عن دوافع وأهداف التحول الميداني الإيراني في العراق

عن دوافع وأهداف التحول الميداني الإيراني في العراق

بيجي-حديثة-القائم-البوكمال-خطة-ايرانية-العراق

لم يعد الدعم الروسي لحكم الرئيس السوري بشار الأسد بالأسلحة والعتاد والتأييد السياسي، بل انتقل إلى دائرة المشاركة الفعلية، إذ شنت المقاتلات الروسية في 30 أيلول/سبتمبر من الشهر الماضي غاراتها الجوية على تنظيم الدولة في العراق وبلاد الشام”داعش” في سورية.

هذا التطور العسكري نقل الأزمة السورية من إطارها الإقليمي إلى الدولي، الأمر الذي فرض على صانع القرار السياسي في إيران أن يتجاوب مع هذا التطور بخطوات عملية ملموسة، كمقدمة للتعامل مع نتائح التدخل العسكري الروسي في سوريا،إذ قامت إيران بتأجيل مسار العمليات العسكرية ضد تنظيم الدولة الذي كان من المفترض أن يسير وفق خطة معينة تبدأ من خط بيجي لتنتقل إلى مدينة الشرقاط مرورا بمدينة الحضر وصولا إلى تلعفر، لتسبدل هذه الخطة بأن تبدأ معاركها على التوالي في مدينة البيجي وحديثة والقائم والبوكمال وصولا إلى سورية. وفي هذا السياق نتساءل عن دوافع التحول في الاستراتيجية العسكرية الإيرانية. إذ تتنوع هذه الدوافع وفق الحسابات السياسية المختلفة. ويمكن قراءة هذا التحول على عدة مستويات.

   كانت روسيا تتحدث عن حاجتها في تثبيت حدود “سوريا المفيدة، التي أنجزتها في سنتان الأخيرتين حيث لا تستطيع مليشيات حزب الله اللبناني ولا المليشيات الشيعية العراقية والباكستانية والأفغانية ولا الجيش السوري حمايتها، فاضطرت روسيا للتدخل العسكري المباشر في سوريا ومن هنا فإن الغارات الجوية الروسية أصبحت بحاجة إلى قوات برية لتأمين المواقع التي يتم تطهيرها جويا، وهذا يتطلب وجود جنود على الأرض للحفاظ عليها، وهذا الدور تستطيع إيران القيام به.

وهنا تستحكم مفاعيل الحرب النفسية إذ تسيطر المقاتلات الجوية الروسية على المجال الجوي السوري في حين تسيطر القوات الإيرانية على المجال البري السوري الأمر الذي قد يسهل الانقضاض على كل المعارضة السورية، مما يقوي ويعزز من أوراق إيران وروسيا التفاوضية في مواجهة خصومهم الإقليميين” تركيا،والسعودية” والدوليين”الولايات المتحدة الأمريكية، والاتحاد الأوروبي” في حال قبول الجانبان المسار التفاوضي كمدخل لحل الأزمة السورية، فمن خلال الوقائع الجوية الروسية والارضية الايرانية يستطيعان تحقيق أكبر  قدر ممكن من المكاسب الجيو ستراتيجية في سورية.

ويمكن قراءة التحول الإيراني في إطار الخطوة الوقائية للحفاظ على مصالحها ومشروعها التفتيتي في سورية. وترتكز هذه القراءة على تخوف إيران من خسارة جغرافية سوريا الأسد بعد كل الدعم المادي والعسكري والأمني الذي قدمته له، بمساعدة رئيس الوزراء العراقي السابق نوري المالكي الذي وضع بنك المركزي العراقي تحت تصرف إيران منذ الأيام الأولى من الانتفاضة السورية التي اندلعت في منتصف آذار/مارس عام 2011.

فإيران تدرك جيدا  عدم رضا روسيا على استعجالها على توقيع الاتفاق النووي مع الولايات المتحدة الأمريكية، إذ منحها ذلك  تفوقا دبلوماسيا رأت روسيا فيه، مبكرا جدا، وعليه قد يكون الرد الروسي بعد تدخلها عسكريا في سوريا ع بحرمان إيران من مواقعها في سوريا في مرحلة ما بعد بشار الأسد لذلك قامت بخطوة وقائية بتغيير مسار تحركاتها الميدانية والتوجه عسكريا نحو غرب العراق لتفتح طريقا يصل إيران بريا بغرب العراق الذي سيربطه بمحافظة بدمشق ثم الزبداني باتجاه لبنان.

