العلاقات الروسية ـ الإيرانية شراكة استراتيجية أم تعاون تكتيكي؟

العلاقات الروسية ـ الإيرانية شراكة استراتيجية أم تعاون تكتيكي؟

1280x960

كانت العلاقات الروسية الإيرانية على مدى العقدين الماضيين غير مستقرة، وغير قابلة للتنبؤ – إلى حد ما. ففترات الحوار السياسي الفعال بين حكومتي موسكو وطهران قد اعترتها انقطاعات مفاجئة دامت فترات طويلة وأدت إلى تبادل الاتهامات على خلفية الإخفاق في الوفاء بالتزامات أو حفظ تعهدات ثنائية.

وقد حدثت في السنوات القليلة المنصرمة طفرة في كثافة الاتصالات بين موسكو وطهران، تعد أمراً غير مسبوق في تاريخ روسيا بعد الحقبة السوفيتية، حيث تسعى الدولتان إلى خلق أساس قوي للحوار الثنائي فيما بينهما. ويعكس سعيهما لتوطيد علاقاتهما الرغبة في تحقيق مصالحهما الجيوسياسية.

ومن المرجح أن زيارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى طهران شكّلت محطة نوعية في تاريخ العلاقات الروسية-الإيرانية. وسبق لبوتين الاجتماع مع الرئيس الإيراني حسن روحاني في قمّة أستراخان التي تطرّقت بشكل أساسي إلى الوضع القانوني لبحر قزوين، وأجرى محادثات مغلقة مع روحاني تمحورت حول مشاريع الطاقة. وكان بوتين وروحاني قد تقابلا سابقاً، في أيلول/سبتمبر 2013 في اجتماع منظّمة شنغهاي للتعاون في قرغيزستان وفي أيار/مايو 2014 في الصين. لكنه، أي بوتين لم يلتق مرشد الجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي سوى مرة واحدة في العام 2007.

ولعل أهم المحددات لسياسة موسكو تجاه إيران تتمثل في: 1 – الأولوية التي تحظى بها العلاقات الروسية الأميركية. وعزم روسيا على رأب العلاقات مع الولايات المتحدة، وبصورة أساسية من خلال المقايضات والمساومات. ويدعم هذا الهدف التعزيز التدريجي للروابط غير الرسمية وشبه الرسمية بين النخبة الاقتصادية والسياسية والثقافية الروسية من جهة والغرب من جهة أخرى. وفي ظل هذه الظروف، تستخدم روسيا إيران كورقة ضغط في حوارها السياسي مع واشنطن، حيث لعبت السلطات الروسية بهذه الورقة أثناء فترات التقارب والتوتر مع الولايات المتحدة إما بتجميد التعاون مع إيران تارة أو بتعزيزه تارة أخرى.

2 – قضايا الأمن القومي. وعدم قبول موسكو بأي تواجد عسكري نشط للولايات المتحدة/ أو حلف شمال الأطلسي بالقرب من الحدود الروسية أو في المناطق التي تعتبرها داخلة في نطاق المصالح والتطلعات السياسية الروسية.

3 – التواجد الإيراني في المناطق التي تعتبرها روسيا تقليدياً مجالاً خاصاً لمصالحها الإستراتيجية والتاريخية مثل مناطق آسيا الوسطى والقوقاز وبحر قزوين. ومنذ انهيار الاتحاد السوفيتي تحاول موسكو لعب دور القوة الرائدة في الأقاليم السوفيتية السابقة، وتغضب إلى أبعد حد من أي محاولة من جانب قوى خارجية للتغلغل في هذه الأقاليم. إن موقع إيران الجيوستراتيجي يتيح لطهران السيطرة على التطورات في أقاليم بحر قزوين والقوقاز وآسيا الوسطى والشرق الأوسط والخليج الفارسي. مما يحتم على موسكو مناقشة العديد من قضايا السياسة الخارجية مع طهران. وعند النظر إلى حالات متشابهة بين منهجهما في التعامل مع عدد من القضايا الإقليمية نجد أن موسكو ترى طهران شريكاً مهماً حول قضايا معينة. وفي الوقت نفسه لا تثق السلطات الروسية بطهران بصورة تامة: فلا تزال تشعر بالقلق إزاء بعض أنشطة إيران الإقليمية.

