الانتخابات النيابية التركية والاحتمالات المتوقعة

الانتخابات النيابية التركية والاحتمالات المتوقعة

الأنتخابات-التركية

ستجري الانتخابات النيابية التركية المزمع إجراؤها في الأول من تشرين الأول/ نوفمبر القادم في ظل بيئة داخلية وإقليمية تركية في غاية الحساسية.فبيئة الانتخابات الداخلية تشهد تركيا حالة من عدم الاستقرار السياسي لجهة عدم قدرة أي حزب حسم الأمور لصالحه أو توافق الأحزاب على تشكيل حكومة إئتلافية بناء على نتيجة الانتخابات النيابية السابقة. وعسكرية فتركيا تخوض حزباً مع حزب العمال الكردستاني منذ أواخر تموز الماضي، واقتصادية، إذ أثرت نتائج الانتخابات السابقة على أداء الاقتصاد التركي وظهر ذلك جليا على تراجع سعر الصرف اليرة التركية مقابل الدولار الأمريكي. وأمنية نتيجة التفجيرات التي تشهدها المدن التركية من وقت إلى آخر وآخرها تفجير أنقرة قبل عدة أيام.

 أما على مستوى بيئة الانتخابات الخارجية ستجري الانتخابات القادمة وتركيا مشاركة في التحالف الدولي ضد داعش، أما على المستوى الاقليمي تجري الانتخابات في الوقت الذي حقق فيه المنافس الايراني مكسبا دبلوماسيا واقتصادية بعد التوقيع على الاتفاق النووي مع “الدول خمسة زائد واحد”، كما تجري أيضا مع التدخل العسكري الروسي المباشر في سوريا وتشكيل تحالف رباعي استخباراتي يضم”روسيا وإيران وسوريا والعراق”الأحزاب المشاركة في الانتخابات يبلغ عدد الأحزاب السياسية المشاركة في الانتخابات القادمة 29 حزبا سياسيا، ولعل من أهمها: حزب العدالة والتنمية، حزب الشعب الجمهوري، الحركة القومية، حزب الشعوب الديمقراطية.

استطلاعات الرأي العام

وفي ضوء هذه البيئة المضطربة تُظهر جميع استطلاعات الرأي قبل أسبوعين من موعد الانتخابات ارتفاعاً في تأييد حزب العدالة والتنمية بنسبة 2% تقريباً مقارنة باستطلاع شهر سبتمبر الماضي، غير أن هذه النتيجة تبقى غير كافية لمنح الحزب غالبية نيابية تمكنه من أن يشكل حكومة بمفرده، إذ يحتاج بالحد الأدنى إلى 50%+1.

         المؤسسة و

%

الأحــــزاب

النسبة المتوقعة حسب المؤسسة النسبة في الانتخابات    الماضية
أندي آر

1-7 أكتوبر

متروبول

3-4 أكتوبر

كزيجيه

4-7 أكتوبر

العدالة والتنمية 42.6% 42.5 % 40.8 % 40.7 %
الشعب الجمهوري 27.1 % 26.3 % 27.6 % 25.1 %
الحركة القومية 15.2% 16.3% 15.8 % 16.5 %
الشعوب الديمقراطي 12.1% 13% 13.6% 13.1 %

وبتحليل نتائج الاستطلاع الحالية نجد أن:

  • حقق حزب العدالة والتنمية تقدم بنسبة 2 % تقريباً مقارنة باستطلاعات شهر سبتمبر.
  • تقدم حزب العدالة والتنمية يأتي على حساب تراجع حزب الشعب الجمهوري.
  • حافظ حزب الشعوب الديمقراطي، وحزب الحركة القومية على النسبة ذاتها تقريباً.

