الخطاب الطائفي في الفضائيات الدينية: كُلْفَة الخلاف وتداعياته

الخطاب الطائفي في الفضائيات الدينية: كُلْفَة الخلاف وتداعياته

20151079591873621_19

مقدمة

قفز عدد القنوات التلفزيونية الفضائية العربية الدينية الناطقة باللغة العربية من 35 قناة في 2009 إلى 135 قناة في 2013(1)، ويكاد هذا العدد يتضاعف في السنة الحالية. وللبحث عن السر في تزايدها الـمُطَّرد تزدحم مجموعة من العوامل، يمكن أن نذكر منها: سعي كل دولة عربية إلى إنشاء قناتها الدينية من أجل فرض “فهمها الوطني” للدين والإسلام تحديدًا، واتساع مطالبة النُّخب الليبرالية بضرورة “إصلاح” الفكر الديني حتى يواكب العصر، وتوجُّه الرأسمال العربي الخاص إلى الاستثمار في الفضائيات الدينية أو التي تدَّعِي ذلك. وهذا يؤكده ارتفاع عدد القنوات التلفزيونية التي تخصَّصت في الوعظ والفتاوى الفضائية، وتستند إلى ما أصبح يُعرف بــــ”الفقيه الفضائي”(2)، ومُفَسِّر الأحلام وفق الشريعة الإسلامية، وقارئ الطالع والبخت، ويثبته انتقال بعض القنوات التلفزيونية من بث المنوَّعات والطرب إلى نشر الدعوة الإسلامية(3). لكن نعتقد أن العامل الحاسم والخطير الذي أدى إلى ارتفاع عدد القنوات الدينية يكمن في تزايد بؤر التوتر المسلح في المنطقة العربية والإسلامية، واتساع رقعتها الجغرافية من أفغانستان إلى الصومال مرورًا بالعراق وليبيا وسوريا واليمن، في ظل اشتداد عود ما أصبح يُعرف بـ”الإسلام السياسي” وتحوُّله في بعض البلدان إلى إسلام سياسي مُسلَّح، وتشكُّل التحالف الدولي لمحاربة المنظمات الإرهابية. وواكب هذا النزاع المسلح نقاش حاد بين السلفيين والصوفيين، وبين هؤلاء وممثلي المذهب الشيعي وأنصاره الذين وجدوا منابر لهم في القنوات التلفزيونية التي تؤازر مواقف إيران وسياستها في المنطقة العربية باسم الشيعة، أو تلك التي تحارب هذه السياسة باسم السُّنَّة. وهكذا تزايد عدد الفضائية التي تَتَغذَّى من الانقسام الطائفي العرقي والديني وتُغَذِّيه وتُؤَجِّجُه(4).

وما يهمنا في هذا البحث من القنوات الدينية هي تلك التي تحترف إنتاج خطاب طائفي عدائي، فقمنا بتفكيك خطابها على المستويات الأربعة، أوَّلها: الترسانة اللسانية التي يوظِّفها هذا الخطاب والكشف عن دلالاتها ومراميها، وثانيهما: النظرة إلى الأنا والآخر الطائفيين، وثالثهما: سرد الهوية الطائفية، ورابعهما: مرتكزات وثوابت الخطاب ذاته لتجلي مَنْطِقه المُبطَّن وانزياحه عن المحاججة إلى التضليل.

1. الإطار المنهجي للدراسة

‌أ. مشكلة الدراسة
تزامن ارتفاع عدد القنوات الفضائية المنتجة للخطاب الطائفي مع اشتداد الصراع بين القوى السياسية والعسكرية؛ من أجل الاستيلاء على السلطة في البلدان التي تعيش حربًا أهلية بكل ملابساتها وامتداداتها الإقليمية والدولية. فلو اقتصرنا على العراق، على سبيل المثال، فبعد سقوط نظام صدام حسين يوم 9 إبريل/نيسان 2003 قامت القوات الأميركية بتفكيك النظام السياسي والإداري البعثي واستبداله بنظام قائم على المحاصصة الطائفية التي تعزَّزت بمنظومة إعلامية أفرزت العديد من القنوات التلفزيونية التي تتسم بطابعها الطائفي، نذكر منها -على سبيل المثال لا الحصر- قناة الزوراء، والأنوار، والمسار، وآفاق، والعراقية، والشرقية، والبغدادية، وصلاح الدين، وعشتار، وغيرها. واستشرت هذه القنوات في بقية الدول العربية والإسلامية لتُنصِّب نفسها مُتحدثًا رسميًّا باسم السُّنَّة كلهم أو الشيعة بأسرهم.

حقيقة إنَّ هذه القنوات الفضائية لم تخترع الاختلاف في المذاهب الدينية في المنطقة العربية، لكنها حوَّلته بممارساتها إلى قضية عامة تشغل الجميع، ويخوض فيها الدَّهْمَاءُ الذين لا يملكون خلفية معرفية في الدين والسياسة، فسعوا إلى تمديد الحدود المذهبية والطائفية لتأجيجها، وفرض فهمهم للنزاعات المعقَّدة في المنطقة العربية.

تأسيسًا على ما سبق، يمكن التساؤل عن المرتكزات والثوابت التي يقوم عليها الخطاب الطائفي في الفضائيات الدينية الناطقة باللغة العربية، وتمثُّلاته للنزاعات المسلحة في المنطقة العربية والإسلامية من خلال سرد الهوية الطائفية، والرهانات التي يُشكِّلها إسقاطه لكل ما هو ديني على الصراع السياسي.

ب‌. أسئلة الدراسة

  1. ما العلامات والرموز التي تُشكِّل الخطاب الطائفي في الفضائيات الدينية الناطقة باللغة العربية؟
  2. ما المنطق الصريح والمبطَّن الذي يستند إليه هذا الخطاب في تأجيج لهيب النزاعات المسلحة في المنطقة العربية؟
  3. ما كُلْفَةُ هذا الخطاب وتبعاته على مستقبل المنطقة العربية؟

ج‌. أهمية الدراسة
يرى هنري كيسنجر أن المنطقة العربية والإسلامية تعيش مرحلة من الصراع العقائدي والمذهبي شبيهةً بما عاشته أوروبا في القرن السابع عشر(5)، ويؤيده في ذلك بعض المثقفين والسياسيين العرب رغم اعترافهم بأن اختلاف المذاهب العقائدية في هذه المنطقة ليس وليد اليوم من جهة، ومن جهة أخرى فإن التاريخ لا يعيد إنتاج ذاته بالطريقة عينها في أي منطقة من العالم وخارج أي شرط اقتصادي واجتماعي وثقافي. فما رآه هنري كيسنجر هو ضرب من الفهم لما يجري في المنطقة العربية يستبعد التدخل الأجنبي في تأجيجه من جهة، ويُفَرِّغُه من أي محتوى سياسي من جهة أخرى.

إنَّ أهمية البحث العلمي عن الخطاب الطائفي في الفضائيات الناطقة بالعربية تكمن في استجلاء آليات التستر على الصراع السياسي من أجل الاستيلاء على السلطة، أو الاحتفاظ بها، باستخدام كل أدوات العنف والقمع، والذي يجري في أكثر من بلد عربي، والكشف عن المنطق الذي يُفسِّر توسُّع نشاط المنظمات الإرهابية واستشراء عنفها الوحشي. فالإرهاب -من منظور المفكر المغربي عبد السلام بنعبد العالي- ليست كلمات أو أشياء فحسب؛ إنه معنى(6). وهذا البحث يغوص في هذا المعنى الذي ينتجه الخطاب الطائفي في القنوات التلفزيونية الدينية.

د‌. أهداف الدراسة 
يسعى هذا البحث إلى:

  1. تفكيك الخطاب الديني الطائفي، والكشف عن مخاطره على العيش المشترك في المنطقة العربية.
  2. الكشف عن أبعاد “الخوصصة الطائفية” للمشهد التلفزيوني العربي.
  3. السعي لتعيين مخاطر المزج بين التاريخ الإسلامي والذاكرة الطائفية، ومزالق تنزيله في الحياة اليومية.
  4. تزويد القارئ بمادة تفكيرية تدفعه ليقف وقفة نقديَّة في متابعته للخطاب الديني الطائفي المُتَلْفَز.

