واشنطن تسعى لتطويق التقارب العربي الروسي في سوريا

واشنطن تسعى لتطويق التقارب العربي الروسي في سوريا

 

اوباما3

بدأت الولايات المتحدة ملاحقة مخلفات التدخل العسكري الروسي في سوريا، الذي بدأ يؤثر بشكل ملموس على مصالحها في المنطقة، خاصة أن القيادة الروسية تريد توسيع دائرة تحالفها لتضم دولا عربية غاضبة من سياسات الرئيس باراك أوباما، رغم أنها مصنفة كحليف استراتيجي لواشنطن مثل السعودية ومصر والإمارات.

ويبدو أن إدارة أوباما استشعرت خطر خسارة أصدقائها القدامى، فبدأت تتحرك لتفادي هذه الخسارة، وإظهار الجدية في التعاطي مع الملف السوري، وهو تعاط اتسم طيلة أربع سنوات بالضبابية والتهرب من تحديد المواقف وتنفيذ وعود سبق أن قطعها مسؤولون أميركيون بدعم المعارضة الليبرالية.

وأولى خطوات توضيح الموقف الأميركي بدأها أوباما باتصال هاتفي مع وليّ عهد ابوظبي الشيخ محمد بن زايد آل نهيان. وقال البيت الأبيض إن أوباما تحدث هاتفيا الجمعة مع الشيخ محمد بن زايد واتفقا على ضرورة تركيز العمليات العسكرية الروسية في سوريا على تنظيم الدولة الإسلامية وليس على المعارضة السورية المعتدلة.

وأضاف البيت الأبيض في بيان أن أوباما والشيخ محمد أكدا أهمية توفير الظروف اللازمة لانتقال سياسي في سوريا.

وجاءت كلمة أوباما بعد زيارة أداها ولي عهد أبوظبي، والأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز ولي ولي العهد السعودي إلى موسكو، وبعد تأكيد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على تواصل روسي مع الإمارات والسعودية ومصر والأردن لوضع هذه الدول في صورة ما يجري في سوريا.

وواضح أن البيت الأبيض، الذي تفاجأ بالتدخل الروسي “الجريء”، وبذكاء موسكو في البحث عن حلف إقليمي يمثل غطاء لهذا التدخل، يحاول أن يطوق هذه التداعيات باستعادة ثقة الحلفاء في المنطقة، وخاصة دول الخليج.

ولم يعد حديث واشنطن عن علاقات مميزة تربطها بدول الخليج يغري هذه الدول التي تريد مواقف واضحة من الأميركيين تجاه عدة ملفات، بعد أن فشلت إدارة أوباما في أكثر من اختبار لاسترجاع الثقة، وخاصة وعودها بأن يراعي الاتفاق النووي مع إيران مصالح الخليجيين، ثم غموض موقفها من السيطرة الحوثية على اليمن بقوّة السلاح، وفتحها قنوات تواصل مع المتمردين ما فهم منه استعدادها للتطبيع معهم في تناقض كامل مع مصالح شركائها الاستراتيجيين وخاصة السعودية.

ويرى مراقبون أن واشنطن فوّتت على نفسها فرصا كثيرة لإرضاء حلفائها الذين بدأوا فعليا في خيار تنويع الشركاء بما في ذلك بناء علاقات اقتصادية وعسكرية مع روسيا رغم اختلافهم معها في أمر التدخل العسكري لتثبيت الأسد بالسلطة.

وزادت سلبية الأميركيين، والغرب عموما، في التعاطي مع التدخل الروسي في تهاوي صورة الولايات المتحدة كدولة مهيمنة خاصة لدى الحلفاء في الشرق الأوسط، ولا يتعلق الأمر بالسعودية وحدها، فمصر لم تنس قرار واشنطن بوقف المساعدات لإجبار المصريين على القبول بحكم جماعة الإخوان، وحتى الفلسطينيون لم يعودوا يثقون في قدرة واشنطن على الوساطة حتى وإن كانت وساطة منحازة.

وقال أندرو فايس، نائب رئيس الدراسات في مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي “لا أعتقد أن الحكومات الغربية (بما فيها الولايات المتحدة) مستعدة لفعل الكثير لإبطاء أو منع المسار الخطر الذي تجري فيه روسيا”، في إشارة إلى أن العواصم الغربية باتت عاجزة عن فعل أيّ شيء لمنع التدخل الروسي.

وبدأت روسيا، وعلى عكس الولايات المتحدة، بتفهم موقف دول الخليج من التمدد الإيراني، وهناك مؤشرات على أن التدخل الروسي أخذ يزعج إيران التي لا تخفي قلقها من أن تضع موسكو يدها على مكاسبها في سوريا.

وبعد أن كان الملف السوري آخر اهتماماته، حثّ أوباما على جلوس “الإيرانيين والروس والأتراك وبلدان الخليج وكل الأطراف المعنية والإقرار بضرورة التوصل لانتقال سياسي” في سوريا.

وأشار محللون إلى أن الاهتمام المفاجئ بحل سياسي جديّ في سوريا يهدف إلى منع أن تكون المبادرة بيد روسيا ولقطع الطريق على التقارب العربي الروسي الذي قد يتوسع إلى ملفات أخرى. لكنهم قللوا من قدرة الأميركيين على المناورة خاصة أن استراتيجية أوباما وضعتهم في ورطة قد تكون لها نتائج سيئة على المدى البعيد.

وقال جيريمي شابيرو، العضو السابق بدائرة تخطيط السياسية في وزارة الخارجية الأميركية “علينا الاعتراف بمحدودية قدراتنا في الشرق الأوسط ومحدودية الأمور التي نريدها في هذه المنطقة”.

واستبعد المسؤول السابق “إرسال جنود أميركيين لخوض معارك غير مهمة للولايات المتحدة في بلدان بعيدة”، مشيرا إلى تجربة العراق قائلا “عندما ننظــر إلى نتائج التدخل الأميركي في العراق فلا أعتقد أن ذلك جعل أميركا أكثر قوة بعد إنفاقها تريليونات الدولارات وإرسالها لمئات الآلاف من الجنود”.

صحيفة العرب اللندنية