الحل في سوريا والدور الأميركي

الحل في سوريا والدور الأميركي

2015-Sep-23-56024b23d9f59

يتبنى الرئيس أوباما مواقف ثابتة ومنسجمة بخصوص سوريا. وحتى عندما كنت جزءاً من الإدارة، كان الرئيس يؤكد أنه لا يريد الانجرار لحرب هناك. ولا شك أن تركة حرب العراق لعبت دوراً مركزياً في هذا القرار، لكن علينا ألا ننسى أيضاً أنه انتُخب ليخرج الأميركيين من حروب الشرق الأوسط لا ليدخلهم فيها. وهو مصمم على عدم التورط في «الحروب الأهلية داخل البلدان الأخرى».

لكن ماذا لو كانت تلك الحروب الأهلية تتسبب في كارثة إنسانية؟ وماذا لو كانت تُنتج أزمة لاجئين كبيرة جداً؟ وماذا لو كانت تهدد بزعزعة استقرار البلدان المجاورة؟ هذه الأسئلة لم يتم التفكير فيها لأن الخوف من الانجرار لمستنقع جديد كان كبيراً جداً، وكلفة التحرك هي التي كانت دائماً تحدد مقاربة الإدارة الأميركية وليس كلفة عدم التحرك.

والواقع أنه ليس جديداً أن يتحدى أوباما الأشخاص الذي يعتقدون أن الإيرانيين أو الروس بصدد الفوز في سوريا لأنهم يتحركون بينما نكتفي نحن بأقل القليل. فقد قال ذلك في خطاب له في مارس 2014، وكرر الموقف نفسه تقريباً في مؤتمر صحافي الأسبوع الماضي حين قال: «إن محاولة روسيا وإيران دعم الأسد ومحاولة تهدئة السكان لن تؤدي إلا إلى علوقهم في مستنقع، ولن يكتب لها النجاح». ربما، ولكن يبدو أن لدى الروس والإيرانيين فكرة مختلفة بعض الشيء: فهُم لا يحاولون تهدئة السكان، بل يريدون ضمان أن يحافظ الدكتاتور الأسد على دويلة تسيطر على دمشق وتظل متصلة بلبنان والمتوسط، وأنه إذا كانت ثمة عملية سياسية لإنهاء النزاع في مرحلة ما مستقبلا، فإن الحقائق على الميدان ستحمي مصالحهم وتضمن أن يكونوا متحكمين في أي نتيجة.

إن بوتين يعرف كيف يسد الفراغ، والإيرانيون بارعون في استعمال الوكلاء للحفاظ على نفوذهم في سوريا والقناة إلى لبنان. ولعل المثير للاهتمام هنا أن قاسم سليماني قائد فيلق القدس الإيراني سافر إلى موسكو بعيد التوصل للاتفاق النووي مع إيران، ولا شك أن بوتين وسليماني لمسا حاجة للتحرك عسكرياً لدعم موقف الأسد الذي أخذ يضعف وتوجيه ضربة للمعارضة غير التابعة لـ«داعش»، والتي كانت تتقدم وتحقق مكاسب في شمال سوريا وجنوبها.

ولا شك أن كليهما وجدا فائدة إضافية في مضاعفة تدخلاتهما العسكرية في هذا الظرف. ذلك أنه بالنسبة لسليماني وخامنئي، من شأن هذه الخطوة أن تؤكد على أيديولوجية «المقاومة» الثورية التي ظلت طهران تتبناها رسمياً عقب الموافقة على الاتفاق النووي الأخير مع الولايات المتحدة. أما بالنسبة لبوتين، فإنه يمكن التخطيط للتدخل الروسي بينما إدارة أوباما منشغلة ببيع الاتفاق النووي داخلياً، إضافة إلى فائدة مضافة تتمثل في إعادة الروس إلى قلب الساحة العالمية.

وعليه، فإذا كان ردنا على ما يفعله الروس والإيرانيون في سوريا سيقتصر على زيادة هجماتنا على تنظيم «داعش»، وهو ما يبدو أنه سيحدث على الأرجح، فإننا سنكون بذلك قد قبلنا بلعب لعبة الروس والإيرانيين الذين سيواصلون مهاجمة المعارضة غير التابعة لـ«داعش» بينما نقوم نحن باستهداف التنظيم الإرهابي. وهكذا، سنبدو للأسف متحالفين معهم ضد السنّة. ونتيجة لذلك، فإن أي أمل في جعل السنّة يتصدون لـ«داعش» في هذه الظروف سيتبدد.

والواقع أنه إذا كان الرئيس يتأسف لسماع أفكار «غير ناضجة» فقط كبديل، فعلينا أن نكون حذرين من الاستمرار في تطبيق أنصاف التدابير. وعليه، ففي ما يلي فكرة تقوم على تقاسم العبء، وهو شيء مهم بالنسبة لأوباما، لكنها تخضع أيضاً لمنطق النفوذ الذي يوجّه بوتين: لنذهب إلى الأتراك والسعوديين والقطريين والأوروبيين بهدوء ولنقل لهم إن الوقت قد حان لإقامة ملاذ آمن حقيقي بمحاذاة الحدود التركية السورية. وهو شيء لطالما دعا إليه الأتراك والخليجيون، وشيء يحتاجه الأوروبيون لوقف تدفق اللاجئين. ولنشرح لهم أننا سنضطلع بدورنا في فرض احترام منطقة «حظر الطيران»، لكن فقط إذا ساهمت أوروبا بقواتها الجوية، ووافقت تركيا على تأمين المنطقة ميدانياً لمنع تسلل عناصر «داعش»، ووافقت السعودية وقطر على تمويل البنية التحتية الخاصة باللاجئين وعلى قبول مرور كل المساعدات المادية الخاصة بتدريب قوات المعارضة في المنطقة عبرنا.

إذا كنا نريد التأثير على سلوك الروس والإيرانيين في سوريا، فعلينا أن نبدأ باللعب وفق القواعد التي يفهمونها. ولعل المثير للسخرية هنا أن ذلك قد يدفع الآخرين للاحتذاء بنا ويجعل الحل السياسي الذي نسعى إليه أقرب.

   دينيس روس

صحيفة الاتحاد الإماراتية