ه‌. مجتمع الدراسة وعينته
يواجه الباحث صعوبة كبرى في الحصر الشامل للمجتمع الذي يُغطِّيه عنوان هذا البحث؛ فما انفك عدد القنوات التلفزيونية الدينية المنتجة للخطاب الطائفي يزداد باتساع رقعة الحروب في المنطقة العربية والإسلامية وباشتداد ضراوتها؛ حيث يتعسَّر جردها، وبعضها لا يُعمِّر طويلًا لأسباب مادية أو سياسية أو تقنية. وتوجد بعض القنوات التلفزيونية الدينية التي تلتزم حدود الدين من منظور مذهبها ولا تنجرف في دعايتها إلى تكفير المذاهب الدينية الأخرى، فلا تنطبق عليها صفة الطائفية وَفْق التصور الذي يُقدِّمه هذا البحث (انظر المفاهيم الإجرائية) بيد أنها تنزلق، بين الحين والآخر، في برامجها الحوارية ومناظراتها التلفزيونية حول المذاهب الدينية، إلى إنتاج خطاب طائفي عنيف لأسباب تجارية ترتبط بعائدات الإعلانات، أو للحصول على دعم مالي من القوى المتصارعة حول السلطة في المنطقة العربية(7). وقد حاول الباحث أن يحصر مجتمع هذا البحث في القنوات التي تتبنَّى صراحة خطابًا طائفيًّا سواء كان شيعيًّا أو سُنِّيًّا، وتداوم الترويج له، وهي: المنار، الكوثر، أهل البيت، الفرات، الفيحاء، المجد، شدا الحرية، الأنوار، العهد، صفا، وصال، الأهواز السنية، الأهواز، آفاق، عراق المستقبل، العهد، بلادي، المسار، السلام، المعارف، الفرقان، كربلاء، الغدير، أمجاد، المهدي، الدعاء، فورتين (Teen4)، الكوت، الأوحد، ا?يمان، العالم، الرحمة، الزهراء، وغيرها.

ونظرًا للصعوبات المذكورة ولعدم تجانس مجتمع الدراسة؛ اضطر الباحث إلى اختيار عينة حصصيَّة، قوامها حصتان، إحداهما للفضائيات الشيعية وعددها خمس، والأخرى سنِّيَّة بالعدد ذاته، وتتكون الحصة الأولى من الفضائيات التالية: العالم، آفاق، أهل البيت، الكوثر، العهد. وتتشكل الحصة الثانية من فضائيات: الأهواز السنية، أمجاد، صفا، وصال، المجد. وقد اعتمد في اختيار هذه العينة على جملة من الشروط منها: الاستمرارية في البحث، ووضوح أهداف القنوات، ووجود شبكة برامجية تخدمها وتحافظ بقدر كبير على مواعد بثها.

وقد اختار الباحث عشرة برامج حوارية دالَّة تُفصِح فيها القناة، بشكل جلي، عن توجُّهاتها ومواقفها سواء تجاه معتقدات طائفتها الدينية، أو تلك التي تعاديها، أو من القضايا السياسية الراهنة في المنطقة العربية(8)، وتغطي فترة زمنية تمتد من 15 مارس/آذار إلى 15 يونيو/حزيران 2015. وقد تعامل الباحث مع البرامج التلفزيونية المدروسة بمثابة المتن الذي يملك أهمية مركزية في تحليل الخطاب، ويتفق الباحثون على أن تشكيل المتن جزء لا يتجزأ من تحليل الخطاب(9)؛ لذا لا يمكن تقييمه علميًّا إلا بالنظر لمدى تعبيره عن مجتمع البحث من جهة، ومدى قدرته على معالجة إشكالية البحث وتساؤلاته.

و‌. المقاربة النظرية والمنهجية
إنَّ المتابعة الحثيثة لبرامج الفضائيات الدينية الطائفية تُبيِّن لنا قصور خطابها السمعي البصري وارتكازها على السمعي أكثر من البصري؛ أي إن مركز ثقل خطابها يكمن في اللسان أكثر من الصورة. فالصورة لا توظَّف بما يخدم اللسان إلا في بعض البرامج التلفزيونية القليلة؛ بل تُقدَّم كشهادة إثبات لزيادة توتر الخطاب وعنفه وحتى حقده. فما هو خطاب هذه الفضائيات إن لم يكن في تحديده الأوَّلي مجموعة من الكلمات والعلامات التي تتشكَّل من علاقة اعتباطية بين دوالَّ ومدلولات، والرموز التي تعدُّ تَمثُّلًا مُتخيَّلًا أو مجازيًّا لمعطى ملموس. لكن هذه العلامات والرموز لا توجد بمعزل عن بعضها، بل تلتقي لتترابط، وتفترق لتتنافر، وفي ترابطها وتنافرها تتشكل المعاني التي تعدُّ غطاءً للممارسة السياسية. فالسميائيات تُزوِّد هذا البحث بالخلفية النظرية والعملية التي تسمح له بتحليل الخطاب الذي تبثه وسائل الإعلام؛ أي: تفكيك عملية بناء المعاني العامة التي يتضمَّنها، والمرامي التي يرومها. إنَّ التحليل السيميائي للخطاب هو دراسة الممارسات اللسانية الدالَّة؛ أي: دراسة الاختيارات التي تتبناها المؤسسة (القناة التلفزيونية) المنتجة للخطاب، وتتجلى على أساسها المقاصد التي تستهدفها بشكل صريح أو ضمني. فالمسكوت عنه في الخطاب يملك أهمية لا تقل عما يفصح عنه، وربما أكثر(10).

لقد حاول الباحث أن يجعل مقاربته السيميائية للخطاب الديني الطائفي تتحرك ضمن الإطار النظري للمدرسة البنائيَّة التي بدأت تُوجِّه الدراسات الإعلامية منذ السبعينات من القرن الماضي، وتنطلق من المقولة التي أصبحت تمثِّل “حسًّا مشتركًا” للدارسين باعتبار أن وسائل الإعلام ليست نوافذ يطَّلع الجمهور عبرها على الواقع، بل إنها وسيط يقوم بعملية الوساطة بين القائمين بالأحداث أو مكوِّناتها والجمهور. وتتجلى ثمرة وساطته عبر إعادة البناء الاجتماعي للواقع؛ فوسائل الإعلام ليست أدوات محايدة، إنها تعيد صياغة الأحداث بما تملك من عِدَّة لسانية ومواد اتصالية لإعطائها معنى وإضفاء دلالة على الواقع الذي أنتجها. فهذا المعنى هو نتيجة مسار لتمثل اجتماعي للقائمين بالأحداث، وعناصرها، ونتائجها(11).

إنَّ منهج البحث الذي تفرضه هذه المقاربة هو تحليل الخطاب. لقد حظي هذا التحليل بقدر كبير من اللبس لعدم إفصاحه عن موضوعه، هل القصد منه تحليل للخطاب، أو تحليل الخطاب، أو تحليل الخطابات؟(12) إنَّ الاجابة عن هذا السؤال أصبحت، منذ ستينات القرن الماضي، مطلب العديد من تخصصات العلوم الاجتماعية التي تروم قراءة ملفوظات الخطاب في علاقاتها بالـمُتلفظ، ومرجعياته، وسياق الاتصال، ومقاصده الصريحة والضمنية وبالمجتمع. وأضحى تحليل الخطاب أداة التفكير في آليات إنتاج المعاني؛ باعتبار أن الخطاب تعبير سيميائي عن الممارسة الاجتماعية. إنَّ التراكم المعرفي في مجال الخطاب أفرز ثلاث مدارس أساسية، كما رصدها الكثير من الباحثين(13)، وهي: المدرسة الألمانية، وتحمل بصمات الفيلسوف يورغن هابرماس والمستوحاة من أطروحاته الكبرى حول الفضاء أو المجال العمومي؛ إذ ترى أن الخطاب هو التبادل المنظم للحجج (إنه أقرب للمداولات) في وضعية نزاعية بمقاربة صارمة تضمن الأخذ بعين الاعتبار الحجج العقلانية؛ بهدف الوصول إلى توافق(14).

وإن كنَّا قد وظَّفنا مفهوم الفضاء العمومي في هذا البحث للحديث عن الاتصال المتلفز، فقد استبعدنا المدرسة الألمانية في تحليل الخطاب الديني الطائفي؛ لأن معاينته أثبتت أنه لا يروم التوافق، ولا تُتداول فيه كثيرًا الحجج العقلانية.

والمدرسة الفرنسية: انبنت تدريجيًّا بالدراسات الوصفية الصارمة والشاملة لـ”حياة العلامات في خضم المجتمع”(15)، معتمدة في ذلك على تراث دوسوسير في مجال اللسانيات، ورولان بارث في مجال السيميائيات، ولويس ألتوسير في التحليل الماركسي للأيديولوجية، وميشيل فوكو في مجال الفلسفة، ولاكان في مجال التحليل النفسي. وتمحورت حول التفكير في العلاقة بين اللساني والأيديولوجي، ساعيةً في ذلك إلى تجنُّب اختزال الخطاب في التحليل اللساني، وتذويب الخطاب في الأيديولوجيا(16). وقد طوَّر الكثير من الباحثين المدرسة الفرنسية ضمن ما يُسمَّى بــ”السيمائيات الخطابية”، انطلاقًا من الاقتناع بأن المعاني في الخطابات لا يحددها العامل اللساني وحده.

