انقلاب التحالفات

انقلاب التحالفات

gallery-preview-600x320

خيمت على سماء العلاقات الدولية، الملبدة بغيوم كثيفة، تساؤلات بدت ملتهبة في صياغتها، في وقت كان الكثيرون قد تصوروا أنه طوى صفحة الصراعات الدولية الخطيرة، بانتهاء عصر الحرب الباردة.
ودارت التساؤلات حول معنيين هما: هل تعود الحرب الباردة؟..
ثم تجاوزته إلى مدى أبعد بالسؤال: وهل يمكن أن تشتعل الحرب العالمية؟
وهي تساؤلات تعكس ظروف وطبيعة النظام الدولي الانتقالي غير المستقر، والذي فقدت فيه الولايات المتحدة، صاحبة الرصيد الكبير من خبراء الصراعات الدولية، القدرة على التيقن مما ستكون عليه الأوضاع الدولية مستقبلاً، بل ومن قدرتها القديمة على حل الأزمات والنزاعات الإقليمية.
في مثل هذه الظروف، كان من السهل أن يظهر ما يسمى في علم السياسة ب «انقلاب التحالفات»، وتكوين نماذج من التحالف المؤقت، بديلاً عن التحالف طويل المدى، بين كتل دولية متقاربة في الفكر، والمصالح.
وهو نمط مرحلي يتعامل مع وضع راهن، ثم ينتهي التحالف بمجرد زوال أسباب وجوده.
فالغرب الذي كان يجمع أطرافه التحالف المستمر من بعد نهاية الحرب العالمية الثانية، في إطار حلف الأطلسي، وجد نفسه في مأزق لا يستطيع الخروج منه، بعد فشل إجراءاته السياسية والعسكرية، لإسقاط نظام الأسد في سوريا، ثم ما فوجئ به الغرب من تطور الوضع هناك إلى أزمة عصية على الحل، نتيجة تصعيد منظمات الإرهاب وأولاها «داعش»، ممارساتها الدموية الوحشية.
ومع تفاقم مشكلة اللاجئين من سوريا والعراق إلى أوروبا، وهو ما خلق لديها قلقاً من نتائج هذه الهجرات وضغوطها على الحياة الاجتماعية في أوروبا.
ثم دخول روسيا «دائرة الفراغ»، الذي كان عجز الولايات المتحدة، عن حسم الموقف في سوريا، سبباً رئيسياً في إيجاده، واقتحام التحرك الروسي دائرة الفراغ، بالمشاركة بقوات جوية في غارات داخل سوريا، لمحاربة تنظيم «داعش»، والذي لم تنجح أمريكا في ردعه.
عندئذ قبلت الولايات المتحدة، بالتواجد الروسي، بالرغم من بعض التحفظات على أدائه، ثم تصعيد موجة هجوم أمريكي وأوروبي على الغارات الروسية في سوريا، واتهامها بأن تهدف أساساً إلى دعم نظام الأسد.
لكن لم يكن هناك خلاف على مشاركة روسيا في مساعي إيجاد حل سياسي للأزمة السورية.
وحدث تحول مماثل في موقف بريطانيا، بقبول الدور الروسي، لهزيمة «داعش»، واعتبرت ذلك أولوية تسبق مطلب تغيير النظام.
هذه الترتيبات، على الناحية السياسية بدت مقدمة لنوع من التحالف بين الأضداد، لمواجهة أزمة، لم تعد تنحصر شرورها داخل سوريا، وامتدادها إلى العراق، بل شملت بقية دول المنطقة، ولم يعد الخطر إقليمياً، لكنه وصل إلى دول الغرب، وكذلك إلى روسيا، التي قدرت حكومتها أن انضمام ثلاثة آلاف شخص من الشيشان إلى «داعش»، يمثل تهديداً مباشراً لها، عندما يعودون، بعد أن تدربوا على أعمال العنف، والقتل، والإرهاب، وسفك الدماء.
إن هذا التلاقي الغربي – الروسي، كان من دوافعه ضعف أداء التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة ضد «داعش» في العراق، والشكوك الدولية والمحلية، في جدية أمريكا في القضاء على «داعش». وقد بدا هذا التلاقي لأول وهلة، نوعاً من التحالف العالمي لهزيمة «داعش»، تشارك فيه أمريكا، وبريطانيا، وفرنسا، وروسيا.
لكن يظل يحكم قواعد هذا التحالف، نظرة الغرب إلى روسيا، بأنها منافس أكثر من كونها حليفاً، ما يضفي عليه طابع التحالف المؤقت، وليس الدائم.
وتبقى في إطار هذا التقارب المرحلي، المشكلة الأصلية، ممثلة في بقاء الأسد أو رحيله.
فقد أظهرت مواقف الجانبين تقبل مشاركة الأسد في مساعي إيجاد حل سياسي، لكن بقاءه سيكون وقتياً، على أن يرحل في مرحلة ما.
وهو ما أشارت إليه أنجيلا ميركل مستشارة ألمانيا، بأن الأسد يمكن أن يكون طرفاً في أي مفاوضات، كما قال وزير الخارجية الأمريكي جون كيري أن الأسد يجب أن يرحل، لكن ليس بالضرورة أن يكون ذلك فوراً.
وهذه التوقعات أشار إليها وزير خارجية روسيا لافروف.
كما تحدث عنها صراحة فيليب هاموند وزير خارجية بريطانيا بقوله إننا لم نذكر أن الأسد عليه الرحيل اليوم.
وإذا اتفقنا على ترتيبات تكون روسيا، وإيران شريكين فيها، بأن تكون هناك مرحلة انتقالية، فإن هذا أمر يمكن مناقشته.
لقد أفرزت ظروف النظام الدولي وفقدان الولايات المتحدة المصداقية، في قيادة ائتلافات دولية، لحل أزمات تهدد حلفاءها وأصدقاءها التقليديين، تراجعاً من جانبها بقبول ما كانت ترفضه بشدة من قبل، خاصة دخول روسيا معها شريكاً، في ائتلاف يمارس دوره في سوريا والعراق.
وهي تطورات تنطبق عليها نظرية انقلاب التحالفات، وترد على التساؤلات السابقة، عن عودة الحرب الباردة، واشتعال حرب عالمية، لأن طبيعة التغيرات في النظام الدولي، والمشاكل الداخلية لدى القوى الكبرى، لم تعد تسمح بالعودة إلى صراعات الماضي، بل إنها تضفي مرونة على مواقف هذه الدول، لأن كلاً منها يحتاج الى الآخر، في إطار أولوياته التي تتصدرها المصالح، والاحتياج المتبادل.

عاطف الغمري

صحيفة الخليج