الأميركان والعبادي وسيناريو التغيير

الأميركان والعبادي وسيناريو التغيير

العبادي-و-اوباما

هل يحاول الأميركان تلبية رغبات المجتمع العربي السني المحلي ومحيطه الخليجي العربي، وخصوصاً السعودية، بإبعاد العراق عن الهيمنة الإيرانية حماية لأمنهم القومي.

 يثار من ضجيج بين الأوساط السياسية الشيعية حول تعيين عماد الخرسان في منصب أمين عام مجلس الوزراء العراقي ليس لأهمية هذا الموقع الرسمي فالمنصب إداري داخلي، لا يؤثر على مرتكزات الحكم وهيمنة الأحزاب الشيعية، لكن هذا الشخص له تاريخ خاص في العلاقة ما بين المحتل الأميركي والسيد السيستاني. يقول بول بريمر في كتابه عام قضيته في العراق “أنّ عماد الخرسان نقل إليه ذات ليلة وهو يقرأ ملاحظاته، أنّ آية الله العظمى معجب بك ويحترمك وهو يقدّر الفرصة للعمل معك من أجل مستقبل العراق، وأنّ آية الله العظمى يؤمن بالديمقراطية وهو ملتزم بالعمل مع الائتلاف”، ويقول بريمر إنّ “السيستاني سيعمل معنا فنحن نتقاسم الأهداف نفسها”. وسبق للخرسان أن اشتغل رئيساً لهيئة إعمار العراق في السنة الأولى للاحتلال. وتعيين العبادي له يبطل التسريبات الصحفية التي راجت قبل أسبوعين ومفادها “إن هناك سعيا خليجيا وبإشراف أميركي لإحداث تغيير سياسي في العراق لإبعاده تدريجياً عن إيران وضمه إلى مجلس التعاون الخليجي”.

الاستقطاب الذي تبلور خلال السنة الأخيرة داخل البيت الشيعي هو بين؛ العبادي الحاكم ومعه أوساط مهمة من داخل حزب الدعوة والمدعوم من قبل مرجعية السيستاني وأميركا، ونوري المالكي المدعوم إيرانيا ومعه الميليشيات وزعيميها هادي العامري وأبو مهدي المهندس، ثم القيادتان الرمزيتان (الحكيم والصدر) وهما يمتلكان صلات عميقة بإيران. تتحرك هذا الأقطاب الثلاثة بأشكال مختلفة تبعاً للأوضاع السياسية والاقتصادية المحلية وما وصلت إليه من تدهور، لكن المتصدر الأول في المواجهة هو حيدر العبادي بسبب مسؤوليته الرسمية، ومؤثرات القوى النافذة بالوضع الإقليمي (أميركا وإيران والسعودية وتركيا) وما ستؤول إليه الحالة السورية وعلاقة ذلك بمصير داعش في سوريا والعراق.

ويبدو أن قوى الاستقطاب المالكي وراء مثل هذه التسريبات لكي تضع علامات استفهام كبرى أمام خطوات العبادي بين الأوساط الشيعية بأنه خاضع لمشيئة الأميركان، مع أن الكل يعرف بأن الأميركان هم الذين جاؤوا بجميع رؤساء الأحزاب الشيعية وسلموهم الحكم في بغداد، فقصة صداقة الأميركان ليست تهمة، أليسوا هم من وقع اتفاقاً إستراتيجيا مع إيران، وأليس رئيس إيران حسن روحاني قد قال بعد الاتفاق “شعار الموت لأميركا لم يعد له وجود”.

تعيين العبادي للخرسان رغم اعتراض جميع قيادات البيت الشيعي عليه يعتبر خطوة جس نبض لتلك القيادات في خطوات لاحقة قد تقود العبادي إلى خيارات جديدة، ووضع العملية السياسية في خانة الصراع المحتدم حول مصير سلطة تلك الأحزاب في الأيام المقبلة خصوصا بعد التظاهرات الشعبية المستمرة منذ ثلاثة أشهر والدعم الذي تتلقاه من مرجعية السيستاني، وهذا الأمر لا تتهاون فيه تلك القيادات التقليدية حتى لو سالت الدماء في الشوارع، ولعل انبعاث عمليات الخطف المدبر والتفجيرات ليست وراءها “شماعة داعش”.

العبادي رغم التزامه بالبيت الشيعي وأركانه لكنه وبعد مرور خمسة عشر شهرا على حكمه يسعى أولا للاستمرار في السلطة وهو يحلم بطرد داعش من العراق لكي تكون هذه مكافأته الحقيقية رغم وجود قوى جديدة (الميليشيات) بقيادة كل من العامري وأبو مهدي المهندس تزاحمه في السعي للحصول على هذه المكافأة وتشكل بوابة الوصول لسلطة الحكم في العراق وهذا يعني إزاحة العبادي.