المدرسة الأنجوساكسونية: استلهمت في تحليلها للخطاب من تيارين أساسيين، وهما: الفلسفة التداولية الأميركية، والفلسفة التحليلية البريطانية، وترى أن إدراك الخطاب يتم على مستوى فعل الكلام في وضعية اتصالية محددة. وقد استفادت من نتائج بحوث التفاعلات الرمزية والإثنوميتودولوجيا في دراسة الاتصال ما بين الأشخاص. وأسهمت اللسانيات الوظيفية في تمكين هذه المدرسة من تحليل استخدام النص داخل المجتمع(17). لقد تعزَّزت هذه المدرسة بالدراسات الإمبريقية لما أصبح يُعرف بالتحليل النقدي للخطاب، بدءًا من ثمانينات القرن الماضي على يد مجموعة من الباحثين نذكر منهم نورمان فاركلوف وروث وداك اللذيْن وسَّعا مجال دراسة الخطاب وأعطياه أبعادًا جديدة انطلاقًا من الاشتغال على جملة من الافتراضات، نذكر منها على سبيل المثال، أن الخطاب هو شكل من الفعل الاجتماعي، وأن العلاقة بين النص والمجتمع هي نتيجة لفعل الوساطة، وأن النص ذو بُعد تاريخي، والخطاب يقوم بعمل أيديولوجي، وغيرها(18).

لقد حاول الباحث في دراسته للخطاب الديني الطائفي المتلفز الاستفادة من المدرستين الأخيرتين؛ إذ استأنس بالدراسة التي قام بها الباحث إيميل ني حول عبارة “انعدام الأمن” في صحيفة لوموند الفرنسية لغرض الحملة الانتخابية للرئاسيات الفرنسية التي جرت في 2002(19)، والبحث الذي قامت به كريغ بلنك أليس حول “التطهير العرقي” في دولة يوغسلافيا سابقًا(20). فهذان الباحثان كشفا عن دلالات تطور هاتين العبارتين في المعجم اللساني والاجتماعي والسياسي في سياق استخدامهما.

إنَّ الاستفادة من البحثين المذكورين تكمن في حصر المخزون المعجمي المتداول في البرامج التلفزيونية المدروسة التي تعمل على ترسيخ تشكيلة الخطاب الديني الطائفي المتلفز، والتي لا يمكن استجلاء دلالاتها إلا من منظور تشابهها واختلافها، بمعنى أن الخطاب الطائفي الشيعي يلتقي مع الخطاب السُّنِّي الطائفي في استخدام مخزون معجمي من المفردات يكاد يكون مشتركًا، لكن دلالات هذا المخزون تختلف بالنظر إلى التباين في تأويل مرجعياته الدينية واستخداماته في السياق السياسي التي تشهده المنطقة العربية والإسلامية. فبعد الحصر الكمي للمخزون المعجمي في الخطاب المدروس، حاولنا الاقتراب من تقاطع مفرداته والاختلاف في معناها، حسب الهوية المذهبية للقنوات الطائفية.

واستفاد هذا البحث، أيضًا، من أعمال نورمان فاركلوف وروث وداك وتوين فان دايك(21) وبعض البحوث التطبيقية التي استُلهمت منها، خاصة البحث الموسوم بــ”الحرب والإرهاب”(22). وتجلَّت هذه الاستفادة في المستوى الثاني من تحليل الخطاب الديني الطائفي في تحديد “الأنا” و”الآخر” الطائفيين، وفي البناء السردي للهوية المذهبية.

وتأسيسًا على ما سبق ذكره، حاول الباحث في المستوى الثالث من تحليل الخطاب الطائفي استقراء الثوابت التي يتَّكِئ عليها الخطاب الطائفي في الفضائيات الدينية الناطقة بالعربية من أجل إقناع المشاهدين.

ز‌. مفاهيم إجرائية 

  • الخطاب: يعاني مفهوم الخطاب من كثرة التعاريف وتنوعها لتعدُّد التخصصات العلمية التي اهتمت به، ولتعدد المجالات التي يتمظهر فيها، وتغطي مختلف مناحي النشاط البشري تقريبًا. فمن جملة التعاريف التي تحظى بقدر كبير من القبول في أوساط المختصين، نورد ما يلي: إنه تعبير نصي مكتوب أو محكي للأيديولوجيات المرتبطة بالمواقع الاجتماعية للأفراد(23). لكن نعتقد أن هذا التعريف العام يُسقِط بعض الخصوصيات عن مختلف الخطابات. فالبحث عما يفصل الخطاب السياسي عن الخطاب الإعلامي في القنوات الدينية الطائفية التي يدرسها هذا البحث يبدو في غاية الصعوبة؛ نظرًا لتداخلهما في بعض برامج هذه القنوات، وانمحائهما لصالح الخطاب الديني في البرامج الأخرى. لذا حاول الباحث اعتماد مفهومين للخطاب يرى أنهما متكاملان ويحققان أهداف هذا البحث، التعريف الأول لنورمان فاركلوف، الذي يرى أن مفهوم الخطاب يمكن أن يحيلنا إلى مجمل الممارسات الاجتماعية التي تبني المعنى، أو الاستعمال التفاعلي والسياقي للكلام أو لترابط الاستعمال بالممارسة(24). وتعريف ميشيل فوكو الذي يراه تعبيرًا عن جدل أو عقل أو نظام(25).
  • الخطاب الطائفي: يُعرِّف لسان العرب الطائفة بأنها جماعة من الناس. وبهذا فاشتقاقها لا يحمل أي تضمين سلبي، بينما يحيلنا أصل هذه الكلمة في اللغة اللاتينية إلى secta، والتي تعني التابع، ومنها اشتق المصدر الفرنسي sectarisme، والإنجليزي sectarianism. وقد تطورت دلالة هذا المصدر لتكتسب تضمينات سلبية تعبِّر عن التشدُّد والتعصب في السياسة والدين والفكر، وعدم التسامح. فاستعمال الخطاب الطائفي في هذا البحث هو توسيم نوع معين من الخطاب الديني المتعصب والدوغمائي، الذي يتسم برفضه للرأي المخالف لرأي الطائفة التي يتحدث باسمها، والمعبر عن قناعة بأنه مالك الحقيقة دون غيره، وبالتالي فهو غير قابل لأي توافق في الرأي أو الموقف. فالخطاب في هذه الحالة ليس ما يترجم صراعات الطائفة، أو ما تصارع به فحسب؛ بل يتحول إلى سلطة دينية يجب الاستيلاء عليها(26).
  • التشكيل الخطابي: استمد الفيلسوف ميشيل فوكو هذا المفهوم من التراث الماركسي في تحديده للتشكيلة الاجتماعية، ووظَّفه في كتابه الموسوم بـــ”حفريات المعرفة”، ويقصد به الكل المعدل والمضبوط من الكلمات الخاصة المرتبطة بعموميات الخطاب، والذي يذكرنا باستمرار بأن الخطاب يقدِّم خصوصية الأشخاص المتحدثين وعمومية إنتاجهم اللساني المشترك في آنٍ واحد(27). وقد استخدمنا هذا المفهوم في هذا البحث؛ من أجل معرفة كيف أن الحقيقة التي يعبر عنها الخطاب الطائفي تُسهِم في بناء صورة المسلم الشيعي أو السُّنِّي.
  • الفضائيات الدينية: يقصد بالفضائيات الدينية تلك الفضائيات التي تخصص جُلَّ برامجها للعقيدة الإسلامية وتتضمن شبكاتها البرنامجية ترتيل القرآن وتفسيره، وأناشيد دينية، وأدعية، وفتاوى دينية، وتُبصِّر المشاهدين بأمور دينهم ودنياهم من منظور إسلامي. وتم استبعاد القنوات التي تتحدث باسم دين غير الإسلام في هذا البحث. ويمكن الإشارة إلى أن التلفزيون العمومي في بعض الدول العلمانية في الغرب مُلزم بتقديم برامج دينية حسب ديانات مواطني الدولة المعنية، وهذا تطبيقًا لمبدأ الخدمة العامة. إنَّ هذا البحث لا يقوم بتفكيك الخطاب الديني، بل الخطاب الديني الطائفي. وهنا تكمن الصعوبة التي أشرنا إليها في تحديد مجتمع البحث.

2. تفكيك الملفوظ والمُتلفَّظ في الخطاب الديني الطائفي

أ‌. الحصر الكمي للمخزون المعجمي: تشكيلة الخطاب
منح تحليل الخطاب، في بدايته الأولى، أهمية كبرى للمدخل المعجمي؛ أي: لولوجِه عبر الكلمات المفتاحية أو المحورية الحاملة لمعانٍ دالَّة على ممارسة اجتماعية مُتجذِّرة في السياق السياسي الذي أفرزته النزاعات المسلحة في العالم العربي والإسلامي. بالطبع، إنَّ التحليل الذي نقوم به لا يعكف على تحليل كل نص على حدة؛ بل يدرس ما يجمع النصوص من خلال الخيط الخطابي الذي يربطها، ويُسهِم في بناء التمثُّلات عن الهويتين الشيعية والسُّنِّية والعلاقة التي تحددهما.

