أزمة اليمن تعود إلى طاولة الحوار

أزمة اليمن تعود إلى طاولة الحوار

Yemeni Houthi tribesmen gather in Amran, fifty kilometres north of the capital Sanaa on April 10, 2014 as they rally against the death of five people that were killed in fighting between Shiite Houthi tribesmen and the Yemeni soldiers the previous day. According to experts, the rebels hold a strong presence in the north of the country and are trying to gain ground to expand their ??influence on the area in the future Yemeni federal government, which must have six province.  AFP PHOTO / GAMAL NOMAN        (Photo credit should read GAMAL NOMAN/AFP/Getty Images)

رغم عدم تقديم الحوثيينوصالح أي بوادر تثبت حسن نواياهم فإن الجانب الشرعي -ممثلا بحكومة المهندس خالد بحاح– وافق على الخوض في جولة مباحثات جديدة معهم بعد تعثر الجولة الماضية فيجنيف.

هذه الجولة تأتي بعد ضغوط سياسية ونفسية قادتها دوائر غربية على القيادة الشرعية في اليمن وعلى قيادة قوات التحالف من أجل إيقاف الحرب، خاصة بعد مرور أكثر من مئتي يوم على انطلاق عاصفة الحزم، والقيام بأربعين ألف طلعة جوية والتقدم على الأرض لا يزال دون المستوى المأمول متأثرا بعوامل، منها عدم توحد الجبهة الداخلية.

والواقع أنه لا عنوان جامعا تقاتل تحت رايته مقاومة الداخل اليمني، فالمقاومة في المحافظات الجنوبية اكتفت بتسمية نفسها “المقاومة الجنوبية” واكتفت بتحرير محافظاتها، ولم تتقدم خطوة باتجاه تعز.

“لا شيء يؤكد تواطؤ دوائر صنع القرار الغربي مع الحوثيين أكثر من وقوفها حاجزا أمام إدراجهم ضمن الجماعات الإرهابية رغم ما اقترفوه من جرائم حرب بدأت باجتياح المحافظات وقتل وتشريد الأهالي وتفجير المرافق العامة، ووصلت إلى طرد رئيس الدولة وحل الحكومة والبرلمان ونهب البنك المركزي”

وذراع المقاومة الممتدة في محافظة الضالع لم تتقدم خطوة لمساندة مقاومة إب، بل نظم عناصرها عرضا عسكريا في محافظتهم في وقت يسمعون فيه أصوات القذائف تتساقط على رؤوس إخوانهم في القرى المجاورة “الشمالية”، وحين زار وفد من السلطة المحلية بالضالع رئيس الجمهورية في عدن لم يصطحب معه أي ممثل من مديريتي قعطبة ودمت بحجة أنها “شمالية” حتى وإن كانت إداريا تتبع “الضالع” الجنوبية.

هذه الانقسامات المفتتة للمشروع الوطني الجامع ما لبثت أن أعلنت عن نفسها في عدن وبصورة مدوية ومتداعية إلى اليوم، فالمقاومة هناك أصابها التصدع وأخذها النزاع، فكانت بوادر الصراع بين “يافع الثروة” و”أبين السلطة”، فابن يافع والقيادي البارز في المقاومة نائف البكري تم تعيينه محافظا لعدن، وقبل أن يؤدي اليمين الدستورية تم استبعاده لأنه محسوب على الإصلاح.

بعدها تداعت المقاومة وسوّفت السلطة في استيعابها داخل المؤسسة العسكرية والأمنية فظهرت المشاريع الصغيرة وامتشق صالح رجاله وإيران أذرعها وبدأ تفكيك عدن والسعي إلى تحويل نصرها إلى هزيمة فتكاثرت عمليات الاغتيالات، وفي يوم واحد قصف مقر الحكومة ومقر القوات الإماراتية وغرفة العمليات المشتركة، وتفرع عن المقاومة فصيل سلفي جهادي ما لبث أن رفع راية “القاعدة” وتمادى في جرأته بأن أغلق كلية العلوم الإدارية بحجة منع الاختلاط!

جرى كل ما جرى في وقت كان المواطن العادي في كل الجنوب يبحث عن الغذاء والدواء والماء والأمن والمستشفى والمدرسة والطريق والكهرباء، كان المواطن يدخل في موت بطيء، والنخبة الحاكمة تتعارك وتنشر غسيل خلافات الرئيس ونائبه والمقاومة وفصائلها، ولم يستقض أحد حتى بعد أن سقطت جبهة مكيراس القريبة من عدن بيد الحوثيين، وبيحان شبوة لم يخرجوا منها أصلا ولا تزال منصة انطلاق للمليشيا.

في ظل تلك الأوضاع جاءت رسالة الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون إلى الرئيس هادي التي ذكرت أنه ينطلق في دعوته لجولة مفاوضات جديدة مع الحوثي وصالح من حرصه على تنفيذ القرار 2216 وخوفه الشديد من تفاقم مأساة الوضع الإنساني.