4 – الانتشار النووي. حيث تعارض موسكو حصول إيران على أسلحة نووية، معتبرة أن تطوراً كهذا من شأنه أن يحدث تغييراً جذرياً في ميزان القوى في المنطقة بحيث لا تكون نتيجته لصالح موسكو.

5 – المصالح الاقتصادية الروسية. حيث تحقق العلاقات التجارية مع إيران في المجالين المدني والعسكري فوائد كبيرة لموسكو.

وبإيجاز، هناك أربعة أبعاد رئيسة للسياسة الخارجية في العلاقات الثنائية بين موسكو وطهران. وتشمل هذه الأبعاد، بالإضافة إلى مسائل الطاقة، البرنامج النووي واستقرار أفغانستان أو بتعبير أوسع، أمن آسيا الوسطى والأحداث المأساوية في سوريا والعراق والشرق الأوسط.

وتتخوّف كلّ من روسيا وإيران من المعركة التي تقودها الولايات المتّحدة الأميركية ضدّ داعش في سوريا، باعتبار أنّها قد تزيد الوضع سوءاً وتؤدّي إلى بروز مجموعات إرهابية أخرى.

وتتشارك روسيا وإيران رؤية استراتيجية لجنوب القوقاز تتمثّل بمنطقة خالية من النزاعات العسكرية وغير قابلة للاختراق الخارجي من الغرب وإسرائيل.

والأهمّ بالنسبة إلى موسكو هو أنّ طهران كانت من الدول المسلمة القليلة التي دعمت سلامة الأراضي الروسية في خلال حربين اثنتين في الشيشان والتي تشاركت رؤية الكرملين بشأن تلقّي الحركات الجهادية هناك الدعم من الخارج. بالإضافة إلى ذلك، تدرك إيران تماماً واقع منطقة القوقاز وفسيفسائها الاثني السياسي والاجتماعي الديني المعقّدة، وتبسط بهدوء قوّتها الناعمة على مجتمعات مرتبطة تاريخياً وسياسياً بالفرس مثل أوسيتيا الشمالية.

ومن الملاحظ ان طهران لا تحدث ضجّة كبيرة على الأقلّ، عندما تثير أفعال روسيا سخطهم (من حظر وصية الإمام الخميني الأخيرة سنة 2008 باعتبارها «أدباً متطرّفاً« إلى تأجيل تسليم أنظمة أس-300 للدفاع الصاروخي). وفي الوقت نفسه، لم ينسَ الروس ما حصل للمفكّر والكاتب المسرحي والسفير الروسي إلى إيران، ألكسندر غريبويديف، الذي اغتالته عصابة غاضبة في طهران سنة 1982. ولا تزال هذه الحادثة تشكّل حتّى اليوم تحذيراً لصانعي السياسات الروس لتوخّي الحذر والتعامل بحنكة مع طهران. إلى ذلك، يستتبع تصريح الخميني الشهير بأنّ الولايات المتّحدة هي «الشيطان الأكبر« فكرة أنّ الاتّحاد الروسي هو «الشيطان الأصغر«، وهي استعارة يعتبرها بعض المحلّلين انعكاساً لرؤية استراتيجية لإيران في ما يتعلّق بروسيا المعاصرة.

وراهناً، اندرجت زيارة بوتين إلى طهران، في إطار التحضير لرفع وتيرة الانخراط الروسي في سوريا. وطلب المزيد من الانخراط الإيراني في سوريا وإرسال المزيد من القوات البرية، لا يتطابق مع التوجه الروسي الحالي لمحاولة بناء تحالف مع الغربيين، لا سيما الفرنسيين، أو تحييدهم، في إطار السياسة نفسها التي نجحت بتحييد الأردن، وتجميع الأوراق الإقليمية والدولية، كما سيزيد من حفيظة السعودية التي يبحث الروس عن وسيلة لتحييدها، لأنهم يدركون أن الخلاف مع السعودية يتمحور حول تحجيم النفوذ الإيراني في المنطقة، وتقنينه.

ووسط تكهنات بوجود تناسب عكسي لا طردي بين حجم تأثير موسكو وطهران على مسار الأزمة السورية، تتراجع فرص تبلور شراكة استراتيجية متوازنة بينهما، وتتقدم فرص تعاون تكتيكي روسي-إيراني على إيقاع المعركة مع تنظيم «داعش» وملفات إقليمية أخرى.

مأمون كيوان
نقلا عن صحيفة المستقبل