يكشف الحصر الكمي لمعجم الخطاب الديني الطائفي هيمنة المفردات الدينية؛ حيث تواترت مفردة الرسول (صلى الله عليه وسلم) بنسب تتراوح ما بين 3,66% في قناة وصال إلى 20 %في قناة أهل البيت، ومفردة “أهل البيت” ما بين 1,43% في قناة الأهواز و4,94% في قناة المجد، وتكررت مفردة الشيعة في جُلِّ القنوات المدروسة بنسب تتراوح ما بين 3,81% في قناة العالم إلى 21,43% في قناة الأهواز، وتقابلها مفردة السُّنَّة بنسبة تتراوح ما بين 3,66% في قناة وصال إلى 9,26% في قناة أمجاد. هذا إضافة إلى المفردات الأخرى، مثل: القرآن الكريم، والأئمة الاثني عشر، والخلفاء الراشدين، وعائشة، والحسن والحسين، وغيرها من المفردات الدينية (انظر نسب تواترها في ملحق الجداول).

إنَّ التحليل الكمي للمخزون المعجمي يبدو قليل الأهمية في تحليل الخطاب الذي يستند، بدرجة أساسية، إلى التحليل النوعي، لكنه يُعدُّ في هذا البحث مؤشرًا على التشكيلات الخطابية التي تحدثنا عنها أعلاه، ومدى انتظامها. فتواتر المفردات الدينية في الخطاب المدروس يكشف عن تقاطعها (استخدام المفردات ذاتها في القنوات التلفزيونية المدروسة بصرف النظر عن انتمائها الطائفي)، ويكاد هذا التقاطع يكون تطابقًا شبه تام إذا تعلق الأمر بالحديث عن الحرب الدائرة في اليمن (انظر الجدوليْن 7 و8 في الملحق) مع الاختلاف في المعنى (في دلالات المفردات حسب ولاءات القنوات الطائفية). فالعلامات ليست محايدة في عملية بناء الواقع؛ لأنها تحيلنا إلى مرجعيات تاريخية يعود بعضها إلى ما قبل انتشار الإسلام، ويرجع بعضها الآخر إلى تأويل الانقسام الذي حدث في صفوف المسلمين على خلافة الرسول (صلى الله عليه وسلم) وما ترتب عنه من حروب بدءًا بموقعة الجمل(28) وليس آخرها الفتنة الكبرى الثانية(29). وفيما يلي بعض من العلامات المستقاة من المخزون المعجمي التي تُسهِم في التشكيل الخطابي الذي يقوم بالبناء الاجتماعي للمعنى، وإنشاء علاقات اجتماعية تعزِّز التراصَّ الطائفي في المنطقة العربية والإسلامية وتُغذِّيه من خلال تحويل الخلاف في تأويل تفاصيل كل مذهب إلى نزاع.

ب‌. المخزون المعجمي بين التقاطع والاختلاف

التقاطع

الاختلاف

المعاني في القنوات السُّنِّية الطائفية

المعاني في القنوات الشيعية الطائفية

الشيعة

1. المجوس، وهو مصطلح من القرن الثالث الميلادي، أُطلق على القوم الذين كانوا يعبدون الشمس والقمر(30).

2. الروافض للدلالة على إحدى الفرق المتشيعة لآل البيت التي رفضت أن يتولى أبو بكر الصديق وعمر بن الخطاب الخلافة، وكفَّرتهما(31).

3. الفرقة الضالة، ويُقصد بها تلك التي خرجت عن منهج أهل السُّنَّة  والجماعة.

4. الباطنية، وهم الشيعة الذين يدَّعون أن القرآن الكريم يتضمن بواطن خفية وأسرارًا قد تخالف الظاهر منه.

5. الإسماعيلية التي تُنسب لمحمد بن إسماعيل بن جعفر الصادق، ويُزعم أنه سيكون آخر إمام من الأئمة الاثني عشر، ووردت من باب التأكيد على أن الشيعة أقلية.

6. التَّقِيَّة: أي إخفاء معتقد ما خشية الضرر المادي أو المعنوي، ويقصد به في البرامج التلفزيونية الطائفية أن الشيعة يضمرون عكس ما يؤمنون به؛ أي: ينافقون.

هم أتباع علي بن أبي طالب، ويرون أن علي بن أبي طالب وأحد عشر إمامًا من نسله (من زوجته فاطمة بنت النبي محمد) هم الذين يتولون شؤون المسلمين وقيادتهم بعد وفاة النبي (صلى الله عليه وسلم) طبقًا لأمره في بعض الأحاديث النبوية.

 السُّنَّة

يمتثلون للسيرة، كما تؤكد عليها الأحاديث النبوية المنسوبة إلى النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) والصحيحة منها، ويعتقدون بأهلية وأحقية خلافة الخلفاء الأربعة الأوائل، ويؤمنون بعدالة كل الصحابة.

1. فرقة عمرية، نسبة إلى عمر بن الخطاب الذي تستنكر القنوات الشيعية أحقيته في الخلافة.

2. أمويون أو بنو أمية، نسبة إلى الذين أدخلوا الوراثة في الخلافة الإسلامية، وأبعدوا أبناء وأحفاد علي بن أبي طالب عن الحكم، وظلموا آل البيت.

3. أتباع أبي العباس السفَّاح الذي أسَّس الدولة العباسية، وشرَّد الشيعة ونكَّل بهم.

4. سلفيون ووهَّابيون، إشارة إلى الدعوة التي خرجت في نجد خلال القرن الثاني عشر الهجري، والتي سُمِّيت بالوهابيَّة، نسبة لمؤسسها محمد بن عبد الوهاب، وللتلميح إلى أن أهل السُّنَّة والجماعة تابعون للمملكة العربية السعودية.

5. دواعش وإرهابيون، تورد من باب التلميح إلى أن كل السُّنَّة ينتمون إلى التنظيمات الإرهابية.

عائشة

– أم المؤمنين.

–  منافقة.

– كافرة.

 داعش

1. أوقفت الشيعة عند حدِّهم.

2. استدرجت أميركا في الحرب.

3. أحبطت المخطط الأميركي والفرنسي في المنطقة.

4. تدافع عن السُّنَّة والجماعة ورفعت رؤوسهم(32).

5. شباب داعش على قدر كبير من الإخلاص(33).

1. جماعة إرهابية تكفيرية.

2. أداة تنفيذية للمخطط الأميركي.

3. مرتزقة.

4. عصابة إجرامية تنتهك الأعراض وتستبيح الأموال.

5. ورثة أسلوب أبي العباس السفاح في الانتقام من آل البيت(34).

 الحشد الشعبي

1. أداة عسكرية للنفوذ الإيراني في العراق.

2. يعمق الانقسام الطائفي في العراق.

1. قوة لكسر شوكة داعش في العراق والمنطقة العربية.

2. ضامن سلامة العراق ووحدته.

3. قوة ذات تمويل عراقي ملتزمة برأي المرجعيات الدينية.

الحوثيون

1. قوة نفوذ إيرانية في اليمن.

2. قوة لتقسيم الشعب اليمني.

1. مدافعون عن اليمن ضد اعتداء آل سعود.

2. مقاومون ضد الدواعش والإرهاب.

ج‌. الخطاب الديني الطائفي بين الأنا والآخر
انطلاقًا من دلالات المخزون المعجمي نستطيع أن نحدِّد خطوط الفصل بين الأنا والآخر الطائفيين. وقبل ذلك يمكن الإشارة إلى أن الخطاب الطائفي المتلفز في هذا البحث يتحدث عن الأنا من خلال الآخر، والآخر في هذا المقام ليس من ديانة أخرى، بل الشريك في الدين، وهذا عملًا بقاعدة أن الأنا تظهر من خلال الآخر المختلف. فالفضائيات الشيعية الطائفية تعمل على إبراز الآخر (السُّنَّة) وَفْق تَمثُّلاتها لهم، والشيء ذاته تقوم به القنوات السُّنِّية الطائفية. إنَّ الصورة التي يُشكِّلها الخطاب الديني الطائفي تمليها متطلَّبات النزاع المسلح في المنطقة العربية والقوى المتصارعة؛ من أجل الاستيلاء على الحكم في هذه الدولة أو تلك وحلفاؤها.

فالخطاب الشيعي الطائفي المتلفز يشخص الآخر (السُّنَّة) بأنهم يرفضون المساواة بين المسلمين، وأنهم مصدر الظلم الذي استشرى في العالم الإسلامي، ويُموِّلون الإرهاب ويؤازرونه، إنهم أداة بيد أميركا تسلِّحهم وتحوِّلهم إلى دواعش(35)، تنكَّروا لآل البيت وما زالوا يفعلون ذلك، وانحرفوا عن الدين الإسلامي، وأنهم أشد خطرًا على الأمة الإسلامية من اليهود.