وفي تقديري أن الشق الآخر من مخاوف بان هو الصحيح، فالوضع الإنساني يزداد ضراوة واحتقانا، خاصة في تعز ذات الكثافة السكانية العليا، أما الجزء الخفي فهو خوف المجتمع الدولي من تنامي دور الجماعات المسلحة المتعددة في يمن اللادولة، واتساع سلطاتها على حساب إضعاف سلطة الدولة، فضلا عن رغبة غربية جامحة بالحفاظ على قوة الحوثي، ليس بصفته مقاول حروب الجماعات الإسلامية المتطرفة والمعتدلة، بل لتحضيره للعب دور في تفكيك الجزيرة العربية وإعادة هيكلتها وفق رؤية المشروع الأميركي الإيراني.

وما لبث الإعلام الغربي يحرض الرأي العام ضد الحكومتين اليمنية والسعودية ويصفهما بالنازيتين وفق تقارير يتلقاها من منظمات غربية، نموذجها منظمة ألمانية تكيل التهم لدول التحالف بقيادة السعودية في حين تعتقد أن الحركة الحوثية حركة اجتماعية تسعى لتحقيق العدل والمساواة في المجتمع اليمني.

ولا شيء يؤكد تواطؤ دوائر صنع القرار الغربي مع الحوثيين أكثر من وقوفها حاجزا أمام إدراج “الحركة الحوثية” ضمن الجماعات الإرهابية رغم ما اقترفته من جرائم حرب شتى بدأت باجتياح المحافظات وقتل وتشريد الأهالي وتفجير المرافق العامة، ووصلت إلى طرد رئيس الدولة وضرب قصره بالطائرات، وحل الحكومة والبرلمان ونهب البنك المركزي، والقادم أسوأ.

وما أفهمه من سلوك دوائر صنع القرار الغربي أن توجها دوليا قد ضاق ذرعا بالقرار الأممي 2216 القوي والذي تتحجج به الحكومة الشرعية، ولا بد من الالتفاف عليه بإيجاد أي صيغة اتفاق تضعفه وتحد من فاعليته.

“الخطوات الإجرائية التي من شأنها إثبات حسن نوايا الحوثيين منعدمة، من قبيل تسليم السلاح للدولة، والانسحاب من كافة المحافظات، والخروج من مؤسسات الدولة وفي مقدمتها البنك المركزي ومقر القيادة العامة للقوات المسلحة ومقرا الحكومة والبرلمان، وإطلاق سراح جميع المعتقلين”

رسالة بان للرئيس هادي قالت أيضا إن أي اتفاقات قادمة ستكون مبنية على القرار الأممي 2216 وهو قرار واضح بنصوصه وآليات مواده الـ25، وأهم ما فيه أنه صدر تحت البند السابع الذي يجيز استخدام القوة العسكرية، ورغم إعطاء بان مهلة عشرة أيام للحوثيين وصالح لتنفيذ القرار الذي صدر في 14 أبريل/نيسان الماضي لم تتخذ الأمم المتحدة الخطوة التالية لتنفيذه رغم مرور قرابة مئتي يوم على صدوره.

والسؤال المفتوح الذي حاولت نقاشه مع هاريت كروس نائبة السفير البريطاني في اليمن حين التقيتها في القاهرة مطلع سبتمبر/أيلول الماضي هو: من الضامن لالتزام الحوثيين بأي اتفاقات يمكن التوصل إليها؟ فنحن أمام جماعة انقلبت على كل اتفاق محلي وقرار أممي، وتقولها صراحة إن حكومة بلادها عميلة، وخصومها إرهابيون، وقرارات المجتمع الدولي لا تعنيها بشيء.

وكان جواب كروس أن المجتمع الدولي يسعى لإيجاد ضمانات قوية لالتزام الجماعة الحوثية بما سيتم الاتفاق عليه، لكنهم لا يعرف ما هي الآلية الأفضل لنزع السلاح من أيديهم، فحتى فكرة شراء دول الخليج أسلحة الحوثيين محاطة بالحذر والخشية من استخدام الأموال لشراء أسلحة أحدث وأفتك.

حتى الخطوات الإجرائية التي من شأنها إثبات حسن نوايا الحوثيين منعدمة، من قبيل تسليم السلاح للدولة، وأقله السلاح المتوسط والثقيل، والانسحاب من كافة المحافظات، والخروج من مؤسسات الدولة وفي مقدمتها البنك المركزي ومقر القيادة العامة للقوات المسلحة ومقرا الحكومة والبرلمان، وإطلاق سراح جميع المعتقلين السياسيين والإعلاميين والحقوقيين، بعد ذلك يمكن الحديث عن خطوات جادة للحوار السياسي، فالأزمة اليمنية مهما طالت لا بد في الأخير من حل سياسي جامع.

اللافت في رسالة الأمين العام للأمم المتحدة إلى الرئيس هادي أنه تم تغييب النقاط السبع التي تغنى بها الحوثيون وصالح، وهي من صناعتهم في مسقط وتم تقديمها إلى المبعوث الأممي.

وما روجته القنوات والمصادر عن وصول وزير الدفاع اللواء الصبيحي ورفيقيه اللواء رجب وشقيق الرئيس هادي اللواء ناصر إلى مسقط هو لجس النبض فقط، ولا يمكن أن يكون الإفراج عن ثلاثة أسرى من أصل ثمانية آلاف أسير عملا كافيا لإثبات حسن النوايا.

عارف أبو حاتم

الجزيرة نت