النقطة الجوهرية الأخرى هي أن الملف السياسي العراقي رغم ما يقال في الصحافة ووسائل الإعلام عن تخلي أميركا عنه، إلا أن حقائق الأرض تقول بأنهم ماسكون بمفاصله المهمة في الجانبين العسكري والمدني، ويبدو أنهم اكتشفوا ما آلت إليه صناعتهم للحكم الطائفي في العراق منذ عام 2003 ولحد اليوم، وانعكس ذلك على سمعتهم كدعاة للديمقراطية والمدنية والتقدم، فقد اختاروا نوري المالكي لحكم العراق عام 2006 وهم يمتلكون تفاصيل ملفه، وغضوا النظر عن سياساته في الاعتقالات الجماعية والاختفاء القسري للمئات وكذلك عن سياساته الطائفية.

لقد قال المالكي في مقابلة مع صحيفة الغارديان “إنه شيعي أولاً وعراقي ثانياً”، كما نشرت ويكيليكس أخيراً عن تسليمه قائمات العلماء العراقيين إلى كل من الموساد وإيران، أما مسألة ضياع أكثر من 350 مليار دولار فقد قال عنها رئيس قسم العراق في الاتحاد الأوروبي، ستراون ستيفنسون، بأن جزءا منها كان يصرف على بناء الميليشيات التي أصبحت اليوم قوية ومهددة للعبادي. وأعاد الأميركان تنصيبه مرة ثانية عام 2010 مصادقين على رغبة إيران باستبعاد أياد علاوي، وفسر مسؤول سي أي أي في السفارة الأميركية ببغداد، كينيت جولاك، بأن السفارة قالت بعدم إمكانية تشكيل علاوي للحكومة، والمالكي هو الخيار الأسهل للأميركان. فقد أبدى استعداداته لخروجهم من العراق بشكل آمن.

هل اكتشف الأميركان الآن أن سياستهم بحاجة إلى تعديل باتجاه آخر، وهل اكتشفوا بأن لا فرق بين داعش سنية وشيعية، فمضار التطرف الديني واحدة، وإيران التي اعترفوا بها كقوة فاعلة في المنطقة بعد أن كانت جزءاً من محور الشر في عهدي بوش الأب والأبن، هي التي تناور بموضوع الجماعات المتطرفة (شيعية أم سنية) حسب المكان والزمان. ونفوذ القوى لم يحسم لحد الآن، والعراق ما زال جسمه مخدراً لعمليات معقدة، الكاسب له في النهاية هو من يمنحه جرعة الإفاقة.

فهل يحاول الأميركان تلبية رغبات المجتمع العربي السني المحلي ومحيطه الخليجي العربي، وخصوصاً السعودية، بإبعاد العراق عن الهيمنة الإيرانية حماية لأمنهم القومي بعد انكشاف الأوراق، وشعور الأميركان بأن مصالحهم الإستراتيجية مهددة خصوصاً بعد الاجتياح الروسي لسوريا، وبذلك هم يسعون إلى الانطلاق من حكم العبادي في عملية سياسية هادئة لتحقيق هذه الأهداف المكشوفة من قبل إيران وقيادات الميليشيات التي تسوّق خطاباً إعلامياً تعبوياً هجومياً تحاول من خلاله الضرب على وتر المقاتلين المتطوعين من شباب الشيعة لتوظيفهم لمصالحها. في حين يقف كل من الحكيم والصدر في وسط قطبي الصراع حيارى، لقد سقطت مجمل الخطابات التعبوية السابقة، حيث تحولت تلك الجموع إلى قوى ثائرة في الشوارع ضد الأحزاب الشيعية الحاكمة، وهي على يقين الآن بأن الحكم الليبرالي اللاطائفي هو الأسلم للعراق سواء كان الحاكم سنيا أم شيعياً، ومهما قيل ويقال داخل الأوساط الشيعية حول الأميركان تعبيراً عن تبعية مطلقة لإيران، فإن جيلاً واسعاً من الشباب الشيعي يفضل في خيارات المستقبل أوروبا وأميركا، ولهذا وجدنا نسبة كبيرة من أفواج نزوح اللجوء الأخيرة كانت من الشباب الشيعي بل ومن منتسبي الحشد الشعبي، مما اضطر السفارات العراقية خصوصا في البلدان الإسكندنافية للتدخل والطلب من حكوماتها إعادة الشباب العراقي إلى بلدهم واستجابت بعض تلك الدول مثل فنلندا.

اصطدام المصالح المحلية بين أحزاب السلطة بات قريباً ومصالح قوى النفوذ في المنطقة ليست قريبة الوفاق، وهناك شغل للعبادي لا بدّ أن يؤديه خلال الأيام المقبلة.

د. ماجد السامرائي

نقلا عن صحيفة العرب اللندنية