فبَخْس الآخر (أهل السُّنَّة) وذلك بالعمل على تعبئة التمثُّلات للذات الشيعية المتطرفة لدى المشاهدين، وإخفاء جوانب منها، وذلك منذ أن اعتلى الخميني السلطة، لعلَّ أبرزها هو السعي إلى تغليف نزاعاتها بالطابع الديني الذي يدفعها إلى تعميم الأحكام، والخروج عن المنطق خدمةً لأجندتها السياسية في المنطقة. ومِن ثَمَّ القفز على الحجج التي تطعن في تمثلها للآخر، مثل: القول بأن أهل السُّنَّة كلهم دواعش وإرهابيون، ويُخفِي جوهر الصراع الدائر في سوريا أو العراق أو ليبيا أو مصر، ويُطمِس الأسس التي قامت عليها الانقسامات بين القوى السياسية المتصارعة من أجل الحكم في سوريا أو التحالفات التي تقوم بها. فالإقرار بوجود حركة أحرار الشام الإسلامية، والجبهة الإسلامية الكردية، وجيش الإسلام، ولواء الحق، وصقور الشام، وداعش؛ يطعن في مصداقية صورة أهل السُّنَّة في الخطاب الشيعي الطائفي المتلفز على أساس أنهم يشكِّلون كتلة واحدة وموحَّدة. إنَّ إبراز الأنا بهذه الصفة المعارضة والإقصائية للآخر يشكِّل مادة أيديولوجية تبرِّر وجود قوى عسكرية إيرانية وعناصر من حزب الله تكافح في سوريا بجانب القوات الموالية للأسد.

والخطاب السُّنِّي الطائفي المتلفز يُشخِّص الآخر (الشيعة) بالكفار(36)؛ فيظهرهم على أنهم لا يحفظون القرآن، فضلًا عن تجويده(37)، ويحرِّفونه. وأن قبلتهم كربلاء وليست مكة، ويؤمنون بالخزعبلات، مثل: عودة الإمام المهدي المنتظر، ولا عهد ولا وفاء لهم. يعبدون فاطمة الزهراء والحسن والحسين، وأنهم أخطر على المسلمين من اليهود؛ لأن هؤلاء يستهدفون دولة واحدة، أما الشيعة فإنهم يستهدفون كل الدول العربية والإسلامية. إنهم أداة في يد أميركا لتخريب الدول العربية، مثل: اليمن والعراق وسوريا ولبنان، ومستقبلًا مصر وتونس وليبيا. وهكذا يُبرِزُ هذا الخطاب الشيعة كتلة واحدة متماسكة، ويبني تمثُّلاته لهم بناءً على النزاع المسلح الدائر في أكثر من بلد عربي. ومِن ثَمَّ يقفز على الحقيقة التاريخية التي مفادها أن نظام الملالي عمل على تصفية الشيعة في إيران الرافضين لحكم “الإمام الفقيه” منذ إعلان الخميني عن قيام الجمهورية الإسلامية الإيرانية، وما زالت التصفية قائمة في الوقت الحاضر. بالطبع، إنَّ هذا الخطاب الذي يُبرِز الأنا من خلال الآخر النقيض، يطمس جزءًا كبيرًا من أناه، والمتمثل في أن السُّنَّة ليسوا كتلة واحدة ومتماسكة في مواقفها من الصراع الدائر في المنطقة العربية. ورغم أن خطاب القنوات التلفزيونية السُّنِّية الطائفية تسعى إلى تبرئة أهل السُّنَّة من الصورة التي تلصقها بها القنوات الشيعية الطائفية، فإنَّ بعضها انجرَّ في تطرفه إلى تأكيدها؛ نظرًا لهيمنة الرؤية الطائفية للاختلاف الفقهي بين المذاهب، فجعل الطائفة التي يتحدث بلسانها تتماهى مع “داعش”(38) في زمنٍ تبرَّأت منه كل دول المنطقة؛ بل جنَّدت إمكانياتها لمحاربته.

بالطبع إنَّ ضرورة تشخيص الآخر “النقيض” وليس المختلف، والكشف عن مخاطره لتبرير الدعوة إلى مقاومته؛ تطمس تاريخ العيش المشترك بين المذهبين في الماضي، وتضامنهم ضد الاستعمار الغربي.

د‌. البناء السردي للهوية المذهبية
إنَّ الهوية هي الوعي المتجدِّد بالذات(39)، يتجسَّد عبر السرد عن التجربة الاجتماعية والواقع المعيش. فالفضائيات الشيعية الطائفية توغل في ذكر تفاصيل وقائع الفتنة الكبرى في الإسلام وموقعة الجمل وموقعة صفين التي جرى فيها الاقتتال بين جيش علي بين أبي طالب وجيش معاوية بن أبي سفيان في العام 37 للهجرة، ومقتل الحسين في كربلاء. وتسترسل -بشكل درامي- في سرد تفاصيل المظلمة التي لحقت بسلالة علي بن أبي طالب في عهد الخلافة الأموية والعباسية(40). وتبرِّر كيف أن الشيعة لا يثقون في السُّنَّة في العصر الحالي بالخديعة التي استعملها عمرو بن العاص للاحتكام بين جيش علي بن أبي طالب وجيش معاوية. ويربط السرد التلفزيوني في فضائيات الشيعة الطائفية بين ما يجري اليوم في اليمن والعراق وسوريا وبين ممارسة الأمويين والعباسيين وظلمهم لآل البيت وشيعة علي بن أبي طالب(41). ويُعزَّز هذا السرد بصور اللطم وشق الصدور؛ من أجل جعل ذاكرة المعاناة حيَّة في وجدان المشاهدين.

وبالمقابل، تقوم الفضائيات السُّنِّية الطائفية بسرد معاناة أهل السُّنَّة في دول المغرب العربي: الجزائر وتونس، ثم مصر على يد الدولة الفاطمية، وكيف أن الفاطميين استخدموا القوة من أجل إكراه المصريين وإجبارهم على التشيُّع(42)، وعرض ما قاساه المسلمون السُّنَّة في إيران بعد أن تبنَّى الشاه إسماعيل الصفوي المذهب الشيعي وفرضه على الإيرانيين في العام 1501م (43)، وكيف أن السُّنَّة دفعوا ثمن الصراع حول النفوذ بين الدولة العثمانية والصفويين، وتربط بين الأوضاع التي تعيشها المنطقة العربية منذ قيام الثورة الإيرانية في 1979 وإقامة حكم الإمام الفقيه الذي لا يؤثر على العقيدة فقط، بل على حياة المسلمين الاجتماعية(44).

إنَّ هذا السرد الذي تتشكَّل فيه الهوية الطائفية يتغذَّى من العناصر التي تفصل الأنا عن الآخر الطائفيين، والتي ذكرناها آنفًا. فالفضائيات الطائفية تعمل على تأكيد الخصوصية المذهبية التي تشكَّلت عبر الأحداث التاريخية، ووسمت ملايين المسلمين -وما زالت تعمل على تجديد انتمائهم الطائفي- من خلال خطاب مُنْتِجٍ لأيديولوجية التفوُّق؛ يستبعد ما هو مشترك بين هاتين الطائفتين الدينيتين، ويُعمِّق ما هو مختلف بينهما؛ من أجل إضفاء شرعية للنزاع القائم في الدول العربية والإسلامية واستمراره.

ه‌. مرتكزات الخطاب الديني الطائفي المُتَلْفَز وثوابته

1- توظيف حجة السلطة
يعتمد الخطاب الديني الطائفي على حُجَّة السلطة الدينية والعلمية التي تمثلها المرجعيات الدينية، و”خبراء” من مركز البحث؛ من أجل منح شرعية دينية وعلمية لخطابهم لدى الجمهور. خطابهم الذي يستند إلى قوة اللسان أكثر من الصورة في التلفزيون لمخاطبة المعتقدات والقيم التي تتقاسمها الفضائيات مع الطائفة التي تتحدث باسمها. فقوَّة تشكيلات الخطاب التي تحدثنا عنها أعلاه لا تُستمد من تواترها رغم أهميته؛ بل مما تمارسه من عنف رمزي يفرض معاني للعلامات والرموز ويجعلها طبيعية وشرعية(45). فيُقْبل هذا العنف ويُدغم في الحياة اليومية؛ لأنَّ منتجيه يملكون حق الامتياز في الحديث عن الدين ومرجعياته إن لم يحتكروه، ومن ذوي الخصوصية المكتسبة في المعرفة العلمية والتي تمنحهم سلطة الحديث في النزاعات المسلحة في سوريا، ولبنان، واليمن، والعراق. وكأنَّ هذه المعرفة تُضفِي طابعًا موضوعيًّا على حديثهم، وتزكي السرديات المشكلة للهوية الطائفية التي انبرت في سردها من على منابر شاشات التلفزيون.