بمعنى آخر إيران تريد أن تحافظ في حال التوصل إلى أي تسوية أو تقسيم لسورية على ممرا يصلها بحليفها حزب الله في لبنان، والحفاظ لها على موضع قدم على شواطىء البحر المتوسط. كما إنها تريد بتلك الخطوة أن يكون لها موطن قدم على شواطئ البحر المتوسط لنقل الغاز الإيراني بعد الاتفاق النووي إلى عواصم الدول الغربية. وهذا الأمر إذا تحقق فإنه قد يباعد ما بين إيران وروسيا لأنه سيفقد الأخيرة إحدى أهم أوراقها في التعامل مع الدول الغربية وهي ورقة الطاقة.

 وعليه يمكن القول، تمثل العراق وسوريا ولبنان أولويات إيران الإقليمية. فالعراق يعد أكثر من أولوية أولى يعبر عنها بعض الساسة الإيرانيين بطريقة رمزية،عندما يقولون إن بغداد هي عاصمة”إمبراطوريتهم”. ولم يكن استدعاء اللواء العراقي المعروف بلواء”أبو الفضل العباس” من دمشق، وإرساله إلى العراق، فور استيلاء تنظيم الدولة الإسلامية في العراق وبلاد الشام”داعش” على الموصل في حزيران/يونيو من العام الماضي، إلا دليلاً جديداً يؤكد ما هو مؤكد.

وإذا عرفنا أن حضور إيران في لبنان يرتبط بنفوذها في سورية، وقدرنا أهمية حزب الله، وحرصها على دعم قدراته، تبدو الإجابة على سؤال الأولويات الإقليمية بالنسبة لها واضحة.سورية، إذن، هي الأولوية التي تأتي في المرتبة الثانية مباشرة للعراق. ولبنان  هو الوجه الآخر لهذه الأولوية. فإما أن تحافظ إيران على نفوذها في الدولتين معا، أو تفقدهما في الوقت نفسه. ولا يخفي أن حضورها  في سورية هو أهم عوامل استمرار نفوذها في لبنان، اعتماداً على قوة حزب الله السياسية، ويستمد حليفها اللبناني هذه القوة من امتلاكه السلاح الذي ترسله إليه عبر سورية، فإذا فقدت”المعبر” السوري، خسرت لبنان، أو كادت.

ونخلص بالقول أنه من الصعوبة بمكان قراءة هذه التطورات السياسية كالتدخل الروسي العسكري المباشر في الأزمة السورية المستعرة، والتحول الميداني الإيراني في العراق، بمنأي عن اليوم التالي لتوقيع الاتفاق النووي بين إيران والمجموعة الدولية(خمسةزائد واحد) فمما لا شك فيه لهذا تأثير سيلقي بظلاله أو عتمته على العلاقة بين الولايات المتحدة الأمريكية وبين الجمهورية الإيرانية من جانب، وبين روسيا والجمهورية الإيرانية من جانب آخر. شكل تلك العلاقات سيكون مؤشراً لطبيعة السياسية الإيرانية تجاه سورية، وما إذا كانت ستتغير تدريجياً أوكلياً، أو أنها ستحافظ على مسارها ومنطلقاتها التي اتبعتها خلال السنوات الخمس الماضية.

وهذا يعني سيجلب المزيد من الغضب على مستوى الرأي العام العربي، وعلى مستوى الحكومات العربية، وهذا الانسجام في الموقف، بحيث لم يحدث أن وصل إلى هذا الشكل والقوة منذ قيام  الجمهورية الإيرانية في العام 1979م. هذا التغير متأثر بدون شك بالفضاء السياسي الطائفي الذي يخيم على منطقة الشرق الأوسط منذ الاحتلال الأمريكي للعراق في العام 2003م، والذي يبدو من الصعب تبرئة إيران من تأدية دور في تأجيجه خدمة لمشروعها التفتيتي في المشرق العربي.

 معمر فيصل خولي

مركز الروابط للبحوث والدراسات الإستراتيجية