يشير آخر استطلاع للرأي في شهر تشرين الأول/أكتوبر أن حزب العدالة والتنمية سيحصل على ما يزيد على 42 بالمئة من الأصوات وهذا يعني أنه لن يتمكن من تشكيل الحكومة بمفرده إذ يتطلب ذلك الحصول على نسبة ما يفوق نسبة 44 في المئة بواقع 276مقعد نيابي، وهذا يعني أن طريق تعديل أو كتابة دستور جديد مستعصيا في هذه المرحلة، لأن تعديله يتطلب من الحزب العدالة والتنمية الحصول على 330 مقعد نيابي لعرض التعديلات على استفتاء عام أما كتابة دستور جديد فيجب على الحزب الاستحواذ على 367 مقعد نيابي لكتابة دستور جديد. كما يشير ذات الاستطلاع أن حزب الشعوب الديمقراطية سيتجاوز عتبة 10 بالمئة وهذا يعني دخوله للمره الثانية في البرلمان التركي.

 ولكن استطلاعات الرأي لا توفر دائمًا مؤشرًا يمكن الاطمئنان إليه لتوجهات الرأي العام في الأنظمة الديمقراطية. وعليه من الصعوبة بمكان الركون إلى هذه الاستطلاعات بشكل دقيق، لنظراً لتعقدات الوضع، وصغر الأرقام الفاصلة التي تُحدث الفوارق الجوهرية في نتائج الانتخابات القادمة، ناهيك عن احتمالية بروز عنصر المفاجآة في المشهد الانتخابي.

  أما عن نسب المشاركة الناخبون في الانتخابات النيابية التركية تفيد التجربة التاريخية في العملية الانتخابية، على أن نسبة إقبال الناخب التركي على صناديق الاقتراع تزداد حينما تتعرض أو تواجه دولته أزمات، ففي انتخابات النيابية لعام 1999م، كانت تركيا تعاني من أزمة ذات طابع سياسي واقتصادي وأمني إلا أن ذلك لم يمنع الناخب التركي من التوجه إلى صناديق الاقتراع للإدلاء بصوته ايمانه منه بأن صناديق الاقتراع هي وسيلة للتغيير، حيث بلغت نسبة الاقتراع في ذلك العام 87.9 في المئة. وهذه النسبة قد تتكرر في الانتخابات القادمة.

وهذا ما قد يدفع المواطن التركي اليوم للتوجه إلى تلك الصناديق، لخروج البلاد من أزمته الحالية والعودة ثانية إلى استقرار الوضع السياسي والاقتصادي والأمني الذي اعتاد عليه منذ مجىء حزب العدالة والتنمية. لذا نتوقع أن تتجاوز نسبة الإقبال في الانتخابات القادمة أكثر من 70 في المئة.

الاحتمالات المتوقعة:

1-تشكيل حزب العدالة والتنمية الحكومة بمفرده: ويستند هذا الاحتمال على انجازات الحزب الداخلية الكبيرة، والتي تجلى أبرزها في النجاح الاقتصادي الذي تمخض عن رفع مستوى الدخل، فضلا عن استقرار السياسي غير المسبوق الذي حققه لتركيا منذ مجيئه للحكم في تشرين الثاني عام2002م. كما يستند أيضاً على الضربات العسكرية التي يوجهها إلى معاقل حزب العمال الكردستناني، فضلا عن استثمار مواقف حزب الشعوب الديمقراطي التي في بعضها ضبابية، وقريبة من حزب العمال الكردستناني في بعضها الآخر. هذه المواقف تعود بالنفع على حزب العدالة والتنمية فهي من جانب تفقد حزب الشعوب أصوات اليسار التركي واليمين الكردي الموالي للدولة، كما ستزيد من التفاف القوميين الأتراك حول حزب العدالة والتنمية.

هذا الاحتمال سيقود حزب العدالة والتنمية على مستوى السياسية الخارجية  العمل على حل الخلافات، والوصول إلى تفاهمات تكون أكثر ربحا له بقدر الإمكان. وقد يترجم ذلك في الآتي:

أ-على مستوى العلاقات التركية المصرية: فإن التوترات قد تخف تدريجيا على الأقل على مستوى التصريحات المتبادلة، وربما يتعزز هذا بوساطة السعودية، خاصة أن الأخيرة تحتاج إلى كل الدولتين في صراعها التنافسي مع إيران، وتحديداً بعد الاتفاق النووي.