إنَّ النزعة الطائفية خصصت الفضاء العمومي التلفزيوني؛ فتجلَّت مخاطره في الاصطفاف الطائفي حتى في المناطق التي لم تُعانِ من عصبيته. إنَّ الخطاب الديني الطائفي في المسجد خطاب مغلق على المصلين فقط، يغيب فيه النقاش بينهم وبين الإمام/الخطيب، بينما الخطاب الديني الـمُتَلْفَز يظل مفتوحًا على الجمهور، رغم خلوِّه من الحوار وتعددية الرأي، ليشمل الجميع، ويتحوَّل إلى مادة للنقاش، بل إلى رابط اجتماعي يُسهِم بفاعلية في تراصِّ أبناء الطائفة الدينية. وقد يمتد هذا الحوار إلى مواقع قنوات التواصل الاجتماعي في شبكة الإنترنت؛ لأن جُلَّ الفضائيات الطائفية تبث برامجها على منصات إلكترونية. وفي الأخير، ينتهي الخطاب الديني الطائفي إلى زيادة عزلة الطوائف الدينية في غِيتُوهات افتراضية مغلقة على أبناء هذه الطائفة الدينية أو تلك.

2- الخلط بين التاريخ والذاكرة الجماعية
يسعى التاريخ ليكون موضوعيًّا وعلميًّا في بحثه عن الحقيقة، ولا يُسجل لحظة وقوع الأحداث؛ بل يتطلب النأي عنها والتعامل معها ببرودة، ومَحْصها بالرجوع إلى مصادر مختلفة، وحتى متناقضة بحثًا عن البراهين، بينما الذاكرة ذاتية، لا تهتم بالحقيقة؛ بل تنشغل بنُدوب الزمان فتُأَسْطِرُها- تُضفِي عليها طابعًا أُسْطُوريًّا. هذا إضافة إلى أنها لا تروم المعرفة، كما قال الباحث الفرنسي بيار نورا، بل تُغَربل، وتجمع، وتنقل، وتمحو بعض الأحداث لتعيد تشكيلها حسب الحاجات الآنيَّة ومتطلبات البوح بما ظل مكبوتًا(46). وتتجلى خطورة هذا الخلط في أن منتجي الخطاب الديني الطائفي و”مستهلكيه” لا يُقَدِّرون الزمن، ويمزجون بين أحداث الماضي والحاضر، ففي نظرهم أن الفتنة الكبرى الأولى في الإسلام وقعت منذ أشهر فقط أو سنوات ما دامت الذاكرة الجماعية الطائفية اغتصبت التاريخ، وأن “القادسية” لم تضع أوزارها بعدُ(47). وهكذا يتجاهل الخطاب الطائفي المتلفز ما أثبته العلوم الاجتماعية بأن كل مرحلة تاريخية تمتلك شروطًا خاصة للحقيقة تحدِّد ما هو ممكن ومقبول، وما هو غير مقبول في زمنها.

3- إسقاط الديني على السياسي
لولا وجود مفردات معاصرة، مثل: الحوثيين، وأنصار الله، والحشد الشعبي، والقاعدة، وأميركا، وعبد ربه منصور هادي، وآل سعود، والسعودية، وإيران، وداعش، والإرهاب، والقانون الدولي، وحقوق الإنسان، والأسلحة المحرمة دوليًّا (انظر الجداول في الملحق)؛ لاعتقدنا أن الخطاب الديني الطائفي في التلفزيون خطابٌ ماضوي. لكن هذه المفردات لا تكتسب دلالاتها إلا ضمن سياقاتها الدينية، فالخطاب الشيعي الطائفي يصوِّر ما يجري في اليمن، وسوريا، والعراق، ولبنان على أنه حرب بين يزيد والحسين. والخطاب الشيعي الطائفي يُرجِع الممارسات الإرهابية الحالية في سوريا، مثلًا، إلى سلوك من تألَّبوا لانتزاع الحكم من آل البيت(48)؛ لذا تعتقد القنوات الطائفية الشيعية أن محاربة الحوثيين، والعلويين في سوريا، والأحزاب الشيعية في العراق لداعش، فرض ديني(49)، ومناصرة الأسد في سوريا هو رفع المظلمة عن المتشيعين لعلي بن أبي طالب ومقاومة بني أمية. ويجنح الخطاب الديني الطائفي في القنوات التلفزيونية المدروسة إلى تبرير التطرف الديني والأعمال الوحشية التي تقوم بها داعش بأنها قصاص؛ فتنزيل القصاص إلى المجال السياسي هو القضاء على الظلم والعنف، وذلك بإضافة ظلم أكثر ظلمًا وعنف أشد عنفًا. وبهذا يتراجع الخطاب الديني الطائفي على ما جاء به الإسلام؛ لأنَّ هذا القصاص يبعث الحياة في مفهوم الثأر الذي حكم العلاقات بين القبائل العربية قبل دخول الإسلام. لقد شرحت حنه آرندت هذا القصاص بما برَّر به ضابط أميركي تدمير قرية بكاملها جنوب فيتنام عندما قال: كان علينا تدميرها إنقاذًا لها(50). وهكذا نجد أن معنى هذا القصاص تحوَّل إلى حدثٍ يطفو بين الحدود الفاصلة بين الكلمات والأشياء، على حد قول الفيلسوف جيل دولوز(51).

إنَّ التعبير عن أي صراع سياسي أو اجتماعي بلغة دينية هو ضرب من الأيديولوجيا التي تتستر على أغراضها الحقيقية وفاعليها ورهاناتها الاقتصادية والاجتماعية(52). ولمزيد من التعمية عن القوى الفعليَّة التي تشعل فتيل الحرب الطائفية في المنطقة العربية وتحافظ عليه مشتعلةً، تتهم كل طائفة دينية، عبر قنواتها التلفزيونية العدائية، الطائفة الأخرى بالعمالة أو التحالف مع اليهود وإسرائيل والولايات المتحدة الأميركية لضرب الإسلام وأمته، وليس القضاء على الأوطان؛ لأنَّ الخطاب الديني الطائفي يتحدث باسم الأمة الإسلامية وليس باسم الوطن، فاتهام الآخر بما يتَّهِمك به هو أسلوب قديم من التضليل البدائي والفظ(53).

4- انزياح العصبية المذهبية إلى عصبية قومية
يوظِّف الخطاب الديني الطائفي المتلفز المفردات التي تشهد انزلاقه من العصبية الدينية إلى العصبية القومية، مثل العرب، والفرس، والإمبراطورية الفارسية، والصفويَّة. فالصفوية في الخطاب المتطرف السُّنِّي تتحول إلى رمزٍ لا يشير إلى تبنِّي إيران المذهب الشيعي فقط، بل لربط التشيُّع بالفرس أيضًا. فهذا الرمز، الذي يحيِّد العوامل الاقتصادية والسياسية التي دفعت إيران إلى التخلي عن المذهب السُّنِّي، ينتقص من قيمة الفرس ويتهمهم بالجبن وعدم الانتصار في أي حرب خاضوها ضد العرب منذ فجر الإسلام(54)، وكل انتقاص يقلِّل من أهْلِيَّتهم الدينية. ويربط الخطاب الشيعي الطائفي أهل السُّنَّة بالعرب للغرض ذاته؛ حيث يتهمهم بالأجلاف الذين لا علاقة لهم بالحضارة والعلوم والفنون(55). إنَّ مثل هذه الاتهامات تعزِّز الهوية الطائفية بالهوية القومية التي تمدد مسافة الاختلاف بين المسلمين، فتتحول إلى “هويات قاتلة”.

5- التضليل بدل المحاججة
إنَّ التأطير الديني للأحداث السياسية من خلال تكثيف “المعنى على المعنى” يضخِّم من تأثير التعدُّد الطائفي والعرقي والثقافي، وينفخ في اختلافاته. فيدفع الخطاب الديني الطائفي المتلفز إلى التعميم والتعمية. فإبراز الصراع في العراق على أساس أنه مذهبي، وَفْق مقولة: “إن الماء سُنِّي والنفط شيعي”، يُخفِي حقيقة في غاية التعقيد أن الشعب العراقي لا يتكوَّن من شيعة وسُنَّة وأكراد فقط، وينفي وجود المكوِّنات الأساسية الأخرى كالتركمان والمسيحيين والصابئة والأيزيديين، والقول إنه زمن الثأر من الأقلية السُّنِّية التي استأثرت بالحكم باسم حزب البعث يجانب الحقيقة؛ وذلك لأن أقلية من عشيرة صدام حسين وحدها هي التي استفردت بالحكم. كما أن إظهار الصراع في اليمن على أساس أن الحوثيين هم ممثلو اليمنيين الذين يواجهون التدخل السُّنِّي (السعودي)(56)، يختزل كثيرًا واقع الصراع من أجل السلطة السياسية وليس السلطة الدينية في اليمن، ويغطي على التحالفات التكتيكية والاستراتيجية للقوى المتحاربة، والممثلة في الحراك الجنوبي، وحزب الإصلاح، والقاعدة في شبه الجزيرة العربية، وأنصار الله، والعشائر المسلحة، والقوى المنشقة عن القوات المسلحة اليمنية. ويغطي حقيقة أن علي عبد الله صالح لم يَبْنِ دولة القانون، ولم يجعل أبناء اليمن مواطنين متساوين أمام القانون. إنَّ الخطاب الديني الطائفي المتلفز يبني واقعًا يلغي العوامل التي تنتج الحروب ويحصرها في سرديات جاهزة للمراجعة والتبرير والتأويل حسب موازين القوى السياسية في المنطقة العربية، وما تفضي إليه الحروب الطاحنة في المنطقة العربية.

