روسيا تقصف تركمان سوريا: إلى أين تتجه العلاقات التركية الروسية؟

روسيا تقصف تركمان سوريا: إلى أين تتجه العلاقات التركية الروسية؟

561787acc46188fc2b8b456d

تمر العلاقات التركية الروسية هذه الفترة باختبارات قوية، وبالرغم من عمق التقارب الاقتصادي بين البلدين وما يشكله من أهمية، إلا أنه بالنسبة للعلاقات السياسية بين البلدين فهناك خلاف كبير.

كانت الثورة السورية بداية التحديات بالعلاقات بين البلدين، فتركيا تؤيد الثورة السورية وتستقبل أكثر من مليوني لاجئ سوري فارين من الحرب بين النظام السوري بزعامة بشار الأسد وبين الثوار، في حين تؤيد روسيا نظام الأسد.

ولكن مؤخراً ومنذ أسابيع لم يتوقف الدعم الروسي للأسد على حد الدعم المادي والسلاح، بل امتد لإدعاء روسيا بمشاركتها في قصف داعش ودون تنسيق مع قوات التحالف أو تركيا، وكانت أبرز التحديات للعلاقات بين البلدين بعد انتهاك روسيا للأجواء التركية واختراقها لها.

انتهاك السيادة التركية
في الخامس من أكتوبر الماضي أثار انتهاك روسيا للأجواء التركية غضباً دولياً، وموجة من ردود الفعل على ذلك الانتهاك، فقد اعلنت روسيا عن ضرب عشرة أهداف تابعة لداعش لكنها لم تكن بتنسيق مع تركيا.

الأمر الذي دفع وقتها رئيس الوزراء التركي داود أوغلو للإعلان بحزم بأنه سيفعل قوانين الاشتباك في حال انتهاك المجال الجوي، مؤكداً أن قواعد الاشتباك التركية واضحة بصرف النظر عمن ينتهك مجالها الجوي.

كما تم استدعاء السفير الروسي في أنقرة إلى وزارة الخارجية التركية، وإبلاغه احتجاج تركيا الشديد على ذلك الانتهاك، وضرورة عدم تكراره مستقبلاً، وإلا ستكون روسيا مسؤولة عن أي حادث غير مرغوب به يمكن أن يحدث.

ورغم أن روسيا وقتها اعترفت بأن انتهاك المجال الجوي كان خطأ لن يتكرر.

ورغم أن كل الدول وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية أكدت تأيدها لتركيا إلا أنه على ما يبدو أن روسيا لم تنفذ وعودها بعدم انتهاك السيادة التركي.

روسيا تقصف التركمان
فبالأمس قالت وكالة الأنباء الفرنسة أن تركيا استدعت من جديد السفير الروس لديها للتعبير عن غضبها من قصف الطيران الروسي قرب الحدود السورية.

وهو الأمر الذي داود أوغلو لدعوة روسيا، للالتزام بمحاربة “داعش”، والكف عن مهاجمة القرى التركمانية في سوريا.

وأكد داوود أوغلو أن القرى التركمانية في سوريا، تتعرض لهجمات وأوضح قائلا “إن وزير خارجيتنا أكّد للسفير الروسي، أن تدخّل روسيا في سوريا جاء في إطار مكافحة تنظيم -داعش-، لذا ينبغي عليها التقيد بذلك.

وأصر رئيس الوزراء التركي علي رفض تلك المذابح قائلا إنه لا يمكن لأحد أن يُشرعِن المذابح التي يتعرّض لها أخوتنا التركمان والعرب والكرد بذريعة مكافحة الإرهاب، مؤكّدا “إن السوريين عموما وتركمان بايربوجاق -شمال ريف اللاذقية- خصوصا، يتعرّضون لهجمات مكثفة في الآونة الأخيرة.

ولم يفت داوود أوغلو التشديد علي أن “استهداف موسكو للمدنيين، على طول الشريط الحدودي بين سوريا وتركيا، بأسلحة محرمة دوليا كالقنابل العنقودية، من شأنه أن يتسبب بموجة نزوح للمدنيين باتجاه تركيا، وفي حال حدوث ذلك، فإن المسؤولية تلقى على عاتق كل من شارك بالعمليات العسكرية ضد المدنيين في المناطق التركمانية.

وواصل رئيس الوزراء التركي حديثه قائلا “لدينا معلومات تؤكد مشاركة الطيران الروسي، بالهجوم على منطقة “بايربوجاق” ذات الغالبية التركمانية في ريف اللاذقية، لذلك أصدر تعليماتي لوزير الخارجية، لاستدعاء سفير موسكو لدى أنقرة، والوقوف على أسباب قيام الطيران الروسي بشن غارات على المناطق التركمانية في سوريا.

وبالحديث عن التركمان فإن عددهم في سوريا يقد بنحو 3 ملايين -بحسب أحزاب سياسية تركمانية-، وينتشرون في معظم المحافظات السورية، وعلى رأسها حلب واللاذقية والرقة وحمص ودمشق والقنيطرة –الجولان.