ب-على مستوى العلاقات التركية الإسرائيلية: قد تشهد علاقاتهما بعودة السفيرين، ولكن ليس من المرجح أن تعود العلاقات إلى سابق عهدها مثل السنوات الذهبية للعلاقة في عامي 1997و1998م. وهنا يتعزز التقارب بوساطة أو برعاية الولايات المتحدة الأمريكية التي تريد الاستفادة من الدولتين كحليفين لها، خاصة في الشأن السوري.

2-تجدد العنف: في حال فشل حزب الشعوب الديمقراطي الكردي في تخطي العتبة الانتخابية وانتزاع نسبة 10في المئة من أصوات الناخبين مرة أخرى، بعد اشتعال المسألة الكردية، وانتهاء الهدنة بين الحزب الكردستاني والدولة التركية إلى حد أفضى إلى تجدد أعمال العنف في البلاد بشكل يومي، واندلاع عمليات عسكرية للجيش التركي ضد معاقل الحزب بشمالي العراق، وانطلاق ملاحقات أمنية ضد مؤيديه وبؤره في داخل تركيا. وعليه فمن غير المستبعد أن ينزلق الحزب إلى مستنقع العنف، خصوصاً بعدما قوبلت دعوة رئيسه صلاح الدين ديمرتاش، لاستئناف عملية السلام، واستعادة الهدنة بين الدولة وحزب العمال الكردستناني باستهجان من جانب حزب العدالة والتنمية.وإذا ما حدث ذلك، فستفقد التجربة الديمقراطية التركية أحد أهم إنجازاتها، وهي ذلك المتمثل في دمج القومية الكردية ضمن عملية سياسية ديمقراطية.

3- تشكيل حكومة إئتلافية: وهذا يعني لن يكون باستطاعة أي حزب في تركيا تشكيل الحكومة بمفرده، وبما أن آخر استطلاعات تشير إلى استحواذ حزب العدالة والتنمية الحصول على أكثر المقاعد في المجلس النيابي، فهو الذي سيتولى موضوع تشكيل الحكومة الائتلافية، وعندها سيضطر للدخول في مباحثات مع أحزاب المعارضة كحزب الشعب الجمهوري وحزب الشعوب الديمقراطية وحزب الحركة القومية، ويبقى الحزب الأخير هو الأقرب في تشكيل الحكومة مع حزب العدالة والتنمية نظراً لتقارب المنطلقات الفكرية بينهما.

4- عودة تدخل المؤسسة العسكرية في الحياة السياسية التركية، وهذا الأمر قد يحدث في حال تعثر الأحزاب السياسية في تشكيل حكومة إئتلافية، نظراً  للتباين الفكري الجذري بينهم وخاصة بين حزب العدالة والتنمية من جانب، وحزب الشعب الجمهوري وحزب الشعوب الديمقراطية من جانبآخر، مما سيدخل البلاد في حالة من عدم الاستقرار السياسي والانفلات الأمني والتراجع الاقتصادي، مما سيفسح المجال للمؤسسة العسكرية لاستعادة هيمنتها على النظام السياسي التركي.

فإذا سيطرت المؤسسة العسكرية على مقاليد الدولة التركية فهذا يعني إن السياسة الخارجية التركية ستعود إلى نمطها التقليدي بالتركيز على توجهاتها الغربية واهمال التفاعلات السياسية في الدول العربية وخاصة سوريا. وهذا سيصب لصالح إيران وخسارة الدول العربية وخاصة دول الخليج العربي، وخاصة المملكة العربية السعودية إذ ستخسر دور حزب العدالة والتنمية المعني في تحجيم النفوذ الإيراني في المشرق العربي، فمن الصعب إقامة تحالف عربي مع المؤسسة العسكرية التركية التي لا رصيد شعبي لها في الشارع التركي، ففي الدول الديمقراطية تحتاج الهيئة الحاكمة إلى مساندة الرأي العام لسياساتها الداخلية والخارجية وهذا الأمر متوفر لحد معقول مع حزب العدالة وغائب تماما عن المؤسسة العسكرية. ويبقى الاحتمال الأول هو الأقرب إلى واقع معطيات المشهد الانتخابي التركي، على الرغم من كل إستطلاعات الرأي التركية التي تتعارض معه.

 معمر فيصل خولي

مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية