يتقلص منذ عام 2013، فضلاً عن الاستثمار في مشاريع البنى التحتية التي ترعاها الدولة، بفعل تراجع الاهتمام العالمي بالأسواق الناشئة وبروز تساؤلات حول الاستقرار السياسي وبيئة الأعمال في تركيا. وفي غضون ذلك، ينعكس التباطؤ الاقتصادي على ما يبدو في المشاعر الشعبية. فوفقاً لاستطلاع أجرته شركة الاستطلاعات التركية “متروبول” في حزيران/يونيو، يعتقد 58 في المائة من الأتراك، أي ما يعادل تقريباً الأصوات التي حصلت عليها أحزاب المعارضة مجتمعة في ذلك الشهر نفسه، أن اقتصاد البلاد “يخضع لإدارة رديئة”. وقد ارتفعت هذه النسبة اليوم إلى 64.6 في المائة. وبالتالي، إذا لم تطرأ أي مفاجأة في اللحظة الأخيرة، فقد يشهد الدعم المقدم لـ «حزب العدالة والتنمية» ركوداً أو حتى انحساراً في انتخابات 1 تشرين الثاني/نوفمبر، مما يعكس آراء خائبة في الاقتصاد.

الآثار المترتبة على سياسة الولايات المتحدة

إذا أسفرت نتيجة التصويت في انتخابات تشرين الثاني/نوفمبر عن استمرار حالة الغموض السياسي في تركيا، فقد يقلص ذلك من قدرة أنقرة على التعاون مع الولايات المتحدة بصورة أكثر في الحملة التي تشنها ضد تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» («داعش»)/«الدولة الإسلامية» في سوريا. فالبرلمان المعلق في أنقرة قد يؤدي إلى حدوث فراغ حكومي أو تشكيل حكومة تصريف أعمال أو حكومة ائتلافية هشة، وجميعها سيناريوهات تقود إلى شلل سياسي. كما من غير المرجح أن تتغير البيئة التركية التي تشهد استقطاباً خطراً وقد تشكل مصدراً محتملاً لانعدام الاستقرار. وبينما تعتزم واشنطن تكثيف أنشطتها في سوريا ضد تنظيم «الدولة الإسلامية»، فستفتقر حكومة ضعيفة في أنقرة للرأسمال السياسي الضروري لدعم هذه المهمة بالكامل.

 سونر جاغايتاي

معهد واشنطن