عن العلاقات الروسية التركية
رغم خطورة المرحلة الجديدة في العلاقات الروسية التركية سياسيا إلا أنها لن تؤثر على علاقات البلدين اقتصاديا حتى وقت قريب حيث تتميز بأنها من أقوى ما يكون.

وكان مسئول تركي أشار في تصريحات صحفية بأن “تركيا وروسيا قررتا تقسيم علاقتهما بحيث لا تؤثر المشاكل سلبا في مجال على التعاون في المجالات الاخرى. ولكن بسبب تضارب المصالح لا يمكن تجنب تأثيره من الناحية السياسية وتوتر العلاقات الثنائية“.

حيث أن تركيا لديها علاقات تجارية قوية مع روسيا وتعتمد بشكل كبير على موسكو في امدادها بالغاز الطبيعي، وكانت تشير بذلك الى اعلان شركة جازبروم الروسية بأنها ستقلص قدرة خطوط الغاز الروسية المخطط لها والتي ستحمل الغاز من روسيا إلى اوروبا عن طريق تركيا واليونان.

وبالطبع فإن الرئيس التركي رجب طيب اردوغان كان لابد أن يبين موقف بلاده وهو ما أكده خلال زيارته الرسمية إلى بلجيكا منذ أيام قائلا “تركيا لن تصبر طويلا على هذه الانتهاكات، وروسيا ستخسر الكثير إذا دمرت علاقات الصداقة مع تركيا“.

لكن موسكو ردت على اردوغان سريعاً مؤكدة تقديرها للعلاقات الثنائية بين روسيا وتركيا، ومعربة عن أملها بتطويرها بموجب الخطط السابقة، رداً على خلفية تصريحات تركية بشأن إعادة النظر بمسألة شراء الغاز الروسي.

عن التدخل الروسي
يرى محللين بأن “روسيا اصبحت تتدخل بشكل كبير في الصراع السوري وتدعم نظام الاسد، واصبحت منطقة حظر الطيران التي تدعمها تركيا في سوريا حلما، مشيرين إلى أن الخطوة التي قامت بها روسيا في سوريا من الممكن ان تساعد في نمو اهمية تركيا بالنسبة لحلف الناتو في الجزء الجنوبي او في شرق البحر المتوسط“.

ورغم الخلاف الشديد بين البلدين، فأنه وفي الوقت نفسه أن العلاقات الاقتصادية بين البلدين لن تتأثر، فالعلاقات بين روسيا وتركيا قامت دائماً على مكوّنين منفصلين؛ فالاقتصاد شيء والسياسة شيء آخر.

وبالتالي فإن روسيا لن تقطع الغاز عن الأتراك، كما أن تركيا لن تتوقف عن تصدير منتجات التكنولوجيا الدقيقة والخضروات إلى روسيا بسبب بعض التصريحات.

 ذلك أن المجال السياسي مغاير تماماً، فكلا الطرفين يتعامل مع الآخر بحذر، كما إن المخاوف من إمكانية تدهور العلاقات الاقتصادية كانت منذ بداية الأزمة السورية، وأن موسكو وأنقرة أقاموا تعاون اقتصادي ناجح، يتمثل في نمو حجم التبادل التجاري بين البلدين، كما أن روسيا تنفذ في تركيا مشروعاً واسع النطاق لبناء أول محطة نووية لتوليد الطاقة الكهربائية “أكويو”، أما فيما يتعلق بمصير خط أنابيب الغاز” السيل التركي” فهناك كثير من الخلافات ذات الطابع الاقتصادي.

وكان اردوغان قال في سبتمبر الماضي أنه يتوقع وصول حجم التبادل التجاري بين روسيا وتركيا إلي100 مليار دولار بحلول عام 2023 وهو مستوي اقتصادي متطور جدا في العلاقات بين البلدين ويبرز مدي نمو العلاقات الاقتصادية بين البلدين.

وبالنهاية، فإن تركيا أمام مخاطر كبيرة قادمة من حدوها الجنوبية، ليس من التواجد الروسي فقط، وإنما من كل من يسعى لاستغلال هذا التواجد الروسي في سوريا لزيادة عدائه للأمن القومي التركي.

وأن تركيا معنية للتفاهم مع الحكومة الروسية والتوصل إلى نقاط تفاهم معها، وأن توصل رسالتها إلى الحكومة الروسية بان استغلال أي قوة او حزب او ميليشيا لتواجد روسيا في سوريا ضد الدولة التركية هو عمل عدواني ضد الدولة التركية وليس استفزازيا فقط، وعلى الحكومة الروسية أن تكون حريصة على عدم استغلال تواجدها في سوريا في الإساءة إلى الحدود التركية، لا من الجيش الروسي ولا من أي جهة تناصب تركيا العداء.

سامية السيد

موقع تركيا بوست