خلاصة

تتجلى كُلْفَةُ الخطاب الديني الطائفي وتداعياته في:

  • جعل المشاهدين يفقدون القدرة على إدراك واقع النزاعات المسلحة في المنطقة العربية. فالعلامات والرموز التي يُرسِّخها الخطاب المذكور تحدِّد انتماءهم، وتشكِّل ثقافتهم السياسية، وتعزِّز نفورهم، وحتى مقاومتهم للخطاب الذي يتعارض مع آرائهم.
  • تفسير الصراع المسلح الجاري في أكثر من دولة عربية ومسلمة بأحداث جرت قبل 14 قرنًا، ومنح المبررات التاريخية والدينية لاستمراره، وترسيخ أيديولوجية استبعاد التقارب والعيش المشترك بين مختلف الطوائف الدينية والعرقية والثقافية في المنطقة العربية، والقضاء على مبدأ حسن الجوار بين إيران ودول الخليج.
  • منح الشرعية الدينية للحركات الإرهابية التي أصبحت تهدِّد السلم والأمن في العالم، والتزكية الضمنية للقوى الاقتصادية والسياسية الأجنبية المتسترة التي تدعمه.
  • أسر التفكير في عملية بناء الهوية الطائفية وتحصينها، وعدم القبول بشرعية الهويتين السُّنِّية والشيعية في المنطقة العربية والإسلامية، وتأجيل النقاش والعمل من أجل بناء المواطنة في المنطقة العربية والإسلامية أو إلغائهما.

فإذا استمر الخطاب الديني الطائفي المتلفز في مغالاته وتطرفه؛ فإنَّه يقضي على أهم مكتسب في المنطقة العربية، والمتمثل في تغليب أبناء المنطقة العربية لانتمائهم الوطني على انتمائهم للطائفة الدينية، وهذا ما تجلَّى بوضوح في حرب الخليج الأولى: الحرب العراقية الإيرانية. فهل يؤدِّي هذا الخطاب إلى تعزيز الولاء الطائفي على حساب الولاء للوطن؟ إنَّ القضاء على هذا المكتسب لا يهدِّد الدول فقط، بل يهدد المجتمعات العربية والإسلامية في تماسك نسيجها الاجتماعي والثقافي.
____________________________
د. نصر الدين لعياضي – مركز الجزيرة للدراسات.

