نتنياهو مؤرخاً!

نتنياهو مؤرخاً!

download

فجأة اكتشف نتنياهو أنه ليس مجرد واحد من أكبر زعماء الإرهاب في العالم، إن لم يكن أكبرهم، وإنما هو أيضاً مؤرخ لا نظير له يستطيع بكلمات قليلة أن يغير حقائق التاريخ! وبموجب هذا الاكتشاف أفادنا بأن محرقة اليهود في الحرب العالمية الثانية ليست من صنع هتلر كما كان السذج من أمثالنا يتخيّلون وإنما حقيقة الأمر أن الحاج أمين الحسيني مفتي القدس آنذاك هو الذي فعلها عندما زار هتلر في 1941 إذ حدثه عن نيته في طرد اليهود فإذا به ينتفض غضباً لأنهم سيأتون إلى فلسطين فتلعثم هتلر قائلاً: ماذا أفعل إذن؟ فقال له: اقتلهم! فلم يكذب هتلر خبراً. وقد أخذت المصادر المسؤولة المعنية الأمر على محمل الجد فعلق المتحدث باسم المستشارة الألمانية على تصريح نتنياهو الأحمق بقوله: «لا أجد مبرراً لتغيير رؤيتنا للتاريخ بأي شكل، نعرف أن مسؤولية هذه الجريمة ضد الإنسانية مسؤولية ألمانية، هي مسؤوليتنا نحن»، وصرح المتحدث باسم الأمم المتحدة بدوره قائلاً: «إن التصريحات الإسرائيلية بشأن مسؤولية مفتي القدس في الأربعينات عن محرقة اليهود أمر لا يمكن تصوره»! غير أن الفضح الحقيقي لمزاعم نتنياهو الكاذبة جاء للعجب من داخل إسرائيل نفسها، فقد كتب المؤرخ الإسرائيلي «توم سيجيف» في صحيفة «الجارديان» مقالة بعنوان «قصة نتنياهو الخرافية عن هتلر والمفتي هي آخر ما نحتاجه»، وأكد أن اللحظة التي قرر فيها هتلر حرق اليهود ما زالت تحيِّر العلماء، وعندما حاول نتنياهو التراجع عن تصريحاته ذكر المحلل الإسرائيلي يوسي فيرتر أن هذه المحاولات لم تساعده بل زادته مزيداً من الإحراج والخزي مؤكداً أنه لا يوجد مؤرخ جاد أو خبير ألماني معروف يؤيد تصريح نتنياهو بأن الشيخ الحسيني هو الذي أدخل هذه الفكرة الشيطانية في رأس هتلر.

وكمُّ السخرية من تصريحات نتنياهو والتفنيد الموضوعي لها لا يصدق، ومع ذلك فإن هذا ليس هو القضية لأن التصريحات هادمة لذاتها وتلحق بصاحبها لاشك أضراراً جسيمة سياسياً وأخلاقياً، وإنما القضية أن يكون زعيم دولة بهذا السقوط الأخلاقي والانحطاط الفكري لأن هذا بالضبط هو الذي يثبت طبيعة الدولة الاستعمارية العنصرية بدليل ما حدث للفلسطينيين منذ أنشأ اليهود الصهاينة دولتهم على أرض فلسطين وحتى ابتلانا الله سبحانه وتعالى بنتنياهو. أليست الصهيونية أصلاً كذبة كبرى سخيفة وإن جعلتها المصالح السياسية تبدو وكأنها حقيقة؟ ألم يتحفنا قادة الصهاينة عبر الزمن بكل ما هو مذهل في الاجتراء على الحق؟ لكن نتنياهو للأمانة تميز عنهم جميعاً بأنه كذب في موضع يستحيل فيه الكذب ففضح نفسه كزعيم عنصري جاهل، والحق أن انعدام الرشد في التفكير سمة مميزة للسلوك الاستعماري عامة والاستيطاني خاصة.. ألم يصرح رئيس وزراء الحكومة العنصرية في روديسيا الشمالية يوماً ما بأنه لن يكون هناك حكم للأغلبية السوداء في حياته أو حياة أولاده أو أحفاده، ثم صفعه التاريخ صفعة أودت به وبنظامه بعد شهور قليلة من ذلك التصريح الأحمق؟ ومع ذلك فإن تخريف نتنياهو يختلف عن تخاريف نظرائه من الاستعماريين لأنه بينما كان هؤلاء يعبّرون عن رؤى مشوهة بفعل مصالحهم تلقى تأييداً واسعاً من أنصارهم فإن نتنياهو كذب في حقيقة تاريخية ثابتة، ولذلك فإنني حتى الآن لم أقرأ أن إسرائيلياً واحداً قد وافقه على ما فعل.

ولاشك في أننا نسعد كل السعادة بسقطات نتنياهو وغيره على هذا النحو، والحق أن التفكير الأحمق سمة مميزة للنخبة الحاكمة وأنصارها وإن تميز زعيمها على نحو ما سبقت الإشارة، وقد شاهدت عشية كتابة هذه المقالة على فضائية الـ«بي بي سي» محللاً إسرائيلياً، يصف في إجابة على سؤال وُجه له، الأعمال التي يقوم بها الشباب الفلسطيني في الأراضي الفلسطينية رداً على سلوك الاحتلال بأنها «هجمات داعشية» الأمر الذي دعا محاورته إلى أن تستوقفه لتبين له سخف ما يقول. ومبعث سعادتنا بسقطات نتنياهو وأمثاله أنها تظهر للعالم أجمع مدى الانحطاط السياسي والأخلاقي للصهيونية وقادتها، غير أن هذا وحده لن يحقق لنا أهدافنا وإنما يحققها أولئك الشباب والمناضلون الذين يتصدون بكل الجسارة لهذا الكيان الوصمة على جبين الإنسانية.

د.أحمد يوسف أحمد

صحيفة الاتحاد الاماراتية