لماذا فرنسا ولماذا الآن؟ ما تقوله هجمات باريس عن نوايا “داعش”

لماذا فرنسا ولماذا الآن؟ ما تقوله هجمات باريس عن نوايا “داعش”

@146947

احتلت فرنسا دائماً مكاناً عالياً على رأس الأهداف الخطابية لمجموعة “الدولة الإسلامية”. وكان محمد العدناني، المتحدث الرفيع باسم المجموعة الإرهابية، قد قال في وقت سابق: “اعلموا أننا نريد باريس -بإذن الله- قبل روما وقبل إسبانيا، بعد أن نسوِّد حياتكم وندمر البيت الأبيض، وبيغ بِن وبرج إيفل”. لكن تلك كانت خطة طويلة الأجل، والتي ربما ينفذها “أبناؤنا وأحفادنا”، كما قال العدناني وراءً في آذار (مارس)، وقبل وقت طويل من الفظائع التي ارتكبت في نهاية الأسبوع الماضي في العاصمة الفرنسية.
بدلاً من ذلك، تم توجيه المقاتلين المتشددين في المدى القصير إلى السفر نحو ميدان معركة المجموعة الرئيسي في العراق وسورية، حيث يسيطر تنظيم “داعش” على مساحات شاسعة من الأرض. وعلى عكس ما فعله تنظيم القاعدة، الذي تخصص في مهاجمة “العدو البعيد” في أميركا وأوروبا، ركز “داعش” على بناء “خلافته” في سورية والعراق والدفاع عنها، وعلى كسب وضم المزيد من المنظمات التابعة في الأماكن الأخرى من الشرق الأوسط، حيث تنهار الدول أو تعاني الفوضى والتوترات. ولم يكن زعيم المجموعة، أبو بكر البغدادي، في أي وقت من الأوقات جزءاً من الحركة الجهادية العالمية، بل ويُعتقد أنه لم يسافر أبداً إلى خارج العراق وسورية.

لكن المذبحة التي جرت في باريس يوم 13 تشرين الثاني (نوفمبر)، والموجة الأخيرة من الهجمات التي سبقتها والتي أعلن “داعش” مسؤوليته عنها، ربما تشير إلى تغير في الاستراتيجية؛ وقد تضمنت هذه الهجمات تفجيرين انتحاريين في بيروت يوم 12 تشرين الثاني (نوفمبر)؛ والتفجير الذي أسقط الطائرة الروسية في مصر يوم 31 تشرين الأول (أكتوبر) -وهناك تفجير أنقرة الذي أسفر عن مقتل أكثر من 100 شخص يوم 10 تشرين الأول (أكتوبر)، والذي نُسب إلى “داعش” لكن التنظيم لم يعلن مسؤوليته عنه. ويقول المسؤولون في أميركا وأوروبا وباريس إن المهاجمين في باريس اتصلوا مع القيادة المركزية لـ”داعش” في سورية قبل الهجمات. ويقول مسؤولون عراقيون إن حكومتهم أرسلت تحذيراً عن هجوم وشيك ستشنه المجموعة على بلدان أوروبية (ويقول البعض إن التحذير ذكر فرنسا بوضوح). وأعلن الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند أن المذبحة “تم إعدادها وتنظيمها والتخطيط لها من الخارج”. وإذا كانت القيادة المركزية في “داعش” هي التي وجهت هذه الهجمات، فإن ذلك يشكل تصعيداً في عمل المجموعة التي ظلت تعمل حتى هذه اللحظة كمصدر إلهام على الأغلب أكثر من كونها محرضاً مباشراً على العنف ضد أهداف غربية. ويصبح السؤال عندئذٍ هو، لماذا؟

إذا صدقنا “داعش”، فإن هذه الهجمات كانت رداً انتقامياً على الضربات الجوية الغربية ضد المجموعة في العراق وسورية؛ حيث أصبحت المجموعة تحت الضغط. فقد تمكن مقاتلو البشمرغة الأكراد، بمساعدة تلك الضربات الجوية، من استعادة بلدة سنجار في شمال غرب العراق، وهم يهددون الآن خطوط الإمداد بين معقلي “الدولة الإسلامية” الرئيسيين؛ الرقة في سورية والموصل في العراق. كما يحاصر الجيش العراقي مدينة الرمادي التي تسيطر عليها المجموعة إلى الغرب من بغداد. ويوم 12 تشرين الثاني (نوفمبر)، ربما تكون ضربة جوية أميركية قد قتلت محمد اموازي؛ جلاد “داعش” الملقب باسم “الجهادي جون”.

بالنسبة لـ”داعش”، ربما تبدو الهجمات الكبيرة المروعة في الخارج وكأنها أكثر الطرق فعالية للرد على تدخل القوى الخارجية وردع المزيد من تعمق هذا التدخل، سواء كان التدخل الروسي الأخير في سورية، أو تورط فرنسا الأطول أمداً في القتال. وربما تمثل الهجمات على أهداف غربية أيضاً نوعاً من الدعاية المسلحة. وبينما يتم إضعاف “داعش” في الوطن، ربما تكون المجموعة بصدد البحث عن إنقاذ ماء الوجه ومحاولة عرض قوتها بأي طريقة تتوفر لديها. ومع ذلك، وإذا كان الردع هو الهدف، فإن من المرجح أن تأتي الهجمات الخارجية الأخيرة بردة فعل عكسية. الآن، تعد الحكومات الغربية الآن بتصعيد قتالها ضد “داعش”. وقد وجهت الطائرات الحربية الفرنسية فعلاً ضربات لمتشددي “داعش” في سورية رداً على المذبحة في باريس.

مهما يكن السبب المباشر لهذا التحول البائن في الاستراتيجية، فإنه ربما يكون من الأفضل التفكير به على أنه إحدى خصائص شخصية “داعش” التي تكشف عن نفسها في النهاية. وعلى الرغم من أن كل خطابة المجموعة الإرهابية ظلت موجهة نحو الأعداء المحليين في الشرق الأوسط، فقد كانت هناك منذ وقت طويل دعوات من قادة المجموعة وفي منشوراتها لشن الغزو في الغرب. وكان السيد العدناني قد قال في بداية العام، مشيراً إلى الغرب: “إنكم لم تروا منا شيئاً بعد”. وموطن الخشية الآن أنه عندما تصبح المجموعة تحت قدر أكبر من الضغط في الوطن، فإنها ربما تعمد إلى الضرب بإيقاع أكثر تكراراً في الخارج، واختيار الأهداف الناعمة في المدن الغربية الكفيلة بصناعة أكبر عناوين الأخبار.

ترجمة علاء أبو زينة

صحيفة الغد