الهوامش
1. اتحاد الإذاعات العربية، البث الفضائي العربي، تونس، التقرير السنوي 2012-2013، ص 24.
2. الغذامي، عبد الله، الفقيه الفضائي: تحول الخطاب الديني من المنبر إلى الشاشة، (المركز الثقافي العربي، بيروت، 2011)، ص 12.
3. من باب الدقة، يمكن القول: إن بعض المستثمرين وبعض تيارات الإسلام السياسي كانت تنشئ قنوات تلفزيونية للمنوعات ثم تحوِّلها إلى قنوات دينية؛ لأنَّ إدارة المنطقة الحرة في مصر كانت ترفض منح تراخيص البث للقنوات الدينية؛ بل حدَّدت سقف البرامج الدينية في القنوات العامة بــ20 % من مجمل برامجها إبَّان حكم الرئيس المصري المخلوع حسني مبارك. لكن بعض الباحثين أكدوا أن قناتي: الناس والخليجية، على سبيل المثال، تحولتا إلى قناتين دينيتين لأسباب تجارية. فكان شعار قناة الناس قبل 2006 “قناة الناس لكل الناس”، وأصبح بعد هذا التاريخ “القناة التي تأخذك إلى الجنة”. انظر:
– عزوز، سليم، “إغلاق قناة الناس: اذبح يا زكي قدرة”، القدس العربي، 15 أكتوبر/تشرين الأول 2010.
-Tammam, H. Le salafisme, une voie pour dépasser le postmodernisme: Étude de cas: la chaîne de télévision salafiste an-Nâs, (Presses de l’Ifpo, Beyrouth, 2010), p 27-43.
4. يمكن أن نذكر في هذا المقام انتقال قناة الزوراء التابعة للنائب العراقي السابق مشعان الجبوري من بث المنوعات والموسيقى إلى مقاومة الوجود الأميركي العسكري في العراق، والحكومة العراقية. انظر:
Deltombe, Thomas, “Quand l’islamisme devient spectacle”, le monde diplomatique, Août 2004.
5. Kissinger, H. La nouvelle puissance Américaine, (Paris, Fayard, 2003), p. 181.
6. بنعبد العالي، عبد السلام، منطق الخلل، (دار توبقال للنشر، المغرب، 2007)، ص 12.
7. أحسن مثال على ذلك قناة المستقلة لصحابها محمد الهاشمي الحامدي، والتي تبث من لندن وتفتح باب الحوار بين رجال الدين السُّنَّة والشيعة، فاستمر برنامجها الموسوم: الحوار الصريح، لمدة 12 عامًا وما زال. ويثير قضايا جدلية تاريخية بين المذاهب الإسلامية كالسُّنَّة، والشيعة، والصوفية. وقناة الشروق الجزائرية التي تسير في الاتجاه ذاته، وتستضيف بعض السلفيين لإذكاء نار الفتنة بين السُّنَّة والشيعة.
8. البرامج التي شكلت عينة البحث هي: الملف الإيراني (الأهواز) ومدته ساعة و11 دقيقة و14 ثانية، بُثَّ يوم 13 إبريل/نيسان 2015. دوائر، اليمن وخيارات المواجهة (آفاق) ومدته 45 دقيقة و33 ثانية، بُثَّ يوم 14 إبريل/نيسان 2015. لقاء مع الشيخ حسن الهيباوي (أهل البيت) مدته 57 دقيقة و19 ثانية، بث يوم 3 إبريل/نيسان 2015. قضايا ساخنة، العدوان السعودي على اليمن (الكوثر)، مدته 45 دقيقة و34 ثانية، بث يوم 21 إبريل/نيسان 2015. برنامج دواعش التاريخ: أبو العباس السفاح (العهد) مدته 56 دقيقة و22 ثانية، بث يوم 5 مايو/أيار 2015. في قلب الحدث، مصر كانت شيعية فكيف تحولت إلى سنية؟ (أمجاد)، مدته ساعة و3 دقائق و16 ثانية، بث يوم 5 إبريل/نيسان 2015. من هم الإسماعيليون البهرة؟ (صفا) مدته ساعة و20 دقيقة و31 ثانية، بث يوم 15 مارس/آذار 2015. أولو الألباب (وصال) مدته ساعة و27 دقيقة و23 ثانية، بث يوم 26 إبريل/نيسان 2015. تحت الضوء، عام على انطلاقة الحشد الشعبي (العالم) مدته 23 دقيقة و7 ثوانٍ، بُثَّ يوم 15 يونيو/حزيران 2015. المشهد اليمني (المجد) مدته 51 دقيقة و27 ثانية، بث يوم 28 مارس/آذار 2015.
9. Dalbera, Jean-Philippe, “Le corpus entre données, analyse et théorie”, Corpus et recherches linguistiques, n° 1, 2002, (Visited on 1 Jun 2015):
http://corpus.revues.org/index10.html
10. Dantier, B. “L’analyse des discours et des textes entre sémiologie et linguistique” in Michel Arrivé, À la recherche de Ferdinand de Saussure, (Paris, PUF, 2007), p. 83.
11. للاطلاع على الدراسات التي اعتمدت على هذه المدرسة، انظر على سبيل المثال:
-Lamizet, Bernard, Sémiotique de l’événement, (Paris, Lavoisier – Hermès Science, 2006).
-Delforce, Bernard, “Le constructivisme: une approche pertinente du journalism”, Questions de communication, 6, 2004, p. 111-134.
-Delforce, B., Noyer, J., “Pour une approche interdisciplinaire des phénomènes de médiatisation: constructivisme et discursivité sociale”, Études de communication, n° 22, 1999, p. 13-40.
12. Paveau, Marie-Anne; Laurence Rosier, “Éléments pour une histoire de l’analyse du discours. Théories en conflit et ciment phraséologique”, Colloque franco-allemand: “L’analyse du discours en France et en Allemagne: Tendances actuelles en sciences du langage et sciences sociales”, 30 juin – 3 juillet 2005; (Visited on 4 Jun 2015):
http://www.johannes-angermuller.net/deutsch/ADFA/paveaurosier.pdf
13. Arnaud, R. Les discours sportifs en proie aux nationalismes et à l’technicisation Linguistique, (Université Paul Valery – Montpellier III, 2009), p. 694.
14. Keller, Reiner “L’analyse de discours du point de vue de la sociologie de la connaissance; Une perspective nouvelle pour les méthodes qualitatives”, Recherches qualitatives – Hors-Série – no 3, 2007, p. 287-306
15. Arnaud, R. Les discours sportifs en proie aux nationalismes et à l’technicisation Linguistique, p. 694.
16. Charaudeau, P., Maingueneau, D., Dictionnaire d’analyse de discours, (Paris, Seuil, 2002), p. 201.
17. Angermüller, J. “L’analyse du discours en Europe” in Simone Bonnafous et Malika Temmar (dir.), L’analyse du discours en sciences humaines, (Paris, Ophrys, 2007), p. 9-23.
18. Arnaud, R. Les discours sportifs en proie aux nationalismes et à l’technicisation Linguistique, p. 694.
19. Née, E. L’insécurité en campagne électorale, (Honoré Champion, 2012), p. 257.
20. Krieg-Planque, A. Purification ethnique. Une formule et son histoire, (CNRS Editions, 2003), p. 528.
21. Petitclerc, Adèle “Introduction aux notions de contexte et d’acteurs sociaux en Critical Discourse Analysis”, 27 | 2009, (Visited on 5 Jun 2015):
http://semen.revues.org/8540
22. Hodges, A., Nilep, C., Discourse, war and terrorism (discourse approaches to Politics, Society and Culture), (John benjamins publishing company, 2007), p. 249.
23. Bonnafous, Simone, Tournier, Maurice, 1995, “Analyse du discours, lexicométrie, communication et politique”, Langages, n° 117, p. 67-81.
24. Fairclough, N, Media Discourse, (London, Edward Arnold, 1995), p. 18.
25. انظر: بغوره، الزواوي، مفهوم الخطاب في فلسفة ميشيل فوكو، (المجلس الأعلى للثقافة، مصر، 2000)، ص 90.
26. لقد تم تكييف فهم ميشيل فوكو للخطاب وَفْق خصائص الخطاب الطائفي. انظر:
فوكو، ميشيل، نظام الخطاب، ترجمة محمد سبيلا، (دار التنوير للطباعة والنشر، المغرب، 2007)، ص 5.
27. Fiala, Pierre, “L’analyse de discours, mesures à l’appui “, Semen, 21, Catégories pour l’analyse du discours politique, 28 April 2007, (Visited on 1 Jun 2015):
http://semen.revues.org/document2003.html
28. يقصد بها المعركة التي جرت في البصرة عام 36 للهجرة بين أنصار الخليفة علي بن أبي طالب والجيش الذي يقوده الصحابيان طلحة بن عبيد الله والزبير بن العوام، إضافة إلى إحدى زوجات الرسول (صلى الله عليه وسلم) عائشة.
29. نشبت هذه الفتنة على إثر توريث يزيد الخلافة عن أبيه معاوية بن أبي سفيان فى شهر رجب عام 60 للهجرة بقوة السلاح. فبدأت بمقتل الحسين بن علي بن أبي طالب ومعظم أهله في كربلاء عام 61 هجرية، وانتقلت إلى المدينة التي حوصرت بحملة عسكرية بقيادة مسلم بن عقبة وهزمها في 63 هجرية.
30. تواتر استعمال هذه الصفة بنسب تتراوح بين 3,80 % في قناة صفا و4,94% في قناة أمجاد.
31. يوجد تفسير آخر لسبب هذه التسمية؛ إذ أُطلق على الذين رفضوا زيد بن علي وتخلوا عنه بعد انضمامهم إلى جيشه في خروجه على هشام بن عبد الملك في 121 هجرية، وذلك بعد أن نهاهم عن تكفير الخليفتين أبي بكر الصديق وعمر بن الخطاب. وقد تواتر استخدام هذه الصفة بنسب تتراوح بين 3,33% في قناة الأهواز، و9,26 % في قناة أمجاد.
32. انظر: برنامج من هم الإسماعيليون البهرة، (صفا)، مرجع سابق.
33. المرجع السابق.
34. انظر: برنامج دواعش التاريخ: أبو العباس السفاح، (العهد)، مرجع سابق.
35. انظر: برنامج تحت الضوء، عام على انطلاقة الحشد الشعبي، (العالم)، مرجع سابق.
36. انظر على سبيل المثال: برنامج الملف الإيراني في قناة الأهواز، مرجع سابق.
37. انظر: برنامج في قلب الحدث، مصر كانت شيعية فكيف تحولت إلى سنية، (أمجاد)، مرجع سابق.
38. انظر: برنامج من هم الإسماعيليون البهرة، (صفا)، مرجع سابق.
39. عابد الجابري، محمد، “كلام في مسألة الهوية”، الاتحاد الإماراتية، 28 إبريل/نيسان 2007.
40. انظر: برنامج دواعش التاريخ: أبو العباس السفاح، (العهد)، مرجع سابق.
41. انظر المرجع السابق.
42. انظر: برنامج في قلب الحدث، مصر كانت شيعية فكيف تحولت إلى سنية، (أمجاد)، مرجع سابق.
43. انظر: برنامج من هم الإسماعيليون البهرة، (صفا)، مرجع سابق.
44. انتشار الفاحشة في مصر باسم “زواج المتعة”، انظر: برنامج الملف الإيراني، (الأهواز)، مرجع سابق.
45. Bourdieu, P. la reproduction La Reproduction, (Paris, Ed. de Minuit, 1976), p.18
46. نقلًا عن:
Veyrat-Masson, Isabelle, “Entre mémoire et histoire; La Seconde Guerre mondiale à la télévision”, Hermès 8-9, 1990, p. 151-169.
47. هذا ما تؤكده قناة المجد في برنامج المشهد اليمني الذي بُثَّ يوم 28 مارس/آذار 2015، علمًا أن الرئيس العراقي الراحل صدام حسين سبق له أن أطلق اسم القادسية على حربه ضد إيران؛ من أجل إعطاء مشروعية دينية لها، وكأنها امتداد للمعركة التي جرت في العام 636م بين المسلمين بقيادة سعد بن أبي وقاص والفرس بقيادة رستم فرخزاد في القادسية، وانتهت بانتصار المسلمين.
48. في برنامج “دواعش التاريخ” بقناة العهد للدكتور جاسب الموسوي الذي بُثَّ يوم 2 يونيو/حزيران 2015 ذكر أن “جهاد النكاح” الذي تبنَّته داعش في سوريا هو امتداد لما أرسته هند بنت عتبة، أم معاوية بن أبي سفيان، التي كانت ضمن البغايا اللواتي أُطلق عليهن اسم: صاحبات الرايات؛ حيث كن يضعن راية فوق خيمهن ليهتدي إليها طالبو المتعة الجنسية.
49. انظر على سبيل المثال: برنامج الملف الإيراني في قناة الأهواز، وبرنامج لقاء مع الشيخ حسن الهيباوي بقناة أهل البيت، مرجع سابق.
50. نقلًا عن عبد السلام بنعبد العالي، منطق الخلل، مرجع سابق، ص 14.
51. المرجع السابق، ص 12.
52. لمزيد من الفهم، يمكن التذكير بالسرعة الرهيبة التي تحول فيها السكان المسالمون الذين كانوا يعيشون في شبه القارة الهندية من شهر يناير/كانون الثاني حتى يوليو/تموز إلى هندوس عديمي الرحمة ومسلمين شديدي القسوة؛ من أجل فصل باكستان عن الهند. انظر:
أماراتيا صن: الهوية والعنف: وهم المصير الحتمي، ترجمة سحر توفيق، (المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، الكويت، يونيو/حزيران 2008)، ص 18.
53. Breton, Phillipe, “Réfutation de quelques objections concernant la pertinence du concept de manipulation”, 17 Février 2007, (Visited on 15 May 2015):http://argumentation.blog.lemonde.fr
54. انظر: برنامج من هم الإسماعيليون البهرة؟، (صفا)، مرجع سابق.
55. انظر: برنامج لقاء مع الشيخ حسن الهيباوي، (أهل البيت)، مرجع سابق.
56. انظر: قضايا ساخنة، العدوان السعودي على اليمن، (الكوثر)، مرجع سابق.